وكادت المغامرة تفشل!
فقد ظهرت مجموعة من الأغنام، يسوقها عدد من الرعاة … قال «أحمد» في نفسه: إن هذا يعني أن العدو يقترب … وقد يمر الآن … ونحن لم ننتهِ من تثبيت المتفجرات، إذا حدث هذا فسوف نخسر مغامرتنا … وسوف ينقضُّ جنود الأعداء، على جنود التحرير الوطنيين …
لكنه مع تفكيره، ظل يعمل بسرعة … كان يريد أن يسبق الزمن، فكَّر مرةً أخرى: لو أنه أرسل إلى «فهد» حتى يقوم بعملٍ ما، يعطل به هذه الأغنام … ويثير مشكلة فإنه يكسب بعض الوقت، حتى يتم تثبيت المتفجرات …
لحظة ثم أخرج جهاز الإرسال الصغير وأرسل إلى «فهد» رسالةً شفرية، تقول: ١٠٠ – ٥٨ – ٦ – ٢٤ – ١٠٠ «نقطة» ٢٦ – ٩٠ – ٧٠ «نقطة» ٣٦ – ١٠٠ – «نقطة» ٨٨ «نقطة» ١٤ – ٧٠ – ٦٠ «نقطة» ٦٠ – ٣٦ – ٥٠ – ٧٠ – ٧٨ «نقطة» ٧٠ – ٤ – ٢٦ – ٣٠ – ١٠٠ – ٧٠ «نقطة» ٧٨ – ١٨ – ٨ «نقطة» ٨ – ٧٠ – ٦٠ – ٣٠ – ١٠٠ – ٢٦ «نقطة» ٥٨ – ١٢ – ٥٨ «نقطة» ٢٢ – ١٠٠ «نقطة» ١٢ – ٨ – ١٠ – ٧٨ «نقطة» ٧٠ – ٧٠ – ٨٨ – ٦٠ – ٤ «انتهى» …
نظر في اتجاه «فهد»، الذي لم يكن يظهر، فقد اختبأ في مكان يصلح للمراقبة … لكنه فجأة، رأى «فهد» … يظهر مرةً أخرى … كان يلبس ملابس ممزقة، ويبدو أنها ملابسه، أجرى فيها التمزيق اللازم حتى يبدو وكأنه من أهل البلاد … اتجه «فهد» مباشرة إلى حيث يتقدم قطيع الغنم، ثم اعترض الطريق، تفرقت بعض الأغنام، لكن البعض الآخر، كان يأخذ طريقه في اتجاه الجسر؛ أسرع «فهد» إلى مقدمة القطيع، وأمسك بواحدة من الغنم، ثم مشى بها في اتجاه معاكس … فتبعته الأغنام.
فجأة صاح أحد الرعاة: أنت يا ولد!
لكن «فهد» لم ينظر إليه … فقد ظل في تقدمه، والغنم تتبعه بعيدًا عن الجسر … كان «أحمد» يراقب كل شيء … ولم يكن ما يحدث بعيدًا عنه … أسرع الراعي إلى «فهد»، ودار بينهما حديث سمعه «أحمد» جيدًا …
قال الراعي: ماذا تفعل؟
رد «فهد»: أقود الغنم!
سأل الراعي: إلى أين … نحن نريد أن نعبر الجسر إلى الجانب الآخر!
رد «فهد» بسؤال: ولماذا … إن في هذا الجانب منطقة جيدة للرعي!
