الخاتمة
أيها الهائم … ما ثَمَّ طريقٌ … أنت من ترسُم دربًا بالمسير.
يتحدَّث جلادويل عن نموذج «الانتشار»، وهو منهج أكاديمي للنظر في كيفية سرَيان الابتكار بين الناس. ويستشهِد بدراسةٍ عن بِذرة ذُرة هجينة جديدة قُدِّمت للمُزارعين في ولاية أيوا. كانت البذور الجديدة مُتفوِّقةً في كلِّ شيء على تلك التي كانت تُستخدَم منذ عقود، ولكن قرار اتِّخاذها بديلًا كان بطيئًا. فمن بين المُزارعين البالِغ عددُهم ٢٥٩ مُزارعًا، لم يزرع البذور الجديدة سوى عددٍ محدودٍ من المزارعين، وبعد ذلك بعامَين، بدأ ١٦ مُزارعًا آخرون في زراعتها، وحذا حَذوَهم ٢١ آخرون بعد سنة واحدة؛ وفي السنوات اللاحقة، كانت أعداد من زَرَعوها ٣٦، ٦١، ٤٦، ٣٦، ١٤ و٣؛ وبعد تِسع سنوات، لم يتبقَّ من المزارعين سوى اثنَين لم يَقبَلا بالتغيير.
نظنُّ أن نفس دورة الاعتماد قد تحدُث مع معادلة الممارسة الجديدة؛ فبرغم كلِّ شيء، يستغرق التغيير بعض الوقت، وعلى الرُّغمِ من أنَّ مُعادلتنا ليست بِذرةً جديدة، فإنها تضمُّ بذورًا لأفكار جديدة والأهم من ذلك، أسئلة جديدة لتطرَحَها على نفسك وزملائك وفريقك، قد يكون هذا هو ما يتطلَّبُه الأمر كي تنتشر بِذرتنا الجديدة: الأسئلة، أسئلة تقودك إلى إجاباتٍ أفضل، ومِن ثَمَّ إلى أعمالٍ أفضل، والأهم من ذلك، إلى حياةٍ أفضل.
•••
هذا هو شعوري بالضبط وأنا أكتب خاتمة هذا الكتاب، عدا أنني أتحدث الآن إلى زملائي وإخواني الذين تعلموا دروسهم أيضًا من واقع السنوات التي أمضوها في المهنة. كما أن لديَّ ميزة أخرى إضافية، ألا وهي أن لديَّ أكثر من ٣٠ دقيقة.
سيقول الكثيرون إنَّ الغاية من الحياة هي العثور على السعادة، السعادة ليست هدفًا عبثيًّا ولا أنانيًّا، بل أمرٌ مهمٌّ وهدف نبيل، إنها أيضًا هدف إنساني فريد، ولكن كيف يمكن للمرء أن يُحدِّد، أو يقيس السعادة؟ حاول الاقتصادي الحائز على جائزة نوبل بول صمويلسون أن يفعل ذلك بالضبط في كتبه الاقتصادية المشهورة الواسعة الانتشار، حيث قدَّم المعادلة التالية:
تبدو هذه المعادلة للوهلة الأولى، ماديَّةً على نحوٍ أخرَق، لكن يجب عدم النظر إليها بهذه الطريقة؛ فيمكن تشبيهها أيضًا بمستويات الصفاء كما الحال في تعاليم بوذا — قَلِّل رغباتك إلى الصِّفر تُصبِح السعادة مُطلقة. غالبًا ما أُشير إلى أنه إذا حدَّدتَ سعادتك بمستوى نجاحك، فلن تتمكَّنَ أبدًا من تحقيق ما يكفي من النجاح لجعلك سعيدًا. فعندما يعمل المرء لكسْب المال فحسب، نادرًا ما يكون العمل سارًّا أو ذا معنًى؛ ولهذا السبب يتطوَّع الكثير من الناس في المنظمَّات غير الهادفة للرِّبح حيث يَشعرون أنهم يُقدِّمون مساهمةً جليلة. إن الاختبار الحقيقي لتحديد ما إذا كنتَ تحبُّ ما تفعله هو أن تسأل نفسك: هل ستستمرُّ في العمل إذا فُزتَ باليانصيب؟
من واقِع مُلاحظاتي الخاصَّة للحياة … أعظمُ ثلاثة أوهام في الحياة هي: الشُّهرَة والثروة والسُّلطة، هناك كلمة أمريكية مُلائمة تجمع مرة أخرى بين هذه الأوهام الثلاثة في وهم أعظم ألا وهي: النَّجاح. لكن الكثير من الحُكماء يعرفون أن الرغبة في النجاح والشهرة والثروة هي تسميةٌ مُلطِّفة للخوف من الفشل والفقر والجهالة، وأنَّ هذه المخاوف تُسيطر على حياتنا. (يوتانج، ١٩٦٥: ١٠٢)
