مراقبة الأسعار
ستتعلم في هذا الدرس
-
تعريف «التدخلية».
-
أمثلة على «السقف السعري» و«الأرضية السعرية» والنتائج المترتبة على كل منهما.
-
كيفية تحليل مراقبة الأسعار باستخدام الرسوم البيانية للعرض والطلب.
(١) مبدأ التدخلية
في الجزء الثاني من الكتاب تناولنا البنية الأساسية لاقتصاد السوق وطريقة عمله. وفي الجزء الثالث استعرضنا المشكلات النظرية للاشتراكية الخالصة، وذكرنا بعض الفظائع التي ارتكبتها الأنظمة الاشتراكية في عالم الواقع.
وفي هذا الجزء الأخير من الكتاب سندرس بعض أشهر مقوِّمات مبدأ «التدخلية»، وهو شكل من أشكال السياسات الاقتصادية يسعى إلى تفادي العيوب المزعومة للرأسمالية الخالصة والاشتراكية الخالصة. فالحكومة التدخلية لا تقبل بنتائج السوق الحرة تمامًا، لكنها على الجانب الآخر لا تلغي نظام الملكية الخاصة تمامًا. والهدف من السياسات التدخلية الإبقاء على المزايا الواضحة لنظام الاقتصاد الحر، وفي الوقت نفسه تخفيف «تجاوزات» الرأسمالية الخالصة من خلال اتخاذ تدابير تصحيحية متعددة.
وستبين الدروس التالية أن التدخل الحكومي في اقتصاد السوق يؤدي إلى عواقب غير مقصودة كثيرًا ما تجعل «العلاج» أسوأ من المرض نفسه، حتى فيما يتعلق بالأهداف الرسمية التي يُمارس من أجلها التدخل. وربما تعتريك الدهشة إذا علمت أن كثيرًا من مشكلات المجتمع المعاصر إما استفحلت بسبب تدخل الحكومة، أو نتجت فعليًّا عن هذا التدخل. والمثال الذي نشير إليه في هذا الدرس هو «مراقبة الأسعار»، وفيها تفرض الحكومة سعرًا يختلف عن سعر التوازن السوقي. وسوف نتناول الحديث هنا عن السقف السعري والأرضية السعرية.
(٢) السقوف السعرية
«السقف السعري» هو حد قانوني أقصى تفرضه الحكومة على أسعار سلع أو خدمات معينة في السوق، وتقوم الفكرة على أن السعر الآخذ في الارتفاع يصل إلى «سقف» لا يُسمح بعده قانونيًّا بمزيد من الارتفاع. وعادة ما يبرَّر فرض سقف سعري عام بأنه يبقي السلع الأساسية في متناول الفقراء، وأشهر مثال على ذلك «مراقبة الإيجار»، حيث تفرض الحكومة حدًّا أقصى على أسعار الإيجار لأنواع معينة من الشقق السكنية. وفي حالات بعينها، تُفرض أسقف سعرية مؤقتة بغرض منع «استغلال» الجمهور أوقات الأزمات. ففي أعقاب وقوع إحدى الكوارث الطبيعية — على سبيل المثال — قد تفرض الحكومة رقابة على أسعار سلع معينة كالمياه المعبأة، ومولدات الطاقة، والبنزين في محاولة لمنع التجارe من استغلال الموقف.
وبالرغم من ترحيب العامة بمثل هذه القيود — لأنها لو لم تكن تحظى بشعبية واسعة، لما سادت على هذا النحو — فإن معرفتنا بكيفية عمل الأسواق ستُظهر لنا أن الأسقف السعرية تضر بالأفراد أنفسهم الذين يُفترض أنها موضوعة تحديدًا من أجل مساعدتهم. والقائمة الآتية ليست شاملة، لكنها تتضمن بعضًا من أسوأ عواقب السقوف السعرية:
(٢-١) النقص الفوري
في الشكل السابق يمثل السعر الأساسي ٨٠٠ دولار سعرَ التوازن لإيجار شقة في إحدى المدن. وعند هذا السعر يرغب المستهلكون في استئجار ١٠٠٠٠ وحدة سكنية، ويرغب الملّاك في تأجير ١٠٠٠٠ وحدة سكنية. وهكذا يخلو السوق من المعروض ويشترك الجميع فيما يريدون من معاملات وفقًا للسعر المرتفع.
