حساب الأرباح والخسائر
ستتعلم في هذا الدرس
-
الفرق بين الفائدة والربح.
-
الأهمية الاجتماعية لحساب الأرباح والخسائر.
-
حدود حساب الأرباح والخسائر.
(١) الأرباح والخسائر توجه أصحاب الأعمال
لا يستجيب أصحاب الأعمال لأسعار بعينها وإنما للفارق بين أسعار محددة. على وجه التحديد، يقدر أصحاب الأعمال المبلغ الذي يتعين إنفاقه على مدخلات الإنتاج (توظيف عمال، شراء مواد خام، سداد فواتير الكهرباء … إلخ)، ثم يتوقعون إجمالي الإيرادات التي سيحصلون عليها من المستهلكين عند بيع منتجاتهم أو خدماتهم النهائية. باختصار، هم يقدرون ما إذا كانت إجراءاتهم المقترحة ستعود عليهم بالربح أم الخسارة بحيث تتضمن هذه العملية الحسابية أسعار السوق الحالية والمستقبلية.
وبوجه عام، تجتذب الأنشطة التي تدر أرباحًا (نقدية) مرتفعة المزيد من أصحاب الأعمال، بينما لا تلقى الأنشطة التي تكبدهم الخسائر أي إقبال منهم. وفي اقتصاد السوق الذي يتسم بالمنافسة المفتوحة، ثمة ميل إلى انخفاض الأرباح والخسائر النقدية بمرور الوقت، وذلك مع تكيف أصحاب الأعمال مع الوضع القائم. فعندما يتجه المزيد من أصحاب الأعمال إلى نشاط يحقق أرباحًا مرتفعة، فإن الجهود التي يبذلونها لشراء مدخلات الإنتاج اللازمة تتسبب في ارتفاع أسعارها، في حين أن زيادة الناتج من السلع أو الخدمات النهائية تؤدي إلى انخفاض الأسعار أمام المستهلكين. تميل الفجوة بين هاتين المجموعتين من الأسعار — التي كانت سببًا في هامش الأرباح المرتفع في الأساس — إلى التضاؤل، ومن ثم ستختفي الأرباح النقدية هي الأخرى.
ويحدث العكس عندما يكون النشاط التجاري معرضًا لخسائر متكررة؛ إذ يحجم أصحاب الأعمال الجدد عن دخول هذا القطاع، أما أصحاب الأعمال المشتركون بالفعل في هذا القطاع فإما أن يقللوا عملياتهم أو يتوقفوا تمامًا ويولوا وجوههم شطر قطاع آخر. من ثم ينخفض إجمالي طلب أصحاب الأعمال على مدخلات الإنتاج اللازمة لهذا القطاع مما يؤدي إلى انخفاض أجور العمال، وأسعار المواد الخام، وغيرها من العناصر الداخلة في هذا النشاط. على الجانب الآخر، يؤدي انخفاض المعروض من السلع أو الخدمات النهائية إلى زيادة السعر الذي يتعين على المستهلك دفعه من أجل الحصول على تلك السلع أو الخدمات. وتستمر هذه العملية حتى يرتفع السعر النهائي للسلعة إلى أقصى حد ممكن، وفي الوقت نفسه تنخفض أسعار مدخلات الإنتاج إلى أقصى حد ممكن، والنتيجة أن أصحاب الأعمال المتبقين في هذا القطاع لن يتكبدوا الخسائر بعدها من وراء إنتاج السلع أو الخدمات ذات الصلة.
(٢) الفرق بين الفائدة والربح
أوضحنا من قبل أنه عندما يرغب أحد أصحاب الأعمال في حساب هل نشاطه التجاري يعود عليه بالربح أم بالخسارة، عليه أن يأخذ في الحسبان أسعار مختلف مدخلات الإنتاج التي يستخدمها في عملياته. على سبيل المثال: إذا كان صاحب العمل يمتلك مصنعًا ينتج أجهزة التليفزيون، فعليه أن يأخذ في حسبانه: (أ) أجور العمال الذين يعملون في خط التجميع. (ب) أسعار المعادن والمواد البلاستيكية التي يشتريها بالجملة، بل أيضًا (ﺟ) النفقات التي يدفعها للشركة التي تمده بالكهرباء اللازمة لعملياته. ولن يكون نشاطه مربحًا إلا إذا كانت إيراداته من بيع الأجهزة كبيرة بما يكفي لتغطية النفقات التي ذكرناها سابقًا.
