الروح والشيطان
سيف
(هامسًا في حذرٍ)
:
بروحي أنت أمامة، قصدتِ إليَّ والليل منضور الجوانب بأشعة القمر، والعيون حوالينا
مفتَّحة تعدُّ علينا الخلجات.
أمامة
:
لا تَخشَ العيون يا سيف؛ فالعيون لا ترى إلا ما نُبديه. أمَّا ما تنضَم عليه قلوبنا
فهيهاتَ للعيون أن تراه.
سيف
:
وكيف خرجتِ؟ ألم يَرَكِ أبوك؟
أمامة
:
لا، لم يرَني، وكيف تعتقد أنِّي أتأخَّر عن مكانٍ أنت فيه؟ الله لي يا سيف، أنت لا
تُحبني؟
سيف
:
لا أُحبكِ ويلي! ويلي من نفسك إن كنتُ لا أحبك، نهاري ظلامٌ ما دمتُ بعيدًا عنكِ،
وليلي شوكٌ ما دمتُ لم أرَكِ فيه، وفؤادي ممزَّق ما دمتُ لم أُلاقِك، والناس بأجمعهم
مهما
يشتد بهم الزحام فراغٌ في عيني ما دمتٌ غير ناظرٍ إليك. كل حديث لا تقولينه، وكل
كلام لا يتحدث عنك هذر من الهذر وسخف وخرافة. لا أحبكِ ويلي! ويلي من نفسي إن كنت لا
أُحبكِ! فماذا يا تُرى يكون حالي لو كنتُ أُحبكِ؟! أمامة إنِّي أُحبك.
أمامة
:
كلام، أحسنتَ الكلام.
سيف
:
إذن فليس هذا هو ما ينبض به قلبُك؟ إذن فأنتِ لا تُحبينَني؟
أمامة
:
لا أحبك! فمن أُحب؟ أنت فتى الحي وفارسُه، وإنكَ البطل المظفَّر، وإنكَ الشجاع الذي
لا يَثْنيه هول أو يردُّه جليل، وإنكَ أعظم الفتيان جمالًا، ممشوق القوام، فكأنما أنت
تمثالٌ من تماثيل الفرس أو إلهٌ من آلهة الإغريق.
سيف
:
أحببتِ فيَّ زائلًا يا أمامة؛ فقد يزول الجمال، وقد يغلظ القوام فيتحطَّم أمام عينَيك
تمثال الإغريق وإله الفرس.
أمامة
:
ويلي بربك، لا تقل هذا. لا بربك، لا أطيق.
سيف
:
أما تُحبين فيَّ غير القوام الممشوق، والوجه الحلو؟
أمامة
:
وأنتَ ماذا تُحب فيَّ، هيه، ماذا تُحب؟
سيف
:
أجادَّةٌ أنتِ في سؤالك؟
أمامة
:
وما لي لا أجدُّ؟
سيف
:
لأنِّي أُحبكِ جميعًا، أُحبك أمامة، بكل شيءٍ فيك، الظاهر منك وما تستره الضلوع،
أُحب وجهكِ وقوامكِ، وخُلقكِ ورداءكِ، وأناملك الدقيقة هذه، وخفقةَ عينَيك وأنت تستمعين
إليَّ وابتسامةَ ثغرك هذه وأنت فرحانةٌ بكلامي، وأُحب هذه النونة التي تبدو وكأنها
توقيع خالقك على وجهك بعد أن خلقكِ فأعجبه ما خلق فأراد أن يُشرِّفه بهذا التوقيع
الحلو الذي لا يبدو إلا مع السرور والفرح والضحك، نعم هذه النونة، أُحبها، أُحبكِ
جميعًا، أُحبكِ بلا استثناء، أحبك كُلًّا لا أستثني منه جزءًا، أُحبكِ هكذا وما أظن
أن الحب إلا هذا.
أمامة
(تضحك ضحكةً صغيرة)
:
وأمَّا أنا فأحبُّ ذراعَيك المفتولتَين، وأُحبكَ تمشي في الحي فتشير صديقاتي إليك
هامساتٍ، ثم تردُّ الواحدة منهن صديقتها عنكَ، وتُحذِّرها أن تقتربَ منك؛ لأنكَ رجلي
أنا،
فكلهن يعلمن أنكَ رجلي أنا، وأُحبكَ تذهبُ إلى الحرب ثم تعود فيقول الناس إن سيفًا كان
فارسًا، وأُحبكَ أن يتحدَّث الرجال، فيقولون ليس بين فتياننا من هو مثل سيف، أُحبكَ
سيف.
