الْعَوْدَةُ إِلَى الْمَنْزِلِ
جَابَ السَّيِّدُ سيسمان أَرْجَاءِ الْمَنْزِلِ فِي سُرْعَةٍ؛ فَطَرَقَ الْأَبْوَابَ وَاسْتَدْعَى الْخَدَمَ، وَعَلَى الرَّغْمِ مِنْ كَوْنِهَا السَّاعَةَ الرَّابِعَةَ صَبَاحًا، كَانَ مِنَ السَّهْلِ فَهْمُ أَنَّهُ يُرِيدُ كُلَّ مَنْ فِي الْمَنْزِلِ أَنْ يَسْتَيْقِظُوا.
اسْتَيْقَظَتِ السَّيِّدَةُ روتينماير مِنْ نَوْمِهَا بِصَرْخَةِ خَوْفٍ. سَمِعَتِ السَّيِّدَ يُنَادِيهَا مُطَالِبًا إِيَّاهَا بِأَنْ تَرْتَدِيَ مَلَابِسَهَا وَتُلَاقِيَهُ فِي غُرْفَةِ الطَّعَامِ. اعْتَقَدَتْ أَنَّ الْأَمْرَ يَتَعَلَّقُ بِالشَّبَحِ الَّذِي كَانُوا جَمِيعًا قَلِقِينَ مِنْهُ. وَلَمْ تَكْتَشِفِ السَّيِّدَةُ السَّبَبَ وَرَاءَ هَذَا الِاجْتِمَاعِ إِلَّا بَعْدَ عِدَّةِ دَقَائِقَ.
قَالَ السَّيِّدُ سيسمان فِي مِزَاجٍ طَيِّبٍ: «نَحْنُ نُحَضِّرُ لِرِحْلَةٍ. جون، جَهِّزِ الْأَحْصِنَةَ وَالْعَرَبَةَ. تينيت، اذْهَبِي وَأَيْقِظِي هايدي وَأَلْبِسِيهَا مَلَابِسَهَا مِنْ أَجْلِ رِحْلَتِهَا. سيباستيان، أَسْرِعْ إِلَى الْمَنْزِلِ الَّذِي تَعْمَلُ فِيهِ ديتا وَأَحْضِرْهَا إِلَى هُنَا. سَيِّدَةُ روتينماير، أَحْضِرِي صُنْدُوقًا فَوْرًا، وَاحْزِمِي كُلَّ مَا يَخُصُّ الطِّفْلَةَ السِّوِيسْرِيَّةَ، وَأَضِيفِي بَعْضًا مِنْ أَغْرَاضِ كلارا أَيْضًا حَتَّى تَذْهَبَ الْفَتَاةُ إِلَى الْمَنْزِلِ بِمَلَابِسَ جَمِيلَةٍ. وَلَكِنِ افْعَلِي ذَلِك الْآنَ!»
وَقَفَتِ السَّيِّدَةُ روتينماير بِلَا حِرَاكٍ مُحَدِّقَةً إِلَى الْأَمَامِ. لَقَدْ تَوَقَّعَتْ قِصَّةً طَوِيلَةً عَنْ شَبَحٍ، كَانَتْ بِالتَّأْكِيدِ سَتَسْتَمْتِعُ بِهَا الْآنَ وَقَدْ جَاءَ الصَّبَاحُ. عِوَضًا عَنْ ذَلِكَ، تَلَقَّتْ تِلْكَ التَّعْلِيمَاتِ الْغَرِيبَةَ. كَانَتْ لَا تَزَالُ شَارِدَةً عِنْدَمَا رَحَلَ السَّيِّدُ سيسمان لِيَرَى كلارا.
كَمَا تَوَقَّعَ، كَانَتِ الْفَتَاةُ الْمِسْكِينَةُ مُسْتَاءَةً جِدًّا مِنْ فِكْرَةِ رَحِيلِ صَدِيقَتِهَا. وَلَكِنْ وَهِيَ تَسْتَمِعُ إِلَى كَلِمَاتِ وَالِدِهَا، فَهِمَتْ كلارا أَنَّهُمْ يَفْعَلُونَ مَا هُوَ فِي صَالِحِ هايدي.
– «مِنْ فَضْلِكَ يَا أَبِي، لَا تَتْرُكْهَا تَرْحَلُ حَتَّى أَحْزِمَ لَهَا بَعْضَ الْأَشْيَاءِ الْخَاصَّةِ فِي صُنْدُوقِهَا.»
