الْمَالُ وَالْقِطَطُ
فِي الْيَوْمِ التَّالِي عَادَ الصَّبِيُّ. قَرَعَ جَرَسَ الْبَابِ مِرَارًا وَتَكْرَارًا حَتَّى أَجَابَ سيباستيان.
سَأَلَ وَهُوَ يَفْتَحُ الْبَابَ بِعُنْفٍ: «مَا مَعْنَى هَذَا؟»
أَجَابَ الصَّبِيُّ: «أُرِيدُ أَنْ أَرَى كلارا.»
سَأَلَ سيباستيان بِخُشُونَةٍ: «مَاذَا تُرِيدُ مِنْهَا؟»
رَدَّ الصَّبِيُّ مُوَضِّحًا: «إِنَّهَا مَدِينَةٌ لِي بِثَمَانِيَةِ بِنْسَاتٍ.»
ضَحِكَ سيباستيان: «أَنْتَ مَجْنُونٌ!»
– «إِنَّهَا مَدِينَةٌ لِي بِأَرْبَعَةِ بِنْسَاتٍ لِدَلِّهَا عَلَى الطَّرِيقِ لِلْبُرْجِ وَأَرْبَعَةِ بِنْسَاتٍ لِدَلِّهَا عَلَى طَرِيقِ الْعَوْدَةِ.»
– «أَنْتَ تُرَدِّدُ الْأَكَاذِيبَ! الْآنِسَةُ الصَّغِيرَةُ لَا تَخْرُجُ أَبَدًا. إِنَّهَا حَتَّى لَا تَسْتَطِيعُ السَّيْرَ! دَعْنَا وَشَأْنَنَا!» وَحَاوَلَ سيباستيان إِغْلَاقَ الْبَابِ.
لَكِنْ لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّهْلِ إِخَافَةُ الصَّبِيِّ، فَبَقِيَ مَكَانَهُ وَقَالَ بِصَوْتٍ حَازِمٍ: «وَلَكِنِّي رَأَيْتُهَا فِي الشَّارِعِ. لَدَيْهَا شَعْرٌ أَسْوَدُ قَصِيرٌ وَمُجَعَّدٌ، وَعَيْنَانِ سَوْدَاوَانِ وَتَرْتَدِي رِدَاءً بُنِّيًّا. وَلَا تَتَحَدَّثُ بِنَفْسِ طَرِيقَتِنَا.»
– «أَهَا. لَقَدْ وَقَعَتِ الْآنِسَةُ الصَّغِيرَةُ فِي الْمَزِيدِ مِنَ الْمَتَاعِبِ.» هكذا فَكَّرَ سيباستيان، ضَاحِكًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ نَفْسِهِ.
ثُمَّ قَالَ لِلصَّبِيِّ: «تَعَالَ إِلَى الدَّاخِلِ.»
أَرْشَدَهُ سيباستيان فِي الطَّرِيقِ حَتَّى وَصَلَا إِلَى غُرْفَةِ الْمَعِيشَةِ، فَقَدَّمَ الصَّبِيَّ إِلَى الْفَتَاتَيْنِ وَالْمُعَلِّمِ. أَعْطَاهُمُ الصَّبِيُّ نِصْفَ ابْتِسَامَةٍ، ثُمَّ وَضَعَ سُلَحْفَاةً صَغِيرَةً كَانَ مُمْسِكًا بِهَا عَلَى الْأَرْضِ أَمَامَهُ. أَثَارَ مَنْظَرُ هَذَا الْكَائِنِ الْغَرِيبِ ضَحِكَ الْفَتَاتَيْنِ.
اسْتَغْرَقَ الْأَمْرُ ثَوَانِيَ قَلِيلَةً حَتَّى ظَهَرَتِ السَّيِّدَةُ روتينماير عِنْدَ الْبَابِ. «تَوَقَّفَا!» صَاحَتْ مُحَاوِلَةً أَنْ تُسْكِتَ ضَحِكَاتِ الْفَتَاتَيْنِ.
