ستار الخير
الزوجة
:
لقد أبعدتَ في الغيبة يا مولاي، ولم تُرسل إلينا من لدنك رسولًا، فأهلًا بك في منزلك،
وطاب يومٌ عُدتَ فيه.
الأمير
(حزينًا)
:
ها قد عُدت يا سامية، فقد شَغلَتني عنك الحرب.
الزوجة
:
يا مولاي، إنها الحرب، فإن تكن اليوم قد أدبَرتْ فإنها في غدٍ مقبلةٌ، وما أقربَ
الغدَ من اليوم! وإنكَ لفارسُها وفتاها، وإنكَ لسَيفُها و…!
الأمير
(مقاطعًا)
:
ماذا بك يا سامية؟ أتظنين بي الهزيمة؟
الزوجة
:
فماذا تريدني أن أظن بهذا الوجه المقطَّب وذلك الجبين المغضَّن، وهاتَين العينَين
الكابيتَين؟
الأمير
:
لم تكن هزيمةً ما أحاقت بنا.
الزوجة
:
فهي الخيانة إذن أدَّت بكم إلى الهزيمة.
الأمير
:
بربك يا سامية. لقد انتصرنا.
الزوجة
:
ماذا تقول؟
الأمير
:
لقد انتصرنا نصرًا حاسمًا.
الزوجة
:
انتصرتم! فمالكَ إذن، وقد اربدَّ وجهُك، وعلا الحزنُ نفسك، بل ما لكَ تلقي إليَّ بخبر
النصر وكأنما كنتَ ترجو الهزيمة! سعيد، أخاف، ولكن لا، لستَ أنتَ من يفعلها.
الأمير
:
ماذا تخافين؟
الزوجة
:
أخاف أن يكون النصر ثمنًا لكرامةٍ مهدرة أو خديعةٍ شائنة، ويحك!
الأمير
:
ويحك يا سامية، لقد أبعدَت بك الظنون. انظري بربك أي رجلٍ ذاك الذي تلقين إليه
الحديث.
الزوجة
:
رجل هو الرجولة. إنه الأمير سعيد.
الأمير
:
فما لك تُسيئين الظن؟
الزوجة
:
وماذا تريدني أن أظن، وأنت على حالك هذا من الحزن والألم؟
الأمير
:
لقد فُجعتُ والله وأنا أتلقَّى أنباء النصر.
الزوجة
:
فداك نفسي، أيها الزوج، بماذا فُجعتَ؟
الأمير
:
انهزم الأعداء، وولَّوا الأدبار، وتلفتُّ يا سامية أبحث عن صديقي تمام القضاعي فقيل
لي إنه مات.
الزوجة
:
إن الذاهب إلى الحرب — أيها الأمير — إنما يضعها حياةً على سنِّ سيفٍ، فإمَّا
نُصرة وحياة، وإمَّا ميتة في سبيل النصر.
الأمير
:
فوربك ما حزنتُ لموته، وإنما هو ذو عائلةٍ، وأولاده صغارٌ، وقد كان رجلًا عفيفًا لم
يترك لزوجه ما يقيم أوَد الحياة.
الزوجة
:
هوِّن عليك أيها الأمير. ألا فلتُقم أنت أوَد الحياة لعائلته؟
الأمير
:
وددتُ والله لو كان ذاك، ولكنني لم أستطع.
الزوجة
:
كيف؟
الأمير
:
لم أُطق أن أعود إليكِ قبل أن أذهب إلى دار صديقي، فذهبت.
الراوية
:
وكان الأمير قد ذهب فعلًا إلى دار صديقه الشهيد، وطرق الباب، فعاجلَت إليه الزوجة
التي أصبحت أرملة.
صوت سيدة
:
مرحبًا تمام. على الطائر الميمون عُدتَ إلى زو… (تفتح
الباب) من؟ مولاي، أين تمام؟
الأمير
:
على رِسلكِ يا عفراء، إنه …
عفراء
:
إلى جنة الخلد يا تمَّام.
الأمير
:
هوِّني عليك يا عفراء.
عفراء
:
إن كان إلى تهوينٍ من سبيل يا مولاي فهو ثقتي أنه لاقى ربه راضيًا مرضيًّا، بذل
حياته في سبيل ربه، فله أجر الشهداء والصديقين.
الأمير
:
ألا من دمعةٍ تريح بعض ما بك؟
عفراء
:
لكم أتوق إلى تلك الدمعة يا مولاي، ولكن هيهات، فإني لأخشى إن أنا ذرفتها أن
تُغضب تمامًا وما عُوِّدتُ أن أُغضبه.
الأمير
:
فالله لنا في فقده يا أخت.
عفراء
:
إنه لنا دائمًا يا مولاي. لن يرضى الله إلا الخير لقومٍ اختار عمادهم إلى جواره،
واصطفاه إلى سمائه وارتضاه في جنات نعيمه مجاهدًا في سبيله في الدنيا طامحًا إلى
رضاه في الآخرة.
الأمير
:
نعمت الزوجة أنت يا عفراء، ونعمت المرأة.
عفراء
:
ما أنا يا مولاي إلا قبسة من تمام، وقد كان والله رجلًا عميق الإيمان، صادق
المروءة، كريم الطريق، نبيل المقصد.
الأمير
:
أجل والله، لقد كان كذلك. عفراء، لقد استودعني تمَّام أمانة، وقد حان موعد
ردِّها.
