مصرع الحسين
(١) مقدمات المصرع
كتاب أهل الكوفة إليه
إنه ليس لنا إمام فاقدم علينا لعل الله أن يجمعنا بك على الهدى. فإن «النعمان بن بشير» في قصر الإمارة ولسنا نجتمع معه في جمعة ولا نخرج معه إلى عيد. ولو قد بلغنا مخرجك أخرجناه من الكوفة وألحقناه بالشام.
(٢) الحسين في طريقه إلى المصرع
إن قلوب الناس معك، وسيوفهم مع بني أمية.
نصيحة العائذي٣
أما أشراف الناس فقد أعظمت رشوتهم وملئت غرائرهم، يستمال ودهم وتستخلص نصيحتهم فهم إلب واحد عليك. وأما سائر الناس بعد، فإن أفئدتهم تهوي إليك وسيوفهم غدًا مشهورة عليك.
نصيحة الطرماح بن عدي
قال له الطرماح بن عدي: «إني لأنظر فما أرى معك أحدًا. ولو لم يقاتلك إلا هؤلاء الذين أراهم ملازميك لكفى بهم! وقد رأيت — قبل خروجي من الكوفة إليك بيوم — ظَهر الكوفة وفيه من الناس ما لم ترَ عيناي في صعيد واحد جمعًا أكثر منه، فسألت عنهم فقيل: «اجتمعوا ليعرضوا، ثم يسرحوا إلى الحسين». فأنشدك الله إن قدرت أن لا تقدم عليهم شبرًا إلا فعلت. فإن أردت أن تنزل بلدًا يمنعك الله به حتى نرى من رأيك ويتبين لك ما أنت صانع، فسر حتى أنزلك مناع جبلنا الذي يدعى «أجأ» امتنعنا به من ملوك غسان وحمير ومن النعمان بن المنذر، ومن الأسود والأحمر، والله إن دخل علينا ذل قط. فأسير معك حتى أنزلك القرية، ثم نبعث إلى الرجال من طيئ، فوالله لا يأتي عليك عشرة أيام حتى يأتيك طيئ رجالًا وركبانًا.
ثم أقم فينا ما بدا لك، فإن هاجك هيج فأنا الزعيم لك بعشرين ألف طائي يضربون بين يديك بأسيافهم، والله لا يوصل إليك أبدًا ومنهم عين تطرف.»
فقال له الحسين: «جزاك الله وقومك خيرًا، قد كان بيننا وبين هؤلاء القوم قول؛ لسنا نقدر على الانصراف، ولا ندري على ما تنصرف بنا وبهم الأمور في عاقبة.»
مقابلة عبيد الله بن الحر
ويسير الحسين فيرى فسطاطًا في طريقه فيسأل: «لمن هذه الفسطاط؟»
فيقال له: «هي لعبيد الله بن الحر الجعفي.»
فيقول: «ادعوه إليّ.»
فإذا جاءه الرسول قال له: «هذا الحسين بن علي يدعوك.»
فيقول عبيد الله بن الحر: «إنا لله وإنا إليه راجعون، والله ما خرجت من الكوفة إلا كراهة أن يدخلها الحسين وأنا بها. والله ما أريد أن أراه ولا يراني.»
ويدعوه الحسين بعد ذلك إلى الخروج معه لنصرته فيعيد عليه ابن الحر تلك المقالة فيقول له الحسين: «فإلا تنصرنا فاتق الله أن تكون ممن يقاتلنا.»
فيقول: «أما هذا فلا يكون أبدًا إن شاء الله.»
فلا يجد الحسين أمامه إلا الرجوع من حيث أتى.
(٣) حلم
يا بني، إني خفقت برأسي خفقة، فعن لي فارس على فرس فقال: «القوم يسيرون والمنايا تسري إليهم.» فعلمت أنها أنفسنا نعيت إلينا.
وهكذا لا يكاد يغادر الحسين «عبد الله بن الحر» ويسير ساعة حتى يخفق برأسه خفقة ثم ينتبه وهو يقول: «إنا لله وإنا إليه راجعون والحمد لله رب العالمين!»
ثم يفعل ذلك — فيما يقولون — مرتين أو ثلاث، فيقبل إليه ابنه علي بن الحسين فيسأله عن سر هذا الوجد فيقص عليه هذا الحلم المروع فيقول له: «يا أبت، لا أراك الله سوءًا، ألسنا على الحق؟»
فيقول له: «بلى والذي إليه مرجع العباد.»
فيقول له: «يا أبت، إذن لا نبالي، نموت محقين.»
فيقول له: «جزاك الله من ولد خير ما جزى والدًا عن ولده.»
(٤) في اليوم التالي
قالوا: «فلما أصبح الصباح ساروا حتى انتهوا إلى «نينوى» فإذا راكب على نجيب وعليه السلاح متنكب قوسًا مقبل من الكوفة.»
