رحلة شاقة بين الرصاص!
كان الوقت يمثل بالنسبة للشياطين أهم عناصر مغامرتهم؛ ولذلك عندما قاد «قيس» السيارة قطع الطريق إلى المطار بسرعةٍ مذهلة، حتى «بو عمير» ابتسم وهو يقول: أعتقد أننا لسنا في حاجة إلى الطائرة، فإننا نركبها الآن، ويمكن أن نصل إلى هدفنا بنفس السرعة!
وعندما وصلت السيارة إلى المطار، غادرها الشياطين فورًا في الوقت الذي كانت تذاكر السفر في انتظارهم، حصلوا على التذاكر، وأصبحوا في انتظار دعوتهم إلى ركوب الطائرة وكعادة «أحمد» اتجه إلى بائع الجرائد، ليشتري ما يقطع به المسافة الطويلة التي ستقطعها الطائرة.
ولم يمضِ وقتٌ طويل، حتى جاء صوت المذيعة الداخلية للمطار، تدعو الركاب لركوب الطائرة المتجهة إلى البلد الذي يريدون تحريره، وبسرعة كان الشياطين يأخذون طريقهم إليه، وبعد ربع ساعة، كانت محركات الطائرة قد دارت، ثم تحركت فوق أرض المطار إلى الممر، لتأخذ سرعتها، ثم ترتفع إلى الفضاء. كان النهار قد اقترب من منتصفه، عندما كانت الطائرة تأخذ مسارها في الجو، ولم يكن يشغل الشياطين شيء، فهم يعرفون هدفهم ويعرفون الطريق إليه؛ ولذلك فلم يطبِّقوا القاعدة الذهبية التي تقول: إن السفر خير وسيلة لجمع المعلومات.
كانت أول محطة نزول للشياطين في «الرياض» بالمملكة العربية السعودية، ثم «مسقط» في سلطنة «عمان»، ثم «كراكش» في «الهند»، وأخيرًا يصلون إلى المحطة، وهناك تبدأ حركتهم البرية داخل البلاد؛ ولهذا قضوا وقتهم بين النوم والقراءة، فهم دائمًا يحاولون قبل أي مغامرة، أن ينالوا قسطًا وافرًا من الراحة، لأنهم لا يعرفون متى ينامون مرةً أخرى خلال المغامرة، فقد لا يجدون خلالها وقتًا للنوم، خصوصًا وأن ساعات الطيران كانت طويلة، فعندما نزلوا إلى العاصمة، كان النهار قد بدأ مرةً أخرى، وكانت هذه فرصة ليتحركوا بسرعة، خصوصًا وأنهم قد ارتاحوا جيدًا خلال الرحلة.
في المطار وجدوا أحد عملاء رقم «صفر» في انتظارهم، استقبلهم بطريقةٍ عادية، حتى لا يلفت النظر إليهم، وعندما خرجوا من المطار أعطاهم مظروفًا مغلقًا، وهو يقول: أتمنى لكم التوفيق، وفي انتظار ما تطلبون …
كانت هناك سيارة في انتظارهم أمام المطار، ما إن ركبوها، وانطلقت بهم، حتى فتح «أحمد» المظروف، وبدأ يقرأ ما فيه، كانت خطة التحرك كاملة، فهذه البلدة لا تتمتع بأي نوع من المواصلات؛ ولذلك فإن السيارة هي وسيلتهم الوحيدة للوصول إلى الهدف، وفي الخطة عرف الشياطين أنهم سوف ينزلون في فندقٍ صغير … فقير اسمه «بانجشير» وصاحبه يدعى «حاسان محمد»، وفندق «بانجشير» هو أقرب مكان للمنطقة التي يقع فيها الجسر، كان الطريق صعبًا تمامًا، حتى إن «فهد» قال مبتسمًا وهو جالس إلى عجلة القيادة: كنت أتمنى أن تكون المغامرة في منطقةٍ جبليةٍ أخرى غير هذه، لكن المغامرة العظيمة، هي التي تجعل المنطقة ممتعة!
كانت بوصلة السيارة، هي التي تحدد مسار انطلاقها؛ ولذلك فإن الشياطين لم يكونوا يفكرون كثيرًا في مشاق الطريق؛ فالسيارة تعرف طريقها جيدًا … قال «مصباح» فجأة: ألا توجد هنا مناطق يحتلها العدو؟!
رد «أحمد» بسرعة: لا … فهذه المناطق تسيطر عليها قوات التحرير!
ولم يكد «أحمد» ينتهي من رده، حتى دوَّت في الفضاء عدة طلقات متتالية، جعلت الشياطين ينتبهون فجأة؛ فقد كانت الطلقات موجهة إليهم.
