زِيَارَةُ الْجَدَّةِ
يَوْمًا بَعْدَ يَوْمٍ كَانَتْ هايدي تَقْضِي وَقْتَهَا مَعَ بيتر. ذَهَبَا عَالِيًا إِلَى الْمُرُوجِ وَبَيْنَ الصُّخُورِ وَالْأَزْهَارِ. وَعِنْدَمَا أَصْبَحَ الْجَوُّ بَارِدًا فِي النِّهَايَةِ، وَطَلَبَ الْجَدُّ مِنْ هايدي أَنْ تَبْقَى بِالْمَنْزِلِ، شَعَرَ بيتر بِنَفْسِ التَّعَاسَةِ الَّتِي شَعَرَتْ بِهَا الْفَتَاةُ الصَّغِيرَةُ. فَلَمْ يَفْتَقِدِ الطَّعَامَ الْإِضَافِيَّ أَثْنَاءَ الْغَدَاءِ فَحَسْبُ، وَلَكِنَّهُ كَانَ لَدَيْهِ دَائِمًا مُشْكِلَاتٌ أَكْثَرُ مَعَ الْمَعْزِ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ. فَقَدْ بَدَا أَنَّ الْحَيَوَانَاتِ تَتَصَرَّفُ عَلَى نَحْوٍ أَفْضَلَ فِي وُجُودِ هايدي اللَّطِيفَةِ لِإِرْشَادِهَا.
عِنْدَمَا أَصْبَحَ الْجَوُّ بَارِدًا جِدًّا، لَمْ يَعُدْ بيتر يَأْخُذُ الْمَعْزَ لِلْخَارِجِ. كَانَ ذَلِكَ هُوَ وَقْتُ ذَهَابِهِ إِلَى الْمَدْرَسَةِ. أَحَبَّتْ هايدي أَنْ تَسْأَلَهُ أَسْئِلَةً عَنْ دِرَاسَتِهِ، وَلَكِنَّ بيتر لَمْ يَكُنْ مُولَعًا بِإِجَابَةِ الْفَتَاةِ. فَقَدْ أَحَبَّ عَمَلَهُ كَرَاعٍ لِلْمَعْزِ أَكْثَرَ بِكَثِيرٍ مِنْ حُبِّهِ لِلْمَدْرَسَةِ. وَذَاتَ مَسَاءٍ، أَعْطَى هايدي رِسَالَةً بَدَلًا مِنَ الْإِجَابَةِ عَلَى أَسْئِلَتِهَا.
قَالَ الصَّبِيُّ: «أَرْسَلَتْ لَكِ جَدَّتِي رِسَالَةً وَقَالَتْ إِنَّهَا تَوَدُّ أَنْ تَأْتِي لِزِيَارَتِهَا.»
كَانَتْ فِكْرَةُ الذَّهَابِ لِزِيَارَةِ أَحَدٍ جَدِيدَةً تَمَامًا عَلَى هايدي. وَعَلَى مَدَارِ الْأَيَّامِ الْقَلِيلَةِ التَّالِيَةِ، أَزْعَجَتِ الْجَدَّ كَثِيرًا حَوْلَ الذَّهَابِ حَتَّى إِنَّهُ اسْتَسْلَمَ أَخِيرًا لِرَغْبَتِهَا.
قَامَ الْجَدُّ مِنْ عَلَى الطَّاوِلَةِ. وَصَعِدَ إِلَى مَخْزَنِ التِّبْنِ وَأَنْزَلَ الْجِوَالَ السَّمِيكَ لِيَلُفَّ الْفَتَاةَ الصَّغِيرَةَ بِهِ. ثُمَّ ذَهَبَ إِلَى الْحَظِيرَةِ وَخَرَجَ يَسْحَبُ مِزْلَجَةً كَبِيرَةً. بَعْدَ الصُّعُودِ إِلَى كُرْسِيِّ الْمِزْلَجَةِ، وَضَعَ الْفَتَاةَ الصَّغِيرَةَ فِي وَضْعٍ مُرِيحٍ فِي حِجْرِهِ. وَانْطَلَقَا كَطَائِرٍ يُحَلِّقُ بِرَشَاقَةٍ فِي الْهَوَاءِ. وَفِي غُضُونِ دَقَائِقَ كَانَا قَدْ تَوَقَّفَا أَمَامَ كُوخِ بيتر.