خَفَضَتِ الْفَتَاتَانِ ضَحِكَاتِهِمَا، وَلَكِنَّ كلارا لَمْ تَتَمَكَّنْ مِنْ كَتْمِ صَرَخَاتِ الْبَهْجَةِ. بَقِيَ سيباستيان فِي الْخَارِجِ، يَضْحَكُ بِشِدَّةٍ حَتَّى كَادَ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْوُقُوفِ. كَانَتْ سُلَحْفَاةُ الصَّبِيِّ الْأَلِيفَةُ الَّتِي بَدَا أنَّهُ يَحْمِلُهَا مَعَهُ فِي أَيِّ مَكَانٍ، تَزْحَفُ نَحْوَ قَدَمَيِ السَّيِّدَةِ، فَقَفَزَتِ السَّيِّدَةُ روتينماير فَوْقَ كُرْسِيٍّ وَبَدَأَتْ تَصْرُخُ.
أَمَرَتْ: «خُذُوهُمَا خَارِجًا، الصَّبِيَّ وَالْحَيَوَانَ! خُذُوهُمَا بَعِيدًا فَوْرًا!»
جَذَبَ سيباستيان الصَّبِيَّ بَعِيدًا، مُمْسِكًا بِسُلَحْفَاتِهِ فِي طَرِيقِهِ إِلَى الْبَابِ. وَعِنْدَمَا وَصَلَا إِلَى الرُّوَاقِ، وَضَعَ شَيْئًا فِي يَدِ الصَّبِيِّ. وَقَالَ لَهُ وَهُوَ يُغْلِقُ الْبَابَ الْأَمَامِيَّ: «هَذَا هُوَ الْمَالُ مِنَ الْآنِسَةِ كلارا. أَنْفِقْهُ بِحِكْمَةٍ!»
بَعْدَ دَقَائِقَ قَاطَعَ سيباستان الدَّرْسَ مُجَدَّدًا. وَدَخَلَ إِلَى الْغُرْفَةِ وَقَالَ إِنَّ شَخْصًا مَا أَحْضَرَ سَلَّةً كَبِيرَةً يَجِبُ أَنْ تُسَلَّمَ إِلَى الْآنِسَةُ كلارا فَوْرًا.
قَالَتْ كلارا بِدَهْشَةٍ: «لِي أَنَا؟ أَحْضِرْهَا لِي مِنْ فَضْلِكَ!»
قَالَتِ السَّيِّدَةُ روتينماير بِحَزْمٍ: «بَعْدَ دَرْسِكِ.»
– «أُوه، وَلَكِنْ لَنْ أَسْتَطِيعَ التَّرْكِيزَ فِي الدَّرْسِ. سَأَظَلُّ أُحْدِقُ بِالسَّلَّةِ مِثْلَمَا أَفْعَلُ الْآنَ.»
كَانَ غِطَاءُ السَّلَّةِ غَيْرَ مُحْكَمٍ. وَفِي هَذِهِ اللَّحْظَةِ، خَرَجَتْ مِنَ السَّلَّةِ عِدَّةُ قِطَطٍ صَغِيرَةٍ تَتَعَثَّرُ عَلَى الْأَرْضِ وَتَتَسَابَقُ فِي الْغُرْفَةِ فِي كُلِّ الِاتِّجَاهَاتِ.
هَتَفَتْ كلارا: «أُوه، يَا لَهَا مِنْ كَائِنَاتٍ صَغِيرَةٍ لَطِيفَةٍ! انْظُرُوا كَمْ هِيَ جَمِيلَةٌ! انْظُرِي إِلَى هَذِهِ يَا هايدي. وَانْظُرِي إِلَى هَذِهِ!»