لكننا تجاهلنا واحدًا من مدخلات الإنتاج يتمتع بأهمية بالغة في أي عملية تجارية طويلة الأجل، وهو رأس المال المستثمر في هذه العملية، و«السعر» المرتبط بذلك الاستثمار معبرًا عنه بمدفوعات الفائدة. ولكي نرى تأثير مدفوعات الفائدة على الربحية دعنا نستعرض المثال التالي.
افترض أن شخصًا يستطيع إنفاق ١٠٠٠٠ دولار في شهر يناير على شراء قطعة أرض مزروعة بشجيرات عيد الميلاد الصغيرة. المالك الجديد للأرض ليس بحاجة إلى إنفاق المزيد من المال، بل كل ما عليه هو الانتظار حتى يحل شهر ديسمبر، وعندها يمكنه بيع ١٠٠ شجرة يانعة بمتوسط ٣٠ دولارًا للشجرة الواحدة. وبعد الانتهاء من بيع كل الأشجار يمكن لمالك الأرض أن يبيعها جرداء مقابل ٧٣٠٠ دولار. ومن عائد بيع الأشجار وقطعة الأرض، سيكون هذا الشخص قد حول مبلغ ١٠٠٠٠ الرئيسي إلى ٣٠٠٠ دولار + ٧٣٠٠ دولار = ١٠٣٠٠ دولار، وهو ما يفوق المبلغ الذي دفعه في البداية. هل نستنتج من ذلك أن مشروع أشجار عيد الميلاد كان مشروعًا مربحًا؟
حتى لو استخدم هذا المستثمر مدخراته، فسيرى معظم الاقتصاديين أنه تكبد خسارة في هذه الصفقة إذا كانت هناك استثمارات بديلة تحقق عائدًا أعلى (وأقل مخاطرة) من عائد مشروع أشجار عيد الميلاد الذي يساوي ٣٪. على سبيل المثال: إذا كان هذا الشخص قد أخذ في شهر يناير ١٠٠٠٠ دولار من مدخراته، واشترى سندًا تجاريًّا لمدة عام بعائد ٥٪ — وإذا رأى أن هذا الاستثمار «آمن» بنفس درجة الاستثمار في بيع أشجار عيد الميلاد — فهذا يعني أنه سيصبح أكثر فقرًا بمقدار ٢٠٠ دولار لو استثمر في بيع الأشجار. وفي هذه الحالة لن تظهر «الخسارة» النقدية في السجلات الرسمية التي يعدها المحاسب الذي يعمل لدى هذا المستثمر، لأن الخمسمائة دولار التي تمثل فائدة مفقودة على السند التجاري ليست سوى تكلفة فرصة بديلة، لا نفقات صريحة من جيبه الخاص.
(٣) الأهمية الاجتماعية لحساب الأرباح والخسائر
كثير من مراقبي اقتصاد السوق عديمي الخبرة لا يعيرون «النتيجة النهائية للبيانات المالية» اهتمامًا بوصفها عُرفًا اجتماعيًّا اعتباطيًّا بكل معنى الكلمة. فهؤلاء يرون أنه يبدو من غير المنطقي أن يتوقف عن العمل مصنع ينتج على سبيل المثال أدوية أو أحذية للرضَّع عندما يرى مالكه أنه قد حقق أقصى درجات الربح. من المؤكد أنه يمكن إنتاج المزيد من عبوات الأسبرين أو المزيد من الأحذية للأطفال ذوي الثالثة من عمرهم، لكن مالك المصنع لا يسمح بذلك، لأنه سيؤدي به إلى «خسارة النقود». على الجانب الآخر، يُنتج العديد من الكماليات والأجهزة التي تبدو في ظاهرها غير ضرورية كل يوم في اقتصاد السوق، نظرًا لأنها تدر ربحًا. وربما يتبنى المراقبون الذين يثير هذا النظام حفيظتهم شعار: «الإنتاج من أجل الناس، لا من أجل الربح!»
