النجاح وكتاب سر النجاح
غير أن في الإنسان كذلك ما يُفسد هذه الخاصية أو يُضعفها أو يُعطِّلها تعطيلًا، فإذا هي تُضِلُّ ولا تَهدِي وكانت تَهدِي ولا تُضِلُّ، وإذا هي زائغة عن الحق ملتوية عن القصد وكانت هي السبيل إلى الحق وهي الدليل على القصد؛ وما ينال منها شيءٌ إلا واحدٌ من ثلاث: العجز، وضعف الهِمَّة، واضطراب الرأي.
فأما العجز فمنزلة تجعل الإنسان كالنبات يرتفع عن الأرض بعُوده ولكنه غائر فيها بأصول حياته، وأما ضعف الهمة فمنزلة الحيوان الذي لا هَمَّ له إلا أن يوجَد كيفما وُجد وحيثما جاء موضعه من الوجود؛ إذ هو يُولد ويكدَح ويكدُّ ليكون لحمًا وعظمًا وصوفًا ووبرًا وشَعرًا وأثاثًا ومتاعًا، وكأنه ضرب آخر من النبات إلا أنه نوعٌ آخر من المنفعة.
وأما اضطراب الرأي فمنزلة بين المنزلتين ترجع إلى هذه مرة وإلى هذه مرة وتقع من كلتيهما موقعها، والعجز وضعف الهمة واضطراب الرأي في لغة العقل معانٍ ثلاثة لكلمة واحدة هي الخيبة، وما أسرار النجاح إلا الثلاثة التي تقابلها وهي القوة والعزيمة والثبات.
و«كتاب سر النجاح» الذي ترجمه أستاذنا العلامة الدكتور يعقوب صرُّوف في سنة ١٨٨٠، وظهرَتْ طبعتُه الرابعة في هذه الأيام، هو — والله — في باب القدوة ناموس على حِدَة، وما رأيت كتابًا تلاءَم نسجُه واستوتْ أجزاؤه ووُضع آخرُه على أوله وانصبَّ كله إلى الغرض الذي كُتب فيه وجاء مَقْطَعًا واحدًا في معناه وفائدته — كهذا الكتاب الذي يُعلِّم الضعيف كيف يقوَى، والعاجز كيف يعتَمِد، والمضطربَ كيف يثبُت، والمحزونَ كيف يأمَل، واليائسَ كيف يثِق، والمنهزمَ في الحياة كيف يُقبِل، والساقطَ كيف ينتهِض، ويعلِّمك مع ذلك كيف تُرِيح الكدَّ بالكدِّ، وكيف تُسقِط التعبَ بالتعب، وكيف تُمضِي عزيمتَك وتعتقدُها وتضرب كُرَة الأرض بقدميك وإن لم تكن مَلِكًا ولا قائدًا ولا فاتحًا، وإن كنت من صميم السُّوقة، وإن كنت من فقرك وراء عتبة واحدة؛ لا أقول: إن هذا الكتاب علم، فإن هذا القول يَسْقُط به دون منزلته ولا يعدو في وصفه أن يجعله مجموعًا من الورق الصقيل على طبع جيد، مع أنه مجموع من الأرواح والعزائم وأعصاب القلوب؛ ولكني أقول في وصفه العلمي: إن المدارس تُخرِج من الكتب تلاميذ … وهذا الكتاب يُخرِج من التلاميذ رجالًا أقوياء أشداء معصوبين عصيبَ جذوع الشجر العاتي، من قوة النفس وصلابتها وصحة العزيمة ومضائها، وتصميم الرأي ونفاذه؛ ومما يُعطي من قوة الصبر والثبات ومطاولة التعب إلى أبعد حدود الطاقة الإنسانية.
وما تقرؤه حقَّ قراءته وتستوفيه على وجهه من التدبير والإمعان إلا خرجتَ منه وقد وضع في نفسك شيئًا أعظم من نفسك كائنًا مَن كنتَ وكيف كنت، فإن تكن طفلًا خرجتَ رجلًا، وإن كنت رجلًا خرجت حكيمًا، وإن كنت حكيمًا استحدثَ في نفسك ما يجعلك بالحكمة فوق الدنيا وكنت بها في الدنيا.
قال الأستاذ المترجِم في مقدمته: «أشهد لأبناء وطني أنني لم أنتفع بكتاب قدْرَ ما انتفعتُ بهذا الكتاب.» وهذه هي الكلمة التي لا يقول غيرَها مَن يقرأ «سر النجاح»، ولا يمكن أن يقول غيرها؛ إذ هو مبنيٌّ في وضعٍ من فائدة النفس وما يُرهِف حدَّها ويبتعث مَلَكاتها ويستنهض قُواها ويستنفذ وسائلها على ما يُشبه القواعد التي لا تُؤدِّي إلا إلى نتيجة واحدة من أين اعتبرتَها، كاثنان واثنان أربعة، وثلاثة وواحد أربعة، وأربعة وحداتٍ أربعة، وهلمَّ جرًّا …
قلت: فوالله لا يدعُك حتى تنجحَ، وما ربط الله على قلبك بهذا الكتاب وثبَّتَ فؤادَك باليقين الذي فيه إلا وقد كتب لك الخير كله.