فِي فَرْحَتِهَا، طَارَدَتْ هايدي الْقِطَطَ الصَّغِيرَةَ مِنْ رُكْنٍ إِلَى آخَرَ فِي الْغُرْفَةِ. وَوَقَفَ الْمُعَلِّمُ بِجَانِبِ الطَّاوِلَةِ، لَا يَعْلَمُ مَاذَا يَفْعَلُ. وَكَانَتِ السَّيِّدَةُ روتينماير مُسْتَاءَةً بِشِدَّةٍ حَتَّى إِنَّهَا لَمْ تَنْطِقْ بِبِنْتِ شَفَةٍ. رَاقَبَتْ بَيْنَمَا كَانَتِ الْقِطَطُ تَرْكُضُ حَوْلَ الْغُرْفَةِ وَتَجْعَلُ الْفَتَاتَيْنِ تَضْحَكَانِ بِلَا تَوَقُّفِ. أَخِيرًا وَجَدَتْ صَوْتَهَا وَبَدَأَتْ تَصْرُخُ مُسْتَدْعِيَةً سيباستيان وَتينيت. حَضَرَ الِاثْنَانِ بِسُرْعَةٍ. وَفِي غُضُونِ دَقَائِقَ قَلِيلَةٍ كَانَا قَدْ أَمْسَكَا الْقِطَطَ وَوَضَعَاهَا فِي السَّلَّةِ مَرَّةً أُخْرَى. وَحَمَلَاهَا بَعِيدًا لِوَضْعِهَا مَعَ الْقِطَطِ الْأُخْرَى. وَظَلَّتِ السَّيِّدَةُ روتينماير وَحْدَهَا مَعَ الْفَتَاتَيْنِ. وبَدَلًا مِنَ الصُّرَاخِ، أَعْطَتِ الْفَتَاتَيْنِ نَظْرَةً ذَاتَ مَعْنًى وَذَهَبَتْ.
بِحُلُولِ نِهَايَةِ فَتْرَةِ الظَّهِيرَةِ كَانَتِ السَّيِّدَةُ روتينماير قَدْ عَلِمَتْ أَنَّ أَحْدَاثَ الْيَوْمِ الْجَامِحَةَ كَانَتْ بِسَبَبِ هايدي. لَقَدْ أَثَارَتْ هَذِهِ الْفَتَاةُ الْمَتَاعِبَ مُنْذُ اللَّحْظَةِ الْأُولَى لِوُصُولِهَا. رُبَّمَا إِذَا تَمَكَّنَتِ السَّيِّدَةُ روتينماير مِنْ جَعْلِهَا تَشْعُرُ أَنَّهَا غَيْرُ مَرْغُوبٍ فِيهَا فَسَتَتَوَسَّلُ لِكَيْ تَرْحَلَ.
– «أديلهايد، أَعْرِفُ عِقَابًا وَاحِدًا يُنَاسِبُ مَا فَعَلْتِهِ! أَنْتِ فَتَاةٌ سَيِّئَةٌ وَأُرِيدُكِ أَنْ تَتَعَلَّمِي أنَّهُ لَا يُمْكِنُكِ التَّصَرُّفُ كَالْحَيَوَانَاتِ حَوْلَنَا. رُبَّمَا سَتَتَعَلَّمِينَ دَرْسَكِ إِذَا وَضَعْتُكِ فِي قَبْوٍ مُظْلِمٍ مَعَ الْفِئْرَانِ وَالْخَنَافِسِ السَّوْدَاءِ.»
جَعَلَتِ الْجُمْلَةُ الْأَخِيرَةُ كلارا تَشْهَقُ: «أُوه، لَا يَا سَيِّدَةُ روتينماير. يَجِبُ أَنْ تَنْتَظِرِي حَتَّى يَأْتِيَ أَبِي. سَيَصِلُ إِلَى الْمَنْزِلِ قَرِيبًا. سَأُخْبِرُهُ بِكُلِّ شَيْءٍ وَيُمْكِنُهُ أَنْ يُقَرِّرَ مَاذَا يَحْدُثُ مَعَ هايدي.»
لَمْ تَتَمَكَّنِ السَّيِّدَةُ روتينماير أَنْ تُعَارِضَ رَغْبَةَ الطِّفْلَةِ. «إِذَنْ سَنَنْتَظِرُ وَالِدَكِ يَا آنِسَةُ كلارا. وَلَكِنِّي سَأَتَحَدَّثُ مَعَهُ أَنَا أَيْضًا.»