– «هَا قَدْ وَصَلْتِ الْآنَ. اذْهَبِي إِلَى الدَّاخِلِ. وَعِنْدَمَا يَبْدَأُ حُلُولُ الظَّلَامِ يَجِبُ أَنْ تَعُودِي إِلَى الْبَيْتِ فِي الْحَالِ.» ثُمَّ تَرَكَهَا وَصَعِدَ الْجَبَلَ، سَاحِبًا الْمِزْلَجَةَ خَلْفَهُ.
فَتَحَتْ هايدي بَابَ الْكُوخِ وَدَخَلَتْ إِلَى الْغُرْفَةِ الصَّغِيرَةِ الْمُظْلِمَةِ. كَانَ فِيهَا مِدْفَأَةٌ وَبَدَتْ كَالْمَطْبَخِ. وَفِي الرُّكْنِ، كَانَتْ تَجْلِسُ سَيِّدَةٌ عَجُوزٌ، مُنْحَنِيَةُ الظَّهْرِ مِنْ تَقَدُّمِ الْعُمْرِ. كَانَتْ تَغْزِلُ الصُّوفَ فَتُحَوِّلُهُ إِلَى خَيْطٍ بِاسْتِخْدَامِ مِغْزَلٍ كَبِيرٍ. سَارَتْ هايدي نَحْوَهَا.
قَالَتْ: «يَوْمٌ سَعِيدٌ يَا جَدَّتِي. لَقَدْ أَتَيْتُ أَخِيرًا. هَلْ ظَنَنْتِ أَنَّنِي لَنْ أَصِلَ إِلَى هُنَا أَبَدًا؟»
رَفَعَتِ السَّيِّدَةُ الْعَجُوزُ رَأْسَهَا وَتَحَسَّسَتْ طَرِيقَهَا إِلَى الْيَدِ الَّتِي مَدَّتْهَا الطِّفْلَةُ. «هَلْ أَنْتِ الطِّفْلَةُ الَّتِي تَعِيشُ عَلَى قِمَّةِ الْجَبَلِ؟ هَلْ أَنْتِ هايدي؟»
أَجَابَتْ هايدي: «نَعَمْ، نَعَمْ. لَقَدْ نَزَلْتُ عَلَى الْمِزْلَجَةِ مَعَ جَدِّي.»
سَأَلَتِ السَّيِّدَةُ الْعَجُوزُ ابْنَتَهَا الَّتِي كَانَتْ تَخِيطُ شَيْئًا فِي رُكْنِ الْغُرْفَةِ: «هَلْ هَذَا مَعْقُولٌ؟ يَدَاكِ دَافِئَتَانِ جِدًّا! كَيْفَ تَبْدُو يَا بريجيتا؟»
قَالَتِ الْمَرْأَةُ الْأَصْغَرُ سِنًّا: «إِنَّهَا فَتَاةٌ صَغِيرَةٌ جَمِيلَةٌ، مِثْلَمَا كَانَتْ أُمُّهَا. وَأَعْتَقِدُ أَنَّ جَدَّهَا يَعْتَنِي بِهَا! فَهِيَ تَبْدُو بِحَالٍ طَيِّبَةٍ جِدًّا!»
أَثْنَاءَ هَذَا الْوَقْتِ لَمْ تَكُنْ هايدي وَاقِفَةً فِي مَكَانِهَا. فَقَدْ كَانَتْ تَتَجَوَّلُ فِي الْغُرْفَةِ، وَتَنْظُرُ بِاهْتِمَامٍ إِلَى كُلِّ مَا يُوجَدُ بِهَا. وَفَجْأَةً هَتَفَتْ: «جَدَّتِي، وَاحِدٌ مِنْ مَصَارِيعِ النَّوَافِذِ يَتَحَرَّكُ ذَهَابًا وَإِيَابًا مُحْدِثًا ضَوْضَاءَ. سَيَأْتِي جَدِّي وَيُصْلِحُهُ لَكِ. أَتَرَيْنَ كَيْفَ هُوَ مُسْتَمِرٌّ فِي ضَجِيجِهِ؟»
قَالَتِ السَّيِّدَةُ الْعَجُوزُ: «طِفْلَتِي الْعَزِيزَةَ، لَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَرَى وَلَكِنَّنِي أَسْتَطِيعُ أَنْ أَسْمَعَ. يُوجَدُ عُيُوبٌ كَثِيرَةٌ فِي هَذَا الْمَنْزِلِ. فَكَثِيرًا مَا أَسْمَعُ لَهُ صَرِيرٌ وَخَشْخَشَةٌ حَتَّى إِنَّنِي أَرْقُدُ فِي فِرَاشِي لَيْلًا وَأَنَا مُسْتَيْقِظَةٌ أُفَكِّرُ فِي أَنَّ الْمَكَانَ كُلَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يَنْهَارَ. ولَا يُوجَدُ مَنْ يُصْلِحُهُ لَنَا. بيتر لَا يَعْرِفُ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ.»