ابْتَسَمَ وَالِدُ كلارا وَغَمَزَ لَهَا لِيُعْلِمَهَا أَنَّهُ لَا بَأْسَ مِنْ ذَلِك. فِي هَذِهِ الْأَثْنَاءِ، جَاءَتْ ديتا وَأَخْبَرَهَا السَّيِّدُ سيسمان عَنْ هايدي. طَلَبَ مِنْ ديتا أَنْ تَأْخُذَ الْفَتَاةَ إِلَى جَدِّهَا. وَلَكِنَّ الشَّابَّةَ تَذَكَّرَتْ كَيْفَ أَلْقَاهَا الرَّجُلُ الْعَجُوزُ خَارِجَ مَنْزِلِهِ. لَمْ تَكُنْ تُرِيدُ أَنْ تُوَاجِهَهُ مَرَّةً أُخْرَى! فَأَخْبَرَتِ السَّيِّدَ سيسمان أَنَّهَا مَشْغُولَةٌ جِدًّا فِي وَظِيفَتِهَا وَلَا تَسْتَطِيعُ الْمُغَادَرَةَ فِي الْوَقْتِ الْحَالِيِّ.
قَالَ السَّيِّدُ سيسمان إِنَّهُ يَتَفَهَّمُ. وَأَرْسَلَ ديتا فِي طَرِيقِهَا وَاسْتَدْعَى سيباستيان. هُوَ سَيُوَصِّلُ الْفَتَاةَ. أَعْطَاهُ السَّيِّدُ سيسمان رِسَالَةً إِلَى جَدِّ هايدي يَشْرَحُ فِيهَا كُلَّ شَيْءٍ.
فِي هَذِهِ الْأَثْنَاءِ، كَانَتْ هايدي تَقِفُ بِهُدُوءٍ عَلَى الْجَانِبِ. كَانَتْ تَرْتَدِي أَفْضَلَ مَلَابِسِهَا الْخَاصَّةِ بِيَوْمِ الْأَحَدِ وَتَنْتَظِرُ لِتَرَى مَاذَا يَحْدُثُ. كَانَتْ تينيت قَدْ أَيْقَظَتْهَا، وَلَكِنَّهَا لَمْ تَقُلْ لَهَا لِمَاذَا. عِنْدَمَا قَابَلَهَا السَّيِّدُ سيسمان عَلَى طَاوِلَةِ الْإِفْطَارِ، نَظَرَ إِلَى عَيْنَيْهَا بِحَمَاسٍ وَقَالَ: «مَا رَأْيُكِ فِي كُلِّ هَذَا يَا صَغِيرَتِي؟»
أَجَابَتْهُ هايدي بِنَظْرَةٍ حَائِرَةٍ.
ضَحِكَ السَّيِّدُ سيسمان وَقَالَ: «مَاذَا! أَنْتِ لَا تَعْلَمِينَ شَيْئًا عَنْهُ كَمَا أَرَى. أَنْتِ ذَاهِبَةٌ إِلَى مَنْزِلِكِ الْيَوْمَ. سَتَذْهَبِينَ فَوْرًا!»
هَمَسَتْ هايدي بِصَوْتٍ خَافِتٍ: «إِلَى الْمَنْزِلِ؟»
– «أَلَا تُرِيدِينَ مَعْرِفَةَ الْمَزِيدِ عَنْ ذَلِك؟»
هَتَفَتْ هايدي: «أُوه، بَلَى، بَلَى.» فِي الدَّقَائِقِ التَّالِيَةِ لَمْ تَكُنِ الْفَتَاةُ الصَّغِيرَةُ تَعْلَمُ مَا إِذَا كَانَتْ مُسْتَيْقِظَةً أَمْ أَنَّهَا تَحْلُمُ. حَاوَلَتْ أَنْ تَسْتَمِعَ إِلَى السَّيِّدِ سيسمان وَلَكِنْ كُلُّ مَا كَانَتْ تَسْتَطِيعُ التَّفْكِيرَ فِيهِ هُوَ الْجَدَّةُ وَجَدُّهَا وَبيتر وَالْمَعْزُ وَالْجَبَلُ و…
طَلَبَتْ كلارا رُؤْيَةَ هايدي وَمَلَأَتْ صُنْدُوقَهَا بِأَشْيَاءَ كَثِيرَةٍ. كَانَ هُنَاكَ فَسَاتِينُ، وَمَآزِرُ، وَمَنَادِيلُ وَأَشْيَاءُ أُخْرَى كَثِيرَةٌ.