قال «بو عمير»: إننا نتعرض لخطر حقيقي!
رد «أحمد» لا تخف، إن السيارة مصفحة، ولا تؤثر فيها الطلقات!
أضاف «بو عمير» ربما نقع في منطقة ألغام لا نعرفها!
رد «فهد»: إن السيارة تعرف طريقها، ورادار السيارة يجعلها في أمان، لأنه يكتشف أي خطر مبكرًا!
فجأة، دوَّت قنبلة هزَّت الفضاء، وسقطت عند مقدمة السيارة، فكادت تقلبها … قال «مصباح»: ينبغي أن يحدث أي نوع من التفاهم فقد تتصور هذه القوات أننا العدو!
كانت فعلًا لحظةً حرجة تمامًا، غير أن «أحمد» قال: إن معنا تصريح مرور، وسوف نستخدمه في الوقت المناسب، غير أن الوقت المناسب لم يحن بعدُ.
لكن فجأة اصطدمت مجموعة طلقات من مدفعٍ رشاش بجسم السيارة، وكان صوت اصطدام الطلقات بجسم السيارة واضحًا … لذا قال «فهد»: ينبغي أن نعطيهم إشارة، تقول لهم إننا لسنا من الأعداء.
رد «مصباح»: هذا حقيقي، فقد تكون هذه قوات العدو، نحن لا نعرف أيًّا من الفريقين، خصوصًا والمسافة بيننا وبينهم كبيرة!
أسرع «أحمد» إلى المظروف مرةً أخرى، وجرت عيناه فوق التعليمات التي تحملها خطة عميل رقم «صفر»، ثم قال: هذا صحيح، إن لدينا إشاراتٍ ضوئية، ينبغي استخدامها.
ثم أخذ يحدد ﻟ «فهد» هذه الإشارات وقال له: اضغط زر الإضاءة مرتين، ثم مرة ثم مرتين، ثم ثلاث مرات.
أسرع «فهد» ينفذ هذه التعليمات، فجأة، توقف صوت طلقات الرصاص، فابتسم «مصباح» قائلًا: إنها قوات التحرير الوطنية فعلًا!
هدأ الموقف بعدها، وتنفس الشياطين في راحة، ضحك «بو عمير» وقال: لقد تصورت أن السيارة سوف يتم نسفها فعلًا!
ردَّ «مصباح» مبتسمًا: إن «فهد» يهوى المناطق الجبلية.
فجأة، قال «فهد»: «إنني لا أرى الطريق».
قال «أحمد» بسرعة: أعطهم الإشارات المتفق عليها.
أسرع «فهد» ينفذ تعليمات «أحمد»، فتوقف الضوء، كان هناك ضوءٌ قوي، يصدر من مكانٍ معين، غطَّى السيارة فجأة؛ مما جعل «فهد» يفقد قدرته على الرؤية … وفهموا أن هذه نقطة تفتيش؛ أبطأ «فهد» من سرعة السيارة، حتى توقف تمامًا، فجأة ظهر من بين الصخور، مجموعة من القوات العسكرية، كانت تحمل الرشاشات، أسرع «أحمد» بإخراج التصريح وقدَّمه إليهم، قال قائدهم: أهلًا بكم في أرضنا، ينبغي أن تحذروا الطريق جيدًا … وأن تسرعوا باستخدام الإشارات، حتى لا تقعوا في كمين …
حيَّا الشياطين مجموعة المجاهدين، وقال القائد: هذه تعليمات المنطقة القادمة.
سكت لحظة ثم سأل: إلى أين سوف تتجهون؟
رد «أحمد»: إلى وادي «بانجشير»!
ظهرت الدهشة على وجه القائد، وقال: هذه رحلةٌ طويلة …
ابتسم «أحمد» وردَّ: إنها رحلةٌ ضرورية.
قال القائد بعد لحظة: إن أمامكم عدة نقاط للتفتيش فاحذروا، لأن أي خطأ، يعني ضياع حياتكم.
فكَّر لحظة، ثم قال: هذه هي التعليمات التي يجب استخدامها، حتى نقطة التفتيش القادمة، ويجب أن تتوقفوا عند كل نقطة للتفتيش، لأن التعليمات تتغير ما بين منطقة وأخرى، ويجب ألا تتحركوا قبل أن تحصلوا على تعليمات المنطقة القادمة.
سكت لحظةً أخرى، ثم قال: لا أريد أن أخيفكم، أو أبث الرعب في قلوبكم، فقد تفاجئكم جماعة من العدو، تتسلَّل لعملية من العمليات الصغيرة، فخذوا حذركم جيدًا …
سأل «أحمد»: هل هناك تعليمات أو إشارات، يجب اتِّباعها في هذه الحالة؟
رد القائد: نعم، إن استخدام الإشارات الضوئية الجديدة يعني أنكم تتفاهمون مع قواتنا، فإذا لم تردَّ عليكم القوة بنفس الإشارة فاعرفوا أنها قوات العدو، وعليكم التصرف.