مَرَّتِ الْأَيَّامُ الْقَلِيلَةُ التَّالِيَةُ دُونَ أَيِّ أَحْدَاثٍ مُهِمَّةٍ. وَغَدَتْ كلارا أَكْثَرَ مَرَحًا مُنْذُ انْتِقَالِ هايدي لِلْعَيْشِ مَعَهَا. لَقَدْ أَضَافَتِ الزَّائِرَةُ الصَّغِيرَةُ رُوحًا مَرِحَةً لِلدُّرُوسِ وَلِلرُّوتِينِ الْيَوْمِيِّ. وَكَانَتْ دَائِمًا تُحَاوِلُ التَّمَلُّصَ مِنْ عَمَلِهَا. كَانَتْ تَخْلِطُ بَيْنَ كُلِّ الْحُرُوفِ وَبَدَتْ غَيْرَ قَادِرَةٍ عَلَى تَعَلُّمِهَا. حَاوَلَ الْمُعَلِّمُ لَفْتَ نَظَرِهَا إِلَى أَشْكَالِهَا الْمُخْتَلِفَةِ، وَحَاوَلَ حَتَّى أَنْ يَجْعَلَهَا تَرَى هَذَا الْحَرْفَ عَلَى شَكْلِ بُوقٍ صَغِيرٍ أَوْ ذَاكَ عَلَى شَكْلِ مِنْقَارِ طَائِرٍ. وَلَكِنْ لَمْ يَكُنْ هَذَا إِلَّا لِيَزِيدَ حَمَاسَةَ هايدي فَتَقُولَ فَجْأَةً شَيْئًا سَاذَجًا مِثْلَ: «هَذِهِ حَمَامَةٌ! وَهَذِهِ مَاعِزَةٌ!» حَاوَلَ الْمُعَلِّمُ بِكُلِّ الطُّرُقِ أَنْ يَجْعَلَ هايدي تَتَذَكَّرُ الْحُرُوفَ وَلَكِنْ بَدَا أَنَّهُ مَا مِنْ طَرِيقَةٍ تَنْجَحُ مَعَهَا. وَأَخِيرًا قَرَّرَ أَنَّهَا رُبَّمَا تَكُونُ غَيْرَ قَادِرَةٍ عَلَى تَعَلُّمِ الْحُرُوفِ الْأَبْجَدِيَّةِ.
فِي هَذِهِ الْأَثْنَاءِ كَانَتْ هايدي تَزْدَادُ قَلَقًا. فَقَدْ قَضَتْ أُسْبُوعًا فِي فرانكفورت وَالْآنَ تَقْضِي مُعْظَمَ وَقْتِهَا فِي تَخَيُّلِ الْجَبَلِ. قَرِيبًا سَتَتَحَوَّلُ أَوْرَاقُ الشَّجَرِ إِلَى اللَّوْنِ الْأَخْضَرِ وَسَتَلْمَعُ الزُّهُورُ الصَّفْرَاءُ فِي ضَوْءِ الشَّمْسِ. فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ كَانَتْ هايدي تَشْعُرُ بِحَنِينٍ شَدِيدٍ إِلَى مَنْزِلِهَا حَتَّى إِنَّهَا لَا تَكَادُ تَتَحَمَّلُ الْوَضْعَ. وَأَخِيرًا فِي يَوْمٍ مِنَ الْأَيَّامِ قَرَّرَتْ أَنَّهَا لَنْ تَتَحَمَّلَ الْمَزِيدَ. رَكَضَتْ إِلَى غُرْفَتِهَا وَجَمَعَتْ كُلَّ الْأَرْغِفَةِ الَّتِي كَانَتْ تَحْتَفِظُ بِهَا مِنْ أَجْلِ الْجَدَّةِ. وَأَمْضَتْ عِدَّةَ دَقَائِقَ فِي الْبَحْثِ عَنْ قُبَّعَتِهَا قَبْلَ أَنْ تَنْزِلَ أَخِيرًا إِلَى الْأَسْفَلِ مِنْ غَيْرِهَا. عِنْدَمَا وَصَلَتْ إِلَى الْبَابِ الْأَمَامِيِّ، قَابَلَتِ السَّيِّدَةَ روتينماير وَهِيَ عَائِدَةٌ مِنْ نُزْهَةٍ عَلَى الْأَقْدَامِ.
