أَخْبَارٌ مِنْ أَصْدِقَاءَ بَعِيدِينَ
كَانَ شِتَاءً طَوِيلًا وَلَكِنْ أَخِيرًا جَاءَ شَهْرُ مَايُو. تَعَلَّمَ بيتر الْقِرَاءَةَ جَيِّدًا بِمُسَاعَدَةِ هايدي. وَصَارَتِ الْجَدَّةُ تَسْتَمْتِعُ بِسَمَاعِ تَرْنِيمَةٍ كُلَّ يَوْمٍ. شَعَرَ بيتر بِالرِّضَا عَنْ تَعَلُّمِهِ وَقَرَّرَ الذَّهَابَ إِلَى الْمَدْرَسَةِ بِانْتِظَامٍ أَكْثَرَ. أَحْدَثَتْ هايدي فَرْقًا لِكُلٍّ مِنَ الْجَدَّةِ وَبيتر.
أَحْدَثَ نُورُ الشَّمْسِ فَرْقًا كَبِيرًا أَيْضًا. عِنْدَمَا ظَهَرَتْ أُولَى عَلَامَاتِ الرَّبِيعِ، انْتَقَلَ الْجَدُّ وَهايدي إِلَى الْجَبَلِ مَرَّةً أُخْرَى. بَدَأَتِ الْفَتَاةُ الصَّغِيرَةُ وَجَدُّهَا الِاسْتِعْدَادَ لِزُوَّارِ الرَّبِيعِ مِنْ فَوْرِهِمَا. لَمْ يَمْضِ وَقْتٌ طَوِيلٌ حَتَّى جَاءَ خِطَابُ كلارا.
كَانَتِ الزِّيَارَةُ تَبْعُدُ عَلَى الْأَقَلِّ سِتَّةَ أَسَابِيعَ، وَلَكِنَّ الزُّوَّارَ كَانُوا قَادِمِينَ! لَمْ تُطِقِ الْجَدَّةُ وَكلارا الِانْتِظَارَ.
مَرَّ الْوَقْتُ حَتَّى مَوْعِدِ زِيَارَةِ كلارا بِبُطْءٍ وَلَكِنَّهُ مَرَّ أَخِيرًا. ثُمَّ جَاءَ الْيَوْمُ عِنْدَمَا شُوهِدَ مَوْكِبٌ غَرِيبُ الشَّكْلِ يَشُقُّ طَرِيقَهُ صُعُودًا لِلْجَبَلِ. فِي الْأَمَامِ كَانَ رَجُلَانِ يَحْمِلَانِ كُرْسِيًّا. وَجَلَسَتْ فَتَاةٌ مَلْفُوفَةٌ بِالشِّيلَانِ عَلَى الْكُرْسِيِّ. وَخَلْفَهَا كَانَتِ امْرَأَةٌ تَمْتَطِي حِصَانًا مَعَ دَلِيلٍ يَمْشِي بِجَانِبِهَا. بَعْدَ ذَلِكَ كَانَ ثَمَّةَ مَقْعَدٌ يَدْفَعُهُ رَجُلٌ آخَرُ. وَأَخِيرًا كَانَ هُنَاكَ رَجُلٌ يَحْمِلُ لَفَّةً كَبِيرَةً مِنَ الشِّيلَانِ وَالْفَرْوِ حَتَّى إِنَّهَا كَانَتْ تَعْلُو رَأْسَهُ.
صَرَخَتْ هايدي: «هَا قَدْ جَاءُوا! هَا قَدْ جَاءُوا!» كَانَتْ تَقْفِزُ مِنَ الْفَرْحَةِ. فَقَدْ كَانَوا بِالْفِعْلِ الضُّيُوفَ مِنْ فرانكفورت.
وَصَلَتْ كلارا وَالْجَدَّةُ أَخِيرًا إِلَى الْكُوخِ وَتَعَرَّفَا إِلَى الْجَدِّ. بَعْدَ وَقْتٍ قَصِيرٍ تَصَرَّفَ الْأَرْبَعَةُ كَأَصْدِقَاءَ قُدَامَى. وَبَيْنَمَا كَانَتِ الْجَدَّةُ وَالْجَدُّ يُجَهِّزَانِ الْحَلِيبَ وَالْجُبْنَ الْمُحَمَّصَ لِوَجْبَتِهِمْ، كَانَتْ هايدي تَدْفَعُ كُرْسِيَّ كلارا إِلَى كُلِّ بُقْعَةٍ وَصَفَتْهَا لَهَا مِنْ قَبْلُ. وَأَخِيرًا جَلَسَتِ الْمَجْمُوعَةُ لِلْغَدَاءِ.
سَأَلَتِ الْجَدَّةُ فِي دَهْشَةٍ: «هَلْ أَرَاكِ حَقًّا تَأْخُذِينَ قِطْعَةً أُخْرَى مِنَ الْجُبْنِ الْمُحَمَّصِ يَا كلارا؟»
– «أُوه، إِنَّ مَذَاقَهَ رَائِعٌ حَقًّا يَا جَدَّتِي، أَفْضَلُ مِنْ كُلِّ الْأَطْبَاقِ الَّتِي نَتَنَاوَلُهَا فِي الْمَنْزِلِ.»
قَالَ الْجَدُّ: «إِنَّهُ هَوَاءُ الْجَبَلِ! يَبْدُو كُلُّ شَيْءٍ أَفْضَلَ هُنَا.»
