صُعُودُ الْجَبَلِ
«وَاصِلِي السَّيْرَ يَا هايدي!»
قَرَعَتْ هَذِهِ الْكَلِمَاتُ أُذُنَيِ الطِّفْلَةِ ذَاتِ الْخَمْسِ سَنَوَاتٍ الْمُبَالِغَةِ فِي مَلْبَسِهَا، فأَوْمَأَتِ إِلَى خَالَتِهَا وَأَسْرَعَتْ مِنْ سَيْرِهَا. كَانَتِ الْأَثْوَابُ الثَّلَاثَةُ الَّتِي تَرْتَدِيهَا — أَحَدَهَا فَوْقَ الْآخَرِ — وَالشَّالُ الصُّوفِيُّ الثَّقِيلُ الْمُلْتَفُّ حَوْلَهَا قَدْ تَسَبَّبَتْ فِي أَنْ تَسِيرَ سَيْرًا بَطِيئًا فِي ذَلِك الْيَوْمِ الْحَارِّ مِنْ شَهْرِ يُونْيُو.
سَأَلَتْهَا الْخَالَةُ ديتا: «هَلْ أَنْتِ مُتْعَبَةٌ؟»
رَدَّتِ الطِّفْلَةُ: «لَا، لَكِنَّنِي أَشْعُرُ بِالْحَرِّ.»
قَالَتِ الْمَرْأَةُ فِي صَوْتٍ مُبْتَهِجٍ: «سَنَصِلُ إِلَى الْقِمَّةِ عَمَّا قَرِيبٍ. يَجِبُ أَنْ تُوَاصِلِي الْجِدَّ فِي السَّيْرِ لِمَسَافَةٍ أَطْوَلَ قَلِيلًا وَأَنْ تَخْطِي خُطُوَاتٍ وَاسِعَةً قَوِيَّةً. سَنَصِلُ هُنَاكَ فِي غُضُونِ سَاعَةٍ مِنَ الْآنَ.»
بَدَا أَنَّ سَاعَاتٍ مَضَتْ مُنْذُ أَنْ غَادَرَتَا دورفلي وَبَدَأَتَا فِي الصُّعُودِ عَبْرَ مَمَرِّ الْمُشَاةِ. لَكِنْ فِي الْحَقِيقَةِ، لَمْ يَكُنْ مَضَى سِوَى سَاعَةٍ وَاحِدَةٍ. كَانَ هَذَا الْوَقْتُ كَافِيًا لِلْوُصُولِ بِهِمَا إِلَى قَرْيَةٍ صَغِيرَةٍ مُشَيَّدَةٍ عَلَى أَحَدِ جَوَانِبِ الْجَبَلِ. يَتَوَقَّفُ النَّاسُ عَادَةً فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ لِالْتِمَاسِ الرَّاحَةِ وَزِيَارَةِ أَصْدِقَائِهِمْ وَهُمْ فِي طَرِيقِهِمْ إِلَى الْقِمَّةِ. لَكِنْ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ، لَمْ تَتَوَقَّفِ الْمَرْأَةُ الشَّابَّةُ وَالطِّفْلَةُ لِالْتِمَاسِ الرَّاحَةِ. فَقَدْ كَانَتِ الرِّحْلَةُ الَّتِي تَقُومَانِ بِهَا مِنَ الْأَهَمِّيَّةِ بِمَكَانٍ بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُهُمَا قَطْعُهَا بِزِيَارَاتٍ وُدِّيَّةٍ.
صَاحَتِ امْرَأَةٌ: «إِذَا كُنْتِ ذَاهِبَةً إِلَى أَعْلَى الْجَبَلِ، فَسَأَسِيرُ مَعَكِ يَا ديتا!»
لَوَّحَتْ ديتا وَأَوْمَأَتْ لِلْمَرْأَةِ، وَأَبْطَأَتْ مِنْ تَقَدُّمِهَا قَلِيلًا حَتَّى تَتَمَكَّنَ السَّيِّدَةُ الْعَجُوزُ مِنَ اللِّحَاقِ بِهِمَا.
سَأَلَتْهَا الْمَرْأَةُ حِينَمَا رَأَتْ هايدي: «أَظُنُّ أَنَّ هَذِهِ هِيَ الطِّفْلَةُ الَّتِي تَرَكَتْهَا أُخْتُكِ؟»
أَجَابَتْ ديتا: «نَعَمْ، إِنَّنِي أَصْطَحِبُهَا لِكَيْ تَعِيشَ مَعَ جَدِّهَا.»