وَأَضَافَتْ كلارا وَهِيَ تُمْسِكُ بِسَلَّةٍ: «وَانْظُرِي هُنَا.» نَظَرَتْ هايدي إِلَى دَاخِلِ السَّلَّةِ وَقَفَزَتْ مِنَ الْفَرْحَةِ. فِي الدَّاخِلِ كَانَ يُوجَدُ اثْنَا عَشَرَ رَغِيفًا مِنَ الْخُبْزِ الْأَبْيَضِ لِلْجَدَّةِ. وَفِي غَمْرَةِ السَّعَادَةِ نَسِيَتِ الْفَتَاتَانِ أنَّهُ حَانَ وَقْتُ فِرَاقِهِمَا. وَعِنْدَمَا صَاحَ أَحَدُهُمْ أَنَّ الْعَرَبَةَ جَاهِزَةٌ، لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ أَيُّ وَقْتٍ لِلْحُزْنِ.
رَكَضَتْ هايدي لِتُحْضِرَ كِتَابَهَا الْمُفَضَّلِ، الَّذِي أَعْطَتْهَا إِيَّاهُ الْجَدَّةُ. كَانَتْ تَعْلَمُ أَنَّ أَحَدًا لَمْ يَحْزِمْهُ ضِمْنَ أَغْرَاضِهَا لِأَنَّهُ كَانَ تَحْتَ وِسَادَتِهَا. وَضَعَتِ الْكِتَابَ فِي السَّلَّةِ مَعَ الْخُبْزِ الْأَبْيَضِ. ثُمَّ فَتَحَتْ خِزَانَتَهَا لِتَبْحَثَ عَنْ كَنْزٍ آخَرَ لَنْ يُفَكِّرَ أَحَدٌ فِي حَزْمِهِ، الشَّالُ الْأَحْمَرُ الْقَدِيمُ الَّذِي أَحْضَرَتْهُ مَعَهَا. لَفَّتْهُ الْفَتَاةُ حَوْلَ قِطَّةٍ لُعْبَةٍ مَحْشُوَّةٍ صَنَعَتْهَا لَهَا كلارا وَوَضَعَتْهُ فَوْقَ السَّلَّةِ. ثُمَّ ارْتَدَتْ قُبَّعَتَهَا وَتَرَكَتِ الْغُرْفَةَ. وَبَيْنَمَا كَانَتْ تَرْكَبُ الْعَرَبَةَ، قَدَّمَتْ لِكلارا أَطْيَبَ أُمْنِيَّاتِهَا وَشَكَرَتِ السَّيِّدَ سيسمان عَلَى لُطْفِهِ، كَمَا طَلَبَتْ مِنْهُ أَنْ يُوَصِّلَ شُكْرَهَا إِلَى الطَّبِيبِ. كَانَتْ تَعْلَمُ أَنَّهَا لَمْ تَكُنْ لِتَذْهَبَ إِلَى الْمَنْزِلِ لَوْلَاهُ وَلَوْلَا وَعْدُهُ بِأَنَّ كُلَّ شَيْءٍ سَيَكُونُ عَلَى مَا يُرَامُ غَدًا.
بَدَأَتِ الْعَرَبَةُ تَتَحَرَّكُ وَانْطَلَقَتْ هايدي فِي طَرِيقِهَا. تَمَسَّكَتِ بِسَلَّتِهَا جَيِّدًا عَلَى رِجْلِهَا. وَجَلَسَتْ لِسَاعَاتٍ عَدِيدَةٍ دُونَ حَرَكَةٍ كَالْفَأْرِ. كَانَتْ تَخْشَى أَنْ تَتَحَرَّكَ كَيْلَا تَسْتَيْقِظَ مِنَ الْحُلْمِ. لَمْ تَسْتَطِعْ تَصْدِيقَ أَنَّهَا أَخِيرًا مُتَّجِهَةٌ إِلَى الْمَنْزِلِ.