بَعْدَ الْوَجْبَةِ، أَرَتْهُمَا هايدي الْكُوخَ مِنَ الدَّاخِلِ. وَادَّخَرَتْ غُرْفَتَهَا لِلْآخِرِ.
قَالَتِ الْجَدَّةُ: «إِنَّ الْمَكَانَ مُبْهِجٌ جِدًّا هُنَا يَا هايدي! فَيُمْكِنُكِ النَّظَرُ مُبَاشَرَةً إِلَى السَّمَاءِ مِنْ فِرَاشِكِ. وَتَسْمَعِينَ حَفِيفَ أَشْجَارِ التَّنُّوبِ فِي الْخَارِجِ، وَتَشُمِّينَ رَائِحَةً طَيِّبَةً جِدًّا حَوْلَكِ. لَمْ أَرَ أَبَدًا غُرْفَةَ نَوْمٍ جَمِيلَةً وَمُبْهِجَةً كَهَذِهِ.»
قَالَ الْجَدُّ: «لَقَدْ كُنْتُ أُفَكِّرُ، إِذَا كُنْتِ رَاغِبَةً، يُمْكِنُ لِكلارا أَنْ تَبْقَى فِي الْأَعْلَى هُنَا. أَنَا مُتَأَكِّدٌ أَنَّهَا سَتُصْبِحُ أَقْوَى وَسَنَعْتَنِي بِهَا جَيِّدًا.»
– «أَنْتَ طَيِّبٌ جِدًّا. أَشْكُرُكَ مِنْ كُلِّ قَلْبِي.» أَخَذَتِ الْجَدَّةُ يَدَهُ وَصَافَحَتْهُ مُصَافَحَةً طَوِيلَةً مُمْتَنَّةً.
فِي نِصْفِ السَّاعَةِ التَّالِيَةِ كَانَتِ الْإِثَارَةُ تَعُمُّ الْمَكَانَ. عَمِلَتِ الْجَدَّةُ وَالْجَدُّ عَلَى تَجْهِيزِ كُلِّ شَيْءٍ. صَنَعَتِ الشِّيلَانُ وَالْبَطَاطِينُ الَّتِي أَحْضَرَهَا الزُّوَّارُ مَعَهُمْ غِطَاءً مِثَالِيًّا لِفِرَاشِ كلارا الْمَصْنُوعِ مِنَ التِّبْنِ. وَكَانَتْ كلارا وَهايدي مُتَحَمِّسَتَيْنِ جِدًّا لِدَرَجَةِ أَنَّهُمَا لَمْ تَسْتَطِيعَا الْحَدِيثَ. ضَحِكَتَا وَرَاقَبَتَا الْجَدَّيْنِ وَهُمَا يَعْمَلَانِ بِعِنَايَةٍ شَدِيدَةٍ لِتَهْيِئَةِ كُلِّ شَيْءٍ عَلَى نَحْوٍ مُرْضٍ. وَبَعْدَ فَتْرَةٍ قَصِيرَةٍ كَانَتِ الْجَدَّةُ عَلَى حِصَانِهَا. لَوَّحَتْ مُوَدِّعَةً الْفَتَاتَيْنِ وَوَعَدَتْ بِرُؤْيَتِهِمَا قَرِيبًا.
هَذِهِ اللَّيْلَةَ بَيْنَمَا كَانَتْ كلارا مُسْتَلْقِيَةً فِي مَخْزَنِ التِّبْنِ، نَظَرَتْ عَبْرَ النَّافِذَةِ الْمُسْتَدِيرَةِ إِلَى النُّجُومِ اللَّامِعَةِ.
– «هايدي، يَبْدُو الْأَمْرُ بِالضَّبْطِ وَكَأَنَّنَا فِي عَرَبَةٍ عَالِيَةٍ وَنُوشِكُ عَلَى السَّيْرِ مُبَاشَرَةً نَحْوَ السَّمَاءِ.»
أَجَابَتْ هايدي: «النُّجُومُ تَلْمَعُ لِأَنَّهَا تَعِيشُ فَوْقًا فِي السَّمَاءِ وَسَعِيدَةٌ، ثُمَّ تُومِئُ لَنَا لِأَنَّهَا تُرِيدُ لَنَا السَّعَادَةَ أَيْضًا. أَتَعْلَمِينَ؟ إِنَّ اللهَ يُصْلِحُ كُلَّ شَيْءٍ بِحَيْثُ لَا يَكُونُ ثَمَّةَ دَاعٍ لِلْقَلَقِ. فَكُلُّ شَيْءٍ سَيَكُونُ عَلَى مَا يُرَامُ فِي النِّهَايَةِ.»
جَلَسَتِ الْفَتَاتَانِ، وَتَلَتَا صَلَوَاتِهِمَا ثُمَّ وَضَعَتَا رَأْسَيْهِمَا عَلَى الْفِرَاشِ طَلَبًا لِلرَّاحَةِ. رَقَدَتْ كلارا مُسْتَيْقِظَةً لِمُدَّةٍ طَوِيلَةٍ، غَيْرَ مُصَدِّقَةٍ رَوْعَةَ هَذَا الْيَوْمِ. وَشَكَرَتِ اللهَ مِرَارًا لِجَعْلِ هَذَا الْيَوْمِ بِهَذَا الْجَمَالِ.