علينا إذن في هذه الخطوة الأولى من تحليلنا أن نوازن ما بين مكاسب ٩٠٠٠ مستأجر (وفَّروا ١٥٠ دولارًا شهريًّا) والخسائر الفادحة التي تكبدها ألف مستأجر توفَّر لديهم ٨٠٠ دولار شهريًّا دون أن يتمكنوا من العثور على وحدة سكنية. حتى وإن أغفلنا تمامًا مصير ملاك الوحدات السكنية — الذين هم أكثر تضررًا من مراقبة أسعار الإيجارات — وحصرنا تركيزنا في مساعدة المستأجرين، فليس من الواضح أن السقف السعري قد انتقل بجميع المستأجرين إلى حال أفضل.
وقد تكون الموازنة مدهشة أكثر في مواقف أخرى تتضمن تحديد سقوف سعرية. لنفترض على سبيل المثال أن إعصارًا ضرب إحدى المدن، وأتلف محطات الطاقة وسبَّب فيضانًا تلوثت على إثره مياه الشرب. المفترض هنا أن تميل أسعار زجاجات مياه الشرب والأغذية المعلبة إلى الارتفاع الشديد نظرًا لأن الزيادة الكبيرة في الطلب يقابلها ثبات في المعروض. لكن إذا أصدرت الحكومة مرسومًا بتغريم التجار الذين يرفعون أسعار السلع الأساسية استجابة للظروف الطارئة، فلن يؤدي ذلك إلى حصول الجميع (بمن فيهم الفقراء) على حاجاتهم الضرورية من السلع. على العكس، ما سيحدث هو أن الأفراد القليلين الذين سيصلون إلى المتاجر أولًا سيتركون الأرفف خالية بعد أن يأخذوا معهم كميات هائلة من المياه المعبأة والأغذية المعلبة بأسعار ما قبل وقوع الأزمة. أما الأفراد الذين يصلون إلى المتاجر بعد ساعات قليلة فلن يعثروا على مياه أو غذاء على الإطلاق. وهكذا فإن الأسعار المعقولة من الناحية الرسمية لن تشكل عزاء كبيرًا لهؤلاء المساكين. لا شك أنهم كانوا يفضلون دفع ٥ دولارات لشراء ١٠ زجاجات من المياه، على أن تضطر أسرتهم لتناول المياه الغازية على مدار أسبوع.
البنزين مثال آخر، فالأفراد الذين يعيشون على الساحل في طريق إعصار وشيك سيحاولون نقل أبنائهم إلى داخل البلاد. ومن ثم سيرتفع الطلب مؤقتًا على البنزين في المدينة الساحلية وهو ما سيؤدي إلى ارتفاع حاد في الأسعار قد يصل معه سعر الجالون إلى ٧ دولارات على سبيل المثال. وهذا السعر المرتفع جدًّا سيجعل سكان المدينة الساحلية لا يشترون من البنزين إلا القدر الذي يكفيهم للوصول إلى داخل البلاد حيث يمكنهم البحث عن محطات تبيع البنزين بسعر أقل. فالسعر السوقي المرتفع في هذه الحالة من شأنه أن يوزع المعروض من البنزين في المدينة (عقب ورود الأنباء عن الإعصار الوشيك) بين جميع من يرغبون في مغادرتها.
ولكن إذا هددت إدارة الحكومة ملاك محطات البنزين بتوقيع الغرامة أو حتى الحبس إذا استغلوا الوضع ورفعوا الأسعار، فإن أول مجموعة من السائقين ستملأ خزانات الوقود في سياراتهم وتفرغ المحطات من البنزين. أما من يصلون لاحقًا، فسيجدون المحطات ترفع لافتة «لا يوجد بنزين»، وسيتعين عليهم محاولة الوصول إلى داخل البلاد ربما بمقدار قليل للغاية من البنزين في خزانات سياراتهم، ومن الوارد أن ينفد الوقود في منتصف الطريق. وهكذا إذا كان الهدف مساعدة أكبر عدد من الأفراد على الابتعاد عن طريق الإعصار الوشيك بأكبر قدر ممكن من السلاسة، فإن فكرة السقوف السعرية على البنزين فكرة مروعة.