إن العلاقة بين الأوهام التي ذكرَها يوتانج وبين السعادة هي بالفعل علاقة هشَّة. انظر إلى مُمثلي هوليود ممن حقَّقوا الرغبات الثلاثَ ثُم ينطفِئون في سنٍّ مُبكِّرة نسبيًّا، أو يَبدون وكأنهم يعيشون في بُؤس. يُفيد مجلس الاحتياطي الفيدرالي أنَّ أكثر من ٢٥٠ ألف عائلة أمريكية تمتلك صافي ثروة يتجاوز ١٠ ملايين دولار؛ وأن ٥٠٠ ألف عائلة لدَيها صافي ثروة يتجاوز خمسة ملايين دولار؛ كما تمتلك مليون عائلة ثروةً تقدر ﺑ ٣٫٧ مليون دولار أو أكثر؛ وأولئك الذين لدَيهم مليون دولار كصافي ثروة قد ارتفع عددهم لأكثر من خمسة ملايين عائلة. أثناء فقاعة الإنترنت، دخل مُصطلح «مُتلازمة الثروة المفاجئة» في المعجم لوصف الكثير من الناس الذين يمتلِكون الآن قُصور وسيارات أحلامهم، لكنَّهم ما زالوا غير سُعداء. يبدو أنَّنا أصبَحْنا أكثر ثراءً وأقلَّ سعادة. يقول مايكل نوفاك: «الملَلُ هو الشعور الذي يعقُب الثراء.»
ولعلَّ هذا هو السَّبَب في أنَّ أندرو كارنيجي كتب يقول: «الرجل الذي يموت غنيًّا يموت موصومًا بالعار»، ذاهبًا إلى أنَّ الأثرياء يجِب أن يُوزِّعوا أموالهم قبل موتهم. لقد عمل كارنيجي بجدٍّ على تطبيق نصيحته الخاصة؛ إذ أمضى الأعوام السبعة عشر الأخيرة من حياته في توزيع ثروته الضخمة، التي بلغَتْ نحو ٣٣٢ مليون دولار (تبرَّع روكفلر على سبيل المقارنة ﺑ ١٧٥ مليون دولار). وعلى الرغم من الجهود الهائلة التي بذَلَها، لم يستطع التخلِّي عن أمواله بالسرعة الكافية، لأنه بحلول الوقت الذي تبرَّع فيه بما يقرُب من ١٨٠ مليون دولار، كانت ثروته قد نمَتْ — بسبب سِحر الفائدة المركَّبة — إلى مبلغٍ كبير يَعدِلُ المبلغ الذي بدأ به تقريبًا؛ ولهذا السبب نقَلَ ما تبقَّى إلى أكبر مُؤسسة خيرية غير مسبوقة، وهي «مؤسسة كارنيجي». وإجمالًا، فقد تبرَّع ﺑ ٩٠ بالمائة من ثروته، منها ٨٠ بالمائة لدعم العقول البشرية في الجامعات والمكتبات والمعاهد والمدارس والمنح والمعاشات التقاعُدية لمُعلِّمي الجامعات وما إلى ذلك. ليس سيِّئًا على الإطلاق بالنسبة إلى شخصٍ وُلد فقيرًا في مدينة دَنفرلاين في اسكتلندا عام ١٨٣٥، وهاجرَتْ عائلته إلى بيتسبرج بولاية بنسلفانيا. لماذا يبدو أنه لا يُوجَد أي تلازم — في الواقع في بعض الحالات هناك علاقة عكسية — بين الثروة والسعادة؟
كان هناك ابنٌ لرجل فقير، ابتلَتْهُ السماء في لحظةٍ من لحظات سخطها بالطُّموح، فبدأ في النظر حوله مُعجبًا بأحوال الأثرياء، وتراءى له أن كوخ والده صغيرٌ جدًّا لإيوائه، وتصوَّر أنه سيكون أكثر راحةً لو أنه أقام في قصر. لقد كان مُستاءً لكونه مجبرًا على السَّير مَشيًا على الأقدام، بينما يرى الأثرياء يركَبون العربات، وتخيَّل أنه يمكنه التنقُّل بقدرٍ أكبر من الأريحية في إحدى تلك العربات، ورأى أن حاشيةً كبيرة من العبيد سوف تنتشِلُه من الكثير من المتاعب، وظنَّ أنه لو استطاع الحصول على وسائل الراحة هذه لعاشَ في هدوء وطمأنينة، لقد استحوذت عليه فكرة النعيم البعيدة هذه.