قال الراعي: وما شأنك أنت؟
رد «فهد»: إنه شأني بالتأكيد …
ثم خفض صوته، فلم يسمع «أحمد» شيئًا … لكنه رأى الراعي وهو يبتسم، فعرف أن «فهد» قد وجد طريقة للتفاهم معه … ثم فجأة ارتفع صوت «فهد» حتى يسمع «أحمد»، فقد كان يعرف مكانه، قال: «فهد»: هل تمر كل يوم في نفس الموعد؟
رد الراعي: نعم …
سأل «فهد»: وهل تقوم بالرعي في الجانب الآخر من الجسر؟
ردًّ الراعي: نعم إننا نفعل ذلك يوميًّا لكن، ما دمت قد رأيت مكانًا طيبًا للرعي، فسوف نتجه إليه … ونحن نشكر لك هذا الصنيع …
ابتسم «فهد»، وحيَّاه، فانصرف الراعي خلف غنمه، ثم تبعه بقية الرعاة …
ابتسم «أحمد» وقال في نفسه: لقد أجاد «فهد» في تصرفه. أخذ «أحمد» ينتقل من مكان إلى مكان أسفل الجسر في براعة، وهو يثبت المتفجرات، في نفس الوقت كان بقية الشياطين يفعلون نفس الشيء …
فجأة، امتلأ وجه «أحمد» بالدهشة، وقال في نفسه: ماذا سوف يفعل «فهد» الآن، مع هؤلاء الجنود …
كان ثلاثة من الجنود … قد ظهروا من خلف الجبل … وهم يمشون في قوة، فكَّر «أحمد»: هل يرسل رسالة إلى «فهد» …
أم أنه سيتصرف وحده، انتظر قليلًا، تقدم الجنود من الجسر، ثم بدءوا يعبرونه … لم يتحرك «فهد» لكنه كان يراقبهم جيدًا … قال «أحمد» في نفسه: لو أن أحدهم رآنا، فسوف ينتهي كل شيء!
أوقف العمل، وأشار لبقية الشياطين أن يتوقفوا، حتى لا يشعر الجنود بشيءٍ … ألقى نظرة في اتجاه «فهد» الذي أشار إليه بأن يستمروا … انهمك الشياطين في العمل مرةً أخرى … وكانوا … يسمعون صوت أقدام الجنود، فوق الجسر الجديد في نفس الوقت، كان «فهد» يتحرك وهو يراقبهم.
انتهى الجنود من المرور فوق الجسر، ثم عادوا مرةً أخرى، كان «فهد» يشعر بالقلق … كان يفكر: هل يكتفون بالمرور، أم إنهم سوف ينزلون أسفل الجسر؟
ولم يقطع برأي … عاد الجنود مرةً أخرى … إلى بداية الجسر … فجأة، دقَّ قلبه بعنف، فقد سمع الحوار الذي دار بينهم:
الأول: ينبغي أن نطمئن إلى أسفل الجسر، فمن يدري، قد يكون هناك ما لم نفكر فيه …
قال الثاني: نعم … أوافقك!
رد الثالث: وحتى دون أن توافق … إن هذه أوامر القائد … وسوف تأتي فصيلة لتمرَّ فوق الجسر بعد قليل!
كانت فترة حوارهم فرصة ﻟ «فهد» حتى يستعد، فقد أخرج مسدسه، وثبت فيه عدة إبرٍ مخدرة ثم انتظر، قال أحد الجنود: فلينزل كلٌّ منا من جانب، ويبقى الثالث ليراقب المكان فقد نفاجأ بأحد من جنود المقاومة …
انتظر «فهد» لحظة … كان الشياطين يحبسون أنفاسهم وقد توقفوا عن العمل … إن جنود العدو سوف يكتشفون وجودهم بالتأكيد … وسوف ينتهي كل شيءٍ … لكن «فهد» كان قد أعد نفسه جيدًا … عندما نزل الجنديان، أطلق إبرةً مخدرة على جندي المراقبة، فسقط مغشيًّا عليه، قفز بسرعة إلى الجسر، حيث نزل الجنديان … وبسرعة، أطلق على أقربهما إبرةً مخدرة، فسقط في النهر … نظر الآخر له … ثم قال: ماذا حدث، هل أفلتت يدك؟!