(٢-٢) انخفاض المعروض على المدى الطويل
إضافة إلى الانخفاض الفوري في الكمية المعروضة على المدى القصير، يؤدي السقف السعري أيضًا إلى خفضها على المدى الطويل، لأن أصحاب الأعمال والمستثمرين سيستجيبون للواقع الجديد بتحويل جهودهم ومواردهم إلى خطوط إنتاج أخرى لا تعاني مراقبة الأسعار. على سبيل المثال: إذا طُبِّقت قوانين مراقبة الإيجارات في منطقة حضرية كبرى، فسيحدث نقص فوري في المعروض من الوحدات السكنية. لكن المشكلة ستتفاقم بمرور الوقت، لأن عدد السكان سيزداد بينما المستثمرون لا يرون الوحدات السكنية منخفضة السعر مشروعًا مربحًا.
وهناك مثال آخر؛ فالتجار الذين يعيشون في مدينة معرضة للفيضانات لن يحتفظوا بقدر كبير من المياه المعبأة وغيرها من السلع إذا علموا أن الحكومة ستفرض سقفًا سعريًّا في حالات ربما يكون بإمكانهم فيها جني ثلاثة أضعاف ما يحققونه من أرباح. وهكذا فإن التوقعات الخاصة بمراقبة الأسعار تعرقل واحدة من الملامح الرئيسية لاقتصاد السوق؛ فبإمكان أصحاب الأعمال توقع حدوث أزمات محتملة (مثل نقص مياه الشرب) ومعرفة كيفية الاستفادة منها (بتخزين كميات كبيرة من زجاجات المياه في الأوقات العادية)، لكنهم لن يتصرفوا وفق توقعاتهم لأن الحكومة تحرمهم من مكافآت السوق التي قد تعود عليهم من جراء هذا التصرف.
(٢-٣) التوزيع غير السعري
أحد وظائف سعر السوق (الحر) أنه يوزع الكمية المعروضة من السلع على الطلبات المتنافسة عليها. فإذا أراد أحد الأفراد الحصول على عدد أكبر من الوحدات، فسيتعين عليه دفع المزيد من النقود. ويرى الكثير من المراقبين أن هذا النظام غير عادل لأنه يمنح الأثرياء ميزة واضحة.
مع ذلك فإن الحكومة لا تلغي حقيقة الندرة عندما تفرض قيودًا على الأسعار؛ فعدد الأفراد الذين يريدون الحصول على السلعة لا يزال أكبر من عدد الوحدات المتوافرة منها. كل ما في الأمر أن التوزيع لا بد أن يتم عن طريق آليات «غير سعرية». والواقع أن هذا الإجراء قد يكون بغيضًا من وجهة نظر مؤيدي فكرة مراقبة الأسعار أكثر مما كان عليه التوزيع السعري الأساسي.
على سبيل المثال: يمكن أن يصبح أصحاب الوحدات السكنية في ظل الرقابة على أسعار الإيجار أكثر تدقيقًا في اختيار المستأجرين؛ فربما يصرون على الاطلاع على مفردات المرتب على مدار عدة أشهر، ويتحققون من خلفية المتقدم لاستئجار الوحدة السكنية، ويطلبون خطابات توصية من الملَّاك السابقين. وربما يفضلون أيضًا المستأجرين من نفس الطبقة الاجتماعية أو الخلفية العرقية، سواء أكان ذلك ناجمًا عن التحيز الصريح أم عن شعورهم بقدر أكبر من الارتياح عندما يعلمون أن المستأجر يذهب إلى نفس الكنيسة التي يذهبون إليها على سبيل المثال. وفي بيئة كهذه يقع ضرر كبير على الأقليات العرقية والمهاجرين الجدد، لا سيما إذا كانوا لا يتحدثون اللغة الأم، وربما يواجهون صعوبة بالغة في الحصول على مكان للسكن. ولا شك أن هذه النتيجة تتناقض تمامًا مع ما يرنو إليه أنصار فكرة مراقبة أسعار الإيجار.
(٢-٤) انخفاض الجودة
ثمة تأثير خفي آخر للسقوف السعرية يتمثل في أنه يقلل من جودة السلع أو الخدمات التي يُفرض عليها سقف سعري. فعندما يُرغم السقف السعري البائعين على الحصول على مبلغ أقل مقابل كل وحدة يبيعونها، يقل لديهم الحافز لتصنيع سلع أو تقديم خدمات تحظى بقبول المستهلكين.