سيف
:
فلو أن عروة ابنَ عمكِ سبقَني في الفروسية، ولو أنكِ سمعتِ صديقاتكِ يتهامسن عنه بينهن،
ولو أنه ذهب إلى الحرب، ثم عاد، فسمعتِ الرجال يتناقلون عنه الحديث، ولو أنني مرضتُ
يومًا فلم أسِر بين صديقاتكِ، إذن لتَركتِني إلى عروة إن كان السابق أو إلى أي فتًى آخر
إن كان هذا الآخر هو السابق، أهكذا يا أمامة؟
أمامة
:
سيف، مالي أراكَ متشكِّكًا في حبي لك؟ أشكُّ في حبي وقد جئتكَ وقبلتُ اللقاء بكَ مراتٍ
ومراتٍ والعيون حولنا من كل مكان؟!
سيف
:
لا أدري والله يا أمامة، أجئت إليَّ أم إلى ذراعي المفتولة وقوامي الممشوق، وحديثِ
الناس عني، وتهامُسِ النسوة حولي، لا أدري يا أمامة.
أمامة
:
وما أنت؟! ألستَ أنتَ، أنت القوام الممشوق والذراع المفتولة وحديث الناس، وتهامُس
النسوة؟ أي فرق بين الاثنَين؟ لماذا تُفرِّق بين نفسك وصفاتك؟
سيف
:
أخاف يا أمامة.
أمامة
:
أتخاف من نفسك، أتغار من صفاتك؟
سيف
:
إن كنتِ أحببتِ هذه الصفات وحدَها فأنت تُحبينها غدًا، في أي فتًى يتصف بها. أمَّا إن
كنتِ أحببتِها فيَّ لأنها فيَّ فأنتِ تُحبينني.
أمامة
:
تُحيِّرني يا سيف، فوالله ما أدري منذ متى ينفصل الإنسان عن صفاته ويغار منها؟ إني
أُحبكَ يا سيف.
سيف
:
ما أشدَّ خوفي من حبكِ وما أعظم حيرتي فيه! أهو حب لسيف أم لذراعِ سيف؟ لا
أدري!
أمامة
:
لا أفهمكَ سيف الليلة، فهلمَّ بنا، فقد أوشك القمر أن يرتحل وقد أوغل المساء.
هلمَّ بنا.
أمامة
:
على لقاءٍ يا سيف.
(موسيقى تصاحب المشهد.)
سيف
:
أمامة.
أمامة
:
سيف، أنتَ لا تدري ما حلَّ بي.
سيف
:
ماذا، ماذا حلَّ بكِ؟
أمامة
:
تركتكَ في آخر لقاء وسعيتُ إلى منزلي، وقبل أن أصل إليه نبَت لي من مكان خفيٍّ عروةُ
ابن عمي.
(تنقطع الموسيقى.)
عروة
:
من أين يا أمامة؟
أمامة
:
وما شأنك يا عروة؟
عروة
:
فشأن مَن إذن إن لم يكن شأني؟
أمامة
:
شأن أبي وأمي. هل أنت أمي؟
عروة
:
أَمِنِّي تسخرين يا أمامة؟
أمامة
:
فما تعرُّضُك لي في الطريق، وما سؤالكَ من أين وإلى أين؟
عروة
:
فإني أعرف أين كنتِ وأنتِ ابنة عمي، فإنْ تناولَكِ الناس بشرٍّ فقد أصابني هذا
الشر.
أمامة
:
فلا شأن لك بي.
عروة
:
بل هو شأني، وإني ذاهب اليوم إلى أبيك، لأخطبك.
أمامة
:
اكشف الستار إذن عن نواياك، فذلك إذن ما تريد.
عروة
:
وأي عيبٍ في أن أطلب الزواج بابنة عمي؟!
أمامة
:
لا عيب في ذلك، ولكنكَ تُهدِّدني بما تدَّعي أنكَ تعرفه.
عروة
:
إنما أردتُ أن أستُر عليكِ.
أمامة
:
لا شأنَ لك بأن تستُر عليَّ.
عروة
:
فإن كنتُ أُحبكِ؟
أمامة
:
أتُحبُّ من لا يُحبك؟
عروة
:
ألا تُحبينني يا أمامة؟
أمامة
:
أمَا تعرف هذا؟
عروة
:
كنتُ أكذِّب نفسي.