من ينتقدون هذا النظام لا يقدرون الخدمة الحيوية التي يوفرها اختبار الأرباح والخسائر للأفراد في اقتصاد السوق. وأيًّا كان النظام الاجتماعي السائد، فالحقيقة المؤسفة أن العالم المادي يعاني الندرة؛ فليست هناك موارد كافية لإنتاج كل السلع والخدمات التي يريدها الأفراد. وبسبب الندرة تنطوي كل القرارات الاقتصادية على مفاضلات. فعندما تخصص الموارد النادرة لإنتاج مزيد من الأدوية — على سبيل المثال — ستكون هناك بالضرورة موارد أقل لإنتاج كافة السلع الأخرى. فلا يكفي أن نسأل: «هل سيصبح العالم مكانًا أفضل إذا زاد إنتاج الأدوية؟» بل ينبغي أن يكون السؤال: «هل سيصبح العالم مكانًا أفضل إذا زاد إنتاج الأدوية، وفي المقابل قلَّ إنتاج السلع والخدمات الأخرى التي لا بد من التضحية بها من أجل زيادة إنتاج الأدوية؟»
في كتب الاقتصاد التمهيدية، غالبًا ما تُعرَّف «المشكلة الاقتصادية» بأنها القرار الذي يتخذه المجتمع بشأن كيفية تخصيص الموارد النادرة في إنتاج سلع وخدمات معينة. والواقع أن «المجتمع» لا يقرر شيئًا، بل أفراد المجتمع هم الذين يتخذون قرارات يتفاعل بعضها مع بعض لتحدد المصير النهائي لكل الموارد المتاحة للبشر. وفي اقتصاد السوق الخالص الذي ندرسه في هذا الجزء من الكتاب، يخضع كل أفراد المجتمع لقوانين الملكية الخاصة التي تملِّك وحدات معينة من الموارد لأفراد بعينهم. وفي هذا الصدد، تتحدد أسعار السوق حينما يشترك الأفراد في عمليات تبادل طوعية فيما بينهم. وهكذا، فإن الأسعار الناتجة تمكِّن أصحاب الأعمال من حساب الأرباح والخسائر (المتوقعة) من مختلف الأنشطة التجارية. إن التفاعل الذي يحدث بين أصحاب الممتلكات عندما يشتركون في عمليات تبادل طوعية هو ما يحدد السلع والخدمات التي سيجري إنتاجها، لكن الإشارات التي تبثها أسعار السوق — وحسابات الأرباح والخسائر المترتبة عليها — تساعد أصحاب الممتلكات في اتخاذ قرارات «مطَّلَعة».
ربما يكون مفيدًا أن نعود للوراء ونلقي نظرة على الصورة العامة. يقدم أصحاب الأعمال المال لمن يمتلكون خدمات الأيدي العاملة والسلع الرأسمالية والموارد الطبيعية، ثم يستخدمون هذه المدخلات لإنتاج السلع والخدمات التي يبيعونها للمستهلكين في مقابل المال (انظر الشكل التالي).
الزبون دائمًا على حق
الرؤساء الفعليون [في ظل النظام الرأسمالي] هم المستهلكون. فهم — من خلال شرائهم وإحجامهم عن الشراء — الذين يحددون من ينبغي له امتلاك رأس المال وإدارة المصانع. وهم الذين يحددون ما ينبغي إنتاجه من السلع، وبأي كمية وجودة. وعلى ذلك فسلوكياتهم إما أن تؤدي إلى تحقيق المستثمرين أرباحًا أو تكبدهم خسائر. هم من يجعلون من الفقير ثريًّا ومن الثري فقيرًا. علاوة على ذلك فإنهم ليسوا برؤساء طيِّعين، بل تملؤهم الأهواء والنزوات؛ فهم متقلبو المزاج ولا يمكن التنبؤ بأفعالهم. أيضًا هم لا يعبئون مثقال ذرة بأي فضل سابق؛ فما إن يُعرض عليهم منتج أفضل أو أقل سعرًا، حتى يسارعوا بترك الموَرِّد الذي كان يمدهم بهذا المنتج من قبل.
كتاب «البيروقراطية» صفحة ٢٢٧
عندما يتوقف مشروع تجاري ما عن العمل، فمعنى ذلك أن المستهلكين لم يكونوا على استعداد لإنفاق ما يكفي من المال على شراء المنتج النهائي لهذا المشروع، بحيث يغطي التمويل الذي يحتاجه صاحب المشروع للحصول على المدخلات النادرة من المستثمرين الآخرين الذين يريدونها لمشروعاتهم.
بالطبع لم تنته القصة عند هذا الحد. فمع أن عائدات مشروع كهذا ستكون مرتفعة للغاية، فيمكن وصف تكاليف الإنتاج التي تكبدها هذا الابن الأحمق بأنها فلكية. فإلى جانب الأيدي العاملة والأخشاب والخرسانة والمواد الأخرى، سيكون عليه إنفاق مئات الملايين من الدولارات في شراء كميات كبيرة من الذهب. سيخبره محاسبوه أنه على الرغم من العائدات المرتفعة للمشروع، فإنه حتمًا سيخسر أموالًا طائلة بسبب قراره بطلاء الشقق بالذهب الخالص. وسيكون على الابن أن يختار ما بين العودة إلى صوابه أو إهدار كل ثروته. وفي كلتا الحالتين، فإنه لن يستمر طويلًا في بناء شقق مطلية بالذهب.