على سبيل المثال: تؤدي قوانين مراقبة الإيجارات إلى ظهور «ملَّاك البنايات المتهالكة»، وهم ملاك عقارات قساة سيِّئو السمعة يؤجرون الوحدات السكنية بأسعار منخفضة للغاية. التاجر الذي يسيء معاملة زبائنه دائمًا والذي يرفض الالتزام بشروط التعاقد في أي سوق عادية سرعان ما يخرج من السوق. أما في ظل مراقبة أسعار الإيجارات، فلا يقع ملاك الوحدات السكنية تحت ضغط منافسة كبيرة لإرضاء زبائنهم. فحتى إذا فاض الكيل بأحد المستأجرين وقرر ترك المكان الذي يستأجره، فإن صاحب العقار يعرف جيدًا أن هناك طابورًا طويلًا من المستأجرين الذين يتوقون لاستئجار ذلك المكان.
يوفر السقف السعري مجالًا أمام البائعين لتقليل جودة السلع أو الخدمات دون أن يتأثر إجمالي عائدات مبيعاتهم نتيجة لذلك. وفي المثال العددي الخاص بمراقبة الإيجارات في الشكل السابق، نلاحظ أنه يمكن لملاك الوحدات السكنية تقليل جودة الوحدات المستأجرة ما دام المستأجر راغبًا في دفع ٦٥٠ دولارًا. قد يتباطأ المالك في تبديل مصابيح الإضاءة المحترقة، وترك دهان الحوائط يتهدل بدلًا من تجديد طلائها، وبالطبع لن يستيقظ في منتصف الليل ليحل مشكلة سخان المياه التالف في شقة أحد المستأجرين. ولذلك، لم نكن دقيقين تمامًا حين أشرنا (تعقيبًا على منحنى العرض والطلب السابق) أن ٩٠٠٠ مستأجر أصبحوا أفضل حالًا لأنهم دفعوا ٦٥٠ دولارًا فقط مقابل استئجار وحدة سكنية كان إيجارها في السابق ٨٠٠ دولار. وهذا لأنهم لن يحصلوا على «نفس» الوحدة السكنية في كلتا الحالتين.
(٣) الأرضيات السعرية
«الأرضية السعرية» هي أدنى حد قانوني لا تسمح الحكومة بانخفاض سعر سلعة أو خدمة عنه. ويواجه المشترون الذين يثبت أنهم دفعوا سعرًا أقل من سعر الأرضية دفع غرامات أو أشكال أخرى من العقوبة. والمبرر الشائع وراء فرض الأرضيات السعرية أن بعض البائعين يستحقون الحصول على سعر مقابل ما يقدمونه من سلع وخدمات يكون أعلى مما قد يحصلون عليه في ظل اقتصاد السوق.
وكما هو الحال مع السقوف السعرية، تسفر الأرضيات السعرية عن الكثير من التبعات غير المحسوبة، التي من شأنها أن تدفع أنصار فكرة الأرضية السعرية إلى إعادة النظر فيما إذا كانوا يساعدون العمال غير المهرة حقيقةً أم لا. ومن بين هذه التبعات:
(٣-١) الفائض الفوري
في الشكل السابق، أجر التوازن يساوي ٥ دولارات للساعة الواحدة؛ بمعنى أنه عندما يكون سعر الساعة ٥ دولارات، يرغب أرباب العمل في توظيف ١٠٠٠٠٠ عامل، في الوقت الذي يتقدم فيه ١٠٠٠٠٠ شخص لشغل هذه النوعية من الوظائف التي لا تحتاج إلى مهارات عالية. عندما تتدخل الحكومة وترفع الأجر إلى ٨ دولارات للساعة، سيزداد عدد العمال الراغبين في الحصول على عمل إلى ١٢٠٠٠٠، بينما يقل عدد العمال المطلوبين للعمل إلى ٨٠٠٠٠. وهكذا سيظهر فائض مقداره ٤٠٠٠٠ عامل غير ماهر يرغبون في العمل مقابل الأجر السائد الذي يبلغ ٨ دولارات للساعة، لكنهم لن يحصلوا على وظيفة بصرف النظر عن عدد الوظائف التي يتقدمون إليها.