أمامة
:
بل لا تُكذِّب نفسك.
عروة
:
فماذا تكرهين فيَّ؟
أمامة
:
وماذا أُحب فيك؟!
عروة
:
ألستُ فارسَ القبيلة وفتاها؟
أمامة
:
بل أنتَ مِن فرسانها وفتيانها.
عروة
:
فمَن الفارس فيها والفتى؟
أمامة
:
أمَا تعرفه؟
عروة
:
أظنُّني أعرفه.
أمامة
:
بل إنك تعرفه.
عروة
:
في غدٍ تسمعين عنِّي يا أمامة.
أمامة
:
فدع حديثكَ إلى الغد حين أسمعُ بك.
عروة
:
في غدٍ تسمعين.
(تعود الموسيقى.)
أمامة
:
أخاف أن يَشيَ بنا إلى أبي يا سيف.
سيف
:
ليس هذا ما أخشاه.
أمامة
:
فماذا تخشى؟
سيف
(سارحًا)
:
ليس هذا ما أخشاه.
أمامة
:
لقد أوعدني.
سيف
:
بل لقد وعدَك.
أمامة
:
ماذا تعني؟
سيف
:
سيظل عروة ولا عمل له إلا المران على السيف والفروسية حتى يُصبِح فتى
القبيلة.
أمامة
:
ولكنكَ ستظل السابقَ عليه.
سيف
:
والله لا أدري يا أمامة، والله لا أدري.
أمامة
:
وماذا أنتَ فاعلٌ الآن؟
(تنقطع الموسيقى.)
سيف
:
يا أبا أمامة، جئت أخطبُ إليكَ أمامة.
أمامة
:
نِعمَ الرجلُ أنت يا سيف، وإني قبلتُ.
(أصوات فرح وطبول.)
سيف
:
أحسنَت الأيامُ إلينا يا أمامة.
أمامة
:
أي زوجي الحبيب. لقد أحسنَت.
سيف
:
سنجعل أيامنا كلها أفراحًا.
أمامة
:
أمَّا أنا ففي فرحٍ دائمٍ. بحسبي أن يُقال عنِّي إني زوجٌ، وبحسبي أن أراكَ في
جمالك الحلو هذا.
سيف
:
أمَّا أنا فبِحسبي أنِّي تزوجتُ من حبي. أحسنَت الأيام يا أمامة. أحسنَت
الأيام.
(موسيقى تنتهي بصياح وضجيج.)
صوت
:
إلينا فتيانَ القبيلة، الحرب، الحرب.
(يخفت الضجيج.)
أمامة
:
سيف، أنتَ ماضٍ إلى الحرب؟
سيف
:
نعم يا أمامة، إني ماضٍ إليها.
أمامة
:
فعُد سالمًا يا سيف، وعُد بطلًا يا سيف.
سيف
:
اسألي ربك لنا الخير يا أمامة.
أمامة
:
الخير رفيقك يا سيف.
(موسيقى.)
أم عروة
:
أنتَ ماضٍ إلى الحرب؟
عروة
:
أجل يا أُم.
أم عروة
:
فكن رجلًا يا عروة.
عروة
:
أعَرفتِني غير ذلك يا أُم؟
أم عروة
:
لا وربكَ يا بني، الله جارك يا ولدي، الله جارك.
(موسيقى تنتهي بضجة حرب.)
صوت
:
عليك بسيف، إن أنتَ قتلتَ سيفًا انتصرنا.
آخر
:
وكيف لي بسيف، وها أنت ذا تراه كالإعصار الجارف يدور في الميدان كالهَوْل
المبين؟
الأول
:
نذهب إليه جماعةً ونُحيط به.
الثاني
:
نفعل ذلك، هلُم، هلُم أسعد، هلُم إسحاق، هلُم أيمن، هلُم جميعًا، أحيطوا بسيف.
(تعلو ضجة الحرب لحظة ثم تخفت.)
سيف
:
الله معي يا أعداء، الله …
الأول
:
خذ هذه.
سيف
:
بل خذها أنت.
الثاني
:
فهذا إلى قلبك.
ثالث
:
الموتُ لك.
سيف
:
بل لكَ أنت.
رابع
:
تقدَّموا جميعًا واضربوا.
سيف
:
آه!
عروة
:
لبيك سيف، لبيك أخاه، عروة إلى جانبك.
(موسيقى حزينة هادئة.)
