أسرع معركة للشياطين!
شغلتهم تلك الرسالة الشفرية التي التقطوها بالصدفة من الراديو؛ ولذلك كان الصمت يحوطهم تمامًا … استسلم «مصباح» لصوت موتور السيارة الرتيب، أما «فهد» فقد كان يركز بصره على الطريق الصعب الذي تمشي فيه السيارة … وكان «قيس» يعيد كلمات «مصباح» في ذهنه مرةً أخرى … ثم قال في نفسه: سوف تكون خسارةً ضخمة، إذا لم نلحق بالموعد عند «جسر وادي بانجشير!» …
وكان «بو عمير» ينظر إلى الجبال الممتدة وهو يقول: كم هي شاقة هذه الحياة في هذه المنطقة الجبلية!
غير أن «أحمد» كان يفكر بطريقةٍ أخرى … فقد شغلته الرسالة الشفرية … وكان يحاول أن يجد حلًّا لها، حتى يأتيهم ردُّ المقر السري؛ عندئذٍ قطع «مصباح» الصمت قائلًا: لو أن معنا جهاز الحل الشفري، لكنا الآن، نعرف قيمة خطواتنا تمامًا!
ابتسم «أحمد» وقال: إنه يحتاج إلى عربة نقل لتحمله … فهو يحلُّ أي نوع من الشفرة، ويقوم بعمليات تصل إلى مليون عملية …
ابتسم «مصباح» وردَّ: ينبغي أن يصنعوا لنا جهازًا للشفرة فقط، نحمله معنا، ولا حاجة لنا بمليون عملية يقوم بها الجهاز!
ولم يكن الرد، سوى طلقاتٍ سريعة دوَّت، وهي تصطدم بجسم السيارة … فقال «بو عمير»: لعلها نقطة تفتيش جديدة!
رد «أحمد»: لا أظن … فنحن لم نغادر النقطة السابقة إلا من وقت قليل!
تعامل «فهد» بالإشارات الضوئية الجديدة، وكانت مرتَين، ثم مرة … ثم مرتين، لكن الرصاص لم يتوقف …
قال «أحمد»: هذه قوات العدو بالتأكيد!
هتف «مصباح»: هل أرسلت الإشارات الصحيحة يا عزيزي «فهد»؟
رد «فهد»: بالتأكيد … ومع ذلك فليفعل «أحمد» ذلك!
أسرع «أحمد» يرسل الإشارات تبعًا لتعليمات القائد الوطني، غير أن طلقات الرصاص لم تتوقف … قال «قيس»: ربما تكون إحدى دوريات العدو الصغيرة … فكميات النيران تكشف حجم القوة!
كانت السيارة تقترب من نقطة انطلاق الطلقات … ولم يكن يظهر أحد … فقال «أحمد»: يبدو أنهم يطلقون طلقاتهم من بين الصخور، وهم يختبئون خلفها …
ظل «فهد» يتقدم بالسيارة، حتى أصبحت طلقات الرصاص قريبة تمامًا … سأل «فهد»: هل أتوقف؟
ردَّ «أحمد»: لا ينبغي أن تتوقف إلا أمامهم تمامًا، حتى نرى حجمهم جيدًا.
استمر «فهد» في تقدمه، حتى وصلت السيارة أمام النقطة تمامًا … فقال «أحمد»: توقف الآن، واجعل السيارة جاهزة للانطلاق …
لحظة، ثم ظهر أحد الجنود فقال «قيس» بسرعة: إنه فعلًا ليس من أهل البلاد … فهذه ليست ملامحهم، ولا لونهم …
فجأة، ظهر خلفه ثلاثةٌ آخرون … فقال «قيس»: هل هذه هي القوة كلها … أظن أن هذه مقدمتها فقط!
فجأة، ظهر آخر، وظل واقفًا عند نقطةٍ مرتفعة لا يغادرها فأضاف «قيس»: يبدو أنهم خمسة فقط، وإذا كانوا كذلك فإن فرصتنا جيدة، في معركة سريعة!