عِنْدَمَا انْتَهَوْا مِنْ رِحْلَةِ الْقِطَارِ، اسْتَأْجَرَ سيباستيان حِصَانًا وَعَرَبَةً لِيَأْخُذَ هايدي إِلَى أَبْعَدِ مَا يُمْكِنُ، ثم سَتُكْمِلُ هِيَ بَاقِيَ الرِّحْلَةِ سَيْرًا عَلَى الْأَقْدَامِ. طَمْأَنَتْهُ الْفَتَاةُ الصَّغِيرَةُ أَنَّهَا سَتَتَمَكَّنُ مِنْ إِيجَادِ طَرِيقِهَا صُعُودًا إِلَى الْجَبَلِ بِسُهُولَةٍ. وَسَيُحْضِرُ جَدُّهَا صُنْدُوقَهَا لَاحِقًا. أَخَذَهَا سيباستيان عَلَى انْفِرَادٍ وَأَعْطَاهَا الْخِطَابَ الْمُوَجَّهَ لِجَدِّهَا، كَمَا أَعْطَاهَا أَيْضًا لِفَافَةً صَغِيرَةً، قَالَ إِنَّهَا هَدِيَّةٌ مِنَ السَّيِّدِ سيسمان. وَضَعَتْ كِلَا الشَّيْئَيْنِ فِي السَّلَّةِ تَحْتَ أَرْغِفَةِ الْخُبْزِ الْأَبْيَضِ حَتَّى لَا تَفْقِدَهُمَا. وَلَوَّحَ سيباستيان وَهُوَ يَرَى الْفَتَاةَ الْمُبْتَسِمَةَ تَنْطَلِقُ بَعِيدًا.
عِنْدَمَا وَصَلُوا إِلَى الْقَرْيَةِ، قَفَزَتْ هايدي مِنَ الْعَرَبَةِ، وَقَالَتْ لِلسَّائِقِ إِنَّ جَدَّهَا سَيُرْسِلُ لِإِحْضَارِ الصُّنْدُوقِ وَبَدَأَتْ طَرِيقَهَا صُعُودًا إِلَى الْجَبَلِ.
بَدَا أَنَّ سَاعَاتٍ قَدْ مَرَّتْ، وَلَكِنْ أَخِيرًا لَمَحَتْ هايدي مَنْظَرَ مَنْزِلِ الْجَدَّةِ. وَبَدَأَ قَلْبُهَا يَخْفِقُ بِصَوْتٍ أَعْلَى وَأَخَذَتْ تَجْرِي أَسْرَعَ فَأَسْرَعَ. ارْتَجَفَتْ وَهِيَ تَمُدُّ يَدَهَا إِلَى الْبَابِ.
قَالَ صَوْتٌ مِنَ الدَّاخِلِ: «أُوه! يَا إِلَهِي! إِنَّهَا الطَّرِيقَةُ الَّتِي اعْتَادَتْ هايدي أَنْ تَرْكُضَ بِهَا إِلَى الدَّاخِلِ. كَمْ أَتَمَنَّى أَنْ تَكُونَ هُنَا مَعِي مَرَّةً أُخْرَى.»
صَاحَتْ هايدي: «إِنَّهُ أَنَا يَا جَدَّتِي!» رَكَضَتْ وَأَلْقَتْ بِذِرَاعَيْهَا حَوْلَ السَّيِّدَةِ. سَالَتْ دُمُوعُ الْفَرْحَةِ عَلَى وَجْنَتَيِ السَّيِّدَةِ الْعَجُوزِ.
– «نَعَمْ، نَعَمْ، هَذَا هُوَ شَعْرُهَا وَصَوْتُهَا. شُكْرًا لَكَ يَا رَبِّ! لَقَدِ اسْتَجَبْتَ لِدَعَوَاتِي!» انْهَمَرَتْ دُمُوعُ الْفَرَحِ مِنَ الْعُيُونِ الْعَمْيَاءِ وَاسْتَقَرَّتْ عَلَى يَدِ هايدي: «هَلْ هَذِهِ أَنْتِ حَقًّا يَا هايدي؟ هَلْ عُدْتِ حَقًّا؟»
أَجَابَتْ هايدي: «نَعَمْ يَا جَدَّتِي. أَنَا هُنَا حَقًّا. لَا تَبْكِي. أَنَا هُنَا حَقًّا.» ثُمَّ ضَغَطَتِ الْفَتَاةُ بِيَدِ السَّيِّدَةِ الْعَجُوزِ عَلَى وَجْنَتَيْهَا. لَقَدْ كَانَ شُعُورًا افْتَقَدَتْهُ مِرَارًا وَتَكْرَارًا عَلَى مَدَارِ الشُّهُورِ الْقَلِيلَةِ الْمَاضِيَةِ.