وحتى هذه المرحلة، ليس واضحًا أن قانون الحد الأدنى للأجور يعود بالفائدة على هؤلاء العمال غير المهرة. صحيح أن ٨٠٠٠٠ ألف عامل يتقاضون الآن ٣ دولارات إضافية عن كل ساعة عمل، لكن هناك ٢٠٠٠٠ شخص كانوا سيشعرون بالرضا لو تمكنوا من العمل مقابل الحصول على ٥ دولارات في الساعة، لكنهم الآن لا يجدون عملًا على الإطلاق. علاوة على ذلك، هناك ٢٠٠٠٠ عامل آخر يشعرون بالإحباط لعجزهم عن العثور على وظيفة يحصلون فيها على ٨ دولارات في الساعة، لكنهم لن يعملوا بأي حال من الأحوال لأن ٥ دولارات في الساعة ليس أجرًا مُرضيًا لهم.
ومن الأهمية بمكان أن ندرك أن قانون الحد الأدنى للأجور لا يُرغم صاحب العمل على توظيف عامل محدود المهارة. كل ما في الأمر أنه يجرّم توظيف المتقدم لنيل الوظيفة بأقل من الحد الأدنى المفروض من الحكومة. وبعيدًا عن فرض عقوبة على رفض أحد طلبات التقدم للوظيفة، يفرض قانون الحد الأدنى للأجور عبئًا أكبر على صاحب العمل عند التفكير في توظيف أحد الأشخاص لديه.
إذا استثنينا الأعمال الخيرية والمشاريع التي لا تهدف إلى الربح، يمكن القول إن صاحب العمل يوظف العامل لأنه يتوقع أن يساهم هذا العامل في زيادة الإيرادات بما يبرر الراتب الذي سيُدفع له. (إذا لم يفكر صاحب العمل أن العامل سيفعل ذلك، فسيكون الطرف الخاسر في الصفقة وسينعدم لديه الحافز لتوظيف العمال.) عندما ترفع الحكومة الحد الأدنى للأجور، فإنها تجعل عثور الأشخاص الذين تنخفض إنتاجيتهم عن مستوى معين على وظيفة أمرًا مستحيلًا.
ضع في اعتبارك أن بعض العمال غير المهرة لا ينتجون ما يعادل ٨ دولارات إضافية في الساعة. إذا كان العامل ينتج ناتجًا قيمته ٧ دولارات في الساعة، فإن فرض ٨ دولارات كحد أدنى يجبر صاحب العمل على أن يخسر دولارًا عن كل ساعة من الساعات التي يقضيها هذا العامل في العمل. وإذا كان صاحب العمل يريد زيادة أرباحه، فمن الذكاء ألا يوظف هذا العامل مطلقًا.
(٣-٢) انخفاض الطلب على المدى الطويل
على سبيل المثال: يمكن لأحد مطاعم الوجبات السريعة اليوم توظيف عدد قليل من الأشخاص، ومع ذلك يقدم مئات الوجبات في وردية عمل واحدة، بينما نفس هذا العمل في أحد مطاعم الوجبات السريعة في خمسينيات القرن الماضي كان سيتطلب عددًا أكبر من العاملين. ويُنسَب جزء من هذا الاختلاف إلى التقدم الهائل الذي طرأ على التشغيل الآلي خلال الستين عامًا الأخيرة. فبإمكان عامل مدرب جيدًا تلقيم آلة المياه الغازية بكوب فارغ وضغط أحد الأزرار، بينما يستخدم مغرفة خاصة لتعبئة البطاطس المقلية في علبة كرتونية موضوعة على حامل مخصص لهذا الغرض، وفي الوقت نفسه يتلقى من خلال سماعة متصلة بأذنه أحد الطلبات، ليبدأ على الفور تسجيل قيمة كل عنصر من عناصر الوجبة على لوحة مفاتيح. وإذا كان للزبون باقي نقود، فلن يكون العامل مضطرًّا لعدِّها، لأن آلة النقود ستُخرج الباقي في صورة مزيج مناسب من الفئات النقدية المختلفة.
