نظام الملكية الخاصة
ستتعلم في هذا الدرس
-
السبب وراء حاجة المجتمع إلى أنظمة للتعامل مع الندرة.
-
الأنظمة الرئيسية الثلاثة التي سيطبَّق عليها التحليل الاقتصادي في هذا الكتاب.
-
الملامح الأساسية للنظام الرأسمالي، المعروف أيضًا باسم اقتصاد السوق.
(١) حاجة المجتمع إلى القوانين
حتى الآن في هذا الكتاب، أوضحنا أن علم الاقتصاد يدرس عمليات التبادل، وأن أساسيات علم الاقتصاد توضح الآثار المنطقية المترتبة على الفعل المتعمد. وفي الدرس الرابع عرَّفنا بعض المفاهيم الأساسية للاقتصاد، وطبقناها على شخص افتراضي قذفت به الأمواج على سطح جزيرة نائية. والقوانين أو المبادئ التي وضعناها لروبنسون كروزو تنطبق على أي شخص آخر، بل على عاصمة صاخبة مثلما تنطبق على جزيرة كروزو النائية. لكن في هذه البيئات الأكثر تعقيدًا سيُظهر لنا علم الاقتصاد أنماطًا لم نلاحظها في سيناريو كروزو المبسط.
لكن ما إن ننتقل من دائرة شخص منعزل إلى عالم يضم فردين أو أكثر حتى تظهر مشكلة جديدة في تحليلنا؛ فماذا سيحدث عندما يرغب شخصان في استخدام نفس الوحدة من سلعة ما بطريقتين مختلفتين؟ في حالة كروزو كنا نقول إنه يقوم بعمليات التبادل مع الطبيعة نفسها. على سبيل المثال: كان يتخلى عن خمس ساعات من وقت فراغه كل يوم، وفي المقابل تهبه الطبيعة ٢٠ ثمرة من الجوز يوميًّا. وفي ضوء الواقع المادي كانت تلك «شروط التوظيف» المعروضة على كروزو.
على المستوى النظري لن يتغير الموقف عندما يُنقذ كروزو ويعود إلى الحياة المدنية. فهو ينظر إلى البيئة من حوله، ويكتشف عمليات التبادل المختلفة المتاحة أمامه، فيبدأ في اتخاذ القرارات التي تعود عليه بأعلى الفوائد مقارنة بتكاليفها. لكن في نفس الوقت يذكر علم الاقتصاد أن الجميع يفعلون الشيء نفسه. عندما كان كروزو بمفرده على الجزيرة، كان هو الوحيد الذي يملك عقلًا ذكيًّا، لذا كان الوحيد الذي يقدر قيمة الوحدات المختلفة من جوز الهند والكروم والصخور … إلخ.
وفي أي مدينة كبرى نجد ملايين من مختلف العقول تقيِّم كل العناصر المادية التي تلبي غايات البشر. وعندما يرى رجل ثمرة جوز، ليست المسألة هل تستحق هذه الثمرة الجهد الذي سيبذله للحصول عليها. ذلك لأنه إذا كانت تلك الثمرة جزءًا من مدخرات شخص آخر، فإنه لا يمكن تحقيق كلا الهدفين.
وفي المجتمع تؤدي المشكلة الاقتصادية المعروفة بالندرة إلى ظهور الصراع؛ إذ لا توجد وحدات كافية من السلع لتلبية رغبات أو تفضيلات الجميع. وبالإضافة إلى المفاضلات والقيود التي تفرضها الطبيعة، هناك قيود أخرى في المجتمع يفرضها الأفراد بعضهم على بعض.
في هذا الكتاب سنركز على ثلاثة «أنظمة» مختلفة استخدمها البشر على مر التاريخ في التعامل مع الصراع الاجتماعي الناجم عن الندرة. وفي هذا الجزء الثاني من الكتاب سنطبق رؤى الاقتصاد ضمن نطاق «الرأسمالية»، أو ما يعرف باقتصاد السوق. وفي الجزء الثالث سنلقي نظرة سريعة على محاولة علاج الندرة من خلال «الاشتراكية»، وهو نظام تملك فيه الحكومة كل السلع أو على الأقل كل السلع الإنتاجية. وأخيرًا في الجزء الرابع سنستخدم علم الاقتصاد في تحليل ما حدث فيما يطلق عليه «الاقتصاد المختلط» حيث تتدخل الحكومة بفاعلية في نظام قائم في الأساس على اقتصاد السوق، من أجل تلافي عيوبه المزعومة.
(٢) الرأسمالية: تلك ملكية خاصة!