وقبل أن ينطق كلمةً أخرى … كانت إبرةٌ مخدرة قد استقرت في صدره … وفي لحظة، كان يسقط هو الآخر … ابتسم «أحمد» وهو يرى «فهد» يتحرك برشاقةٍ وثقةٍ وبسرعة، انهمك الشياطين في عملهم … بينما عاد «فهد» بسرعة، حيث سقط الجندي الأول، جذبه بقوة، ثم حدد مكان الصوت، كان يصدر من ملابس الجندي … فتَّشه بسرعة فوجد جهاز لاسلكيٍّ صغير، ثم سمع صوتًا يقول: ماذا وجدتم؟
وبسرعة تصرف بذكاء … فقد استرجع طريقة الجنود الثلاثة في الحديث، وقلدهم … ردَّ قائلًا: كل شيء هادئ يا سيدي!
جاء الصوت يسأل: هل مررتم فوق الجسر؟
رد «فهد»: نعم يا سيدي … مررنا فوقه من أوله إلى آخره!
قال الصوت: لا بأس …
سكت لحظة ثم سأل: هل فتشتم أسفل الجسر؟
رد «فهد»: نعم يا سيدي، ولم نجد شيئًا!
قال الصوت: عظيم، إذن، نرسل فصيلة للمرور!
رد فهد: لا أظن أن ذلك مفيد يا سيدي، فقد اختبرنا كل شيء … ومرور الفصيلة في وضح النهار قد يكشف مرورنا الليلي! …
صمت الصوت هناك لحظة، ثم قال: إن المنطقة آمنه الآن، وليس فيها أحد!
رد «فهد»: لقد قابلنا بعض الرعاة يا سيدي، ومن الممكن أن ينقلوا أخبارنا إلى العدو!
صمت صوت القائد قليلًا ثم قال: لا بأس إذن، ما دمتم قد فتشتم المكان جيدًا …
قال «فهد» بسرعة: أقترح يا سيدي أن نبقى في حراسة الجسر، لمزيد من الأمان!
جاء الصوت بعد قليل يقول: لا بأس … وهذا ما فكرت فيه …
صمت لحظة ثم قال: سوف أرسل إليكم بعض الجنود، ليكونوا معكم في المراقبة …
دهش «فهد» لكنه قال بسرعة: لا بأس يا سيدي!
وتوقف الحديث … فكَّر «فهد» لحظة: هل ستكون مجموعة كبيرة لا يستطيع أن يتصدى لها؟!
وحتى لا يضيع الوقت أرسل إلى «أحمد» رسالةً شفرية بما حدث … ثم انتظر … مرت دقائق ثم جاءته … رسالةٌ شفرية من «أحمد» تقول: ٨ – ٩٠ – ٨ – ٩٠ – ٥٨ – ٨ «نقطة» ٥٨ – ٣٤ – ٢٢ «نقطة» ٣٨ – ٨ – ٢٦ – ٧٨ «نقطة» ٤ – ٣٤ – ٢٠ – ٢٢ «نقطة» ٨ – ٥٨ – ٢ «انتهى» …
ترجم «فهد» الرسالة، ثم قال في نفسه: لا بأس … سوف يتم كل شيء كما نريد …
أسرع يقترب من الطريق المتجه إلى الجسر فكر لحظة: إنهم سوف يبحثون عن زملائهم … وسوف تكون هذه كارثة …
انتظر قليلًا ثم همس لنفسه: لا تسبق الحوادث … ربما يأتي عدد قليل، وتستطيع التخلص منه! …
كان ينظر في كل اتجاه، حتى لا يفاجأ بظهور الجنود … كانت الشمس قد انحدرت من الشرق إلى الغرب … فقال في نفسه: إن ساعة الصفر قد اقتربت …
ابتسم وقال في نفسه: لو أن الشمس تسرع إلى الغرب أكثر …
كانت مجرد أمنية لأنه يعرف أن الشمس لا تغير سرعتها … لحظة ثم ابتسم … وهمس لنفسه: لا بأس … إنه عدد معقول!
كان ثلاثة من الجنود يقتربون، وقد حمل كلٌّ منهم سلاحه … فكر لحظة: هل أرسل إليهم بعض قنابل الغاز؟
ردَّ على تفكيره: إن ذلك سوف يستدعي آخرون، يرون ما حدث لزملائهم …
انتظر قليلًا، ثم قال لنفسه مبتسمًا: إن الإبر المخدرة فيها الكفاية … فهي تعطي نتيجة سريعة، بلا صوت! …
اقترب الجنود أكثر … وأصبحوا على مرمى طلقة المسدس؛ جهز مسدسه، ووضع فيه إبرةً مخدرة ثم أحكم الهدف، وضغط الزناد، مرت لحظة، ثم أمسك الجندي ذراعه، وسقط على الأرض، وقف الآخران في فزع … قال الأول: ماذا حدث له؟!
