فجأة … حدث ما لم يفكروا فيه!
كان الليل قد تجاوز منتصفه بكثير … وربما يكون الفجر قد اقترب … تساءل «قيس»: هل تتوقعون متى نصل إلى نقطة الهدف؟
رد «فهد»: أظن أن ذلك سوف يكون قبل طلوع الشمس … فالمسافة الباقية ليست طويلة، بالإضافة إلى أن الطريق أصبح أكثر سهولة …
ظلت السيارة في طريقها … ولم يكن شيء يعوق مسيرتها … ولم تظهر لهم أي عقبة، فكر «أحمد»: إن ذلك سوف يجعلنا نأخذ وقتًا كاملًا في تجهيز عملية نسف الجسر … غير أن ما حدث بعدها مباشرة جعل «أحمد» يتردد كثيرًا … كان ضوء الفجر قد بدأ يتسرب إلى الوجود … وكانت الألوان القاتمة تلون كل شيء … وكان القمر قد اختفى وأصبح المكان أكثر وحشة … فجأة اصطدمت طلقة بإحدى عجلات السيارة، فاهتزت … لم يكن الصوت مسموعًا … فقد أغلقت منافذ السيارة … ولذلك قال «أحمد» بسرعة: افتح المنافذ حتى نعرف ماذا يدور حولنا!
عندما فتح «فهد» منافذ السيارة السرية، تردد صوت الطلقات … قال «بو عمير» بسرعة: أظن أن هذه ليست قواتٍ وطنية … ولا بد أنها نقطة للعدو!
همس «مصباح»: إن القائد «مصطفى مهر» قال إن الطريق آمن.
كان صوت الطلقات يزداد … وهمس «بو عمير»: هل نكون قد ضللنا الطريق، ودخلنا في منطقة العدو؟
رد «فهد»: لا أظن … فالبوصلة تشير إلى الاتجاه الصحيح!
رد «بو عمير»: ربما تكون إحدى دوريات العدو، التي تمسح المنطقة لتطمئن إلى عبور قواتها للجسر، دون مقاومة.
همس «أحمد»: أرجح أن ما قاله «بو عمير» صحيح!
ظلت الطلقات تتردد، وكان صوت اصطدامها بجسم السيارة … يثير الشياطين … فقد ظهر أن نسبة الضرب هذه المرة كانت عالية … ولم يستطع الشياطين عمل شيء … فهم لا يستطيعون مغادرة السيارة تحت هذا الوابل من الرصاص … وأيضًا لا يستطيعون الاشتباك مع القوات وهم داخل السيارة … لم يكن أمامهم، إلا الانطلاق بسرعة … في محاولة للخروج من سيطرة النيران … لكن فجأة، تغير كل شيء … فقد ظهرت من خلف أحد الجبال سيارةٌ مصفحة، واعترضت الطريق … أوقف «فهد» السيارة … وقد ظهر للشياطين أنهم مضطرون للاشتباك … لكنهم لا يعرفون كيف … برغم وقوف السيارة إلا أن وابل الطلقات لم ينقطع … فجأة برز أمامهم مدفع، يخرج من أعلى السيارة المصفحة، ويتجه إليهم … همس «فهد»: إذا حدث واستخدموا المدفع فأظن أننا لن نستطيع عمل شيء وربما تعرضنا للخطر …
فكر «أحمد» بسرعة: إن الموقف يحتاج إلى خدعة … فالطريق مسدود، ولا يمكن المرور ولا يمكن أيضًا مغادرة السيارة … فلا أحد يظهر …
قال «قيس»: علينا باستخدام قنابل الدخان!
وأضاف «بو عمير»: وقنابل الغاز أيضًا …
فكر «أحمد» قليلًا، ثم قال: إنني أوافق على الفكرتين … على أن نستخدم قنابل الغاز أولًا …
نظر إلى «فهد» وقال: هذه فرصتك في تكملة المغامرة … سوف نرتفع بالسيارة، ونمر فوق المصفحة، عندما يغطي الدخان المكان … وسوف تكون قنابل الغاز، قد فعلت فعلها … يجب أن يتم ذلك بسرعة … فضوء النهار قد بدأ … ولا ندري ماذا يمكن أن يحدث …
أخرج «أحمد» منديلًا أبيض … ثم فتح السيارة، ورفع يده بالمنديل بما يعني الاستسلام توقف صوت الطلقات … وكانت سيارة الشياطين تقف في مكانها … همس «أحمد»: نلقي أولًا بقنابل الغاز!
