«لعبة الصبر»
وأجاب «أحمد» على السؤال قائلًا: لقد قامت مجموعة من الغوَّاصين بالبحث في المكان الذي سقطت فيه الحقيبة ثلاثة أيام متوالية دون جدوى. ورأيي الشخصي أن شخصًا كان يختبئ بجوار رصيف الميناء في المياه هو الذي أخذها. ولأنني كنت هناك فسأحدد لكم ما حدث؛ القارب الذي يركبه «بورجي» يقترب من الرصيف ويقف … ينزل «بورجي» على السلم متجهًا إلى الرصيف وبيده الحقيبة السوداء … تنطفئ الأنوار … يطلق «يانك تورو» الرصاص على «بورجي» فيميل إلى اليمين وتسقط الحقيبة من يده في الماء أمام عشرات العيون … ومع ذلك لا يعثر عليها رغم كل الجهود التي بُذلت … وليس لهذا سوى معنًى واحد … إن شخصًا كان في انتظار تلك اللحظة ليأخذ الحقيبة «ويهرب»، شخص كان كامنًا في المياه … ويعرف خطة «يانك تورو».
وارتفعت الأصوات من الشياطين اﻟ «١٣» توافق على ما قاله «أحمد»، فمضى يقول: إن هذه الخرائط لها أهمية واحدة … إنها تُوضِّح مكان كنوز الملك «حيرام» … وما دامت هذه الكنوز في ميناء صور … فمعنى ذلك أن الذين استولَوا عليها سوف يذهبون للبحث عن الكنوز هناك … أليس كذلك؟
ارتفعت الأصوات مرةً أخرى موافقة، فقال «أحمد»: وسنكون نحن هناك أيضًا … سنحاول استعادة الخرائط … بل أكثر من هذا، سنحاول العثور على كنوز الملك.
سأل «رشيد»: وأين العالم السويسري «بورجي»؟
أحمد: إنه ما زال طريح الفراش في المستشفى … ولكنه يتماثل للشفاء.
قيس: إن الرجل الذي حصل على الخرائط لا يعمل وحده بالطبع، فمن هم الذين خلفه؟
أحمد: إنهم نفس الرجال الذين أرسلوا «يانك تورو» لقتل «بورجي»، وقد عرفنا أنهم ينتمون إلى عصابة أوروبية متخصِّصة في سرقة الآثار القديمة والمتاجرة فيها، اسمها عصابة «جولدن كراون» أو التاج الذهبي … وهي عصابة قوية، وستكون مهمتنا صعبةً في انتزاع الخرائط منها … وكالعادة سوف نختار مجموعة عمل للمواجهة مع العصابة، ومجموعةً أخرى للتغطية.
وجلس «أحمد» وتداول الشياطين اﻟ «١٣»، وتم الاتفاق على أن تتكوَّن مجموعة العمل من «أحمد» و«عثمان» و«فهد» و«ريما» و«إلهام» و«زبيدة». ثم أخذوا جميعًا يناقشون خطة المواجهة مع العصابة.
انتهى الاجتماع في التاسعة والنصف مساءً … وقامت «هدى» بإرسال تقرير إلى رقم «صفر» بما جرى، والخطة التي وُضعت … وبعد ساعة وصل تقرير من رقم «صفر» خيَّب آمال الشياطين اﻟ «١٣». وكان التقرير يقول: ليس هناك حتى الآن أثر لعصابة «جولدن كراون» في ميناء صور … إن قوات الأمن قد فحصت جوازات سفر كل الغرباء في المدينة … وتابعت جميع السفن والزوارق التي وصلت إلى الميناء … وبحثت في كل مكان عن أثر لأشخاص يمكن أن يكونوا من العصابة فلم يصلوا إلى شيء … أرجو الانتظار يومًا آخر قبل تنفيذ الخطة.
قرأت «هدى» نص تقرير رقم «صفر»، فقال «أحمد»: سننفِّذ هذه الخطة فورًا على مسئوليتي … وأرجو أن ترسلي تقريرًا إلى رقم «صفر» بذلك الآن، واطلبي منه أية معلومات عن العصابة يكون البوليس في أوروبا قد حصل عليها.