قالوا: «فوقفوا جميعًا ينتظرونه، فلما انتهى إليهم سلم على «الحر بن يزيد» وأصحابه ولم يسلم على الحسين وأصحابه.»
كتاب ابن زياد
أما بعد، فجعجع بالحسين حين يبلغك كتابي ويقدم عليك رسولي، فلا تنزله إلا بالعراء في غير حصن وعلى غير ماء. وقد أمرت رسولي أن يلزمك ولا يفارقك حتى يأتيني بإنفاذك أمري والسلام.
في العراء
وقد أنفذ «الحر» وصية ابن زياد وأخذ الحسين ومن معه بالنزول في ذلك المكان — على غير ماء ولا في قرية — وعبثًا حاولوا أن يسمح لهم بالنزول في مكان آخر، فقد أصرَّ على إنفاذ أمر مولاه ولم يحد عنه قيد أنملة.
قالوا له: «دعنا ننزل في هذه القرية — يعنون نينوى — أو هذه القرية — يعنون الغاضرية — أو هذه الأخرى، يعنون شفية.»
ولكنه أبى أن يسمح لهم بذلك وقال: «ما أستطيع ذلك! هذا رجل قد بعث إلينا عينًا.»
ومن العجيب أن هذا الرجل الذي يشتد في إنفاذ أمر مولاه ابن زياد، ويأبى إلا التضييق على الحسين — بكل ما أوتي من قوة — فلا يسمح له بالنزول في إحدى القرى القريبة، ويظل محاصرًا الحسين حتى يسلمه إلى أعدائه.
نقول إن من أعجب الأعاجيب أن هذا الرجل سينقلب نصيرًا للحسين — بعد فوات الوقت — وأن يقتل بين يديه مجاهدًا في سبيله، بعد أن أوقعه في الفخ وضيق عليه مسالك الأرض الرحيبة. وكم يسخر القدر من الناس!
نصيحة
والتفت زهير بن القين إلى الحسين فقال: «يا ابن رسول الله، إن قتال هؤلاء أهون من قتال من يأتينا بعدهم. فلعمري ليأتينا من بعد من ترى ما لا قبل لنا به.»
فقال الحسين: «ما كنت لأبدأهم بالقتال.»
فقال له زهير بن القين: «سر بنا إلى هذه القرية حتى ننزلها فإنها حصينة، وهي على شاطئ الفرات، فإن منعونا قاتلناهم، فقتالهم أهون علينا من قتال من يجيء بعدهم!»
فلم يأخذ الحسين برأيه ورضخ لحكم الحرّ.
عمر بن سعد
قالوا: وبعث عمر بن سعد يسأل الحسين: «ماذا أتى به؟» فقال له: «كتب إليَّ أهل مصركم هذا أن أقدم؛ فأما إذا كرهوني فأنا أنصرف عنهم.»
فقال عمر بن سعد: «إني لأرجو أن يعافيني الله من حربه وقتاله.»
رسالته إلى ابن زياد
أما بعد، فإني حيث نزلت بالحسين بعثت إليه رسولي فسألته عما أقدمه وماذا يطلب ويسأل فقال: كتب إليَّ أهل هذه البلاد وأتتني رسلهم فسألوني القدوم ففعلت، فأما إذ كرهوني فبدا لهم غير ما أتتني به رسلهم فأنا منصرف عنهم.
كتاب ابن زياد
قالوا: فلما قُرئ الكتاب على ابن زياد قال:
(٥) مسالمة الحسين
دعوني فلأذهب في هذه الأرض العريضة حتى ننظر ما يصير أمر الناس.
(٥-١) كتاب عمر بن سعد
أما بعد، فإن الله قد أطفأ الثائرة وجمع الكلمة وأصلح أمر الأمة. هذا حسين قد أعطاني أن يرجع إلى المكان الذي منه أتى أو أن نسيره إلى أي ثغر من ثغور المسلمين شئنا، فيكون رجلًا من المسلمين، له ما لهم وعليه ما عليهم، أو أن يأتي يزيد أمير المؤمنين فيضع يده في يده، فيرى فيما بينه وبين رأيه، وفي هذا لكم رضى وللأمة صلاح.
وقع الكتاب عند ابن زياد
قالوا: فلما قرأ ابن زياد الكتاب قال: «هذا كتاب رجل ناصح لأميره مشفق على قومه! نعم قد قبلت!»
وسيط السوء
قالوا: فقام إليه شمر بن ذي الجوشن فقال: «أتقبل هذا منه وقد نزل بأرضك إلى جنبك؟ والله لئن رحل من بلدك — ولم يضع يده في يدك — ليكونن أولى الناس بالقوة والعز، ولتكونن أولى الناس بالضعف والعجز! فلا تعطه هذه المنزلة فإنها من الوهن. ولكن لينزل على حكمك — هو وأصحابه — فان عاقبت فأنت أولى بالعقوبة وإن غفرت كان ذلك لك.