أسرع الشياطين يقذفون قنابل الغاز في اتجاه المصفحة … في نفس الوقت، ضغط «فهد» زرا في تابلوه السيارة، فأصدر تيَّارًا قويًّا من الهواء … فتدحرجت القنابل الشفافة في اتجاه المصفحة بسرعة … كانت المصفحة تقترب هي الأخرى … فجأة، رفع «فهد» سرعة موتور السيارة، وضغط زر كاتم الصوت حتى لا يكتشف أحدهم صوت السيارة … همس «أحمد»: ألقوا قنابل الدخان!
نفذ الشياطين تعليمات «أحمد» … وفي دقائق، كان الدخان، ينتشر في الفضاء وكأنه شبورة طبيعية … في نفس الوقت، كانت قنابل الغاز، قد انفجرت، وتسرب الغاز إلى المكان، وعن طريق الأشعة، رأى الشياطين المصفحة وهي تهتز في تقدمها …
فعرفوا أن الغاز قد وصل إلى من في المصفحة، التي كانت تقترب … اضطر «أحمد» أن يعود بالسيارة إلى الخلف قليلًا، ثم يندفع بها في اتجاه المصفحة، وقد ضغط زر الارتفاع، فطارت السيارة ومرت في سرعة من فوق المصفحة، حتى نزلت في الجانب الآخر … وبنفس السرعة العالية، انطلقت في طريقها …
قال «قيس»: أخشى أن يتم اتصال بين نقطة مراقبة العدو وبين نقط أخرى فتكون كارثة …
رد «أحمد»: لا أظن أن هذا سوف يتم بسرعة … فسوف يمضي وقت قبل أن يستردوا أنفاسهم … لأن تأثير الغاز، يحتاج لبعض الوقت!
ظلت السيارة في انطلاقها … كان النهار قد غطى كل شيء … وبدأت الشمس ترسل أشعتها بألوانها الذهبية فوق قمم الجبال … فكانت الطبيعة تبدو رائعة الجمال … ولم يكن يشوهها إلا توقع الشياطين بظهور كمين للعدو، أو نقطة تفتيش له … غير أن ذلك لم يحدث؛ فقد امتد الطريق سهلًا، هادئًا، ولكن فجأة، أضاء جهاز الاستقبال … فقال «أحمد»: إنها رسالة من المقر السري …
أخذ «أحمد» يتلقى الرسالة التي يستقبلها الجهاز … وكانت رسالةً شفرية، تقول:
٤ – ١٢ – ١٦ – ١٦ «نقطة» ٨٨ – ٦٠ – ٤ «نقطة» ٨ – ٧٠ – ٩٠ – ٢٠ – ٨٨ – ٢٠ «نقطة» ٩٠ – ٢٦ «نقطة» ٨ – ١٤ – ٢٠ «نقطة» ٣٢ – ٨٨ – ٨ «نقطة» ٨ – ١٤ – ٢ «نقطة» ٣٢ – ٨٨ – ٨ «نقطة» ٨ – ٧٠ – ١٠٠ – ٨٨ – ٩٠ «نقطة» ١٠٠ – ٩٠ «نقطة» ٤ – ٧٠ – ٢٤ – ١٠٠ – ٩٠ «نقطة» ٨ – ٧٠ – ١٠ – ٣٨ – ٢٠ «نقطة» ٦٠ – ٦ – ٧٠ «نقطة» ٨ – ٥٨ – ٤ – ٧٨ – ٨ «نقطة» ٨ – ١٤ – ٢٠ «نقطة» ٣٢ – ٨٨ – ٨ «انتهى» …
أخذ «أحمد» يترجم الرسالة بينما كانت أعين الشياطين تراقب تعبيرات وجهه … كان الاهتمام يغطي وجه «أحمد» … وعندما انتهى، نظر إليهم … قال «قيس»: إن الرسالة خاصة بموعد مرور قوات العدو من فوق الجسر!
أكمل «بو عمير»: يبدو أن الزمن المحدد، يضعنا في ورطة!
ابتسم «أحمد» وقال: لا داعي أذن لأن أقول لكم نص الرسالة، فقد عرفتموه!
سكت لحظة، ثم أضاف: لقد تحددت ساعة المرور مع نهاية آخر ضوء اليوم …
ملأت الدهشة أوجه الشياطين … وقال «بو عمير»: اليوم!
ابتسم «أحمد» قائلًا: نعم اليوم! وهذا يعني أننا سوف نبدأ عملنا بعد ساعة أو اثنتين …
همس «قيس»: هذه مغامرة غير مأمونة العواقب!