– «إِلَى أَيْنَ أَنْتِ ذَاهِبَةٌ بِهَذِهِ الْمَلَابِسِ؟» سَأَلَتِ السَّيِّدَةُ وَقَدْ عَبَسَتْ عِنْدَ رُؤْيَةِ الشَّالِ الْأَحْمَرِ الرَّثِّ الَّذِي نَسِيَتْ أَنْ تَرْمِيَهُ، ثُمَّ اسْتَأْنَفَتْ قَائِلَةً: «أَنْتِ تَعْرِفِينَ أنَّهُ غَيْرُ مَسْمُوحٍ لَكِ بِمُغَادَرَةِ الْمَنْزِلِ!»
قَالَتْ هايدي بِصَوتٍ خَافِتٍ: «أَنَا ذَاهِبَةٌ إِلَى الْمَنْزِلِ.»
– «ذَاهِبَةٌ إِلَى الْمَنْزِلِ! أَتُرِيدِينَ الذَّهَابَ إِلَى الْمَنْزِلِ؟ لَدَيْكِ هُنَا الْأَفْضَلُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ. لِمَاذَا تُرِيدِينَ إِذَنِ الرَّحِيلَ؟ أَيَّتُهَا الطِّفْلَةُ النَّاكِرَةُ لِلْجَمِيلِ! مَا الَّذِي يَدْعُوكِ لِفِعْلِ هَذَا؟»
لَمْ يَسَعْ هايدي إِلَّا أَنْ تَرُدَّ عَلَى السَّيِّدَةِ: «أُرِيدُ الْعَوْدَةَ إِلَى الْمَنْزِلِ لِأَنَّ الْجَدَّةَ بِانْتِظَارِي. وَإِذَا بَقِيتُ أَكْثَرَ، سَتَتَعَرَّضُ جرينفينش لِلضَّرْبِ لِأَنِّي لَنْ أَتَمَكَّنَ مِنْ إِعْطَاءِ بيتر أَيَّ جُبْنٍ. وَلَنْ أَتَمَكَّنَ أَبَدًا مِنْ رُؤْيَةِ الْعُشِّ الَّذِي يَعِيشُ فِيهِ الطَّائِرُ الْكَبِيرُ عَلَى الصُّخُورِ فِي الْأَعْلَى و…»
صَاحَتِ السَّيِّدَةُ روتينماير: «تَوَقَّفِي عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ!» ثُمَّ اسْتَدَارَتْ وَصَعِدَتْ عَلَى الدَّرَجِ. وَفِي الطَّرِيقِ صَادَفَتْ سيباستيان.
أمَرَتْهُ: «أَحْضِرْ هَذِهِ الْمَخْلُوقَةَ الصَّغِيرَةَ الشَّقِيَّةَ لِلدَّاخِلِ فَوْرًا! إِنَّهَا تَتَفَوَّهُ بِحَمَاقَاتٍ! وَتَخَلَّصْ مِنْ ذَلِكَ الشَّالِ الْأَحْمَرِ!»
سَأَلَ سيباستيان وَهُوَ يَمُدُّ يَدَهُ إِلَى هايدي: «هَلْ وَقَعْتِ فِي الْمَتَاعِبِ مُجَدَّدًا؟»
طَأْطَأَتِ الْفَتَاةُ الصَّغِيرَةُ رَأْسَهَا، وَبَدَأَتِ الدُّمُوعُ تَتَرَقْرَقُ فِي عَيْنَيْهَا، فقَالَ الرَّجُلُ: «لَا، لَا. لَا تَسْمَحِي لَهَا بِأَنْ تَجْعَلَكِ تَعِيسَةً. أَنْتِ لَمْ تَبْكِي مَرَّةً وَاحِدَةً فِي الْأُسْبُوعِ الَّذِي قَضَيْتِهِ هُنَا. مُعْظَمُ الْفَتَيَاتِ فِي سِنِّكِ كُنَّ سَيَبْكِينَ عَشْرَاتِ الْمَرَّاتِ. فَلْنُعِدْ أَشْيَاءَكِ وَنَذْهَبْ لِرُؤْيَةِ الْقِطَطِ الصَّغِيرَةِ.»