– «تَنْوِينَ تَرْكَ هَذِهِ الطِّفْلَةِ مَعَهُ؟ لَا بُدَّ أَنَّكِ جُنِنْتِ! كَيْفَ يُمْكِنُكِ فِعْلُ شَيْءٍ كَهَذَا؟ عَلَى أَيَّةِ حَالٍ، لَنْ يَأْخُذَهَا مِنْكِ الرَّجُلُ الْعَجُوزُ، وَلَسَوْفَ يَطْرُدُكُمَا فِي اللَّحْظَةِ الَّتِي تَصِلَانِ فِيهَا إِلَيْهِ!»
أَجَابَتْ ديتا: «لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِك عَلَى الْأَرْجَحِ؛ فَهُوَ جَدُّهَا. وَقَدِ اعْتَنَيْتُ بِهَا مُنْذُ أَنْ مَاتَتْ أُمُّهَا عِنْدَمَا كَانَتِ الطِّفْلَةُ الْمِسْكِينَةُ ابْنَةَ عَامٍ وَاحِدٍ. لَكِنَّنِي الْآنَ تُصَادِفُنِي بَعْضُ الْفُرَصِ الْعَظِيمَةِ. أَخِيرًا سَيَكُونُ لَدَيَّ مَكَانٌ جَمِيلٌ أَعِيشُ وَأَعْمَلُ فِيهِ، إِنَّهُ الْوَقْتُ الَّذِي يَنْبَغِي فِيهِ أَنْ يُؤَدِّيَ جَدُّهَا وَاجِبَهُ.»
سَأَلَتْهَا الْمَرْأَةُ الْعَجُوزُ فِي تَعَجُّبٍ: «أَتَعْنِينَ أَنَّكِ سَتَتْرُكِينَ الطِّفْلَةَ بِبَسَاطَةٍ مَعَ جَدِّهَا وَتَرْحَلِينَ؟ يَصْعُبُ عَلَيَّ أَنْ أُصَدِّقَ أَنَّ بِمَقْدُورِكِ الْقِيَامَ بِشَيْءٍ كَهَذَا.»
سَأَلَتْهَا ديتا: «مَاذَا تَقْصِدِينَ؟ قَدْ أَدَّيْتُ وَاجِبِي مَعَ هايدي! مَا الَّذِي يَجِبُ عَلَيَّ فِعْلُهُ فِي رَأْيِكِ؟ لَا يُمْكِنُنِي أَنْ أَصْحَبَهَا مَعِي!»
لَمْ تُعْطِهَا الْمَرْأَةُ الْعَجُوزُ إِجَابَةً؛ فَقَدْ ظَهَرَ الْمَنْزِلُ الَّذِي كَانَتْ تَنْوِي زِيَارَتَهُ أَمَامَهُمْ. تَذَكَّرَتْ ديتا ذَلِكَ الْكُوخَ، حَيْثُ تَعِيشُ امْرَأَةٌ شَابَّةٌ مَعَ وَالِدَتِهَا وَابْنِهَا بيتر. كَانَ الْجَمِيعُ تَقْرِيبًا يَعْرِفُونَ الصَّبِيَّ ذَا الْأَحَدَ عَشَرَ عَامًا؛ فَقَدِ اعْتَادَ أَنْ يَنْزِلَ كُلَّ صَبَاحٍ إِلَى الْوَادِي لِجَلْبِ الْمَعْزِ ثُمَّ اقْتِيَادِهَا إِلَى أَعْلَى الْجَبَلِ وَالِاعْتِنَاءِ بِهَا حَتَّى يَحِينَ وَقْتُ الْعَوْدَةِ إِلَى الْمَنْزِلِ لِقَضَاءِ اللَّيْلِ.
قَالَتْ لَهَا الْمَرْأَةُ الْعَجُوزُ أَثْنَاءَ دُخُولِهَا إِلَى الْمَنْزِلِ لِتَزُورَ الْجَدَّةَ: «حَظًّا طَيِّبًا لَكِ!»
لَوَّحَتْ ديتا بِيَدِهَا وَرَاقَبَتِ السَّيِّدَةَ أَثْنَاءَ تَقَدُّمِهَا نَحْوَ الْكُوخِ الْبُنِّيِّ الصَّغِيرِ. لَمْ تَرْغَبْ فِي الِاعْتِرَافِ بِأَنَّ صَدِيقَتَهَا قَدْ تَكُونُ مُحِقَّةً. وَقَضَتْ دَقِيقَةً لِتَسْوِيَةِ قُبَّعَتِهَا وَتَحَوَّلَتْ بَعْدَ ذَلِكَ لِلْبَحْثِ عَنْ هايدي؛ إِذْ كَانَتْ بِحَاجَةٍ إِلَى اسْتِئْنَافِ رِحْلَتِهَا.