وفي سبيل بلوغ هذا المستوى من الرفاهية ورغَدِ العيش، عرَّض نفسه في السنة الأولى، بل في الشهر الأول من عزمه ذاك، لإرهاقٍ جسدي وانعِدام راحةٍ ذهنية أكثر مما كان يُمكن أن يُعانيه طوال حياته كلِّها من شدَّة حاجته لتحقيق ما يَصبو إليه. فعمل بكدٍّ بالِغ حتى يَصير مُتميزًا في بعض المهن الشاقَّة التي يكرهها، وأجبَرَ نفسه على التذلُّل لأناسٍ يحتقِرُهم، وبهذه الطريقة، حاز أخيرًا كلَّ الثروات المادية التي لطالما سعى إليها. ولكنَّه الآن في آخِر لحظات الحياة، بعد أن أهدَرَ جسَدَه بالكدْح والأمراض، وأربك عقله وأثقله بذكريات آلاف الجِراح وخيباتِ الأمل. وبدأ أخيرًا يُدرِك أنَّ الثروة والشُّهرة مُجرَّد زخارف تافهة ضئيلة النَّفع، دَورها في تحقيق الراحة الجسدية والهدوء الذهني لا يزيد عن دَور الملاقِط الصغيرة الحجم (عُلب صغيرة من الأدوات الدقيقة، كان يحملها أيام سميث المرفهون العاطِلون عن العمل) بالنسبة إلى مُحبي الدُّمى. (مقتبس في وايت، ٢٠٠٢: ٩١)
كالعادة، يطرح سميث حُجةً شديدة الإقناع، كيف سيؤثر هذا على الخطاب الذي تُوجِّهه في حفل التخرُّج؟ كان مما كتَبَه أوسكار وايلد، «ليس هناك إنسان ثريٌّ بما يكفي لأن يشتري ماضِيَه من جديد.» وبوجهٍ عام، لو كنتُ مُلزمًا بأربعةِ موضوعات رئيسة في خطاب حفل التخرُّج، فلا بُدَّ أنها ستكون الاستعداد الفِطري للمهنة ورأس المال الفكري والمغامرة والإرث.
(١) ما الذي يُناديك؟
النداء الداخلي لدى كُلِّ شخصٍ فريد من نَوعه، ويتطلَّب موهبة، وهذه الموهبة تُقاس عبر الطاقة المُتجدِّدة التي يمنحها لنا، حتى عندما ينطوي على عملٍ شاق. لا تُوجَد سعادة أكبر من مُشاهدة شخصٍ ما ينخرِط في ندائه الحقيقي بكلِّ كيانه وتفكيره ورُوحه.