«الرأسمالية» مصطلح تشهيري في الأساس استخدمه كارل ماركس الذي أراد التعبير عن فكرة كونها نظامًا يخدم مصالح «الرأسماليين» المحدودة. لكن كما سنرى في دروس لاحقة، فإن النظام الرأسمالي يغدق الثروة على كل أفراده، بينما يركز النظام الاشتراكي قوة هائلة في أيدي النخبة المتميزة.
الملكية هي الأساس
لا توجد الملكية بسبب وجود القوانين، بل توجد القوانين بسبب وجود الملكية.
http://bastiat.org/en/property_law.html
رأي لا أكثر
«لا تسْرِق.»
على أرض الواقع لا توجد أمثلة فعلية لنظام رأسمالي خالص. فأي اقتصاد كبير اليوم يضم إلى جانب «القطاع الخاص قطاعًا عامًّا (حكوميًّا)». وفي الوقت نفسه، ومنذ انهيار الاتحاد السوفييتي، لا توجد في يومنا هذا اقتصادات كبرى تزعم العمل وفقًا لنظام اشتراكي خالص، وإنما هناك نطاق نسبي يضم القطاع العام في مقابل القطاع الخاص.
وقد اختلف واضعو النظريات السياسية والاقتصاديون كثيرًا حول الوضع المثالي على هذا النطاق بما فيه طرفاه المتناقضان: الرأسمالية الخالصة مقابل الاشتراكية الخالصة. ولأن هذا الكتاب مقدمة لأساسيات علم الاقتصاد — وليس الفلسفة السياسية — فسنكتفي بعرض نماذج لثلاث نقاط ضمن هذا النطاق؛ النقطتين الطرفيتين ونقطة المنتصف.
في هذا الجزء من الكتاب (الجزء الثاني) سنستعرض تطبيق نظام رأسمالي خالص، حيث تكون كل السلع والخدمات مملوكة ملكية خاصة ويجري تبادلها في السوق. وسنفترض أن المشاركين في السوق يراعون حدود هذه الملكية. ويمكن لكتب أخرى أن تقدم تحليلًا اقتصاديًّا يساعدك في تكوين رأي بشأن الدور الصحيح الذي يجب أن تلعبه الحكومة في توفير خدمات قضائية وشرطية وعسكرية قد تكون ضرورية لضمان احترام الملكية الخاصة على نطاق واسع.
(٣) اقتصاد السوق والعمل الحر
كثيرًا ما ينظر الاقتصاديون إلى «السوق» كما لو كان كائنًا ذا عقل مستقل. فمثلًا: ربما يقول الاقتصاديون ممن يشككون في جدوى التدخل السياسي: «على البيروقراطيين الاهتمام بشئونهم الخاصة، وترك اتخاذ القرارات للسوق!»
لكن مصطلح «السوق» أو «اقتصاد السوق» يشير إلى شبكة عمليات التبادل التي يمارسها الأفراد مستخدمين أملاكهم الخاصة. وعندما يقول الاقتصاديون أشياء مثل: «وجَّه السوق عددًا أكبر من المعلمين إلى المدينة نتيجة ازدياد عدد السكان ممن بلغوا سن الالتحاق بالمدرسة»، فهذا لا يعدو أن يكون اختصارًا لقولنا إن الحوافز في مجتمع قائم على الملكية الخاصة دفعت مدرسين أفرادًا إلى اتخاذ قرار بالانتقال إلى تلك المدينة. وفي دروس لاحقة ستتعلم كيف تعمل هذه الحوافز في اقتصاد السوق، لكن الآن علينا أن نوضح أن «السوق» ليس شخصًا أو حتى مكانًا، وإنما مصطلح يشير إلى التعاملات التي تتم بين أصحاب الممتلكات الخاصة.
كثيرًا ما يصف الأفراد النظام الرأسمالي بأنه امتلاك «عمل حر». وهذا يعني أن الأفراد (أو مجموعات من الأفراد) يملكون حرية اختيار الدخول في أي مجال عمل يفضلونه. في العصور الوسطى كانت «النقابات» تتحكم تحكمًا صارمًا في مسألة الالتحاق بالمهن المختلفة. فمثلًا: لم يكن ممكنًا لأي شخص أن يعلن ببساطة أنه خياط أو نجار أفضل من غيره في البلدة، وأن يحاول التفوق عليهم في المنافسة. أما في اقتصاد السوق فيمكن لأي شخص يرغب في امتهان مهنة معينة أن يفعل ذلك. بالطبع عليه أن يحترم حقوق الملكية الخاصة للآخرين: فإذا أراد العمل من خلال متجر، فعليه أن يستأجر المكان أو يشتريه. وإذا أراد أن يصبح خياطًا ناجحًا، فهو بحاجة إلى أن يقنع زبائنه المحتملين بدفع أموالهم طواعية نظير الحصول على منتجاته وخدماته. أهم نقطة في العمل الحر أنه ما من حاجز إضافي يحتاج من يريد أن يصبح خياطًا أن يتخطاه، بل كل ما يحتاجه هو إقناع أصحاب الملكيات الخاصة الآخرين أن بإمكانهم جميعًا الاستفادة من التعامل معه بصفته خياطًا.