والله لقد بلغني أن حسينًا وعمر بن سعد يجلسان بين العسكرين فيتحدثان عامة الليل!»
•••
فقال له ابن زياد: «نعم ما رأيت، الرأي رأيك!»
قالوا: ثم دعاه فقال له: «اخرج بهذا الكتاب إلى عمر بن سعد فليعرض على الحسين وأصحابه النزول على حكمي فإن فعلوا فليبعث بهم إليَّ سلمًا. وإن هم أبوا فليقاتلهم. فإن فعل فاسمع له وأطع، وإن هو أبى فقاتلهم فأنت أمير الناس، وثب عليه فاضرب عنقه وابعث إليّ برأسه.»
(٥-٢) كتاب ابن زياد
أما بعد، فإني لم أبعثك إلى حسين لتكف عنه، ولا لتطاوله ولا لتمنيه السلامة والبقاء، ولا لتقعد له عندي شافعًا.
انظر فإن نزل حسين وأصحابه على الحكم واستسلموا فابعث بهم إليَّ سلمًا، وإن أبوا فازحف إليهم حتى تقتلهم وتمثل بهم، فإنهم لذلك مستحقون. فإن قتل حسين فأوط الخيل صدره وظهره فإنه عاق مشاق قاطع ظلوم.
إلى أن قال: «فإن فعلت هذا به جزيناك جزاء السامع المطيع. وإن أبيت فاعتزل عملنا وجندنا، وخل بين شمر بن الجوشن وبين العسكر، فإنا قد أمرناه بأمرنا والسلام.»
(٥-٣) قدوم شمر بن ذي الجوشن
ثم أقبل شمر بن ذي الجوشن بكتاب ابن زياد إلى عمر بن سعد فلما قرأه قال له: «ويلك يا شمر، لا قرب الله دارك، وقبح الله ما قدمت به عليَّ! والله إني لأظنك أنت ثنيته أن يقبل ما كتبت به إليه. أفسدت علينا أمرًا كنا رجونا أن يصلح. لا يستسلم والله حسين، إن نفسًا أبية لَبين جنبيه.»
•••
قال له شمر: «أخبرني ما أنت صانع؟ أتمضي لأمر أميرك وتقتل عدوه؟ وإلا فخل بيني وبين الجند والعسكر.»
قال: «لا، ولا كرامة لك، وأنا أتولى ذلك!»
قال: «فدونك، وكن أنت على الرجال!»
(٥-٤) زحف الخيل
قالوا: ثم نادى عمر بن سعد: «يا خيل اركبي.»
فركب في الناس وزحف نحوهم بعد صلاة العصر، وحسين جالس أمام بيته محتبيًا بسيفه.
(٥-٥) سنة من النوم
قالوا: وإنه لكذلك إذ خفق برأسه على ركبتيه، وسمعت أخته زينب الصيحة فدنت من أخيها فقالت: «يا أخي، أما تسمع الأصوات قد اقتربت؟»
قالوا: فرفع الحسين رأسه فقال: إني رأيت رسول الله ﷺ في المنام فقال لي: «إنك تروح إلينا.»
قالوا: فلطمت أخته وجهها وقالت: «يا ويلتنا!»
فقال: «ليس لك الويل يا أخية! اسكتي رحمك الرحمن.»
(٦) استماتة أنصاره
والله لوددت أني قتلت ثم نشرت، ثم قتلت ثم نشرت ثم قتلت حتى أقتل كذا ألف قتلة، وأن الله يدفع بذلك القتل عن نفسك وعن أهلك وعن أنفس هؤلاء الفتية من أهل بيتك.
وما أكثر ما نجد في أخبار هذا المصرع المروع من أنباء البطولة والأبطال، وما أكثر ما نسمع من عبارات الفداء والإيثار!
يطلب الحسين إلى أهل بيته أن يتفرقوا عنه في سواد الليل — حين جد الجد وحزب الأمر — ويقول لهم: «إن القوم إنما يطلبونني، ولو قد أصابوني لهوا من طلب غيري.»
فيقول له إخوته وأبناؤه وبنو أخيه: «لِمَ نفعل؟ لنبقى بعدك؟ لا أرانا الله ذلك أبدًا.»
ويقول كل من أنصاره أمثال هذه الأقوال وأشباهها.
وانظر إلى أحدهم يقول: «والله لا نخليك حتى يعلم الله أنَّا قد حفظنا غيبة رسول الله ﷺ فيك، والله لو علمت أني أقتل ثم أحيا ثم أحرق حيًّا ثم أذر — يُفعل ذلك بي سبعين مرة — ما فارقتك حتى ألقى حمامي دونك. فكيف لا أفعل ذلك وإنما هي قتلة واحدة، ثم هي الكرامة التي لا انقضاء لها أبدًا.»