تساءل «أحمد»: كيف؟
رد «قيس»: إن النهار سوف يكشف عملنا!
ابتسم «أحمد» قائلًا: لا أظن أن النهار، سوف يعوق عملنا تمامًا … فإن العمل سوف يكون أسفل الجسر … وعند نقطة معينة فيه وهذا لن يحتاج إلى وقت طويل …
سكت لحظة، ثم أضاف: إن ساعتين من العمل المكثف سوف تكفينا تمامًا!
وقال «بو عمير»: هذا يعني أننا لن نلتقي بقائد «وادي بانجشير»!
رد «أحمد»: يمكن أن نلقاه بعد أن ننتهي من عملنا، ويمكن ألا نلقاه إلا بعد نسف الجسر!
وغطى الصمت كل شيء … استغرق الشياطين في تفكيرهم … وكانت السيارة تنطلق بسرعة متوسطة … فقد بدأ الطريق يفقد استقامته … وأخذت الانحناءات تزداد كلما اقتربوا من منطقة الجسر … في النهاية هتف «فهد»: ها هو!
نظر الشياطين أمامهم … كان الجسر طويلًا، يعبر الوادي المنخفض، حيث يمر من تحته النهر … كان مرتفعًا تمامًا … ويبدو الوادي بعيدًا … والنهر مستمر في جريانه …
قال «أحمد»: هدئ من سرعة السيارة، ودعنا نرى الوادي جيدًا!
أخذت السيارة تتقدم ببطءٍ … والشياطين يتأملون الوادي … قال «أحمد»: إن هناك مسألة هامة، ينبغي ألا ننساها، وأعرف يقينًا أن العدو سوف يفكر فيها!
أوقف «فهد» السيارة، وبدأ شبه اجتماعٍ سريع … قال «أحمد»: الذي أتوقعه، أن يقوم العدو بدفع مجموعة من الأغنام والرعاة، حتى يعبروا الجسر كنوع من الاطمئنان؛ فهم يعرفون يقينًا أن الجسر قد يتعرض لعملية تلغيم … وسوف يتركون الأغنام والرعاة يمرون حتى نهاية الجسر … فإذا لم يحدث شيء، أخذت قواتهم ومعداتهم في المرور …
تساءل «قيس»: وما العمل؟ …
رد «أحمد»: هذا ما يجب أن تتأكد منه تمامًا …
سكت لحظة، ثم أضاف: إن علينا أن نحكم المتفجرات، فلا تنفجر إلا تحت ضغط، أو ثقلٍ معين، وفي هذه الحالة، فإن الأغنام والرعاة سوف يمرون في هدوء … وعندما تبدأ المعدات في المرور، فسوف يكون ثقلها كبيرًا، بما يساوي انفجار الألغام …
ابتسم «بو عمير» وقال: هذه نقطةٌ ذكية تمامًا … ولو أننا لم نلتفت إليها، فربما كانت الأغنام والرعاة هم الصيد الذي لا نريده!
تأمل «أحمد» الجسر قليلًا، ثم قال: علينا أن نقترب الآن، وأن نخفي السيارة جيدًا … سوف يكون دور «فهد» هو المراقبة … أما «مصباح» و«بو عمير» فسوف يثبتان المتفجرات في الجانب الأيمن، وسوف أقوم أنا و«قيس» بتثبيت المتفجرات في الجانب الآخر …
سكت لحظة ثم أضاف: وسوف نعود بعد تثبيت المتفجرات إلى حيث توجد السيارة، فنختفي داخلها، حتى تأتي ساعة الصفر …
بدأ الشياطين يجهزون المتفجرات التي قدمها لهم عميل رقم «صفر»، قال «أحمد»: الآن … سوف أتسلل أنا و«قيس» … وعندما نصل إلى أسفل الجسر، يتبعنا «مصباح» و«بو عمير» …
في لحظة، كان «أحمد» يحمل ما يحتاجه من أسلاك ومتفجرات، ثم يعبر من جانب الطريق عند بداية الجسر، ويختفي أسفله وكان معه «قيس» تعلَّقا في أسفل الجسر، وبرشاقة وصلا إلى النقطة المطلوبة …
كان الجسر من الحديد، يقف على أعمدةٍ حديديةٍ ضخمة ووصل الاثنان إلى منتصفه، وبدأ كل منهما يثبت المتفجرات، في نفس الوقت رأى «أحمد» كلًّا من «مصباح» و«بو عمير» وهما يثبتان المتفجرات في النقط التي اتفقوا عليها … لكن فجأة، حدث ما لم يكن في حسبانهم …