والآن إذا واتتنا الفرصة للتحدث إلى هذا الابن وسؤاله عما حدث، فربما يقول: «من المكلف جدًّا استخدام الذهب في عملي.» لكن لاحظ أن هذا لا يمكن أن يكون رأي أصحاب الأعمال جميعًا. فسبب ارتفاع أسعار الذهب أن مشترين آخرين يدفعون مثل هذه الأسعار الباهظة مقابل الحصول عليه. على سبيل المثال: لا يزال الصاغة يرون أن شراء الذهب من أجل إنتاج القلائد والأقراط أمرًا مربحًا لهم، ولا يزال أطباء الأسنان يرون أن استخدام الذهب في حشو الأسنان عملية مربحة أيضًا. ومن ثمَّ لن تجد صائغًا يقول: «من المكلف جدًّا استخدام الذهب في عملي.»
وبوجه عام، فإن نظام الأرباح والخسائر يُطلِع المستثمرين وأصحاب الموارد على رغبات المستهلكين عندما يقدمون على اتخاذ قرار بشأن كم الموارد التي ستوجَّه لكل خط إنتاج محتمل. فلا مُلَّاك مناجم الذهب ولا قادة الصناعات هم من يحددون في النهاية كيف سيُستخدم الذهب في اقتصاد السوق. بل غالبًا تكون هذه القرارات محكومة بقرارات الإنفاق التي يتخذها المستهلكون. فطلب المستهلكين على الشقق العادية مقابل طلبهم على الشقق المطلية بالذهب مقرونًا بطلبهم على القلائد الفضية مقابل القلائد المطلية بالذهب هو الذي يجعل الشقق المطلية بالذهب مشروعًا غير مربح على نحو يبعث على السخرية، في حين تكون القلائد المطلية بالذهب معقولة تمامًا.
يوفر اختبار الأرباح والخسائر بنية لنظام الاقتصاد الحر. يتمتع الأفراد بحرية بدء مشروعات جديدة، وبيع مواردهم (بما في ذلك ما يقدمونه من خدمات الأيدي العاملة) لأي شخص يريدون. وفي السوق القائم على نظام الملكية الخاصة، تتحقق المكاسب عندما يأخذ أحد المستثمرين موارد ذات قيمة سوقية محددة، ويحولها إلى سلع (أو خدمات) نهائية ذات قيمة سوقية أعلى. وهذا هو السبب المهم الذي من أجله يوفر أصحاب المشروعات الذين يحققون أرباحًا خدمات محددة للآخرين في الاقتصاد. ومن دون النتائج الخاصة بحسابات الأرباح والخسائر، لن يتمكن أصحاب المشروعات من تحديد هل يستخدمون الموارد التي تدخل في مشروعاتهم استخدامًا اقتصاديًّا أم لا.
الوظيفة الاجتماعية للأرباح
«في الاقتصاد الحر الذي تُترَك فيه الأجور والتكاليف والأسعار للسوق التنافسية، يحدد مفهوم الأرباح نوع المواد التي ستُنتَج وكمّها، ويحدد أيضًا المنتجات التي لن يكون لإنتاجها مكان على الإطلاق. إذا لم يكن هناك ربح من وراء إنتاج سلعة ما، فتلك إشارة إلى أن الأيدي العاملة ورأس المال المخصصين لإنتاجها لا تُستخدم في الاتجاه الصحيح؛ أي إن قيمة الموارد اللازمة لإنتاج هذه السلعة أعلى من قيمة السلعة نفسها.
بإيجاز، أحد الأدوار المهمة التي تؤديها الأرباح أنها توجِّه عوامل الإنتاج بحيث توزِّع ناتج آلاف السلع المختلفة وفقًا لحجم الطلب عليها. ولا يمكن لأي بيروقراطي أن يحل هذه المشكلة حلًّا عشوائيًّا.»