ويقول آخرون: «والله لا نفارقك، ولكن أنفسنا لك الفداء، نقيك بنحورنا وجباهنا وأيدينا، فإذا نحن قتلنا كنا وفينا وقضينا ما علينا.» وهكذا.
(٧) في الليلة الأخيرة
ويحدثنا علي بن الحسين فيقول: إني لجالس في تلك العشية التي قتل أبي صبيحتها، وعمَّتي زينب عندي تمرضني، إذ اعتزل أبي بأصحابه في خباء له — وعنده «حُوَيُّ» مولى «أبي ذَرٍّ» — وهو يعالج سيفه ويصلحه، وأبي يقول:
قال علي بن الحسين: فأعادها أبي مرتين أو ثلاثًا حتى فهمتها، فعرفت ما أراد، فخنقتني عبرتي فرددت دمعي ولزمت السكوت وعلمت أن البلاء قد نزل.
فأما عمَّتِي فإنها سمعت ما سمعت — وهي امرأة وفي النساء الرقة والجزع — فلم تملك نفسها أن وثبت تجر ثوبها وإنها لحاسرة حتى انتهت إليه فقالت: «وا ثكلاه! ليت اليوم أعدمني الحياة! اليوم ماتت فاطمة أمي وعلي أبي وحسن أخي. يا خليفة الماضي وثمال الباقي.»
فنظر الحسين فقال: «يا أخية، لا يُذهبن حلمَك الشيطانُ.»
قالت: «بأبي أنت وأمي، يا أبا عبد الله استقتلت نفسي، فداك.»
فرد غصته وترقرقت عيناه وقال: «لو ترك القطا ليلًا لنام!»
قالت: «يا ويلتا، أفتُغصَب نفسك اغتصابًا؟ فذلك أقرح لقلبي، وأشد على نفسي.» ولطمت وجهها وأهوت إلى جيبها وشقته، وخرت مغشيًّا عليها.
فقام إليها الحسين، فصب على وجهها الماء، وقال لها: «يا أخية، اتقي الله وتعزَّيْ بعزاء الله، واعلمي أن أهل الأرض يموتون وأن أهل السماء لا يبقون، وأن كل شيء هالك إلا وجه الله الذي خلق الأرض بقدرته ويبعث الخلق فيعودون — وهو فرد وحده — أبي خير مني وأمي خير مني وأخي خير مني، ولي ولهم ولكل مسلم برسول الله أسوة.»
وعزاها بهذا الكلام ونحوه وقال لها: «يا أخية، إني أقسم عليك فأبري قَسمي: لا تشقي عليَّ جيبًا ولا تخمشي عليَّ وجهًا، ولا تدعي عليَّ بالويل والثبور إذا أنا هلكت.»
قال: «ثم جاء بها حتى أجلسها عندي وخرج إلى أصحابه فأمرهم أن يقربوا بعض بيوتهم من بعض وأن يدخلوا الأطناب بعضها في بعض وأن يكونوا هم إلى الوجه الذي يأتيه منه عدوهم.»
(٨) يوم المصرع
وأمر الحسين أصحابه أن يلقوا بالحطب والقصب في خنادق كانوا حفروها خلف خيامهم لتحميهم من العدو حتى لا يباغتهم من ورائهم، ففعلوا.
ومن عجائب المقادير أن يمر بهم شمر بن ذي الجوشن فيرى النار تضطرم فينادي بأعلى صوته: «يا حسين، استعجلت النار في الدنيا قبل القيامة؟»
ويقول «مسلم بن عوسجة» للحسين: «يا ابن رسول الله جعلت فداك، ألا أرميه بسهم فإنه قد أمكنني.»
فيقول له الحسين: «لا ترمه، فإني أكره أن أبدأهم.»
وفي هذا دليل على ميل الحسين إلى المسالمة حتى في آخر ساعة من ساعاته الحرجة، وكأنما أراد أن يمعنوا في بغيهم إلى آخر لحظة، وأبي على نفسه أن يكون البادئ بالقتال فضيع بذلك فرصة نادرة بقتل هذا الشرير الخطر، كما أضاع من قبلها كثيرًا من الفرص.
ودارت بينه وبين الأعداء مناقشات طويلة فياضة بالبلاغة وقوة الحجة، ولكن قلوب أعدائه قُدَّت من صخر فلم يأبهوا لما يقول.
وقد تأثر بقوله الحر بن يزيد وانضم إليه — بعد تردد — حين رأى الحيف قد بلغ أقصاه.
قال: «أي والله قتالًا أيسره أن تسقط الرءوس وتطيح الأيدي.»