ابتسم بقية الشياطين، بينما كان قائدهم يتقدم نحو السيارة، وهو يوجِّه الرشاش إلى وجوههم … همس «أحمد»: لا ينبغي الاشتباك، أو إطلاق الرصاص، حتى نرى، وكلمة السر «حاسان»
توقف قائد جنود العدو، بعيدًا عن السيارة قليلًا، ثم صرخ بكلمات، لم يسمعها الشياطين فقد كانت كل أبواب السيارة مغلقة … ضغط «فهد» زرًّا في تابلوه السيارة، فانفتحت عدة فتحاتٍ صغيرة سرية في أجزاء متفرقة من أسفل السيارة، وبدءوا يسمعون الصوت … صرخ القائد: اهبطوا، واتركوا كل شيء داخل السيارة!
فكر «أحمد» بسرعة، ثم قال «لفهد»: اترك موتور السيارة يعمل واضغط الفرامل السرية …
نفذ «فهد» تعليمات «أحمد»، مرَّت دقيقة، ثم فتح «أحمد» الباب، وهو يحدد خطة الاشتباك، وهمس بلغة الشياطين: يبقى «قيس»، وعليه أن يتعامل مع الجندي الخامس في الوقت المناسب.
غادر «أحمد» السيارة، وخلفه «مصباح»، ثم «فهد» و«بو عمير»، كان الجنود الأربعة، يقفون في نصف دائرة، وقد وجهوا رشاشاتهم إلى الشياطين …
اقترب «أحمد» … فصرخ قائدهم: قف عندك!
توقف «أحمد»، وقد رسم ابتسامةً عريضة على وجهه، صرخ القائد: من أنتم؟
رد «أحمد»: نحن من الهلال الأحمر الدولي!
انتظر القائد لحظة، ثم قال: هل معك تصريح مرور؟
ابتسم «أحمد» مرةً أخرى، وقال: نعم …
سأل القائد: أين هو؟
رد «أحمد» بنفس الابتسامة: في السيارة …
أشار القائد بالرشاش إلى السيارة، وهو يقول: تقدم أمامي إليها!
استدار «أحمد» واتجه إلى السيارة، وقد فكر في خطةٍ سريعة … كان القائد يمشي خلفه بعدة خطوات … قال «أحمد» في نفسه: إن الفرصة الوحيدة، هي هذه اللحظة، لكن تنفيذها سوف يكون صعبًا …
عندما اقترب نظر إلى «قيس» نظرات فهمها، وضع «قيس» يده فوق مسدسه، واطمأن إلى أنه جاهز، اقترب «أحمد» من السيارة أكثر، فصرخ القائد: فليخرج الآخر من السيارة!
كانت هذه هي اللحظة المناسبة، عندما كان «قيس» ينزل من السيارة، نظر إلى الشياطين الثلاثة نظرات فهموها … قال «أحمد» في نفسه: إن توقيت المعركة هو سر نجاحها … لو أن لحظةً واحدة اختلفت فسوف ننتهي جميعًا … انحنى داخل السيارة، وهو يوهم القائد بأنه يبحث عن التصريح، فصرخ القائد: أسرع!
تباطأ «أحمد» قليلًا … فهذه هي الخطة، اقترب القائد أكثر، حتى أصبحت خطوة واحدة … هي التي تفصل بينه وبين السيارة … في نفس الوقت، كان «قيس» قد استعد لأداء مهمته … وكان «مصباح» و«بو عمير» و«فهد» قد استعدُّوا لأداء مهمتهم أيضًا … تباطأ «أحمد» أكثر فاقترب القائد … ودفعه بماسورة الرشاش في ظهره، وكانت هذه هي إشارة البدء … في وقتٍ واحد كان الشياطين يتحركون … ضرب «أحمد» القائد، ضربة قوية أطاحت به، ثم قفز إليه …
في نفس الوقت، كان «بو عمير» و«فهد» و«مصباح» قد ضربوا رشاشات الجنود الثلاثة، وكان «قيس» قد وجه مسدسه في سرعةٍ مذهلة إلى الجندي الذي يقف عند المرتفع، فأصابه إصابةً مباشرة، جعلته يسقط … أسرع «أحمد» وضرب القائد ضربةً قوية، جعلته، يدور حول نفسه فعاجله بأخرى، في نفس الوقت كان «مصباح» قد طار في الهواء، وضرب أحدهم ضربةً قوية جعلته يطير في الهواء … وكان «بو عمير» و«فهد» قد اشتبكا مع الآخرين، لكن المعركة لم تكن صعبة؛ ففي أقل من ربع ساعة كان الشياطين قد قضوا على مجموعة الجنود …
نظر «أحمد» إليهم، وقال: هذه فقط هي المقدمة!
