انتصار الحب
كل ما يكتب عن حبيبين لا يُفهم منه بعض ما يفهم من رؤية وجه أحدهما ينظر إلى وجه الآخر.
وما تعرفه العين من العين لا تعرفه بألفاظ، ولكن بأسرار …
وضمة المحب لحبيبه إحساس لا يستعار من صدر آخر، كما لا يستعار المولود لبطن لم يحمله.
وكلمة القُبْلة التي معناها وضع الفم، لن ينتقل إليها ما تذوقه الشفتان!
ويوم الحب يوم ممدود، لا ينتهي في الزمن إلا إذا بدأ يوم السُّلُوِّ في الزمن …
فهل يستطيع الخلق أن يصنعوا حدًّا يفصل بين وقتين لينتهي أحدهما …؟
وهَبْهُم صنعوا السُّلْوَان من مادة النصيحة والمنفعة، ومن ألْفِ برهان وبرهان، فكيف لهم بالمستحيل، وكيف لهم بوضع السلوان في القلب العاشق؟
وإذا سالت النفس من رقة الحب، فبأي مادة تُصنَع فيها صلابة الحجر …؟
•••
وما هو الحب إلا إظهار الجسم الجميل حاملًا للجسم الآخر كل أسراره، يفهمها وحده فيه وحده؟
وما هو الحب إلا تعلُّق النفس بالنفس التي لا يملؤها غيرها بالإحساس؟
وما هو الحب إلا إشراقُ النور الذي فيه قوة الحياة، كنور الشمس من الشمس وحدها؟
وهل في ذهبِ الدنيا ومُلْك الدنيا ما يشتري الأسرار، والإحساس، وذلك النور الحي؟ …
فما هو الحب إلا أنه هو الحب؟
•••
ما هو هذا السر في الجمال المعشوق، إلا أن عاشقه يُدرِكه كأنه عقل للعقل وما هو هذا الإدراك إلا انحصار الشعور في جمال متسلِّط كأنه قلب للقلب؟ وما هو الجمال المتسلط بإنسان على إنسان، إلا ظهور المحبوب كأنه روح للروح؟ ولكن ما هو السر في حب المحبوب دون سواه؟ … هنا تقف المسألة وينقطِع الجواب.
هنا سر خفِيٌّ كسرِّ الوحدانية؛ لأنها وحدانيةُ «أنا وأنت».
•••
ناقَشوا الحُبَّ؛ فقالوا: أصبحتِ الدنيا دنيا المادة، والروحانيةُ اليوم كالعظام الهرِمة لا تكتسي اللحم العاشق …
وقال الحبُّ: لا بل المادة لا قيمة لها في الروح؛ وهذا القلب لن يتحوَّل إلى يد ولا إلى رجل …
ناقَشوا الحب؛ فقالوا: إن العصر عصر الآلات، والعمل الروحي لا وجود له في الآلة ولا مع الآلة …
قال الحب: لا، يصنع الإنسان ما شاء، ويبقى القلب دائمًا كما صنعه الخالق …
وقالوا: الضعيفان: الحب والدين، والقويان: المال والجاه؛ فبماذا رد الحُ …؟
•••
جاء بلؤلؤة روحانية في «مسز سمبسون»؛ ووضع لها في ميزان المال والجاه أعظم تاج في العالم إدوارد الثامن «ملك بريطانيا العظمى وإرلندا والممتلكات البريطانية فيما وراء البحار وملك/إمبراطور الهند».
وتنافست الروحانية والمادية، فرجع التاج وما فيه إلَّا أضعف المعنيين من القلب.
وأعلن الحب عن نفسه بأحدث اختراع في الإعلان، فهز العالم كله هزة صحافية: الحب. الحب. الحب …
•••
«مسز سمبسون»، تلك الجميلة بنصف جمال، المطلَّقة مرتين. هذا هو اختيار الحب!
ولكنها المعشوقة؛ وكل معشوقة هي عذراء لحبيبها ولو تزوَّجت مرتين؛ هذا هو سر الحب!
ولكنها الفاتنة كل الفتنة، والظريفة كل الظرف، والمرأة كل المرأة، هذا هو فعل الحب!
ولكنها العقل للأعصاب المجنونة، والأُنْس للقلب المستوحش، والنور في ظلمة الكآبة؛ هذا هو حُكْم الحب!
ومن أجلها يقول ملك انجلترا للعالم: «لا أستطيع أن أعيش بدون المرأة التي أحبها»؛ فهذا هو إعلان الحب …
•••
إذا أخذوها عنه أخذوها من دمه، فذلك معنًى من الذبح.
وإذا انتزعوها انتزعوها من نفسه، فذلك معنًى من القتل.
وهل في غيرها هي روح اللهفة التي في قلبه، فيكون المذهب إلى غيرها؟ لكأنهم يسألونه أن يموت موتًا فيه حياة.
وكأنهم يريدون منه أن يجن جنونًا بعقل … هذا هو جبروت الحب!
•••
وللسياسة حُجَج، وعند «مسز سمبسون» حُجَج، وعند الهوى …
التاج، الملكية، امرأة مطلَّقة، امرأة من الشعب؛ فهذا ما تقوله السياسة.
ولكنها امرأة قلبه، تزوَّجت مرتين؛ ليكون له فيها إمتاع ثلاث زوجات؛ وهذا ما يقوله الحب!
واللحظة الناعسة، والابتسامة النائمة، والإشارة الحالمة، وكلمة «سيدي»؛ هذا ما يقوله الجمال.
وانتصر الحب على السياسة. وأبى الملك أن يكون كالأُمِّ الأرملة في مِلْك أولادها الكبار …
•••
العرش يَقْبَل رجلًا خَلَفًا من رجل، فيكون الثاني كالأول.
والحب لا يقبل امرأة خلفًا من امرأة، فلن تكون الثانية كالأولى.
وطارت في العالم هذه الرسالة: «أنا إدوارد الثامن … أتخلَّى عن العرش وذرِّيتي من بعدي»!
«وأعلنَ الحب عن نفسه بأحدث اختراع في الإعلان؛ فهز العالم كله هزة صحافية».
الحب. الحب. الحب …