صراع … مع الذئاب!
فجأة، أضاء جهاز الاستقبال، قال «أحمد» بسرعة: إنها رسالة من المقر السري!
بدأ يتلقى الرسالة، فظهرت على وجهه علامات الدهشة … كان بقية الشياطين يتابعون وجهه … فهمس «مصباح»: ماذا هناك؟
كانت الرسالة قد انتهت، فقال «أحمد» بأسف: لقد نسف فندق «بانجشير»!
ارتسمت ملامح الألم على وجه الشياطين … غير أن «أحمد» قال: هذه مسألة متوقعة … وأرجو ألا يعطلنا هذا عن رحلتنا.
كان الصوت لا يزال يتردد في الخارج … وقد أصبح أقل … همس «فهد»: ينبغي أن ننزل، لنرى!
رد «أحمد» بعد لحظة: أظن أننا يجب أن نستخدم الأشعة فوق الحمراء، بدلًا من أن نتعرض لمفاجأة، قد تضرنا!
بسرعة، ضغط «فهد» زرًّا في تابلوه السيارة، فانطلقت الأشعة فوق الحمراء من مصباحَي السيارة … وكان المنظر الذي شاهده الشياطين غريبًا، لقد سد الطريق أمامهم، لقد انهار جبل فعلًا، وتسبب انهياره في سد الطريق …
قال «بو عمير»: هل نغادر السيارة؟
ابتسم «فهد» وقال: لماذا؟
سأل «بو عمير»: هل سنقضي الليل هنا؟
ردَّ «فهد»: ولماذا نقضيه هنا؟ … إن سيارتنا مجهزة لأي أرض.
قال «بو عمير»: إن الانهيار سوف يكون هشًّا تمامًا، وهذا قد يتسبب في ابتلاع السيارة!
ابتسم «فهد» وهو ينظر إلى «أحمد» قائلًا: هل ننطلق؟
ردَّ «أحمد»: نعم … ينبغي ألَّا نُضيِّعَ وقتًا!
تقدم «فهد» حتى اقترب من منطقة الانهيار … ثم ضغط زرًّا في تابلوه السيارة، ورفع سرعة الموتور إلى حده الأقصى … ثم انطلق، وفي هدوء، كانت السيارة ترتفع فوق منطقة الانهيار تمامًا، وتتجاوز السد الصخري الجديد، كان الشياطين يرون في ذلك متعةً حقيقية … وعندما نزلت السيارة في الجانب الآخر، ولامست عجلاتها الأرض، قال «بو عمير»: صدقني يا عزيزي «فهد»، إنني لم أكن أعرف …
صمت لحظة، ثم ابتسم وقال: الآن أستطيع أن أصل إلى القمر بهذه السيارة، دون أن أشعر لحظةً واحدة … بالتردد!
ابتسم «فهد» وهو يردد: ها هو القمر يا عزيزي «بو عمير»!
كان القمر قد بدأ يظهر من خلف الجبال، فبدا المنظر رائعًا … ابتسم «بو عمير» وقال: إنك صاحب الرحلة، فأنت الذي تمنيت أن تقضي إجازة في منطقة جبلية!
ابتسم «فهد» ولم يردَّ … كان الجو رائعًا … السماء صافية … والقمر في تمامه … يرسل ضوءه فيغطى كل شيء بلونه الفضي … والصمت يحوط المنطقة وصوت الذئاب لم يكن يسمع، حتى إن «مصباح» قال: هذه مسألة مدهشة … إن الذئاب، يثيرها جدًّا ضوء القمر … وظهوره … ومع ذلك فلا صوت لها!
ردَّ «قيس» ضاحكًا: لعل الذئاب تستمتع بالقمر الآن … أو لعلها في حالة شاعرية!
فجأة، قطع الصمتَ عواءُ الذئاب، كان العواء يتردد صداه في الجبال، فيبدو كالرعد؛ قال: «بو عمير»: ها هي الذئاب يا عزيزي «مصباح»، حتى لا تصيبك الدهشة!
فجأة، ظهرت الذئاب عند قمة جبل، كان عددها كبيرًا … حتى إن «فهد» قال: يبدو أننا مقبلون على معركة جديدة!
