وتحققت أمنية «فهد»؟
كانت الساعة تدق السابعة صباحًا، عندما كان «أحمد» يتصفح جرائد الصباح، كان اليوم هو يوم راحة بالنسبة للشياطين، فقد عادوا بالأمس فقط من مغامرة، وقد حاول «أحمد» ألا يغادر الفراش، قال في نفسه عندما فتح عينَيه: إن اليوم راحة ولا بأس من البقاء في الفراش لبعض الوقت.
لكنه لم يستطع، غادر فراشه … وأجرى تمارين الصباح اليومية، ثم تناول إفطاره، وبدأ يمسك صحف الصباح، قال لنفسه، وقد توقفت عيناه عند تحقيقٍ عن الفضاء: يبدو أن الشياطين لا يعرفون الراحة، ولا يستطيعون الاستمتاع بها، إن راحتهم الحقيقية في مغامرةٍ جديدة.
فجأة أعطى التليفون إشارةً حمراء، فعرف أن أحد الشياطين على الطرف الآخر، رفع سماعة التليفون فجاءه صوت «عثمان» يقول: هل ستبقى في الفراش طويلًا؟
رد «أحمد»: لقد غادرتُ فراشي منذ ساعة وأقرأ الآن صحف الصباح!
قال «عثمان»: لقد فعلت نفس الشيء، لكن يبدو أن بقية الشياطين يستمتعون اليوم بالبقاء في الفراش!
فجأة، جاءهما صوت «إلهام» يشترك في الحديث: أظن أن الشياطين لا يستطيعون تغيير عاداتهم، وأظنهم جميعًا يفعلون نفس الشيء الآن!
ابتسم «أحمد» وقال: هذا صحيح يا عزيزتي «إلهام» إننا فعلًا في حاجة إلى مغامرةٍ جديدة، فنحن لن نستمتع بالكسل أبدًا!
واشتركت أصوات الشياطين جميعًا، في هذه المكالمة التليفونية، ابتسم «أحمد» وقال: إذن، لماذا لا نعقد اجتماعًا مفتوحًا، نطرح فيه أفكارنا ومقترحاتنا!
واتفق الشياطين على اللقاء بعد عشر دقائق في قاعة التلفزيون، غير أن الاتفاق لم يكتمل فلم يكد الشياطين يضعون سماعات تليفوناتهم، حتى كانت هناك إشارة من رقم «صفر» تقول: الاجتماع بعد ربع ساعة في القاعة الكبرى!
ابتسم «أحمد»، ومن جديد رفع الشياطين سماعات تليفوناتهم، كانت أصواتهم مليئة بالسعادة فها هي مغامرةٌ جديدة، تأخذهم إلى حيث لا يعلمون الآن … وقال «رشيد»: إن الإجازة سوف تبدأ الآن!
قالت «زبيدة»: أتمنى أن أقضيها في منطقةٍ ريفية!
وردت «ريما» أنا أتمنى أن أقضيها في غابة!
وقال «فهد» أما أنا، فأرجو أن أقضيها في منطقة جبلية!
ضحكوا جميعًا، ثم وضعوا سماعات تليفوناتهم، وأخذوا طريقهم إلى حيث قاعة الاجتماعات الكبرى، كانت القاعة مضاءة إضاءةً خافتة، فأخذوا أماكنهم فيها … إن القاعة الكبرى لا تُعقد فيها الاجتماعات في العادة إلا إذا كان الأمر خطيرًا، وهذا ما جعل «مصباح» يقول: يبدو أنها مغامرة صعبة!
ابتسم «بو عمير» وقال: إن المغامرات الصعبة، لا نعترف بها، فليس عندنا ما يسمى بالصعب!
ابتسم الشياطين، وأضاف «قيس»: هذا حقيقي، لكن اجتماع القاعة الكبرى، يعني أننا أمام مغامرةٍ هامة، وربما جديدة أيضًا!