عروة
:
كيف هو الآن يا أمامة؟
أمامة
:
يصحو لحظةً ويغيب ساعات.
عروة
:
ابذلي في العناية به، غاية الجهد يا أمامة. لقد كان فارس الحرب وفتاها.
أمامة
:
بل سمعنا أنكَ أنتَ من كنتَ فارسها وفتاها؟
عروة
:
والله ما أحسَّ القوم بي إلا بعد جرح سيف، ولو لم يجتمع عليه الأعداء ما استطاعوا
أن يُصيبوه.
أمامة
:
ثم قيل إنكَ كنتَ خيرًا منه؟
عروة
:
إنما الناس ألسنة تنطقُ بغير تفكير. لا والله كان سيف خير من حارب في
قبائلنا.
أمامة
:
ولكن الناس يمتدحون شجاعتك.
عروة
:
لأن سيفًا جريح، والناس أصدقاء القوي أعداء الضعيف يسيرون مع السائر ولا يرحمون
من أعياه السير في سبيلهم.
أمامة
:
تذُم الناس وما ذمُّوك؟!
عروة
:
أقسم أني لا أذُمُّهم وإنما أصفُهم، ضعافٌ يُحبون القوي ويتملَّقونه، فإن ضعُف نسُوا
قُوَّتَه
وانهالوا عليه بألوانٍ من الأكاذيب.
أمامة
:
لك الله عروة. ما أرى إلا أنكَ تُدافع عن صديقك سيف.
عروة
:
لم يكن سيف صديقي في يومٍ من الأيام، وإنما كان الأمل الذي أتطلَّع إليه والذي أرجو
أن أُصبح مثله.
أمامة
:
وها أنت ذا قد أصبحتَ خيرًا منه.
عروة
:
كذب والله من قال هذا، أين أنا من سيف، أين أنا منه؟ ارعي سيفًا فلم يبقَ منه
إلا أنتِ بعد أن ماتت أمه.
أمامة
:
حادثتَني عن سيف وعن الناس وعن نفسك (مترددة)
ولم تقل شيئًا عن غير هذا؟
عروة
(كمن فهم ويريد ألا يفهم)
:
ماذا تقصدين يا أمامة؟
أمامة
:
أذكِّرُك بحديثٍ بيننا وتأبى أن تذكُره.
عروة
:
أي حديثٍ؟
أمامة
:
أمَا تذكُر منه شيئًا؟
عروة
:
أذكُر أنني حادثتُك منذ أنت فتاة لم تتزوجي، عرضتُ عليك نفسي فأبيتِ، ثم تزوَّجتِ يا
أمامة، فأي حديثٍ بيننا؟
أمامة
:
ألا تريد أن تذكُره؟
عروة
:
لا والله لن أذكُره أبدًا. أأذكُره وأنت زوجة خير فتياننا؟! أأذكره وزوجك هنا
جريح؟! جريح في سبيلنا جميعًا، لستُ الفتى العربي إن أنا ذكرتُه لك. لا يا أمامة، لا
يا زوجة سيف.
أمامة
:
وأين سيف منِّي الآن؟ إنه مريضٌ، جريحٌ، غائب عن الحياة!
عروة
:
بل إنه يملأ الحياة بسيرته وماضيه. لا يا أمامة، لا حديث بيننا أبدًا. سلامٌ
عليكِ.
أمامة
(في لهفة)
:
انتظر.
سيف
(صوتٌ ضعيف)
:
أمامة.
أمامة
:
لبَّيكَ سيف.
سيف
:
من ذا الذي تُحادثين؟
أمامة
:
إنه عروة يا سيف.
سيف
:
مرحبًا بالرجل. أدخليه أمامة.
(جملة موسيقية.)
عروة
:
أعانكَ الله يا سيف.
سيف
:
أنقذتَني يا عروة، لولاك لكنتُ الآن قتيلًا.
عروة
:
لا تقُل هذا يا سيف. إنما أنقذتُ سيف قبيلتنا وفتاها، إنما أنقذتُك لنفسي يا سيف.
سيف
:
الله وحده كفيلٌ بشُكرانك يا عروة، الله وحده هو الكفيل.
(موسيقى.)
عروة
:
كيف حاله يا أمامة؟
أمامة
:
كما هو يا عروة.
عروة
:
فسلامٌ عليك يا أمامة.
أمامة
:
أمَا تجلس قليلًا؟
عروة
:
أجلس إليك وأنت زوجة سيف؟ لا يا أمامة، سلامٌ عليكِ.