قال: «أفما لكم في واحدة من الخصال التي عرض عليكم رضًى؟»
قال عمر بن سعد: «أما والله لو كان الأمر إليَّ لفعلت، ولكن أميرك قد أبى ذلك؟»
قالوا: فأقبل حتى وقف من الناس موقفًا، وأخذ يدنو من الحسين قليلًا قليلًا فقال له رجل من قومه: «إن أمرك لمريب، والله ما رأيت منك في موقف قط مثل شيء أراه الآن، ولو قيل لي: «من أشجع أهل الكوفة رجلًا؟» ما عدوتك في هذا الذي أرى منك.»
قال: «إني والله أخير نفسي بين الجنة والنار، ووالله لا أختار على الجنة شيئًا ولو قطعت وحرقت.» ثم ضرب فرسه فلحق بحسين فقال له: «جعلني الله فداك يا ابن رسول الله، أنا صاحبك الذي حبستك عن الرجوع وسايرتك في الطريق وجعجعت بك في هذا المكان. والله الذي لا إله إلا هو ما ظننت أن القوم يردون عليك ما عرضت عليهم أبدًا ولا يبلغون منك هذه المنزلة! فقلت في نفسي: لا أبالي أن أطيع القوم في بعض أمرهم ولا يرون أني خرجت من طاعتهم، وأما هم فسيقبلون من حسين هذه الخصال التي يعرض عليهم. والله لو ظننت أنهم لا يقبلونها منك ما ركبتها منك. وإني قد جئت تائبًا مما كان مني إلى ربي ومواسيًا لك بنفسي حتى أموت بين يديك، أفترى ذلك لي توبة؟»
قال: «نعم يتوب الله عليك ويغفر لك، ما اسمك؟»
قال: «أنا الحر بن يزيد.»
قال: «أنت الحر كما سمتك أمك، أنت الحر إن شاء الله في الدنيا والآخرة.»
(٩) مصارع الشهداء
وزحف عمر بن سعد، ثم وضع سهمه في كبد قوسه ثم رمى، فقال: اشهدوا أني أول من رمى.
وهكذا صرح الشر وبدأت الحرب المجرمة بهذا السهم الجائر وقتل أنصار الحسين — واحدًا بعد الآخر — وهو يرى بعينه مصارعهم ولا يستطيع أن يدفعها عنهم، وهم يجودون بنفوسهم الكريمة رغبة في افتدائه، وقد ذهبت هذه الأرواح الطاهرة إلى ربها دون أن تتمكن من إنقاذ الحسين، ولو شئنا أن نثبت في هذا الكتيب مصارع هؤلاء الشهداء، لما بقي فيه مكان لغيرهم. رحمة الله عليهم جميعًا.
الحسين في ساعته الأخيرة
وقد أظهر الحسين من البسالة والإقدام ما لا مزيد عليه.
قالوا: «وكان يشد عليهم فينكشفون عنه ويفرون من أمامه، ثم إنهم أحاطوا به إحاطة.»
قالوا: وأقبل إلى الحسين غلام من أهله فأخذته أخته زينب ابنة علي لتحبسه فقال لها الحسين: «احبسيه.»
فأبى الغلام، وجاء يشتد إلى الحسين فقام إلى جنبه وقد أهوى أحدهم إلى الحسين بالسيف فاتقاه الغلام بيده فأطنها إلا الجلدة فإذا يده معلقة، فنادى الغلام: «يا أمتاه!» فأخذه الحسين فضمه إلى صدره وقال: «يا ابن أخي، اصبر على ما نزل بك واحتسب في ذلك الخير فإن الله يلحقك بآبائك الصالحين.»
كيف صرع الحسين (رواية شاهد عيان)
قال حميد بن مسلم: كانت عليه جبة من خز، وكان معتمًا، وكان مخصوبًا بالوسمة.
وسمعته يقول وهو يقاتل على رجليه قتال الفارس الشجاع: «أعلى قتلي تحاثون؟ أما والله لا تقتلون بعدي عبدًا من عباد الله أسخط عليكم لقتله مني.»
قال: «ولقد مكث طويلًا من النهار ولو شاء الناس أن يقتلوه لفعلوا، ولكنهم كان يتقي بعضهم ببعض ويحب هؤلاء أن يكفيهم هؤلاء.»
قال: فنادى شمر في الناس: «ويحكم! ماذا تنظرون بالرجل؟ اقتلوه ثكلتكم أمهاتكم.»
فحملوا عليه من كل جانب فضربت كفه اليسرى ضربة، وضرب على عاتقه ثم انصرفوا وهو ينوء ويكبو، وحمل عليه رجل فطعنه بالرمح فوقع، وتعاورته الرماح ووطئته الخيل.
قالوا: «فوجدوا بالحسين ثلاثًا وثلاثين طعنة وأربعًا وثلاثين ضربة، ثم سلبوا ما كان عليه، ومال الناس على الأسلاب والحلل والإبل فانتهبوها.»