(نيويورك: كراون تريد بيبرباكس، ١٩٧٩)، ص١٦١-١٦٢
(٤) حدود حساب الأرباح والخسائر
لا تحدد حسابات الأرباح والخسائر تصرفات الأفراد في اقتصاد السوق، وإنما توجهها فحسب. وقواعد الحساب هي أداة عقلية شبيهة بأداة علم الحساب الرئيسية. يُجبَر التلاميذ على استظهار جداول الضرب، لكن معظم الناس يدركون أن ما من شيء اعتباطي في تلك «القواعد»؛ فما هي إلا طرق مختصرة للتعبير عن حقائق موضوعية خاصة بالواقع. يتمتع البالغون بحرية تجاهل عمليات الضرب إن أرادوا ذلك، لكنهم على الأرجح لن يحرزوا تقدمًا في الحياة. إذا قرر عدد كبير من الأفراد أنهم ما عادوا «يؤمنون» بعلم الحساب، فستنهار الحضارة الإنسانية.
وبالمثل، يتعين على رجال الأعمال (أو محاسبيهم، أو المبرمجين الذين يصممون برامج أعمالهم) أن يتعلموا الطريقة الصحيحة لوضع الميزانية العمومية وبيان الدخل حتى يتسنى لهم تحديد ربحية مشروعاتهم من عدمها. وهذه التقنيات ليست اعتباطية، بل تعبر عن حقائق عن العالم المادي وأيضًا التفضيلات الشخصية للآخرين. يمكن لأي مستثمر أن يتجاهل النتيجة النهائية للبيانات المالية إذا أراد، لكنه لن يستمر في السوق طويلًا. وإذا سلك عدد كبير من المستثمرين النهج نفسه، فسرعان ما ستحل مجاعة كبرى.
على الرغم من الأهمية البالغة للأدوات العقلية كعلم الحساب والمحاسبة المالية، فهناك حدود لنفعها. فالتلاميذ يتعلمون أمورًا أخرى غير الرياضيات؛ فمنهم من يحفظ الوصايا العشر ومن يقرأ مؤلفات أرسطو، ومن يدرس الثورة الفرنسية، لكي يصبحوا أفرادًا مسئولين في المجتمع. وعلم الحساب (أو الرياضيات بوجه عام) يساعد في توجيه قرارات الأفراد، لكن من الواضح أن هناك حدودًا للدور الذي قد تؤديه هذه المعرفة.
ينطبق الأمر نفسه على المحاسبة المالية واختبار الأرباح والخسائر. جدير بالذكر أن أصحاب المشروعات في اقتصاد السوق ليسوا عبيد الرغبة في تحقيق أقصى درجات الربح؛ فيمكن لصاحب المتجر أن يغلق متجره أيام الأعياد ليقضيها بصحبة أسرته. ويمكن لصاحب العمل أيضًا أن يخفض السعر لكبار السن أو أن يؤدي خدمات لذوي الحاجة كالأعمال الخيرية. وليس في مثل هذه القرارات ما يمكن وصفه بأنه «غير اقتصادي» أو «غير مُجدٍ».
عند الحديث عن المنظومة الاجتماعية تصبح الملكية الخاصة (وما يترتب عليها من أسعار السوق وحسابات الأرباح والخسائر) ذات فائدة بالغة للبشر، لأنها توفر نوعًا من الترابط بين الأنشطة الاقتصادية. وإدراك هذه الحقيقة لا يعني أننا نقر أن «تحقيق الربح يبرر الوسيلة». على سبيل المثال: قد يكون عدد كبير من المستهلكين على استعداد لإنفاق مبالغ كبيرة من المال في شراء أشياء لاأخلاقية، لكن الربحية الناجمة عن إنتاج مثل هذه السلع أو الخدمات لا تمحو مساوئها. لا يقول علم الاقتصاد: «لا بد لشركات الإنتاج السينمائي أن تنتج أفلام العنف ما دامت تحقق الربحية الأعلى.» الواقع أن أصحاب الأعمال سينضمون على الأرجح إلى أحد القطاعات وينتجون تلك السلع التي تحقق أرباحًا أعلى، لكن علم الاقتصاد لا ينصح رجال الأعمال بتكريس حياتهم لتكديس أكبر قدر ممكن من الثروة.
