وا معتصماه
(موسيقى.)
صوت
(في فزع)
:
أين مولاي المعتصم؟
آخر
:
وفيم تريده؟
الصوت
:
لا تُكثِر السؤال، أين هو؟
آخر
:
في الديوان.
الصوت
:
تعالَ معي.
(موسيقى.)
الصوت
:
مولاي.
المعتصم
:
ماذا؟
الصوت
:
لقد هاجمَنا الروم.
المعتصم
:
ماذا تقول؟
الصوت
:
تركتُهم على حدود الدولة الإسلامية فقدمتُ إليك.
المعتصم
:
لقد غافلوا عيوننا عليهم. ادعُ النفير.
(موسيقى.)
ملك الفرنج
(ضحك عالٍ)
:
ها قد بلغنا المقصد والمعتصم ما يزال معتصمًا بدياره.
الوزير
:
والله يا مولاي لو لم تكن غافلتَهم لتعذَّرتْ هزيمتهم؛ فإنهم لم يعرفوا الهزيمة
أبدًا.
ملك الفرنج
:
اليوم يعرفونها، ادعُ الجيش إلى الهجوم.
الوزير
:
وفيمَ الهجومُ يا مولاي ولا جيش أمامنا؟ إنما هي مدينة لن تجد بها إلا الشاب قد
ألقى سلاحه والمرأة تنتظر زوجها والرجل العجوز لزوم كسرى بيته يروي عن الشباب
الذاهب وينتظر الغداء القادم.
الملك
(ضاحكًا)
:
ستكون للشاب ألقى سلاحًا، وللمرأة تنتظر زوجها، العائد وللعجوز يلتمس غداءه السم
الزعاف.
الوزير
:
ألا نُنذِرهم يا مولاي؟
الملك
:
أجُنِنتَ؟
الوزير
:
فلا والله لستُ بهذا. وإنما أخشى أن يكون انتقامهم بقدر الشر الذي نلقيه
عليهم.
الملك
:
مُر الناس بالهجوم ودع الغد للغد. هلُم.
(صوت نفيرٍ شديد وحوافر خيل.)
صوت
:
أترى إلى الجموع الزاحفة؟
آخر
:
إنها الموت الآخذ.
آخر
:
ما رأيت كاليوم جبانًا.
آخر
:
أجبانٌ من يقول الحق؟!
آخر
:
جبان من يذكر الموت. إننا نحارب في سبيل حريتنا، ولا يجرؤ الموت أن يصبو إلى من
يدافع عن حريته.
آخر
:
أرأيتَ لو أن السيف قد اخترم قلوبنا وتركَت أرواحُنا الأجساد، أليس هذا هو
الموت؟
آخر
:
ذاك هو الحياة. إنها الحرية. من مات في سبيلها وهبَت له الحياة الخالدة.
(يرفع صوته) حي على الجهاد.
(موسيقى قليلة.)
ملك الفرنج
:
أترى إلى المدينة، ليخيل إليَّ أن جيشنا يلاقينا.
الوزير
:
لقد عَرفوا بالهجوم.
ملك الفرنج
:
ويل للخائن.
الوزير
:
ما أحسبه إلا واحدًا منهم وقد رآنا، فأخبر أهله.
الملك
:
الويل له منهم كان أو مِنَّا.
الوزير
:
أتعاقبُ الرجل أن يخبر قومه عن جيشٍ يُغير على غرة؟
الملك
:
هيهات أن يُجدي دفاعهم فتيلًا، فما أحسب المعتصم قد علم عن قدومنا، وما أحسبهم إلا
قلةً ضئيلة لن تثبُت إلا ريثما تنهزم.
الوزير
:
ما أحسب الأمر كذلك، يا مولاي؛ فإنهم يحاربون عن حريتهم ودينهم، وما حارب عن هذَين
أحدٌ إلا انتصر.
الملك
:
أقدِم فإنما النصر لمن أقدَم.
الوزير
:
إنما النصر لمن دافع عن الحق.
الملك
:
أيهزمنا هؤلاء؟
الوزير
:
إن قلتهم ضئيلةٌ، وما أخالهم ينتصرون، ولكننا سوف نخسر الكثير قبل أن ننتصر.
وسيكون نصرنا يومذاك لكثرتنا الكثيرة ولقلتهم القليلة.
الملك
:
إنه النصر وما يهم من بعدُ لماذا يتم. إلى القتال.
(موسيقى عنيفة يتخللها صليل السيوف وصهيل الخيل تشتدُّ شيئًا فشيئًا ثم تهدأ.)
الملك
:
النصر لنا.
صوت
:
لقد خسرنا من الرجال كثيرًا.
الملك
:
ولقد أَسَرنا منهم الكثير وقتلنا. اعرِضوا الأسرى.
صوت
:
من بين الأسرى يا مولاي سيدةٌ دافع عنها قومها دفاعًا عنيفًا، وما أحسبها إلا من
السادة.
الملك
:
هاتها.
صوت
:
أمر مولاي.
الوزير
:
ماذا أنت فاعلٌ بها يا مولاي؟
الملك
:
سوف ترى.
الوزير
:
ها قد جاءت.