سَأَلَتْ هايدي: «لِمَاذَا لَا يُمْكِنُكِ رُؤْيَةُ مِصْرَاعِ النَّافِذَةِ؟»
– «هايدي، عَزِيزَتِي، لَا أَسْتَطِيعُ رُؤْيَةَ أَيِّ شَيْءٍ.»
– «وَلَكِنْ إِذَا أَخَذْتُكِ خَارِجًا فِي الثَّلْجِ، سَيَكُونُ هُنَاكَ ضَوْءٌ أَكْثَرُ. مُؤَكَّدٌ سَوْفَ تَرَيْنَهُ عِنْدَ ذَلِك.»
– «لَا يَا عَزِيزَتِي. إِنَّ الظَّلَامَ يُلَازِمُنِي دَائِمًا الْآنَ. سَوَاءٌ فِي الثَّلْجِ أَوْ فِي الشَّمْسِ، لَا يُمْكِنُ لِلضَّوْءِ مُسَاعَدَتِي.»
لَمْ تَكُنْ هايدي لِتَسْتَسْلِمَ، حَيْثُ قَالَتْ: «وَلَكِنْ فِي الصَّيْفِ يَا جَدَّتِي، عِنْدَمَا تَكُونُ الشَّمْسُ السَّاخِنَةُ سَاطِعَةً سَتَكُونُ الدُّنْيَا مُشْرِقَةً وَجَمِيلَةً أَمَامَكِ مُجَدَّدًا.»
– «أُوه، يَا طِفْلَتِي، لَنْ أَرَى أَشِعَّةَ الشَّمْسِ تَلْمَعُ فَوْقَ الْجِبَالِ وَلَا الزُّهُورَ الصَّفْرَاءَ أَبَدًا.»
عَلَى وَقْعِ هَذِهِ الْكَلِمَاتِ، انْفَجَرَتْ هايدي فِي بُكَاءٍ عَالٍ. وَفِي حُزْنِهَا ظَلَّتْ تَقُولُ: «لِمَاذَا لَا يُمْكِنُ لِأَحَدٍ أَنْ يُضِيءَ الظَّلَامَ مِنْ أَجْلِكِ مُجَدَّدًا؟ لِمَاذَا لَا يُمْكِنُكِ الرُّؤْيَةُ؟»
حَاوَلَتِ الْجَدَّةُ أَنْ تُهَدِّئَ مِنْ رَوْعِ الْفَتَاةِ، وَلَكِنْ لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّهْلِ إِسْكَاتُهَا. لَمْ تَكُنْ هايدي كَثِيرَةَ الْبُكَاءِ. وَلَكِنْ عِنْدَمَا تَبْكِي، كَانَ يَصْعُبُ عَلَيْهَا الْخُرُوجُ مِنْ حَالَةِ الْحُزْنِ الَّتِي انْتَابَتْهَا لِوَقْتٍ طَوِيلٍ.
وَأَخِيرًا قَالَتِ الْجَدَّةُ: «تَعَالَيْ إِلَى هُنَا يَا هايدي الْحَبِيبَةُ. أَخْبِرِينِي كَيْفَ حَالُ جَدِّكِ. أَخْبِرِينِي مَاذَا تَفْعَلِينَ هُنَاكَ فِي الْأَعْلَى. لَقَدْ عَرَفْتُهُ جَيِّدًا فِي الْأَيَّامِ الْخَوَالِي، وَلَكِنْ لَمْ أَسْمَعْ عَنْهُ شَيْئًا لِأَعْوَامٍ الْآنَ. كُلُّ مَا أَعْرِفُهُ أَسْمَعُهُ مِنْ بيتر الَّذِي لَا يُخْبِرُنِي بِالْكَثِيرِ أَبَدًا.»
جَلَبَ هَذَا فِكْرَةً جَدِيدَةً وَسَعِيدَةً لِهايدي، فَجَفَّفَتْ دُمُوعَهَا سَرِيعًا وَقَالَتْ: «انْتَظِرِي حَتَّى أُخْبِرَ جَدِّي بِكُلِّ شَيْءٍ. سَيُضِيءُ لَكِ الظَّلَامَ مَرَّةً أُخْرَى. أَنَا مُتَأَكِّدَةٌ. وَسَيُصْلِحُ لَكِ مَنْزِلَكِ أَيْضًا. سَيُصْلِحُ كُلَّ شَيْءٍ.»