بدأت الذئاب تهبط … ولأنها في لون الجبال، فإنها لم تكن تظهر … غير أن «أحمد» قال: إنها في الطريق إلينا بالتأكيد!
سكت لحظة، ثم ابتسم قائلًا: لعلها تمني نفسها بأكلة فاخرة!
كانت السيارة متقدمة في بطء، لطبيعة الطريق الجبلية، ضغط «أحمد» زر الضوء في تابلوه السيارة، فاندفع الضوء قويًّا، وفي جانب من الجبل ظهر تجمُّع الذئاب، كان العدد كبيرًا فعلًا، بدأ صوت عواء الذئاب منخفضًا، وكأنها كانت تتفاهم بلغتها في نفس الوقت، كانت الأصوات تصل إلى الشياطين من خلال فتحات السيارة … أخذ الصوت يرتفع، حتى أصبح كالزئير، يصم الآذان …
قال «فهد»: هل نشتبك معهم؟
رد «أحمد»: لا أظن أننا في حاجة إلى ذلك!
فجأة، بدأت الذئاب تتجه إلى مقدمة السيارة، ثم تصطدم بها في عنف، حتى إن السيارة كانت تهتزُّ، لحظة، ثم تحولت الذئاب من مقدمة السيارة إلى جانبها الأيمن … كانت تبدو وكأنها تعرف ماذا تفعل … كانت تبتعد عن السيارة في وقتٍ واحد … ثم تندفع جميعها معًا في وقتٍ واحدٍ … حتى بدا وكأن السيارة سوف تنقلب …
قال «قيس» بسرعة: ينبغي أن نتخلص منها … إنها فعلًا تستطيع أن تقلب السيارة …
ابتسم «أحمد» وقال: عليك ببعض كرات الغاز … إنه سوف يجعلها تهرب!
وبسرعة، كان «قيس» يلقي في بعض فتحات السيارة، عددًا من كرات الغاز، مر بعض الوقت ثم أخذ الغاز يسري في المكان …
قال «أحمد»: أغلق كل المنافذ المفتوحة!
ضغط «فهد» زرًّا في تابلوه السيارة، فانقطع صوت الذئاب … وأخذ الشياطين يراقبونها من خلال الزجاج …
قال: «فهد» بعد لحظة: يبدو أن الغاز قد أثارها، فهي تعيد اصطدامها بالسيارة في عنف!
كانت السيارة تهتز بشدة، حتى خشي الشياطين، أن تنقلب بهم … وقال «أحمد»: لا بأس … سوف تهدأ الآن، أو تتعب …
مضت بعض الدقائق … ثم بدأ الاصطدام يخف شيئًا فشيئًا، حتى انتهى تمامًا … ورأى الشياطين الذئاب، وهي تقف في أماكنها لا تتحرك … ثم فجأة، بدأت ترقد على الأرض … قال «بو عمير»: يبدو أن الغاز قد شل حركتها تمامًا!
وبسرعة، نسي الشياطين هجوم الذئاب، فقد تردد في فضاء المكان صوت … كان يبدو صوتًا متفقًا عليه … فهو يتردد بطريقةٍ منتظمة، وكأنه صوت حيوانٍ جبلي …
قال «قيس»: إنه صوت غريب! …
رد «أحمد»: أظن أنه لسكان الجبال … فهم الذين يلجئون إلى هذه الأساليب القديمة مع أنهم يعرفون منطقتهم جيدًا!
ظل الصوت يتردد: فقال «بو عمير»: لعلهم اكتشفوا وجودنا … وهذه صيحات تحذير!
رد «أحمد»: ربما.
فجأة، كانت أجسام بعض الرجال، تسقط فوق سقف السيارة، وكأنها قطع الصخور … أسرع «فهد» يعطي الإشارات الضوئية المتفق عليها … والتي عرفها الشياطين في نقطة المراقبة الأولى … وفجأة مرةً أخرى … هدأ كل شيء … وظهر عدد من الرجال حول السيارة وبأيديهم بنادقهم … رفع «أحمد» يده بالتحية فردوها … أسرع بإنزال زجاج السيارة … فتقدم أحد الرجال منه قائلًا: هل لديكم تصريح بالمرور؟
رد «أحمد»: نعم!