كان الشياطين يتحدثون، وهم يشعرون بسعادةٍ بالغة فهم لم يفكروا أن تأتيهم مغامرة بمثل هذه السرعة، فجأة ظهرت خريطة لقارة آسيا … عرفها الشياطين جميعًا، برغم أن الأسماء لم تظهر عليها؛ فالشياطين لديهم قاعدة يعرفون بها الخرائط، حتى دون تفاصيل، هذه القاعدة تقول: إن القارات، هي إما مثلثات، أو مستطيلات أو مربعات، فقارة آسيا هي عبارة عن مستطيلٍ كبير، وعدة مثلثات، كمثلث الهند، وأمريكا الجنوبية مربع، ومثلث، حيث يقع المربع فوق ويلتصق به المثلث من أسفل، وقارة أفريقيا عبارة عن مستطيل ومثلث، وهكذا. عندما ظهرت آسيا، بمستطيلها الكبير، ومثلثاتها الصغيرة، عرفوها مباشرة، كانت الخريطة عبارة عن مساحاتٍ لونية، لا تشير إلا إلى تحديد هذه الدول، مرَّ بعض الوقت فقالت «إلهام»: إن مغامرتنا الجديدة، سوف تكون إذن في إحدى هذه الدول!
رد «بو عمير»: من يدري، قد تكون فيها جميعًا.
قال «مصباح»: لقد تحققت رغبة «فهد» وها هو سوف يقضي إجازته في منطقة جبلية.
كان «أحمد» يتأمل الخريطة، وهو يقول لنفسه: إن هناك حروبًا كثيرةً دائرة في آسيا؛ بلاد ترغب في التحرر وأخرى تريد استعبادها.
سكت لحظة، ثم قال لنفسه مرةً أخرى: هل سنشترك في حرب التحرير هذه أم أن لنا دورًا آخر؟
قال في نفسه أيضًا: إن شعوب آسيا شعوبٌ مسالمة، تربطنا بها في المنطقة العربية علاقات كثيرة … ثم قال: أتمنى فعلًا أن تكون مغامرة رائعة.
فجأة، ظهرت تفاصيل أخرى على الخريطة. كان «أحمد» يحمل في جيبه خريطة صغيرة للعالم، ولم يكن حجمها يزيد على نصف الكف، وتمثل علبة صغيرة أخرج الخريطة، وضغط زرًّا فيها، فظهرت قارة آسيا، ثم ظهرت بقعة حمراء في غرب أحد الأنهار، نظر «أحمد» في خريطته الصغيرة، فوجد نهرًا أكبر فجأة، جاء صوت رقم «صفر» يقول «إنها مغامرة جديدة عليكم، لكن أعرف أنكم سوف تسعدون بها».
انتبه الشياطين لصوت الزعيم، الذي كان صوت خطواته يقترب، حتى توقف، رحَّب بهم ثم قال: إن مغامرتكم الجديدة، هي نوع من الحرب الصغيرة؛ فسوف تشتركون مع قوات هذا البلد في حرب تحريرها في معركةٍ محددة ولن يكون لكم دور غيرها …
سكت قليلًا ثم قال: إن المعلومات التي وصلت إلينا، تقول إن قوات العدو سوف تعبر جسرًا صغيرًا فوق أحد الأنهار الذي ظهر على الخريطة … صمت مرة أخرى، ثم أضاف: أنتم تعرفون بالتأكيد، أن هناك حربًا بين شعب هذا البلد، وبين قوات العدو التي تحتل أرضه، وتريد أن تفرض عليه نوعًا معينًا من الحكم، والشعب يرفض هذا الحكم، فالتفَّ حول قادته وقام بعملياتٍ عسكرية، حتى يتخلص من أعدائه …
توقف قليلًا، ثم قال: لن أحدثكم طويلًا عن علاقة المنطقة العربية بشعوب آسيا … فأنتم تعرفون الكثير، إنني فقط أريد أن أوضح لكم ما هو مطلوب منكم!
مرت دقائق، قبل أن يقول: إن قوات العدو، سوف تعبر هذا النهر الذي تشاهدونه على الخريطة من الغرب إلى الشرق، وإذا حدث هذا، فإنه يكون قد حقق انتصارًا كبيرًا، لأنه سوف يستطيع أن يتوغل في داخل البلاد، إن دوركم، هو نسف الجسر الذي يقع فوق هذا النهر ولن تكونوا وحدكم، فبجوار عملائنا المنتشرين في هذه البلاد، فإن قوات التحرير سوف تكون معكم.
توقف قليلًا، ثم قال: إن قوات التحرير الوطنية تقف في الجانب الآخر من هذا النهر، ولو أن قوات العدو استطاعت عبور النهر عن طريق الجسر فإنها بذلك تكون قد حققت انتصارًا كبيرًا.