أخيرًا، دعنا نشير إلى أن جسدك هو أهم ممتلكاتك. وسواء كنا نتعامل مع كروزو على جزيرته، أو مع جرَّاح مخ في مدينة كبرى، تبقى الخدمات التي يؤديها البشر جزءًا من أكثر العناصر قيمة في الاقتصاد. وفي النظام الرأسمالي يجب أن تنسب هذه العناصر لمُلَّاك محددين. و«العبودية» تحدث عندما يملك بعض الأفراد الحق القانوني في امتلاك أجساد أفراد آخرين (وما يؤدونه من خدمات). ولأسباب أخلاقية وعملية أيضًا، لا تشكل العبودية جزءًا من نظام رأسمالي خالص. ففي اقتصاد السوق يملك العمال حرية اختيار أرباب عملهم أو بدء عمل خاص بهم كنتيجة طبيعية لامتلاكهم لأجسادهم.
خلاصة الدرس
-
يحتاج المجتمع إلى أنظمة من أجل إرساء القواعد والإجراءات، بحيث يتمكن الأفراد من التعامل بعضهم مع بعض في أجواء هادئة، وتحاشي الصراع على الموارد النادرة.
-
سيتناول هذا الكتاب ثلاثة أطر تنظيمية: الرأسمالية، والاشتراكية، والاقتصاد المختلط.
-
يؤكد النظام الرأسمالي — المعروف أيضًا باقتصاد السوق — على الملكية الخاصة للموارد. فالأفراد يتمتعون بحرية اختيار وظائفهم وبدء أي نشاط تجاري يريدون، لكن لا بد من شراء أو استئجار أي مورد يستخدمه النشاط التجاري من مالكيه.
مصطلحات جديدة
- الأنظمة: ممارسات وعلاقات اجتماعية تمكن الأفراد من التعامل بعضهم مع بعض، وتوفر إطار عمل لتوقع الأحداث داخل المجتمع.
- الرأسمالية: نظام اقتصادي يقوم على الملكية الخاصة والعمل الحر؛ فما من شخص واحد أو مجموعة أشخاص يتحكمون في النظام برمته.
- الاشتراكية: نظام اقتصادي بموجبه يقرر مسئولو الحكومة كيفية استغلال موارد المجتمع لإنتاج سلع وخدمات معينة.
- اقتصاد مختلط: نظام يسمح للمواطنين بالامتلاك القانوني للموارد، وفي نفس الوقت يضع مسئولو الحكومة القوانين التي تحد من حرية القرارات التي يمكن أن يتخذها الملاك القانونيون بشأن ممتلكاتهم.
- رأسماليون: أفراد المجتمع الرأسمالي الذين يتحكمون في (كميات هائلة من) الثروة المالية. ويمارس الرأسماليون فاحشو الثراء درجة كبيرة من التحكم في المؤسسات التجارية.
- ملكية خاصة: نظام تكون فيه الموارد ملكًا لأشخاص لا ينتمون إلى الحكومة.
- مالك: الشخص الذي يملك السلطة القانونية لاتخاذ قرار بشأن كيفية استغلال وحدة من مورد أو سلعة ما. ويمكن للمالك نقل الملكية إلى شخص آخر.
- القطاع الخاص: جزء الاقتصاد الذي يخضع لسيطرة الأفراد بعيدًا عن الحكومة. (متجر البقالة على سبيل المثال يتبع القطاع الخاص.)
- القطاع العام: جزء الاقتصاد الذي يخضع لسيطرة الحكومة. (مخفر الشرطة على سبيل المثال يتبع القطاع العام.)
- السوق/اقتصاد السوق: قد يكون مرادفًا للرأسمالية. ويشير أيضًا إلى عمليات التبادل الاختيارية التي تحدث في ظل نظام رأسمالي.
- العمل الحر: نظام يتمكن فيه الأشخاص من اختيار وظائفهم، ويتمتعون بحرية بدء أي نشاط تجاري يريدون، دون أن يكونوا بحاجة لاستصدار إذن خاص من أي شخص بدخول قطاع ما.
- النقابات: منظمات المهن في العصور الوسطى وقبل عصر الرأسمالية. وكان يتعين على الشخص الذي يرغب في أن يكون حدادًا أو نجارًا أن يحظى بقبول الأعضاء الآخرين في النقابة.
- العبودية: نظام يُعتبر فيه بعض البشر ملكية خاصة لآخرين.