ابتسم وهو يضيف: هل تستطيعون ذلك؟
رد «أحمد»: نعم.
قال القائد: تمنياتي لكم بالتوفيق، وأرجو أن ألقاكم مرة أخرى!
حيَّا الشياطين مجموعة المجاهدين، ثم تحركت السيارة، كان الصمت يحيط بالشياطين؛ فقد كانوا يفكرون في كلمات القائد. بعد قليل قال «بو عمير»: إنها مغامرةٌ فريدة، فنحن نتعامل مع نوعَين من المحاربين.
تساءل «مصباح» بعد لحظة: لفت نظري اسم صاحب فندق «بانجشير» «حاسان محمد»!
رد «أحمد»: إنهم يعنون «حسن» وهم ينطقونها بطريقتهم «حاسان»!
ابتسم «مصباح» وقال: إنها فعلًا لم تخطر على ذهني، مع أنها واضحة تمامًا!
ومرةً أخرى، لفَّهم الصمت، كانت مناظر الجبال الموحشة، تجعل الإنسان يشعر بالرهبة، فلم تكن هناك أية مزروعات، ولم تكن الحياة تبدو في المكان بأي مظهر من مظاهرها، حتى إن «بو عمير» سأل: هل يمكن أن تكون هذه المناطق مهجورة؟
رد «أحمد»: مهجورة لبعض الوقت، فالوقت كله من أجل التحرير، بجوار أن الطريق الذي نمشي فيه طريقٌ سري، لا يعرفه أحد سوى القوات العاملة في المنطقة، فهناك مناطقُ الحياةُ مستمرة فيها بشكلٍ طبيعي …
سكت لحظة ثم أضاف مبتسمًا: وإلا كيف يمكن أن يعيش الناس بلا عمل ولا إنتاج؟
كانت السيارة، تمشي بسرعةٍ قليلة نظرًا لطبيعة المنطقة الجبلية؛ ولذلك تساءل «مصباح»: إن الوقت سوف يضيع في هذه السرعة البطيئة!
ردَّ «فهد»: ماذا نفعل؟ إننا نتعامل مع الطبيعة في صورتها الحقيقية، فلم تنشأ الطرق الممهدة بعدُ …
أضاف «مصباح»: إن الوقت يمثل أهميةً خاصة لنا في هذه المغامرة، وكما قال رقم «صفر»: إن قوات العدو سوف تعبر الجسر خلال هذا الأسبوع، ولا أظن أنه من المفيد أن نصل بعد أن تكون القوات قد عبرت.
مرَّت دقائقُ صامتة، كان كلٌّ منهم يفكر في الكلمات التي قالها «مصباح» لحظة، ثم قال «قيس»: أظن أنهم سوف يحتاجون لبعض الوقت، حتى يمكن تنفيذ المرور، فالمنطقة وعرة، ومرور قوات يعني أسلحة ومصفحات، وربما دبابات ومدفعية وغيره، وهذه لا تتحرك بنفس سرعتنا على الأقل.
قال «مصباح»: إنها في النهاية مسألةً غير مريحة، وأرجو ألا يعاندنا الحظ، وتنتهي المغامرة بلا نتيجة!
قال «أحمد» بهدوئه المعتاد: لاحظ أننا في بداية الأسبوع. وأظن أن الوقت في صالحنا …
رد «مصباح»، أرجو هذا!
غير أن كلمات «مصباح» أقلقت «أحمد» فعلًا؛ فأخذ يقلبها في ذهنه، مدَّ يده، وأدار راديو السيارة وأخذ يبحث عن الإذاعة الوطنية لهذه البلد.
قال «قيس»: ربما تفيدنا نشرة أخبار مثلًا.
فجأة، توقفت يد «أحمد» وهمس: هناك إشاراتٌ شفرية!
بدأ يسمع ويسجل الإشارات، ثم همس: يبدو أننا سوف نحقق أهدافنا، ويبدو أن حسن الحظ سوف يكون حليفنا.
ظل يتابع الإشارات ويسجلها، وعندما توقفت، قال: ينبغي إرسالها إلى المقر السري … فهي إشارات غريبة …
وبسرعة أخرج جهاز الإرسال الخاص به ثم أرسل رسالةً شفرية إلى المقر السري، بما سجله من إشارات، وعندما انتهت رسالته إلى المقر السري، همس «مصباح»: سوف تكون لحظةً حاسمة!
فقد فكر الشياطين في موعد المرور فوق الجسر.