في فجر اليوم التالي كان قارب الشياطين اﻟ «١٣» وبه مجموعة العمل المكونة من «أحمد» و«إلهام» و«عثمان» و«زبيدة» و«فهد» و«ريما» يغادر ميناء بيروت في هدوء متجهًا إلى ميناء صور، وكان الزورق مزوَّدًا بكل ما يحتاجه الستة من أدوات الغوص وأجهزته وأسلحة القتال تحت الماء وفوق الماء … وملف بكل المعلومات التي توصلوا إليها … ومضى الزورق يشق طريقه بجوار الساحل اللبناني متجهًا جنوبًا إلى صور … بينما كان «أحمد» يراجع للمرة الأخيرة خطة العمل مع «إلهام»، بما في ذلك أدوات الصيد من سنانير وبنادق وشباك وغيرها … وفي العاشرة صباحًا كان الزورق يلقي بمرساته قرب شاطئ صور … وحسب الخطة الموضوعة، فقد بقي «فهد» و«ريما» في الزورق، بينما نزل «أحمد» و«إلهام» و«عثمان» و«زبيدة» إلى الشاطئ لجولة سريعة للتعرُّف على معالم المدينة.
جلسوا في أحد الكازينوهات قرب الميناء … وأخذوا ينظرون حولهم … وأحست «إلهام» بشيء من الضيق فقالت ﻟ «أحمد»: كيف تتصوَّر أننا سنعثر على هذه العصابة اللعينة ونحن نجلس في هذا المكان؟ … هل سنجد رجلًا مثلًا ينادي على عصابة للبيع … أم سيحضر إلينا رجلٌ ويقول إنني من عصابة «جولدن كراون»، ويرجونا التفضل بالقبض عليه وتسليمه إلى الجهات المسئولة؟!
ابتسم «أحمد» ومدَّ يده وأمسك أذنها قائلًا: قد نجد أحد أفراد العصابة معروضًا للبيع في واجهة أحد المحلات … ألا يكون هذا أظرف؟
واضطُرت «إلهام» إلى الابتسام ثم قالت: أظن أننا نضيِّع وقتنا بلا فائدة. لا بُدَّ من تصرُّف آخر أسرع.
أحمد: إننا أمام عصابة من الدُّهاة … وهؤلاء لا يتحرَّكون إلا حسب خطة دقيقة بعيدة عن الشبهات … لقد حصلوا على الخرائط منذ أسبوعين، ولعلهم لم يتحركوا بعد … بل لعلهم لن يقدموا على شيء قبل سنة أو أكثر … لهذا فليس أمامنا سوى الانتظار … إنها «لعبة الصبر» … فهم يتوقَّعون أن ينسى المسئولون ما حدث … ثم يتحركون بعد ذلك … أو لعلهم قد تحركوا فعلًا ولكن تحت ستار كثيف من الكتمان. من يدري؟ … إن علينا أن نتشمَّم الأخبار ولا ننسى أن «فهد» و«ريما» يراقبان حركة الميناء بالمنظار المكبِّر … ثم إننا سنقوم بالغوص بعد الظهر … ولعلنا نجد خيطًا يدلنا على مكان العصابة.
أمضوا نحو ساعتين في المدينة يتجوَّلون، ثم ركبوا قاربًا صغيرًا إلى الزورق الذي كان يقف في مواجهة الميناء، وعندما صعدوا إلى الزورق أسرع «فهد» يقول وهو يضع منظاره المكبر جانبًا: لا شيء!
ونظرت «إلهام» إلى «أحمد» … ولكنه تجاهل نظرتها … جلس على جانب الزورق ينظر إلى المياه ويفكِّر بأسلوبه المعتاد: لو كنت مكان العصابة فكيف أعمل؟ والتفت إلى بقية الشياطين وألقى السؤال: لو كنتم مكان العصابة فكيف تعملون؟
وقالت «إلهام»: إنه أسلوبك المعتاد في التفكير … إنك تسأل نفسك دائمًا: … لو كنت مكان الشخص الآخر فماذا أفعل؟
أحمد: إن هذا يضع أمامك أفضل الاحتمالات للوصول إلى معرفة العدوِّ … وهي طريقة لا تخيب أبدًا … والآن ما هي إجاباتكم؟
ردَّ «فهد»: لو كنت مكانهم لانتظرت حتى تهدأ الضجَّة ثم بدأت العمل.