ضحك الشياطين ضحكاتٍ خافتة … وقال «مصباح»: إن علينا أن نجمع الغنائم … ونأخذ الرشاشات والطلقات …
قال «أحمد»: هذه ليست غنائم في هذه الحالة، إنها يمكن أن تكشفنا، إذا تعرضنا لأي اشتباكٍ جديد …
سكت لحظة ثم قال: ينبغي أن نخفي آثار المعركة، حتى لا نلفت نظر أحد، قد يأتي خلفنا …
وبسرعة، أخفوا الجنود، وأخفوا الرشاشات ثم اتجهوا إلى السيارة، وعندما ركبوها … قال «مصباح»: كانت معركة طريفة!
رد «فهد»: نعم … هذه أسرع معركة للشياطين، وسوف نحكي عنها للزملاء عندما نعود!
أضاف «بو عمير»: إن التوقيت كان سليمًا تمامًا … ولو تأخرت لحظة، أو حتى تقدمت، لكنا الآن في عالم آخر!
تحركت السيارة … فجأة أعطى جهاز الاستقبال إشارة، فقال «أحمد»: إنها رسالة رقم «صفر»!
بدأ «أحمد» يتلقى الرسالة … التي تحمل رسالة الشفرة للعدو، وكانت الرسالة الشفرية تقول: إن المرور فوق جسر وادي «بانجشير»، سوف يتم ليلة الأربعاء، بعد اختفاء آخر ضوء للنهار!
همس «أحمد» بعد أن نقل الرسالة للشياطين الأربعة: إن الوقت في صالحنا فاليوم السبت … أي أن أمامنا ثلاثة أيام … ثم يوم الأربعاء بكامله …
ابتسم ثم أضاف: حتى آخر ضوء …
كان النهار قد بدأ ينتهي والغروب يزحف إلى الوجود، فقال «قيس»: إن الليل سوف يكون أكثر أمنًا لنا، خصوصًا أننا لا نحتاج إلى ضوء … فالسيارة تتقدم بالرادار …
كانت لحظةً شاعرية، وإن كانت الوحشة يلفُّها اللون الرمادي الذي بدأ يلفُّ الكون والصمت يحوط الجبال، وكأنه يخفي شيئًا، وأضواء الشمس الحمراء … لم يبقَ منها، سوى لمحاتٍ قليلةٍ عند أطراف الجبال …
كان الشياطين يراقبون اللحظة تمامًا … فقد كانت لحظة لا ينبغي أن تفوتهم … تردد صوت موحش في هذا الخلاء الجبلي … وقال «قيس»: إنه صوت ذئبٍ وحيد، فالذئاب إذا اجتمعت لا تصدر صوتًا … إنها تهاجم فريستها في صمت!
رد «مصباح»: لعله ينادي قطيعًا من الذئاب الأخرى، أو لعله تاه في الجبال، ويطلب النجدة …
ابتسم الشياطين … ولم يعلق أحدهم بشيء … لحظة، ثم قال «فهد»: إن سرعة السيارة تزداد … وهذا يعني أننا في منطقة أحسن!
همس «بو عمير»: إن ذلك يعطينا فرصة الوصول أسرع!
لكن يبدو أن الفرصة سوف تتأخر ففجأة سمع الشياطين صوتًا، وكأنه انهيار جبل … فقال «أحمد»: لقد أنقذتنا فتحات السيارة التي نسينا أن نغلقها ولولاها ما كنا سمعنا الصوت …