كَانَتِ الْجَدَّةُ صَامِتَةً. بَدَأَتْ هايدي فِي سَرْدِ حَيَاتِهَا الْمَرِحَةِ مَعَ الْجَدِّ وَالْأَيَّامِ الَّتِي قَضَتْهَا عَلَى الْجَبَلِ مَعَ الْمَعْزِ. وَأَخْبَرَتِ الْجَدَّةَ عَنِ الرِّعَايَةِ الْمُمْتَازَةِ الَّتِي يُقَدِّمُهَا لَهَا الْجَدُّ وَعَنْ كُلِّ الْأَشْغَالِ الْخَشَبِيَّةِ الْجَمِيلَةِ الَّتِي يَقُومُ بِهَا حَوْلَ الْمَنْزِلِ.
اسْتَمَعَتِ الْجَدَّةُ بِاهْتِمَامٍ. بَدَتْ هِيَ وَابْنَتُهَا مُنْدَهِشَتَيْنِ مِنَ الْأَشْيَاءِ الرَّائِعَةِ الَّتِي كَانَتْ هايدي تَقُولُهَا عَنِ الرَّجُلِ الْعَجُوزِ. تَحَدَّثَتِ الْفَتَاةُ الصَّغِيرَةُ حَتَّى انْفَتَحَ الْبَابُ فَجْأَةً.
هَتَفَتْ عِنْدَمَا رَأَتِ الصَّبِيَّ: «بيتر!»
كَانَتِ ابْتِسَامَةُ بيتر عَرِيضَةً، تَمَامًا مِثْلَ ابْتِسَامَةِ الْفَتَاةِ. ضَحِكَ وَهِيَ تَتَقَافَزُ حَوْلَهُ فِي مَرَحٍ.
قَالَتِ الْجَدَّةُ بِسُرْعَةٍ: «بيتر، كَيْفَ حَالُ الْقِرَاءَةِ مَعَكَ؟»
أَجَابَهَا بيتر: «كَمَا هِيَ.»
أَخْبَرَتِ الْجَدَّةُ هايدي قَائِلَةً: «كُنْتُ آمُلُ أَنْ يَكُونَ قَادِرًا عَلَى الْقِرَاءَةِ الْآنَ. يُوجَدُ كِتَابُ تَرَانِيمَ قَدِيمٌ عَلَى الرَّفِّ، وَفِيهِ أَنَاشِيدُ جَمِيلَةٌ لَمْ أَسْمَعْهَا مُنْذُ وَقْتٍ طَوِيلٍ. لَا أَسْتَطِيعُ تَذَكُّرَهَا لِأُعِيدَهَا عَلَى نَفْسِي. كُنْتُ آمُلُ أَنْ يَتَعَلَّمَ بيتر قَرِيبًا مَا يَكْفِي لِيَقْرَأَ عَلَى مَسَامِعِي وَاحِدَةً مِنْهَا.»
أَرْدَفَتِ الْمَرْأَةُ الْعَجُوزُ: «وَلَكِنِ انْتَظِرِي، كَيْفَ يُمْكِنُ أَنْ تَعُودِي إِلَى الْمَنْزِلِ بِهَذِهِ السُّرْعَةِ؟ مِنَ الْمُؤَكَّدِ أَنَّ فَتْرَةَ مَا بَعْدَ الظُّهْرِ لَمْ تَنْقَضِ بِهَذِهِ السُّرْعَةِ!»
قَالَتْ هايدي بِحُزْنٍ: «وَلَكِنَّهَا انْقَضَتْ بِالْفِعْلِ. وَبَدَأَ الظَّلَامُ يَحِلُّ. لَقَدْ وَعَدْتُ جَدِّي أَنْ أَشْرَعَ فِي الْعَوْدَةِ عِنْدَ أُولَى عَلَامَاتِ اللَّيْلِ. يَجِبُ أَنْ أَذْهَبَ!»