قالوا: «فإن كانت المرأة لتنازع ثوبها عن ظهرها حتى تغلب عليه فيذهب به منها.»
نخبة من مراثي الشعراء
وما أروع رثاء دعبل:
وقول سليمان العدوي:
(١٠) الأسباب التي أدت إلى مصرعه
إن أهل العراق قوم غدر، فلا تقربنهم.
أقم بهذا البلد فإنك سيد الحجاز، فإن كان أهل العراق يريدونك كما زعموا فاكتب إليهم فلينفوا عدوهم ثم أقدم عليهم.
لقد صُرع عمر وعثمان وعلي — رضي الله عنهم — فكان لمصرع كل منهم أثر في النفس لا ينسى وجزع متجدد كلما استعدنا مصارعهم.
على أن مصرع الحسين كان وحده سلسلة من الفجائع المروعة والنكبات الأليمة أربت على مصارع كل هؤلاء مجتمعة، وتضاءل أمامها كل مصاب مهما جلَّ وعظم. وأي هول نراه في مصرع عثمان مثلًا ثم لم نر من أشباهه في مصرع الحسين أهوالًا؟ إن أقسى الناس قلبًا — مهما اختلفت ملته ونحلته — ليذوب قلبه أسى لهذا الشهيد الذي راح وأسرته شهداء أطهارًا يشكون إلى الله ظلم الإنسان أخاه الإنسان من أجل المطامع الدنيوية الفانية. وإني لأذكر مؤرخًا عصريًّا — هو مثال المؤرخ المنصف الذي لا يستسلم للأهواء ومثال الرجل الجلْد الذي لا يجزع لمصاب مهما جل وعظم — قد فقد ولده بعد أن عاد ولده من إنجلترا وأحرز أعلى الشهادات، فلم يغلبه المصاب، وتلقاه متجملًا متأسيًا دون أن تقطر من عينه دمعة واحدة.
قال لي ذلك المؤرخ الرزين: «ولكنني لا أستطيع قراءة مصرع الحسين دون أن أسح الدمع مدرارًا.»
ونحن حين نقول ذلك لا نقوله مستسلمين إلى العاطفة، بل واصفين الحقيقة مجردة عن التزويق والبلاغة اللفظية؛ فقد ارتكب أعداء الحسين من ضروب الشنع والنذالة ما أربى على كل حد، واقترفوا في سبيل المال والمنصب والجاه ما لم يجرؤ عليه أحد قبلهم، ثم كانوا أسوأ قدوة عرفها التاريخ.
لقد كانت الدلائل كلها متضافرة تؤيد الوصول إلى هذه النتيجة المحزنة وإن كانت لا تحتم وقوعها. ولقد كان الحسين نفسه يتوقع في كل مرحلة من مراحل سفره هذه العقبى المحزنة ولكنه — مع توقعه حدوثها — أو على الأصح مع استيقانه من ذلك، يشك في إقدام الناس على قتله، ويحسب أن مكانه الرفيع سيستثير — في أقسى القلوب وأصلبها — عاطفة نبيلة، وأن منزلته من الرسول لا بد مستثيرة النخوة في كل قلب مهما بلغ من الصلابة والتحجر.
لقد حذره الفرزدق، وقال له قولته المشهورة التي ذكرناها حين سأله رأيه فأجابه: «إن قلوب الناس معك وسيوفهم مع بني أمية.»
وحذره كثيرون غير الفرزدق فلم يستمع إلى نصحهم. وأبى سوء الحظ ونكد الطالع إلا أن يستصحب معه أسرته فيتضاعف المصاب.
ولقد كان الناس كلما أحجموا عن قتله تقدم شرير منهم خطوة فدب الطمع في نفوس أصحابه وخشوا أن يسبقهم إلى الاستئثار بذلك فينال بذلك السبق مالًا أو جاهًا يحرصون على أن لا يحرموه.
ولقد تعاون حب المال وعدم قبول الحسين نصيحة المخلصين وتخاذل أنصاره وعدم تنظيم الدعوة على الوصول به إلى هذه الغاية المروعة.
حب المال
فأما المال فقد لعب دورًا هامًّا، وكان له من الأثر الفعال مثلما كان له من الأثر في قتل عبد الله بن الزبير وتثبيت ملك معاوية ومن جاء بعده من خلفاء بني أمية.
وقد اختار الأمويون لتنفيذ آرابهم قومًا لا يبالون بما يقدمون عليه مهما بلغ من النذالة والانحطاط، ما داموا يحصلون على الرفعة أو المال أو الجاه.
ولنذكر للقارئ مثلًا واحدًا يتبين منه مدى الانحطاط الذي وصلت إليه هذه الفئة من الناس: فقد ذكروا أن عمر بن سعيد بن العاص حين بعث جيشًا من المدينة لمقاتلة ابن الزبير، وضرب على أهلها البعث إلى مكة — وهم كارهون للخروج — قال لهم: «إما أن تأتوا ببدل وإما أن تخرجوا.»