(٣-٣) المنافسة غير المرتبطة بالأجور
المشكلة التي تسعى قوانين الحد الأدنى للأجور لحلها هي أن الطلب على العمالة ليس مرتفعًا إلى الحد الذي يسمح لكل عامل راغب في العمل أن يعثر على وظيفة تدر عليه دخلًا مناسبًا. وبتفعيل الحد الأدنى للأجور، لا تغير الحكومة شيئًا من تلك الحقيقة، فلا يزال العمال بحاجة إلى التنافس فيما بينهم على أي إعلان وظيفي، وكل ما يفعله الحد الأدنى للأجور أنه يستبعد أحد سبل التفاوض الممكنة. ومما يثير السخرية أن هذه الخاصية من خصائص الحد الأدنى للأجور يقع ضررها أكثر ما يكون على المجموعات الأشد احتياجًا للعمل.
على سبيل المثال: مهاجر يبلغ من العمر ٢٠ عامًا لا يتحدث اللغة الأم ولا يتمتع بخبرة وظيفية لن يستطيع التنافس على وظيفة في مصنع أمام طالب جامعي (يعمل فترة الصيف) وينتمي إلى الطبقة المتوسطة ويرتاد نفس النادي الرياضي الذي يرتاده مالك المصنع إذا تقدم كلاهما للحصول على الوظيفة مقابل الأجر نفسه. لكن إذا سُمح للمهاجر بتخفيض أجره عن منافسه الجامعي، فيمكنه حينئذ أن يفوز بالوظيفة. يمكن لصاحب المصنع أن يجازف ويوظف المهاجر الذي لا يتقن اللغة الأم مقابل ٤ دولارات في الساعة، ليرى هل هو مُكِد في عمله ويمكنه التعلم سريعًا. لكن إذا فرضت الحكومة حصول جميع الموظفين الجدد على ٨ دولارات في الساعة منذ اليوم الأول لتعيينهم، فلن يتمكن المهاجر أبدًا من العثور على وظيفة وتكوين سجل وظيفي (قانوني) يتيح له الترقي في سلم الأجور.
قوانين الحد الأدنى للأجور تحرم العمال ذوي المهارات المحدودة من التنافس على الوظائف عن طريق تخفيض أجورهم. ونتيجة لذلك، سيملأ أصحاب العمل الوظائف المتاحة (القليلة) وفقًا لمعايير أخرى. فلكي تحصل على وظيفة، ستكون بحاجة إلى معرفة شخص على علاقة بآخر يعمل بالفعل في الشركة، وهكذا. والعمال الذين لا تتوافر فيهم هذه المعايير هم بوجه عام من يظن مؤيدو فكرة الحد الأدنى للأجور أنهم يساعدونهم.
(٣-٤) انخفاض جودة بيئة العمل
عند إرغام أصحاب العمل على دفع أجر أكبر في الساعة، وعند اطمئنانهم إلى وجود صف طويل من المنتظرين الذين هم على استعداد لأن يحلوا محل أي عامل يترك وظيفته، يقل لديهم الحافز لجعل الوظائف أكثر جاذبية في نواح أخرى. على سبيل المثال: قد يقلل صاحب العمل فترات الراحة، ويتوقف عن تقديم وجبات مجانية للعمال، ولا يهتم بتبريد الهواء صيفًا أو تدفئته شتاءً. وربما يتباطأ صاحب العمل في استبدال مصابيح الإضاءة التالفة، وربما يقلل إنفاقه على الأثاث المكتبي. وربما أيضًا يزود دورات المياه بأنواع رديئة الجودة من المناديل الورقية والصابون.
قانون الحد الأدنى للأجور يلغي الترتيبات المحتملة التي من شأنها أن تجعل أصحاب العمل والعمال أكثر سعادة. لنفترض أن ٣٠٠٠ عامل يتقاضون ٨ دولارات في الساعة مقابل العمل في مصنع جوه شديد الحرارة لا يجري تبريده إلا باستخدام المراوح. يجري صاحب المصنع استطلاع رأي بين العمال، فيوافقون بالإجماع على أنهم يفضلون تقاضي ٧٫٥ دولارات في الساعة الواحدة، إذا زود صاحب العمل المصنع بتكييف مركزي. يظن صاحب المصنع من جانبه أن ١٠٠٠ عامل في وردية العمل سيوفرون له ٥٠٠ دولار في الساعة من تكاليف الأيدي العاملة. وبعد البحث يرى أنه يستطيع تركيب تكييف مركزي، ودفع فواتير الكهرباء التي ستصل قيمتها إلى ٤٥٠ دولار في الساعة.