أمامة
:
عليك السلام!
(موسيقى.)
صوت
(صدًى)
:
وأنت زوجة سيف؟ لا، وأنت زوجة سيف؟ لا.
أمامة
:
سيف.
سيف
(في صوتٍ ضعيف)
:
لبَّيكِ أمامة.
أمامة
:
طال بكَ المرض.
سيف
:
أجل يا أمامة، طال بي المرض.
أمامة
:
وبعدُ يا سيف؟
سيف
:
أُدرِك ما بنفسكِ يا أمامة.
أمامة
:
لقد كنتَ دائمًا الذكيَّ اللبيب.
سيف
:
لو كنتُ ذكيًّا ما تزوجتُكِ يا أمامة، ولكن الحب يُعمي فعميتُ. كنت أدري أنك تحبين
سيفي وذراعي ولا تحبينني. كان يجب ألَّا أتزوَّجكِ يا أمامة.
أمامة
:
قضاء الله يا سيف.
سيف
:
بل قضاء الشيطان الذي في نفسك يا أمامة، الله أرحم بعباده من الغدر بالمريض،
والتنكُّر للجريح.
أمامة
:
سيف.
سيف
:
أنت طالق يا أمامة، طلاقًا بائنًا لا رجعةَ فيه. اذهبي يا أمامة واستغفري الله
كثيرًا، فما أظنُّه يغفر لك.
(موسيقى.)
أمامة
(في لهفة)
:
عروة إلى عروة.
عروة
:
ماذا يا أمامة؟
أمامة
:
عودًا إلى حديثنا يا عروة.
عروة
:
بل لا عَوْد والله.
أمامة
(في فرحِ من تُخفي أمرًا جليلًا)
:
ولماذا يا عروة؟
عروة
:
إنك زوجُ سيف.
أمامة
:
فماذا تُراكَ تقول إن هو طلَّقني؟
عروة
:
أوَطَلقكِ؟
أمامة
:
ماذا تقول إن هو طلَّقني؟
عروة
:
أجيبيني. أطلَّقكِ سيف؟
أمامة
:
نعم.
عروة
:
فأنتِ من طَلبتِ إليه ذلك؟
أمامة
:
وما يهمُّك أنت؟
عروة
:
ويلَكِ من الأيام يا أمامة! ويلَكِ من الأيام!
أمامة
:
ألا تُحبني يا عروة؟
عروة
:
والله لو كنتُ أُحبكِ قدْر حبِّي للحياة، لكرهتُكِ الآن قَدْر كُرهي للموت.
أمامة
:
عروة.
عروة
:
أتطلبين الطلاق من زوجك الجريح لأنه جريح؟! ومن أين لي أنني لن أُجرح غدًا،
فتتركيني كما تركتِ زوجك؟!
أمامة
:
فماذا أفعل يا عروة؟
عروة
:
اذهبي إلى كهفٍ بعيد عن الناس وانقطعي عن كل من عرفك، فإنك تُذكِّرين البشر بمقدار
الشر الكامن في نفوسهم، والناس لا يُحبون أن يذكُروا الشر الكامن في نفوسهم، اذهبي
بعيدًا، لا يراك أحدٌ واستغفري الله وأطيلي الصلاة له؛ فقد يغفر الله، فهو وحده
الذي يغفر الذنوب.
أمامة
:
عروة.
عروة
:
لا تنطقي باسمي يا صورة الشيطان، اذهبي إلى لا لقاء، ولا عودة، لا كان يومٌ
لقيتُكِ فيه ولا كان يوم وُلدتِ فيه.
(موسيقى.)
عروة
:
سيف!
سيف
:
مرحبًا يا عروة.
عروة
:
لقد جئتُ وأمي إليك نقيمُ لديكَ حتى يُزيل الله عنكَ اليأس.
سيف
:
بمثلك تجمُل الدنيا يا عروة، فلا حياة إن لم تعطِّر نواحيها. إن الدنيا كلها
أصبحت شيطانًا واحدًا كبيرًا بلا رجعة ولا خير ولا حب.
عروة
:
فداؤك نحن يا سيف.
سيف
:
بمثلك تجمُل الدنيا يا عروة، فلا حياة إن لم تعطِّر نواحيها بهذه الروح الطيبة
التي تسري في قلوب أمثالك. مرحبًا عروة، مرحبًا بالحياة فيك.
(موسيقى، ختام.)