سكت الزعيم، ومرَّت دقائق، كان الشياطين يستمعون له في اهتمامٍ شديد، فهم يعرفون أن هذه مغامرة لها قيمتها، فهي ليست مثل أية مغامرة سابقة، كان الزعيم في نفس الوقت يعطيهم فرصة للتفكير في هذه المغامرة الجديدة.
بعد قليل جاء صوت رقم «صفر» يقول: إن هذه العملية، تحتاج إلى بعض الوقت … فقوات العدو، سوف تعبر الجسر خلال هذا الأسبوع ونحن لم نعرف موعد تحركهم بعدُ، وينبغي أن تكونوا هناك على وجه السرعة، سكت لحظة، ثم أضاف: إن عملاءنا هناك، سوف يكونون في انتظاركم، وأنتم تعرفون طبعًا نوع السلاح الذي سوف تستخدمونه في مغامرتكم الجديدة.
مرَّت دقائق، ثم قال: سوف يخرج إلى المغامرة الجديدة «أحمد» و«فهد» و«بو عمير» و«قيس» و«مصباح»، هل لديكم أية أسئلة؟
لم يكن الشياطين في حاجة إلى طرح أي سؤال، كانوا الآن في لهفة للوصول إلى هناك، والاشتراك في أعظم مغامرة؛ ولذلك فإن أحدًا منهم لم يسأل سؤالًا واحدًا.
قال رقم «صفر»: أتمنى لكم التوفيق، وسوف نكون على اتصال، إذا وصلتنا معلوماتٌ جديدة …
أخذت أصوات أقدام الزعيم تتباعد شيئًا فشيئًا، حتى اختفت تمامًا، كان الشياطين الخمسة الذين حددهم رقم «صفر» يجلسون بجوار بعضهم، تلاقت أعينهم في نفس الوقت الذي كان فيه بقية الشياطين ينظرون إليهم، فقد كان كلٌّ منهم يتمنى أن يكون له شرف الاشتراك في هذه المغامرة النبيلة.
بعد لحظات، غادر الشياطين القاعة الكبرى في هدوء فأخذ الشياطين الخمسة طريقهم إلى حجراتهم، غير أن «أحمد» قال: سوف نلتقي عند نقطة الانطلاق بعد عشر دقائق!
أسرع «أحمد» إلى حجرته، يختار نوع الملابس التي يحتاجها، ونوع السلاح الذي يريده، في نفس الوقت فكَّر: إن نسف الجسر يحتاج إلى متفجرات، ونحن لم نستطع حملها من المقر السري، إلى حيث يقع الجسر!
ثم أضاف لنفسه: إن عملاء رقم «صفر» سوف يوفِّرون لنا ما نحتاجه من المتفجرات هناك … ومن يدري، فقد نحصل عليها من المجاهدين الوطنيين أنفسهم.
نظر في ساعة يده … كانت هناك بعض الدقائق، قال في نفسه: لا بأس من الخروج مبكرًا. حمل حقيبته السحرية، ثم أخذ طريقه إلى الخارج، وعندما أغلق باب حجرته، كان الشياطين الأربعة، يمرون، نظر لهم مبتسمًا، وقال «قيس» مبتسمًا: إن الشياطين متفقون دائمًا في كل شيء.
رد «أحمد»: نعم … إن اتفاقنا هو العامل الأساسي في تحقيق أي انتصار نحققه.
أخذوا طريقهم إلى «الجراج»، حيث كانت سيارة في انتظارهم، قفزوا داخلها بسرعة وكان «قيس» هو الذي يجلس إلى عجلة القيادة، أدار محركها، ثم أنطلق، كانت المسافة التي تفصل بين «الجراج» وبوابة المقر الصخرية تمثل أكثر من خمسة أفدنة … تنتهي بطريقٍ سريٍّ طويل، يصل طوله إلى ثلاثة كيلومترات، غير أن سرعة السيارة كانت كفيلة بأن تقطع ذلك كله في أقل من ثلاث دقائق، وعندما اقتربت سيارة الشياطين من البوابة الصخرية فُتحت وصدر منها صوتٌ مكتوم، وعندما انطلقت منها السيارة أُغلقت وصدر منها نفس الصوت، وأصبح الخلاء العريض أمام سيارة الشياطين، فانطلقوا في طريقهم إلى أعظم مغامراتهم، التي أطلق عليها «أحمد» اسم مغامرة «جسر وادي بانجشير».