الملك
:
تقدمي يا امرأة، من أنت؟
السيدة
:
هاجمتَ والليل أسود، واتخذتَ الخداع وسيلة إلى الآمنين، ولو قد أنذرتَنا لرأيت
الهزيمة كيف تكون، ولكنت أنتَ اليوم أسيرًا يُشار بك فتضرع، ويومأ إليك فتخضع.
الملك
:
إن لك لسانًا يضمن لك الهلاك.
السيدة
:
ويحك، هل ثَمَّةَ هلاكٌ بعد هزيمة انصبَّت علينا وحرية فقدنا؟!
الملك
:
هناك الموت.
السيدة
:
إن مثلكَ من يخشاه، أمَّا نحن فحريتنا حياتنا وليس بعد فقدانها حياة.
الملك
:
فأخبرينا يا امرأة من أنبكم أنَّا قادمون، وهل عرف المعتصم؟
السيدة
:
أخيانةٌ تريدني عليها؟
الملك
:
لقد صبرتُ على قولٍ منك عنيف، لتخبرينا، فوالله إن لم تخبري لأجعلنَّكِ أمثولةً بين
قومك.
السيدة
:
إن من يتخذ الليل ستارًا يروِّع الآمنين من ورائه ليس غريبًا عليه أن يُهدِّد
امرأة.
الملك
:
إنني أعرف ما تهدفين إليه، إنك تريدين أن تطيلي الحديث حتى تسنحي الفرصة لجيش
المعتصم أن يأتي ولن يكون هذا. أيها الوزير.
الوزير
:
مولاي.
الملك
:
مُر القوم بالرحيل واصحب هذه المرأة معنا. واقتل الأسرى الآخرين.
الوزير
(في جزع)
:
أقتل الأسرى؟!
الملك
:
نفِّذ ما أمرت به.
الوزير
(في استسلام)
:
أمر مولاي.
(موسيقى.)
الملك
:
إنكِ الآن في القسطنطينية، وإن بينها وبين المعتصم ما تعلمين من صحراءَ واسعة وأيامٍ
طوال، فقولي من وشى بنا عندكم، أهو مِنَّا أم هو منكم؟
السيدة
:
نحمدُ الله تعالى أن ولى أمرنا من جعلكَ تهرب هروب اللصوص.
الملك
(في غضب)
:
اجلدوا المرأة حتى تُخبرنا عن الواشي.
(صوت وقع السياط.)
(موسيقى.)
السيدة
:
وا معتصماه! وا معتصماه!
الملك
(ساخرًا ضاحكًا بشدة)
:
سيوافيك على الخيل البُلق (ضاحكًا) أجل على
الخيل البُلق.
صوت
:
وما الخيل البُلق يا مولاي؟
الملك
:
هي الخيل السوداء خالطها البياض، يزعم هؤلاء المسلمون أنهم سيدخلون الجنة عليها (ضحك شديد) وهكذا سيأتي المعتصم إلى هذه
المرأة على الخيل البُلق (ضحك) الخيل
البُلق.
(موسيقى.)
صوت
:
وهكذا يا مولاي أخذ يسخر منها، ثم ضحك ضحكًا شديدًا حين قال إن المعتصم سيوافيها
على الخيل البُلق.
المعتصم
:
أمن هذا يسخر؟ والله لأردنَّ سخريته إلى صدره. أذِّنوا في الناس كل من يملك
فرسًا أبلق فإن الخليفة يريده ليدفع عن الدين، وعن الحرية وعن الكرامة.
الصوت
:
ألا تريد إلا الفرس الأبلَق؟
المعتصم
:
نعم، والله لا أريد غير الفرس الأبلق، والأبلق فقط.
(موسيقى.)
المعتصم
:
كم تجمَّع لدينا من الخيل البُلق؟
صوت
:
تسعون ألفًا يا مولاي عليها الرجال أمامهم الموت في سبيل الله، هم طَوعُ يمينك.
المعتصم
:
حي على الجهاد.
أصوات
(كثيرة)
:
حي على الجهاد.
(موسيقى.)
الراوية
:
وعلى الخيل البُلق انبثق المعتصم يلبِّي الصرخة التي انبعثت إليه من بلاد الروم.
إنها وا معتصماه! أطلقَتها المرأة من عند الفرنجة فهَبَّ لها خليفة الإسلام. وإنها
سخرية من ملكٍ فاجر ردَّها خليفة الإسلام انتصافًا للحق واهتزازًا للمروءة. وعلى
الخيل البُلق انتصر المعتصم، وبالخيل البُلق انهزم ملك الروم، وعلى الخيل البُلق عادت
السيدة العربية. لقد كانت هذه الخيل رجع ندائها. خُلقٌ عربي في الشواهق العليا من
الخُلق، امرأة ضعيفة تأبى على الملك المنتصر أن يستلَّ منها سرًّا، وخليفةٌ عربي
يأبى أن يُستصرخ فلا يجيب، فما هو إلا رجع صدى الصرخة حتى يعود معها خليفة وجيش وخيلٌ
بلق. فما لنا إذن غُلف القلوب سِراعٌ إلى الزلل وقَّافون عن الخير! وما لنا! ما لنا لا
نلقي إلى تلك القمم الساطعة نظرةً تهدينا السبيل! وما لنا لا نقتبس ضوءًا من شرفات
التاريخ!