الفصل الخامس
ودخلت يومًا إلى مسكن بريجيت فرأيت باب الغرفة الصغيرة التي تدعوها المصلى مفتوحًا، وما كان في هذه الغرفة إلا مُصلًّى من الخشب، وهيكل يعلوه صليب حوله عدد من المزاهر، وكانت السجف بيضاء كالجدران الناصعة كالثلج. تلك كانت خلوة بريجيت، وقد أصبحت منذ اتصلت حياتها بحياتي لا تنقطع إليها إلا نادرًا.
ونظرت إلى الداخل فإذا بريجيت جالسة على الأرض بين ما نثرت من الأزهار، وقد قبضت على إكليل صغير ذوَتْ أوراقه وهي تفرطها بين أناملها.
وسألتها عما تفعل، فارتعشت ونهضت قائلة: لا شيء، هي لعبة أطفال، فهذا إكليل ورد قديم جفَّ في هذا المُصلَّى، وقد أتيت لاستبدال هذه الأزهار …
وكانت تتكلم بصوت مرتجف وتكاد تهوي على الأرض.
وتذكرت ما سمعته عن تلقيب بريجيت بالوردية، فسألتها: أليس هذا الإكليل الذي تفتتين أوراقه إكليل لقبك القديم؟
فعلا وجهها الاصفرار وأجابت سلبًا.
فصِحْتُ بها: أقسم بحياتي أنه هو بعينه، فأعْطِني بقاياه …
وجمعت الوريقات اليابسة فوضعتها على الهيكل، ووقفت أنظر خاشعًا إليها كأنها رفات، فقالت: هبْ أنه إكليل لقبي، أفما ترى أنني أحسنت عملًا بنزعه عن هذا الجدار حيث عُلِّق منذ زمان مديد؟ أية قيمة للمندثر؟ إن بريجيت سيدة الورد قد ماتت عن هذا العالم، فما هي خير من إكليلها المنفرط البالي.
وخرجت فسمعت شهقة بكائها وصرير الباب يقفل وراءها، فإذا بي منفرد في المصلَّى أتهاوى جاثيًا مُعوِّلًا.
وعندما لحقت بها رأيتها جالسة إلى المائدة تنتظرني لتناول الطعام، فأخذت مكاني وسكَت كلٌّ منا عمَّا كان يجول في ضميره.