جلس الاثنان حوله يحاولان إفاقته … ابتسم «فهد» وقال: هذه فرصة نادرة!
أحكم الهدف مرةً أخرى، ثم أطلق إبرةً مخدرة … لحظة ثم نام الثاني بجوار الأول … وقف الأخير في فزع ينظر حوله، وهو يقول: ماذا يحدث؟!
كان «فهد» يبتسم، وهو يقول: إنها فرصة أخرى نادرة!
أطلق إبرةً مخدرة على الجندي الأخير، فسقط هو الآخر بجوار زميلَيه … ولم يُضع وقتًا … أسرع إليهم … وحملهم الواحد بعد الآخر، إلى مكانٍ خفي … فجأة جاءته رسالة من «أحمد» تقول: لقد انتهينا؛ راقب الطريق جيدًا.
وقف «فهد» يغطي الطريق بعينَيه لم يكن هناك شيء … تسلل «أحمد» و«قيس» و«بو عمير» و«مصباح» في رشاقة وسرعة … وانضموا إليه …
قال «أحمد»: أهنئك على تصرفك …
ابتسم وهو يقول: لديَّ مفاجأةٌ أخرى لكم … هدية لا تحلمون بها!
ظهرت الدهشة على وجوههم، فصحبهم إلى حيث يرقد جنود العدو … همس «مصباح»: ما هذا؟!
أجاب «فهد» مبتسمًا: إنه صيد اليوم!
قال «أحمد»: لقد قمتَ بعملٍ عظيم، ولولاك، لكانت المغامرة قد فشلت … وكنا نحن في عالم آخر!
سكت لحظة، ثم قال: هيا بنا نرقب اللحظة الأخيرة …
عاد الشياطين إلى حيث يظهر الجسر أمامهم … كانت الشمس قد أخذت طريقها إلى الغروب … وبدأت أشعتها تنسحب من الوجود … ظل الشياطين في حالة مراقبة … كان القلق يستبد بهم … لكن الغروب الذي غطى الكون، جعلهم يهدءون قليلًا …
أخذ الظلام يزحف حتى أصبحت الجبال سوداء اللون … فجأةً، سمعوا أصوات عجلات … فهمس «قيس»: إنهم في الطريق!
كان الشياطين قد ثبتوا المتفجرات في الثلث الأخير من الجسر، حتى يمكن أن يوقعوا خسارةً ضخمة بقوات العدو … ارتفع الصوت أكثر … وكان هذا يعني … أنهم يقتربون … ثم فجأة ظهرت مقدمة قوات العدو … وبدأت تدخل الجسر، أمسك «أحمد» جهاز التفجير … ووضع يده على الزر الخاص به … إن ضغطةً واحدة فوق الزر، تجعل الجسر جحيمًا … ظلوا يراقبون تقدم القوات، وعندما وصلت إلى منطقة المتفجرات ضغط «أحمد» جهاز التفجير، فتردد في المكان صوت الانفجار قويًّا، وكأن الدنيا تكاد تنهدُّ … وشاهد الشياطين، قوات العدو وهي تتساقط في الوادي، إلى النهر … ثم توالت الانفجارات وأصبح الظلام، وكأنه النهار …
أرسل «أحمد» رسالةً سريعة إلى رقم «صفر» الذي ردَّ يهنئهم، ويطلب منهم العودة فورًا … فهناك مغامرةٌ جديدةٌ سريعة …
ابتسم الشياطين …
وقال «مصباح»: هذه هدية عظيمة من الزعيم!
أسرعوا إلى سيارتهم وانطلقوا بها يشقون الليل، إلى مغامرةٍ جديدةٍ أخرى …