نجوى التمثال
حكيمة في النظر كأنما تمد في سرائر الأمم نظرة المتأمل، ولكن يدها كيد الحكمة السياسية على تركيب عقلي تحته المخالب …
ساكنة كأنها تمثال السلام على أنها في جوار الأسد كالسلام بين الشعوب؛ تلمح فيه إنسان العالم ووحش العالم …
يا أبا الهول!
أأنت جواب عن ذلك اللغز القديم الذي هو كلام لا يتكلم وسكوت لا يسكت.
والذي أخرج من فنَّي الغريزة والعقل فنًّا ثالثًا لا يزال في الأرض ينتظر المرأة التي تلد إنسانًا عظامه من الحجر؟
وأنت يا مصر:
أواقفة ثمة للشرح والتفسير، تقولين للمصري: إن أجدادك يسألونك من آلاف السنين بهذا الرمز: ألا معجزة من القوة تمط عضلات الحجر؟
أم تقولين للمصري: إن أجدادك يوصونك بهذا الرمز أن تكون كالظهر الأسدي لا يُركَب مَطَاه، وكالرأس الإنساني لا تقيد حريته، وكالربضة الجبلية لا تسهل إزاحتها، وكالإبهام المركب من غامضين لا يتيسر به عبث العابث، وكالصراحة المجتمعة من عنصر واحد لا يغلط في حقيقتها أحد؟
أم تقولين يا مصر: إن تفسير أبي الهول الأول أن النهضة المصرية إنما تكون يوم تُخْرِج البلاد مَن يصنع أبا الهول الثاني؟
•••
تمثال النهضة أم صفحة من الحجر قد صوَّر الشعبُ فكرَه عليها، ودوَّن فيها إحساسه بتاريخه، ووصف بها إدراكه حياة المعاني السامية؟
أم هو كتابة فصل من التاريخ بقلم الحياة وعلى طريقة من بلاغتها، خشيت عليه الفناء فدونته في أسلوب من أساليب البقاء الحجري الصلد؟
أم ذاك يوم من أيام الأمة أحاله الفن من زمن إلى مادة؛ ومن معنًى إلى حسٍّ، ومن خبر إلى منظر، وكانوا يتكلمون عنه فجعله الفن يتكلم عن نفسه؟
أم هو تعبير عن تلك المعاني التي خلقتها نفوس هذا الجيل تخاطب به النفوس الآتية لتُتمِّم عليها، وتضيف فيه إلى المعنى سِرَّ المعنى، وتضع الكلمة الإنسانية على لسان الطبيعة تتكلم بالتمثال كما تتكلم بالجيل؟
أم تركيب سياسي إذا فسرتْه اللغة كان معناه أن الثابت إذا احتاج إلى مَن يُثبِته … فلن يمحوه مَن يُنكره، وأن الظاهر إن احتاج إلى مَن يدل عليه … فلن يخفيه من لا يراه؟
•••
أفذاك من رقة داخلَتْك ورحمةٍ جاءتك من مسِّ يد المرأة …؟
أم الهول اليوم قد أصبح في العقل والعاطفة ومد العين النسائية إلى بعيد …؟
أم لا يتم في هذه المدينة رأس رجل وجسم سبع إلا … إلا بأنامل امرأة؟
ألا مَن يُعلِمني أهذه المرأة منك هي تهذيب للإنسان والوحش أم تكملة عليهما؟
ألا من يأتيني بالحكمة فيك من وضع الرجل القوي رأسًا ولا جسم، والأسد المفترس جسمًا ولا رأس، ثم لا يكمل دونهما إلا المرأة وحدها.
إنما كنت يا أبا الهول لغز الصمت، فلما أضيفت المرأة إليك أصبحت لغز النطق … فيا لَلهول!