(٢) طوِّر رأس مالك الفكري باستمرار
لكن تذكَّر أن رأس مالك الفكري هو أكثر من مجرَّد رأس مال بشري وهيكلي، كما أنه يتكوَّن من رأس مالك الاجتماعي، والعلاقات التي سيكون لها بالِغ الأثر في الجوانب الأخرى من حياتك. إذا كنت تعتقد أن مبدأ باريتو ينطبِق على بيئة العمل، ففكِّر في انطباقه على جوانب حياتك الشخصية. إنَّ التقاءك بشخصٍ ما ووقوعك في غرامه يَستغرق وقتًا قليلًا نسبيًّا ولكن سيكون له تأثير كبير على مستقبلك. كذلك مُقابلة زميل أو ناصحٍ مُخلِص — مِثلما قابلتُ بول لأول مرة في عام ١٩٩٦ — من شأنها أن تأخُذك في اتجاهٍ جديدٍ تمامًا. فالصُّحبة ستُقرِّر وجهتك في الحياة. لستَ بحاجةٍ لإخبارك بأشياء تعرفها بالفعل؛ يكفي أن نقول، لا تُلوِّث رأس مالك الاجتماعي بأشخاصٍ لديهم عقلية «الرابح – الخاسر» الذين يعتقدون أنَّ فوز شخصٍ يُقابله دائمًا خسارة شخصٍ آخر. طوِّر علاقاتك مع ناصحك المُخلِص والأفراد الذين تُعجَب بهم وتحترِمُهم حقًّا، سواء أكانوا زملاء أو مُؤلِّفين أو مجرَّد أصدقاء يُمكنك الوثوق فيهم، ولتكن مُرشدًا لشخصٍ أصغر سنًّا ولتوجِّهْهُ بحكمتك المتراكِمة.
(٣) المغامَرة
في كلِّ اقتصاد، كما سبَقَ أن قالت جين جيكوبز، ثمَّة صراع حاسم وجلي. ولا أعني بذلك الانقسام بين الرأسماليين والعُمَّال أو التكنوقراط والإنسانيين أو الحكومة وقطاع الأعمال أو الليبراليين والمحافظين أو الأغنياء والفقراء. فكلُّ هذه الانقسامات هي انعكاسات جُزئية ومُشوَّهة للنزاع الأعمق: الصراع بين الماضي والمستقبل، وبين البنية الحالية للصناعات وبنية الصناعات التي ستحلُّ محلَّها في يومٍ من الأيام. إنه تضارُب بين المصانع والتكنولوجيات وتشكيلات رأس المال القائمة وبين المشروعات التي قد تجعلها لا قيمةَ لها قريبًا؛ وهي المشروعات التي قد لا تكون حتى موجودة اليوم؛ والتي قد تبدو فقط كأفكارٍ أو شركاتٍ ناشئة أو مشروعاتٍ بحثية لم يُمَطْ عنها اللِّثام بعدُ، أو طموحات جامِحة لكنَّها تفتقِر للمال؛ والتي لا يُمكننا اليوم معرفتها ولا حصرها قبل حدوثها، ولكنها بمرور الوقت، في ظلِّ اقتصادٍ مُتطوِّر، سيصعد نجمُها إذا ما أُريد للنمو أن يتحقَّق. (جيلدر، ١٩٨١: ٢٣٥)
إن شراء — بل حتى قراءة — كتاب عن التغيير أسهل من إجراء التغيير بالفعل. وإذا كنتَ تفكر في المستقبل بوصفه تهديدًا، فلن تُقدِم أبدًا على الابتكار. ولكي تُجرِّب شيئًا جديدًا، يجب أن تتوقَّف عن فِعل شيء قديم. ففي نهاية المطاف، تكمُن قوة الأفكار في هذا الكتاب في تطبيقها. إن أولئك الذين يشعرون بالرضا والراحة أكثر مع الحاضر — أو ما هو أسوأ: الحنين إلى الماضي — من المرجَّح أن يظلُّوا مُحاصرين بداخله إلى الأبد، ولكن أولئك الذين يشعرون بعدَم الارتياح وعدم الرضا بواقِعهم هم الذين يخوضون غمار المخاطر ويصنعون مستقبَلَنا في نهاية المطاف.
(٤) الموروث الذي تُخلِّفُه وراءك
عندما قرأتُ أن بول طلَب أن يكتُبوا على قبره «لقد صنع فارقًا في مهنته»، أصابتني الدهشة. لقد كان هذا بالضبط ما كنتُ أقوله عن بول حتى قبل أن أُقابِله، واعتمدتُ في اعتقادي ذلك على التحوُّلات التي لاحظتُ حدوثها بين زملائي الذين حضروا معسكر التدريب الذي عقدَتْهُ مؤسَّسة «ريزالتس أكونتانتس سيستمز».