ابْتَسَمَتْ هايدي لِبيتر وَالْتَقَطَتْ مِعْطَفَهَا. أَثَارَتِ الْمَرْأَةُ الْعَجُوزُ جَلَبَةً حَوْلَ خُرُوجِ الطِّفْلَةِ فِي الْهَوَاءِ شَدِيدِ الْبُرُودَةِ. وَأَخِيرًا أَرْسَلَتْ بيتر مَعَهَا لِيَتَأَكَّدَ مِنْ وُصُولِهَا لِأَعْلَى الْجَبَلِ. وَلَمْ يَذْهَبَا بَعِيدًا حَتَّى قَابَلَهُمَا الْجَدُّ عَلَى الطَّرِيقِ.
بَدَأَتْ هايدي فَوْرًا فِي إِخْبَارِهِ عَنْ زِيَارَةِ مَا بَعْدَ الظُّهْرِ، قَائِلَةً: «جَدِّي، غَدًا يَجِبُ أَنْ نَأْخُذَ الْمِطْرَقَةَ وَالْمَسَامِيرَ الطَّوِيلَةَ. يَجِبُ أَنْ نُثَبِّتَ مِصْرَاعَ نَافِذَةِ جَدَّتِي وَنَقُومَ بِبَعْضِ الْأَعْمَالِ الْأُخْرَى. مَنْزِلُهَا مَلِيءٌ بِالصُّدُوعِ وَيُصْدِرُ أَصْوَاتَ صَرِيرٍ.»
سَأَلَهَا جَدُّهَا: «يَجِبُ عَلَيْنَا؟! مَنْ قَالَ لَكِ ذَلِك؟»
قَالَتْ هايدي: «لَمْ يَقُلْ لِي أَحَدٌ. وَلَكِنْ جَدَّتِي تَبْقَى مُسْتَيْقِظَةً فِي اللَّيْلِ وَتَرْتَجِفُ مِنَ الْخَوْفِ أَنْ يَنْهَارَ الْمَنْزِلُ فَوْقُ رُءُوسِهِمْ. كُلُّ شَيْءٍ أَصْبَحَ مُظْلِمًا الْآنَ بِالنِّسْبَةِ لِجَدَّتِي وَتَظُنُّ أنَّهُ لَا يُمْكِنُ لِأَحَدٍ أَنْ يُضِيئَهُ لَهَا مُجَدَّدًا. وَلَكِنَّنِي مُتَأَكِّدَةٌ أَنَّكَ سَتَتَمَكَّنُ مِنْ ذَلِكَ يَا جَدِّي. فَكِّرْ كَمْ هُوَ مُرْعِبٌ بِالنِّسْبَةِ لَهَا أَنْ تَكُونَ فِي الظَّلَامِ دَائِمًا وَأَنْ تَكُونَ خَائِفَةً مِمَّا قَدْ يَحْدُثُ. لَا يُوجَدُ أَحَدٌ آخَرُ لِمُسَاعَدَتِهَا. غَدًا يَجِبُ أَنْ نَذْهَبَ وَنُصْلِحَ لَهَا كُلَّ شَيْءٍ. سَنَفْعَلُ، أَلَيْسَ كَذَلِكَ يَا جَدِّي؟»
كَانَتِ الطِّفْلَةُ مُتَشَبِّثَةً بِالرَّجُلِ الْعَجُوزِ وَتَنْظُرُ لَهُ بِثِقَةٍ شَدِيدَةٍ. نَظَرَ لهايدي لِمُدَّةٍ طَوِيلَةٍ دُونَ أَنْ يَتَحَدَّثَ ثُمَّ قَالَ: «نَعَمْ يَا هايدي، سَنَفْعَلُ شَيْئًا لِإِيقَافِ الْخَشْخَشَةِ. عَلَى الْأَقَلِّ يُمْكِنُنَا فِعْلُ ذَلِك. سَنَذْهَبُ غَدًا.»
وَفَى الْجَدُّ بِوَعْدِهِ، فَفِي كُلِّ يَوْمٍ كَانَ يَذْهَبُ وَيُصْلِحُ شَيْئًا جَدِيدًا. وَهَكَذَا مَضَى الشِّتَاءُ. وَبَعْدَ سَنَوَاتٍ مِنَ الْحَيَاةِ الْكَئِيبَةِ، أَصْبَحَ يُوجَدُ شَيْءٌ فِي النِّهَايَةِ يَجْعَلُ الْجَدَّةَ تَشْعُرُ بِالسَّعَادَةِ. لَمْ تَعُدْ أَيَّامُهَا كَمَا كَانَتْ مَلِيئَةً بِالضَّجَرِ وَالظَّلَامِ، فَقَدْ أَصْبَحَتِ الْآنَ تَتَطَلَّعُ إِلَى زِيَارَاتِ هايدي.