أحمد: هذا ما فكرت فيه.
ثم التفت إلى «عثمان» الذي قال: أبدأ العمل في نفس ساعة الحصول على الخريطة … فقد أضاع المسئولون ثلاثة أيام في البحث عن الحقيبة … وفي هذه الأيام الثلاثة أكون قد انتهيت من العمل ما دامت معي الخرائط.
قالت «زبيدة»: أتفق مع «عثمان» في التفكير … العمل في نفس اللحظة … قبل أن يتنبَّه المسئولون ويبدءوا التحري والبحث.
وقال «خالد»: إنني أتفق مع «فهد» … فالأفضل الانتظار … إن غنيمةً قيمتها خمسون مليونًا من الجنيهات تستحق الانتظار عامًا أو عامين حتى تهدأ الضجة تمامًا … إنها خبطة العمر.
بقيت «ريما» التي ظلت ساكنةً تستمع، وعندما التفت إليها «أحمد»، في انتظار إجابتها قالت: إنني أختلف معكم جميعًا … فأنتم تفكرون بالأسلوب المعتاد … الحصول على الخرائط أولًا ثم العمل!
قال «أحمد» باهتمام: وما هي فكرتكِ أنتِ يا «ريما»؟
قالت «ريما»: أُخالف التفكير المعتاد … وأبدأ العمل قبل الحصول على الخرائط …
أثارت جملة «ريما» الانتباه لدى الشياطين الخمسة … وقال «أحمد»: إنكِ في غاية الذكاء والدهاء … اشرحي لنا أكثر …
ريما: إنني أتصوَّر عصابةً مثل «جولدن كراون» … منظمة … غنية … قوية … تعمل في سرقة التحف الأثرية وبيعها … هذه العصابة تعرف أن كنوز الملك «حيرام» غارقة في المياه في ميناء صور … وأن الخرائط موجودة عند عالم أثري هو «بورجي»، تُحاول الحصول على الخرائط من «بورجي» وتفشل … ثم تضع خطتها باستئجار قاتل محترف هو «يانك تورو» لقتل «بورجي» … والحصول على الخرائط … وهي متأكدة بنسبة كبيرة أن «تورو» لن يفشل في مهمته … وهذا ما حدث فعلًا … وما دامت متأكدةً أنها ستحصل على الخرائط فهي تستعد لاستغلالها فورًا … ومعنى هذا أنها جهَّزت الغواصين وآلات الرفع وغيرها من مستلزمات انتشال الكنز قبل الحصول على الخرائط بوقت طويل.
قال «أحمد» بحماس: معقول … معقول جدًّا.
ريما: إن العصابة الآن إمَّا أنها انتشلت الكنز ومضت به ولا سبيل للحاق بها … وإمَّا أنها تعمل الآن في انتشاله.
زبيدة: ولكن الجهات المسئولة فحصت كل شيء، ولم تجد ما يريب.
ريما: إن الجهات المسئولة بدأت العمل منذ أيام … والعصابة بدأت العمل منذ شهور … كل شيء كان جاهزًا. فلمَّا حصلت العصابة على الخرائط … لم يبقَ إلا انتشال الكنز. وكما قلت إمَّا أنها حصلت عليه ورحلت … وإمَّا أنها بسبيل الحصول عليه …
قال «أحمد»: إنني مقتنع تمامًا بما تقوله «ريما». إنها الخطة الوحيدة المعقولة للحصول على الكنز … سنغوص فورًا.
وفي الدقائق التالية كان الشياطين الستة يلبسون ملابس الغوص، ويحركون الزورق في اتجاه الميناء القديم الغارق تحت الماء.