بن فرانكلين، مالك مطبعة؛ كغلاف كتاب قديم، ممزَّق المحتويات، ومنسلِخ من حروفه وتذهيبه، يرقُد هنا، طعامًا للديدان، لكن الكتاب لن يُفقَد بالكامل، لأنه سيظهر، كما يعتقد، مرةً أخرى، في نُسخة جديدة وأكثر كمالًا، صحَّحها ونقَّحها المؤلِّف.
ما الموروث الذي تُريد أن تُخلفه وراءك؟ جزء من موروثنا سيكون هذا الكتاب، الذي قدَّم لنا — باستخدام كلمات فولتير — «أعظم مواساة لنا في هذه الحياة وهي أن يملك المرء حرية التعبير عمَّا يؤمن به». لقد قرأتَ عن أفكارنا وقِيَمنا وقناعاتنا الراسخة، ولقد حاولنا إظهار تفوُّق معادلة الممارسة الجديدة على معادلة الممارسة القديمة. إنها تتحدَّى حكمة العصور لأن الحقيقة لا تُعرَف بالأقدمية.
لقد قدَّمْنا لك فرضيةً قابلة للاختبار تخضع لمبدأ الدَّحْض الذي وصفه كارل بوبر، وهي الطريقة التي تتقدَّم بها جميع فروع المعرفة العلمية، ونحن كمؤلِّفين، لن نرغَبَ في شيءٍ أكثر من قَبول نظرياتنا وأفكارنا كجُزءٍ من المبادئ المهنية المسلَّم بها فضلًا عن نقلها إلى حَيِّز التنفيذ. لقد ذكرْنا ما نعتقد أنه هو الحقيقة، ونحن الآن على استعدادٍ لقَبول التَّبِعات، على أمل أن يُكشَف النقاب عمَّا هو خطأ ويُقبَل ما هو حقيقي.
اعتادت كلير بوث لوس أن تقول: «الفرق الوحيد بين المتفائل والمتشائم أنَّ المتشائم عادة ما يكون أكثر درايةً.» وفيما يتَّصِل بالمهن، نأمل بالتأكيد أن تكون لوس مخطئة، لكن لا يزال الطريق طويلًا. وإذا ما استخدَمْنا كلمات وينستون تشرشل في حثِّ أمريكا، فإنَّ المهن ستفعل الشيء الصحيح بمجرَّد أن تستنفِدَ البدائل.
أثناء قيادة راهبةٍ شابَّة سيارتها على الطريق السريع، نفَدَ ما لدَيها من وقود. تذكَّرت أنها قبلَ ميلٍ واحدٍ مرَّت على محطَّة وقود، فخرجَتْ من سيارتها، ورفعَتْ أطراف ثوبها وعادت أدراجَها، وعندما وصلَتْ إلى المحطة لم تجد بها سوى شابٍّ واحد. قال لها إنه يودُّ مساعدتها لكنَّهُ لا يستطيع مغادَرة محطة الوقود لأن ليس في المحطة أحدٌ سواه. وقال إنه سيُحاول إيجاد عبوةٍ يمكن أن يُعطيها بعض البنزين فيها. جال في المنطقة المحيطة بمحطة الوقود لكنه لم يجد عبوةً مناسبة. الشيء الوحيد الذي وجدَه هو نونية طفلٍ صغير تُركت هناك. ملأ نونية الطفل بالبنزين وأعطاها للراهبة. فأخذتها وسارت في الطريق باتجاه سيارتها، وعندما وصلَتْ إلى سيارتها فتحت خزَّان الوقود وبدأت تصبُّ فيه البنزين. في تلك اللحظة بالضبط، وصلتْ سيارة كاديلاك كبيرة رائعة على الطريق بسرعة ٨٠ ميلًا في الساعة. كان السائق ينظُر إلى الخارج ولم يُصدِّق ما كان يراه، لذا، داس على فرامله، وتوقَّف، ثُمَّ قاد السيارة إلى الوراء، وفتح النافذة، ونظر إلى الخارج وقال: «أختاه، كم تمنَّيتُ لو كان فقط لديَّ مثل إيمانك!» (مقتَبَسة في بول وبوستريل، ١٩٩٣: ١٠)
إذا ما سعَينا لإحياء المهن وتعزيزها، وبدأنا في فهم رأس المال الفِكري الذي نصنعه، فلا يُوجَد حدٌّ لما يُمكِننا تحقيقه، ما دمنا لا نفقِد الثقة في أنفسنا.