حتى عندما يرى كثير من الأفراد أن أنشطة مربحة معينة ليست أخلاقية، فإنه لا يمكن إلقاء اللوم على الرغبة في تحقيق الربح في حد ذاتها، وإنما على إقبال المستهلك على أشياء لاأخلاقية. على سبيل المثال: معلوم أن مساحات شاسعة من الأرض الصالحة للزراعة تُخصَّص لزراعة التبغ بدلًا من الطماطم. لكن في النهاية ليس النظام الرأسمالي هو ما يجبر المزارعين على زراعة تلك الكميات الهائلة من التبغ، بل هي رغبة العديد من المستهلكين في إنفاق نقودهم على شراء السجائر لا على الخضراوات. ليست مشكلة من ينتقدون هذا النوع من الإنتاج غير الصحي مع نظام الملكية الخاصة في حد ذاته، بل مشكلتهم مع الخيارات الطوعية للمدخنين.
هناك الكثير من الأمور الجيدة في حياتنا بخلاف جني الأرباح، ولا يمكن اختزال كل شيء في الدولار والسنت. مع ذلك فإن أسعار النقود التي تتحدد في اقتصاد السوق تتيح للأفراد أن يضعوا الأمور في نصابها الصحيح، لكي يدركوا إلى أي مدى يتجاهلون رغبات الآخرين حينما يستغلون ممتلكاتهم الشخصية بطرق معينة.
خلاصة الدرس
-
يشير مفهوم «الفائدة» إلى العائد من إقراض المدخرات أو استثمارها في أحد المشروعات، وهو العائد الذي كان يمكن جنيه من مشروعات أخرى. ويشير «الربح الاقتصادي» إلى العائد الإضافي الذي يجنيه أحد المستثمرين من مشروع معين إضافة إلى عائد الفائدة العادية على رأس المال التي كان يمكن جنيها من مشروعات مماثلة.
-
تساعد الأرباح والخسائر في توجيه أصحاب الأعمال لاستغلال الموارد النادرة بطرق تحقق أقصى درجات الإشباع لدى مستهلكيهم. وعندما يكون النشاط مربحًا، فذاك دليل على أن صاحب العمل يحول الموارد إلى سلع وخدمات ذات قيمة أعلى. أما إذا كان صاحب العمل يتكبد خسائر، فمعناه أن المستهلكين يفضلون وقف استغلال الموارد في هذا النشاط الخاسر، وتوجيهها إلى نشاط آخر ينتج سلعًا وخدمات أعلى قيمة.
-
لا يعكس حساب الأرباح والخسائر سوى الجوانب النقدية للعمليات التجارية. وقد يستمر أحد أصحاب المشروعات في مواصلة نشاط يكبده خسائر لأنه يحقق له متعة شخصية، وليس هذا قرارًا «غير اقتصادي». مع ذلك يمكِّن الحساب الدقيق للأرباح والخسائر أصحابَ المشروعات من اتخاذ قرارات مستنيرة بشأن استغلال الموارد النادرة؛ فهم بذلك يضعون في اعتبارهم تفضيلات الأفراد الآخرين فيما يتعلق بالكيفية التي ينبغي من خلالها استغلال تلك الموارد.
مصطلحات جديدة
- إجمالي الربح/الربح المحاسبي: ما يزيد من الإيرادات عن النفقات النقدية. وهذا هو ما تقصده الصحف عندما تتحدث عن «أرباح» إحدى الشركات على مدار فترة زمنية محددة.
- صافي الربح/الربح الاقتصادي: الجزء من إجمالي الأرباح الذي يزيد عن عائد الفائدة العادي على رأس المال المستثمر.
- مشكلة اقتصادية: كيفية تخصيص موارد المجتمع النادرة (بما في ذلك الأيدي العاملة) من أجل إنتاج مزيج من السلع والخدمات التي تلبي رغبات الأفراد على أفضل نحو ممكن.
أسئلة الدرس
-
(١)
اشرح العبارة التالية: «لا يستجيب أصحاب الأعمال لأسعار بعينها وإنما للفارق بين أسعار محددة.»
-
(٢)
اشرح العبارة التالية: «وفي اقتصاد السوق الذي يتسم بالمنافسة المفتوحة، ثمة ميل إلى انخفاض الأرباح والخسائر النقدية بمرور الوقت، وذلك مع تكيف أصحاب الأعمال مع الوضع القائم.»
-
(٣)
⋆ كيف ترتبط الفائدة بالربح، وتحديدًا الفرق بين الربح المحاسبي والربح الاقتصادي؟
-
(٤)
كيف يوجِّه المستهلكون — وليس قادة الصناعات — قرارات الإنتاج في اقتصاد السوق؟
-
(٥)
هل يُجبِر اقتصاد السوق أصحابَ الأعمال على الاشتراك في الأنشطة التي تدر أعلى ربح أيًّا كانت طبيعتها؟