ثم قدم له تصريح المرور … أخذه الرجل، ثم مزَّقه فابتسم «أحمد» … وإن كان بقية الشياطين قد أصابتهم الدهشة … فكيف سيمرون من نقطة التفتيش بعد ذلك … لكن ما فعله الرجل، جعلهم يبتسمون … فقد قدم «لأحمد» تصريحًا آخر وهو يقول: مبتسمًا: سوف يتكرر معكم هذا بعد كل نقطتي تفتيش!
سكت لحظة، ثم أضاف: إن الإشارات كما هي لم تتغير بعد!
ثم قال: أتمنى لكم التوفيق … لكن …
صمت لحظة ثم قال: خذوا حذركم … فأنتم تقتربون من منطقةٍ خطرة، قد تقابلون فيها عدونا مرارًا!
ابتسم «أحمد» وهو يرد: إن ذلك سوف يسعدنا كثيرًا!
لم يبدُ على الرجل أنه قد فهم «أحمد»، الذي ابتسم يشرح له ما يقصده: لقد قابلنا بعضهم في الطريق … ولقَّناهم درسًا جيدًا …
ابتسم الرجل وقال: فهمت … إننا نشكركم!
كان الحديث يدور بينهم بالعربية الفصحى، فقال الرجل: إن نطقكم للغة العربية جميل وواضح!
ابتسم «أحمد» وهو يقول: أستودعك الله … وأرجو أن نلتقي في طريق العودة …
تقدمت السيارة، ومضى الوقت دون أن يظهر أحد … كان الشياطين متحفزين، منذ أن قال لهم أحد الوطنيون إنهم سوف يلتقون بجماعات من العدو … لكن حتى هذه اللحظة فإن أحدًا لم يظهر، كان الطريق قد بدأ يستقيم، ويصبح أكثر سهولة، بعد أن كان صعبًا … وكثير الانحناءات …
قال: «فهد»: أعتقد أننا نقترب من نقطة الهدف!
ابتسم «أحمد» وقال: إن ذلك حق، فأي خطوة نخطوها، تقربنا من الهدف!
ظل الطريق مريحًا … وكانت السيارة تتقدم بسرعةٍ كبيرة … حتى إن «بو عمير» قال: إن الطريق الممهد، يعني أننا نقترب بسرعة!
رد «أحمد»: هذا صحيح!
فجأة، تردد ضوء متقطع، انعكس على زجاج السيارة الأمامي … فقال «فهد»: يبدو أننا نقترب من نقطة تفتيش جديدة!
رد على الإشارات الضوئية، بإشارات مثلها … وظل متقدمًا حتى ظهر أحد الرجال … ما إن رآهم، حتى ابتسم قائلًا: أهلًا بكم … نحن في انتظاركم من مدة!
فتح «أحمد» الباب، ونزل إليه، ثم مدَّ يده مسلِّمًا، وقال: كنا نتمنى أن نصل مبكرين … لكن وعرة الطريق، وما قابلنا فيه حالت دون ذلك …
قال الرجل: أعرف!
ثم قدم نفسه إليه: اسمي «مصطفى مهر»!
سكت لحظة ثم أضاف: إنني القائد الثاني لمنطقة وادي «بانجشير»، إن الطريق أمامكم سوف يكون سهلًا للغاية، حتى الوصول إلى مقر القيادة في الوادي، وسوف تعبرون الجسر فوق النهر لتصبحوا في منطقة الأمان …
سكت لحظةً أخرى، ثم قال: هل تحتاجون إلى دليل؟
ابتسم «أحمد» وهو يرد: لا داعي … إن ذلك قد يعرِّضنا لخطر لا نريده!
شد «مصطفى مهر» على يد «أحمد» وقال: أتمنى لكم التوفيق والوصول بسلامة الله.
شكره «أحمد» وقفز إلى السيارة … التي انطلقت مسرعة … ولم يستطع «قيس» أن يخفي تساؤله: هل يعرفوننا؟
ابتسم «أحمد» وقال: نعم، لكنهم لا يعرفون مهمتنا …
وانطلقت السيارة في طريقها لتقطع وادي «بانجشير» … ولتبدأ المرحلة الأخيرة في مغامرة الشياطين …