عفراء
:
أية أمانةٍ يا مولاي؟
الأمير
:
قد كان يملك قطعةً صغيرة من أرض باعها، ثم هو قد طلب إليَّ أن أُبقي ثمنها عندي
حتى يشتري قطعةً أخرى لكم.
عفراء
:
الله جارك يا مولاي. أتخادعني عن نفسي؟ فلا وربك لم يكن لتمامٍ قطعةٌ من بستان
صغيرةٌ أو كبيرة، ولا وربك لم يَبعْ تمام شيئًا، ولا وربك ما كنتُ لأقبل ثمن زوجي،
فإنك لا تطيق وإن كنتَ الأمير أن تؤدِّي الثمن.
الأمير
:
بربك يا عفراء ألا أتحتِ لي هذا الخير، فإني لأدري أن تمامًا لا يملك شيئًا، وإني
لأخشى عليكم عاديات الزمان، فما ضر لو استعنتم على الزمن بي.
عفراء
:
إننا نحن المدينون يا مولاي، لقد أتحت لرجلنا أن يلاقي ربه مستشهدًا، وهيهات
هيهات أن نقبل ثمن الخير الذي أصاب صاحبنا. لقد استُشهد في سبيل الله، ولن أُفسد
استشهاده بمالٍ أقبله منك.
الأمير
:
ولكن للزمن غدرة ولا يقيل منها إلا المال.
عفراء
:
إن للزمن غدرة ولا يقيل منها إلا الله، وإنه معنا.
الأمير
:
بربك يا عفراء ألا قبلتِ؟
عفراء
:
بربك يا مولاي ألا أقلتَ؟
الأمير
:
لقد حمَّلتِني من أمري عبئًا.
عفراء
:
حتى لا أحمل من أمري عنتًا.
الأمير
:
فوداعًا يا عفراء.
عفراء
:
وداعًا يا مولاي.
الراوي
:
وسمعَت زوج الأمير حديث زوجها، فهي تقول له:
الزوجة
:
لقد واللهِ باركَت روح زوجها، فكأنما استُشهد مرتَين:
الأمير
:
لقد استُشهد في كل مرة عفَّ فيها عن المال، وفي كل مرةٍ رفضَت فيها الزوجة أن
تقبل.
الزوجة
:
إلى رحمة الله يا تمام، وأصبركِ الله يا عفراء.
الأمير
:
وهكذا يا سامية لست أدري ما أنا فاعلٌ.
الزوجة
:
خبِّرني يا مولاي. ألم تقل إن له أولادًا؟
الأمير
:
بلى، إنه ذو عيالٍ.
الزوجة
:
أليس له بُنيَّات؟
الأمير
:
بلى، إن له لبُنيَّة.
الزوجة
:
فكم تبلغ من العمر؟
الأمير
:
أظنها في الخامسة عشرة.
الزوجة
:
لقد وجدتُ الطريق يا مولاي.
الأمير
:
فقولي بربك.
الزوجة
:
انتظر بعض الحين، ثم اذهب إلى عفراء مرةً أخرى.
(موسيقى.)
الراوية
:
وألقت الزوجة إلى زوجها برأيٍ وجد فيه خيرًا، فهو يذهب إلى عفراء يقول به.
الأمير
:
عفراء.
عفراء
:
مولاي.
الأمير
:
قدمتُ في أمرٍ وددتُ لو أجبتِني فيه.
عفراء
:
إن كان في الطوق يا مولاي.
الأمير
:
هو رجاء.
عفراء
:
بل أمر مولاي، إن استطعت.
الأمير
:
إنني أخطب إليك ابنتك؟
عفراء
:
ابنتي؟
الأمير
:
أجل، ابنتك سعاد.
عفراء
:
ولمن الخطبة يا مولاي؟
الأمير
:
لابن أخي الأمير شهاب.
عفراء
:
أمَّا هذا فنعم يا مولاي، أمَّا هذا الرجاء يا مولاي فإني أجيبه على
شرطٍ.
الأمير
:
وما هو؟
عفراء
:
أن يكون الأمير شهاب قد طلب هذا الزواج لأنه يريد ابنتي، لا لأنك أرغمتَه
عليه.
الأمير
:
وأُقسِم ما أرغمته.
عفراء
:
وإني قبلتُه يا مولاي.
الأمير
:
لقد قبلَت يا سامية.
سامية
:
وهكذا يا مولاي أتاح الله لك أن تمدَّ يد العون إلى عائلة صديقك من غير أن تُظهر
هذه اليد، فهي ملفوفةٌ في غشاءٍ كريم من الكتمان. ستعطي المال لابن أخيك وابن أخيك
يقوم بشأن الأُسرة في ستار الخير.
(موسيقى.)
الراوية
:
كم هي رائعة تلك المثل التي يضربها الأولون!
فإنهم ليجزعون اليوم عن الجهاد إلى
الهدوء، وإنهم ليجزعون من الموت إلى الحياة، وإنهم ليجدون إكرام الميت في النواح
الكاذب حتى إذا استعصت الدمعة وأراد الجرح أن يندمل استأجروا أو استأجرن النائحات،
لتمزقن الجراح وليهتكن على الميت حرمته، وإنهم ليجحدون الصداقة وينكرون الود،
وإنهم ليمنعون الخير، فإن بذلوه استردوه بالمن الكاذب وبالتظاهر المتكبر. لو أنهم
ألقَوا ناظرهم إلى أمجاد آبائهم، لهدأَت نفسٌ لهم تثور إلى الشر، ولأقامت أخلاقهم على
الطريق القويم. نظرة إلى الماضي.