من الواضح أن هذا الاقتراح يحقق فائدة لكلا الطرفين. صحيح أن نسبة ضئيلة ستُقتطع من أجر العمال، لكنهم سيفضلون الحصول على أجر أقل على أن يتصببوا عرقًا ٨ ساعات كل يوم. صاحب المصنع على الجانب الآخر سينفق آلاف الدولارات لتركيب الأجهزة الجديدة، لكن بمرور الوقت سيعوض أكثر مما أنفقه في البداية (وما سينفقه في دفع فواتير الكهرباء) من خلال التخفيض الذي حصل في الأجور. لكن إذا حُدد الحدد الأدنى للأجور بقيمة ٨ دولارات في الساعة، فلن ينفَّذ هذا الاقتراح المعقول، لأنه غير قانوني. ونتيجة ذلك أن يكد العمال في عملهم وهم يتصببون عرقًا، وسيقل ربح صاحب المصنع ٥٠ دولارًا عن كل ساعة. وعلى الرغم من أن المثال الأخير مختلق إلى حد ما، فإنه يبين قصورًا بالغًا في مسألة قوانين الحد الأدنى؛ فعوامل الجذب في أي وظيفة تكون متعددة، والراتب ليس سوى واحد من هذه العوامل. وعندما تفرض الحكومة حدًّا أدنى للأجور، فإنها تقلل من جودة مزايا الوظيفة الأخرى حتى إن العمال المحتفظين بوظائفهم يتضررون في نهاية الأمر، ناهيك عن هؤلاء الذين لا يستطيعون العثور على وظيفة على الإطلاق.
خلاصة الدرس
-
التدخلية مزيج من الاشتراكية والرأسمالية. فالأفراد يحتفظون بحق ملكية معظم الموارد، لكن الحكومة تنظم استخدامهم لهذه الممتلكات.
-
تؤدي السقوف السعرية إلى حدوث عجز، وانخفاض في العرض على المدى الطويل، والتوزيع غير السعري للسلع، وانخفاض في الجودة. بينما تؤدي الأرضيات السعرية إلى حدوث فائض، وانخفاض في الطلب على المدى الطويل، والمنافسة غير المرتبطة بالسعر، وانخفاض في المزايا غير النقدية للعرض الذي يقدمه المشتري.
-
توضح الرسوم البيانية للعرض والطلب حالتي العجز والفائض الناجمتين عن السقوف والأرضيات السعرية.
مصطلحات جديدة
- التدخلية: فلسلفة الاقتصاد المختلط، حيث تتدخل الحكومة كثيرًا في النظام الرأسمالي لضبط كيفية استغلال الأفراد لممتلكاتهم الخاصة.
- مراقبة الأسعار: سياسات تعاقب الأشخاص الذين يتداولون السلع والخدمات بأسعار تختلف عن حد معين تفرضه الحكومة.
- السقف السعري: نوع من مراقبة الأسعار على سلعة أو خدمة محددة تعين حدًّا أقصى على المبلغ الذي يدفعه المشتري للبائع.
- مراقبة الإيجار: سقف سعري يُفرض على إيجار الوحدات السكنية.
- مُلَّاك البنايات المتهالكة: مصطلح سلبي يُطلق على الملاك الذين لا يحافظون على جودة الشقق التي يؤجرونها، والذين يتصفون في الأغلب بانعدام الضمير.
- الأرضية السعرية: نوع من مراقبة الأسعار على سلعة أو خدمة محددة تعين حدًّا أدنى للسعر الذي يجب أن يدفعه المشتري للبائع.
- الحد الأدنى للأجور: أرضية سعرية تُفرض على الأجور التي يتقاضاها العمال.
- دعم الأسعار: سياسات حكومية تحافظ على وجود حد أدنى مقبول للأسعار ليس بواسطة تهديد المشترين الذين يدفعون أثمانًا زهيدة، وإنما عن طريق شراء الحكومة مباشرة السلعة أو الخدمة التي يحتمل أن يقل سعرها السوقي عن الحد الأدنى. (وتختلف الآثار المترتبة على دعم الأسعار عن المترتبة على الأرضيات السعرية.)
- البطالة: فائض أو وفرة في سوق الأيدي العاملة، بمعنى أن بعض العمال لا يستطيعون العثور على وظيفة بالرغم من استعدادهم لأداء نفس العمل الذي يؤديه من يشغلون الوظائف بالفعل وبنفس الأجر.