الفصل السابع
قالت هذا وسكتت كأنها تتوقع جوابًا؛ وإذ رأتني لا أزال متهدمًا تحت وقر أحزاني، سحبت يدها من يدي على مَهَل، وتراجعت خطوات، ثم وقفت لحظة وتولَّت إلى بيتها.
وبقيت على المرج وكنت أتوقع أن أسمع منها ما سمعت؛ لذلك لم أتردد في التصميم على الذهاب، وقفت وفي قلبي غصة، وانطلقت أجوب أنحاء الحديقة وأنا أحدق بالمسكن وبنافذة غرفة مدام بيارسون، ثم عدت أدراجي إلى الحاجز وخرجت مغلقًا الباب ورائي، وقبل أن أبتعد وضعت شفتي على القفل وقبلته طويلًا.
وعندما وصلت إلى مسكني طلبت من لاريف أن يعد متاعي لأنني أزمعت السفر في الصباح، فدهش المسكين لهذه المفاجأة، فأشرت إليه بأن ينفذ الأمر دون أي استفهام، فأحضر صندوقًا كبيرًا وأخذنا نضع المتاع فيه.
منذ ثلاثة أشهر لم أنقطع عن مشاهدتك، ومنذ شهر اتضح لي أنك أخذت بالعاطفة التي يدعوها مَن في سنك غرامًا، وكنت أحسب أنك مصر على كتمان أمرك، والتغلب على نفسك. لقد كنت أحترمك، وليس لي أن أوجِّه أية ملامة إليك عما حدث، وعلى تضعضع عزمك.
إن ما تحسبه حبًّا ليس إلا شهوة، ولا أجهل أن كثيرات من النساء يحلو لهن تنبيه مثل هذه الشهوة، وكان الأجدر بهن أن يرضين كبرياءهن باكتساب الإعجاب دون إثارة الشهوات، ولكنني أرى الآن أن هذه الكبرياء نفسها خطرة، وقد أسأت باندفاعي معها تجاهك.
إنني أسبقك في مرحلة العمر بسنوات، فأطلب منك ألا تحاول الاجتماع بي؛ لأن من يستسلم لضعفه لن يجد بعد ذلك للنسيان سبيلًا. إن ما جرى بيننا لا يمكن العود إليه، ولا يمكن أن يُنسى تمامًا.
إنني لا أفارقك بلا حزن، فأنا سأتغيب عدة أيام. فإذا بارحت البلد أثناء غيابي؛ فإنني لأشكرك على ذلك كدليل على ما تشعر به نحوي من صداقة واحترام.