قالوا: فجاء أحدهم برجل استأجره بخمسمائة درهم إلى عمرو بن سعيد. فقال له: «قد جئتك برجل بدلي.»
ثم التفت إلى الرجل الذي استأجره فقال له: «هل لك أن أزيدك خمسمائة أخرى وتغشى أمك.»
فقال له: «أما تستحي؟»
فقال: «إنما حرمت عليك أمك في مكان واحد وحرمت عليك الكعبة في كذا وكذا مكان من القرآن.»
قالوا: فجاء به إلى عمرو بن سعيد وقال له: «قد جئتك برجل لو أمرته أن أمه لفعل.»
فقال له عمرو: «لعنك الله من شيخ!»
وإنما أتينا بهذا المثال ليتبين القارئ منه أي فئة من الناس كانت تلك الفئة التي أقدمت على قتل الحسين وهو من هو من رسول الله!
عدم قبول النصائح
ولقد أصر الحسين — رضي الله عنه — على الذهاب دون أن يستمع إلى نصح الناصحين، وقد ذكرنا قولة الفرزدق الحكيمة له، ولنذكر ههنا نصيحة ابن عباس البعيد النظر.
ذكروا أن الحسين لما أجمع المسير إلى الكوفة أتاه عبد الله بن عباس فقال له: «يا ابن عم، إنك قد أرجف الناس أنك سائر إلى العراق، فبين لي ما أنت صانع؟»
فقال له الحسين: «إني قد أجمعت المسير في أحد يوميَّ هذين إن شاء الله تعالى.»
فقال له ابن عباس: «فإني أعيذك بالله من ذلك. أخبرني — رحمك الله — أتسير إلى قوم قد قتلوا أميرهم، وضبطوا بلادهم ونفوا عدوهم؟ فإن كانوا قد فعلوا ذلك فسر إليهم. وإن كانوا إنما دعوك إليهم وأميرهم عليهم قاهر لهم وعماله تجبي بلادهم فإنهم إنما دعوك إلى الحرب والقتال، ولا آمن عليك أن يغروك ويكذبوك ويخالفوك ويخذلوك وأن يستغفروا إليك، فيكونوا أشد الناس عليك.»
فقال له الحسين: «وإني أستخير الله وأنظر ما يكون.»
وقد كان في هذه النصيحة الحكيمة مقنع لولا أن القضاء يأبى إلا أن ينفذه. ثم جاء منافسه في الخلافة «عبد الله بن الزبير» فحدثه ساعة — كما يقولون — ثم قال: «ما أدري ما تَرْكُنا هؤلاء القوم وكفنا عنهم، ونحن أبناء المهاجرين وولاة هذا الأمر دونهم؟ خبرني ما تريد أن تصنع؟»
فقال الحسين: «والله لقد حدثت نفسي بإتيان الكوفة، ولقد كتب إليَّ شيعتي بها وأشراف أهلها، وأستخير الله.»
فقال له ابن الزبير: «أما لو كان لي بها مثل شيعتك ما عدلت بها شيئًا.»
قالوا: ثم إنه خشي أن يتهمه فقال له: «أما إنك لو أقمت بالحجاز ثم أردت هذا الأمر ها هنا ما خولف عليك إن شاء الله!» ثم قام فخرج من عنده.
فقال الحسين: «ها إن هذا ليس شيء يؤتاه من الدنيا أحب إليه من أن أخرج من الحجاز إلى العراق، وقد علم أنه ليس له من الأمر معي شيء، وأن الناس لم يعدلوه بي فوَدَّ أني خرجت منها لتخلو له.»
قالوا: فلما كان من العشي — أو من الغد — أتى الحسين عبد الله بن العباس فقال: «يا ابن عم، إني أتصبر ولا أصبر، إني أتخوف عليك في هذا الوجه الهلاك والاستئصال. إن أهل العراق قوم غدر فلا تقربنهم. أقم بهذا البلد فإنك سيد الحجاز، فإن كان أهل العراق يريدونك كما زعموا فاكتب إليهم فلينفوا عدوهم، ثم اقدم عليهم. فإن أبيت إلا أن تخرج، فسر إلى اليمن فإن بها حصونًا وشعابًا، وهي أرض عريضة طويلة، ولأبيك بها شيعة، وأنت عن الناس في عزلة. فتكتب إلى الناس وتبث دعاتك؛ فإني أرجو أن يأتيك — عند ذلك — الذي تحب في عافية.»
فقال له الحسين: «يا ابن العم، إني والله أعلم أنك ناصح مشفق، ولكني زمعت وأجمعت على المسير.»