أَوْمَأَتْ هايدي بِرَأْسِهَا، وَلَكِنَّ سيباستيان كَانَ يَعْلَمُ أَنَّ شَيْئًا فِي قَلْبِ الْفَتَاةِ يَنْكَسِرُ. كَانَ ذَلِكَ وَاضِحًا عَلَى الْعَشَاءِ عِنْدَمَا لَمْ تَأْكُلْ أَيَّ طَعَامٍ وَفِي حُزْنِهَا الظَّاهِرِ فِي الْيَوْمِ التَّالِي عِنْدَمَا بَدَأَتْ دُرُوسَهَا.
لَمْ تَهْتَمَّ السَّيِّدَةُ روتينماير بِتَغَيُّرِ مِزَاجِ الْفَتَاةِ. كَانَتْ قَلِقَةً فَقَطْ مِنْ أَنْ يَرَاهَا أَحَدٌ فِي مَلَابِسِهَا الرَّثَّةِ أَوْ أَنْ تَبْدَأَ فِي التَّصَرُّفِ بِجُنُونٍ. لَقَدْ كَانَتْ وَظِيفَتُهَا أَنْ تَهْتَمَّ بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ.
تَحَدَّثَتِ السَّيِّدَةُ مَعَ الْمُعَلِّمِ بِشَأْنِ هايدي، وَأَكَّدَ لَهَا أَنَّهُ لَا يُوجَدُ دَاعٍ لِلْقَلَقِ. كَانَتِ الْفَتَاةُ غَرِيبَةً بَعْضَ الشَّيْءِ وَلَكِنْ مَعَ الْوَقْتِ سَتَكُونُ بِخَيْرٍ. إِنَّهَا فَقَطْ بِحَاجَةٍ لِقَضَاءِ الْمَزِيدِ مِنَ الْوَقْتِ بِجَانِبِ الآنِسَةِ كلارا وَلِلْحُصُولِ عَلَى تَعْلِيمٍ لَائِقٍ.
أَمَّا بِالنِّسْبَةِ لِمَظْهَرِهَا، فَقَدْ كَانَتِ السَّيِّدَةُ روتينماير تَعْلَمُ أَنَّ مِنْ وَاجِبِهَا أَنْ تُنَظِّفَ الْفَتَاةَ قَلِيلًا. مَعَ وُصُولِ السَّيِّدِ سيسمان إِلَى الْمَنْزِلِ فِي خِلَالِ يَوْمٍ أَوِ اثْنَيْنِ، سَيَتَوَقَّعُ أَنْ يَرَى الزَّائِرَةَ تَتَلَقَّى رِعَايَةً حَسَنَةً. وَالْمَلَابِسُ الْبَالِيَةُ الَّتِي تَرْتَدِيهَا بِبَسَاطَةٍ لَنْ تَنْفَعَ. كَانَتْ هايدي أَصْغَرَ مِنْ كلارا بِمَقَاسٍ أَوِ اثْنَيْنِ فَقَطْ. وَسَتُصْلِحُ السَّيِّدَةُ روتينماير بَعْضَ الْأَثْوَابِ الْفَاخِرَةِ الْخَاصَّةِ بِالْفَتَاةِ الْأَكْبَرِ سِنًّا لِتُنَاسِبَ هايدي. عِنْدَئِذٍ يُمْكِنُ إِلْقَاءُ الْفَسَاتِينِ الثَّلَاثَةِ الَّتِي جَاءَتْ بِهَا.
عِنْدَمَا سَمِعَتْ هايدي هَذِهِ الْخُطَطَ، بَدَأَ الْأَمَلُ فِي رَحِيلِهَا عَمَّا قَرِيبٍ يَتَلَاشَى، فَأَلْقَتْ بِنَفْسِهَا عَلَى أَرِيكَةِ كلارا وَانْخَرَطَتْ فِي الْبُكَاءِ. بَكَتْ حَتَّى جَفَّتْ دُمُوعُهَا. رُبَّمَا تَتَحَسَّنُ الْأَوْضَاعُ عِنْدَمَا يَصِلُ السَّيِّدُ سيسمان فِي الصَّبَاحِ. رُبَّمَا سَيَتَفَهَّمُ سَبَبَ رَغْبَتِهَا فِي الْعَوْدَةِ إِلَى الْمَنْزِلِ.