فقال له ابن عباس: «فإن كنت سائرًا فلا تسر بنسائك وصبيتك، فوالله إني لخائف أن تقتل كما قتل عثمان ونساؤه وولده ينظرون إليه.»
ثم قال ابن عباس: «لقد أقررت عين ابن الزبير بتخليتك إياه والحجاز والخروج منها، وهو اليوم لا ينظر إليه أحد معك. والله الذي لا إله إلا هو، لو أعلم أنك إذا أخذت بشعرك وناصيتك حتى يجتمع عليَّ وعليك الناس أطعتني لفعلت ذلك.»
قالوا: ثم خرج ابن عباس من عنده فمر بعبد الله بن الزبير فقال: «قرَّت عينك يا ابن الزبير!» ثم قال:
•••
وهكذا ضرب الحسين بتلك النصائح القيمة عرض الأفق وسار إلى حينه سيرًا حثيثًا، وهو الأديب الفطن الذي لم تكن لتفوته خافية ولكنه القدر: «والعقل زين ولكن فوقه القدر» كما يقول أبو العلاء.
عدم تنظيم الدعوة
أما العناية بتنظيم الدعوة وتنظيم أمرها، فقد أغفلت إغفالا تامًّا، فقد اكتفى الحسين بثقته من محبة الناس إياه وإجلالهم له لمكانه من الرسول، واكتفى أنصاره بإخلاصهم له وتفانيهم في حبه، دون أن ينظموا دعوتهم ويوحدوا صفوفهم ويحتاطوا لمكائد أعدائهم. فكانت العاقبة فشلًا محققًا.
تخاذل أنصاره
أما تخاذل أنصاره فهو واضح لا يحتاج أي تدليل. فقد كانوا متخاذلين في سياستهم مترددين في عزيمتهم، مكتفين بإخلاصهم للحسين معتمدين على أن حقهم سيغلب — بلا شك — باطل خصومهم. وقد كان فيهم أفراد غاية في البطولة، ولكنهم صرعوا لتخلف الجماعة عنهم. انظر إلى هانئ بن عروة يتمارض ليعوده ابن زياد في بيته، ثم يوصي أصحابه بقتل ابن زياد وقت زيارته إياه، متى قال لهم هانئ: «اسقوني» فيجيء ابن زياد يعوده، ويقول هانئ اسقوني فلا يلبيه أحد. ثم يخرج ابن زياد آمنًا مطمئنًا ويتبين المكيدة فيأمر بإحضار هانئ إليه، فيحضرونه إليه رغم أنفه، فيتناول ابن زياد العصا التي كانت مع هانئ فيضرب بها وجهه حتى يكسرها ثم يقدمه فيضرب عنقه. وهكذا يتبدل مجرى التاريخ بسبب ذلك الضعف وتسير الأمور في غير مجراها الذي كان من الطبيعي أن تسير فيه.
وانظر إلى مسلم بن عقيل يخذله من معه وهم نحو ثلاثين ألفًا — وهم كثيرون — ويتفرقون عنه فيسلموه إلى عدوه، وقد كان النصر حليفه لو كان أنصاره مخلصين في معاونته مستبسلين في الدفاع عن رأيهم، فإذا دعا به عبيد الله بن زياد ليضرب عنقه قال له مسلم: «دعني حتى أوصي.» ثم ينظر في وجوه الناس فيرى عمر بن سعد فيقول له: «ما أرى ها هنا من قريش غيرك فادنُ مني حتى أكلمك.» فيدنو منه عمر بن سعد فيقول له مسلم: «هل لك أن تكون سيد قريش ما كانت قريش؟ إن الحسين ومن معه — وهم تسعون بين رجل وامرأة — في الطريق فارددهم واكتب إليهم بما أصابني.»
وهكذا أراد الله أن تتضافر الأسباب كلها على إهلاك الحسين وأن يشترك أعداؤه مع أنصاره — على الرغم منهم — في تعجيل موته. ونحسب أن كلمة ابن عباس التي ذكرناها في هذا الفصل قد جمعت أهم الأسباب الأخرى التي أدت إلى هذا المصرع المروع.
هوامش
قال عبيد الله بن الحر: «دخل عليّ الحسين — رضي الله عنه — ولحيته كأنها جناح غراب وعليه جبة خز وكساء وقلنسوة موردة. ولا رأيت أحدًا قط أحسن ولا أملأ للعين من الحسين، ولا رققت على أحد قط رقتي عليه، حيث رأيته يمشي والصبيان حوله.» قال ابن الحر: ثم خرج الحسين وأعدت النظر إلى لحيته فقلت: «أسواد ما أرى أم خضاب؟» قال: «يا ابن الحر عجل عليَّ الشيب!» فعرفت أنه خضاب.
•••
•••
وقد رثى بعض الشعراء مسلم بن عقيل وهانئ بن عروة بالأبيات التالية وقد نسبها بعضهم إلى الفرزدق:•••