اجتماعٌ طارئٌ!
بدأ الشَّياطين يتوافدون واحدًا وراء الآخر.
عندما أُضيئَت الأنوارُ بقاعة الاجتماعات بمقرِّ الشَّياطين السِّرِّيِّ.
وقد بدا عليهم جميعًا علامات القلق والترقُّب للمغامرة الجديدة. مضى من الوقت خمسُ دقائقَ قضاها الشَّياطين في صمت وهم يفكِّرون قبل أن تُضاء اللمبة الحمراء، والتي تعني أن الاجتماع على قَدْر كبير من السِّريَّة والأهمية … كانت الساعة تقترب من العاشرة مساءً حين سمعوا جميعًا أصوات أقدام يعرفونها جيدًا. تقترب من منصة الزعيم بزجاجها الداكن الذي يسمح برؤيتهم جميعًا بينما لا يستطيعون هم رؤيته.
ألقى الزعيم عليهم التحية بسرعةٍ، في نفس الوقت أُضيئَت خريطةٌ جانبية، وظهرت من خلالها بلدان أوروبا مضاءةً باللون الأخضر، بينما أُضيئَت «يوجوسلافيا» باللون الأحمر. كانت الرسالة واضحةً وصريحةً، ومنها عَلِمَ الشَّياطين أن المغامرة القادمة ستدور في «يوجوسلافيا».
أشار رقم «صفر» بعصاته الطويلة إلى الخريطة فأُطفِئَت كلُّ الأضواء من على الخريطة فيما عدا الأنوار التي تركَّزَت على «سراييفو» عاصمة «يوجوسلافيا» القديمة قبل أن تتفكَّك إلى جمهورياتٍ مُستقِلة.
قال رقم «صفر» بصوته العميق وقد كساه الحزن الذي ظهر بوضوحٍ من خلال كلماته الهادئة: أيها الأصدقاء أعتذر للاجتماع الطارئ الذي قطع إجازتكم بعد المغامرة السابقة، فالموقف خطير، والوقت ضيِّق، والموضوع لا يحتمل التأخير … فمنذ خمسة شهورٍ سافر أحد المصوِّرين العرب إلى «يوجوسلافيا» في مهمَّة رسميَّة وكانت الجريدة التي يعمل بها قد قامت بتكليفه بهذه المهمة.
منذ أنْ سافر وحتى الآن انقطعت أخباره ولا أحد يعرف عنه شيئًا … وقد انتشرت إشاعاتٌ تقول إنه قد أُصيب، وبعضها تقول إنه مات إثر الاشتباكات والمعارك الدائرة هناك بين «الصرب» و«المسلمين» في «البوسنة والهرسك»، ثم صمت رقم «صفر» لحظات قبل أن يكمل كلامه قائلًا: لقد فعلنا المستحيل من أجل معرفة أخباره … وقد نشرت الصحيفة التي يعمل بها صورته وصورة طفلَيه الصغيرَين «جاسر» و«باسم» … ومعهما نداء إنساني لمَن يعرف أيَّ شيءٍ عن أخباره ولكن بدون جدوى … وفجأة اتصل بنا مجهولٌ رفضَ ذِكر اسمه … قال إنه رأى المصوِّر الصحفي قبل أن تأسره القوات «الصربية»، وذكر أيضًا هذا المجهول أن المصوِّر العربي ما زال على قَيْد الحياة، ولكنه يتعرَّض لعملية تعذيب شديدة بسبب الصور التي التقطها للجنود «الصرب» وهم يعذِّبون النساء ويقتلون الأطفال. وانتهت إلى هنا المعلومات التي قدَّمها هذا المجهول والذي تحدَّث باللغة «اليوجوسلافية»، وذكر أنه من أبناء «الصرب» ممَّن يرفضون السلوكَ الإجراميَّ الذي يتبعه مواطنوه في حقِّ «المسلمين» و«الكروات» هناك.
صمت رقم «صفر» مرةً أخرى قبل أن يمدَّ عصاته اللامعة باتجاه الخريطة المضاءة على «سراييفو» … ثم تحدث قائلًا: ومنذ أيام اتصلت بنا زوجة المصوِّر العربي وطلبت منا مساعدتها في عودة زوجها لأبنائه!
أيها الأصدقاء … لا أُخفي عليكم أنني تردَّدتُ بعض الشيء لصعوبة هذه المهمة وخطورتها، برغم ثقتي بكم وبكفاءتكم فإنني قَلِق بشأن هذه المغامرة؛ فالمعارك الدائرة هناك وصلت إلى الذروة والقوات «الصربية» احتلَّت أماكن كثيرة من «البوسنة والهرسك»، و«سرايييفو» على وَشْك السقوط، وقد بلغَتْني الأخبار بأن الوضع هناك خطير، وينبئ بمأساة أكبر مما نتصوَّر.
مضى رقم «صفر» يقول: إننا لا نعمل بالسياسة … ولا نتدخَّل في شئون أحد … ولكن الوضع يختلف الآن، ولا أُخفي عليكم تعاطفي الشديد مع «المسلمين والكروات» هناك، والمهمة التي أعرضها عليكم تتلخَّص في فكِّ أَسْر مصوِّرنا العربي الشجاع الذي ضحَّى بنفسه من أجل تصوير بشاعة ما يفعله «الصرب» بأهالي «البوسنة والهرسك». لقد قمتُ بعدة اتصالات ببعض رجالنا هناك. وأبلغوني بمعلومات مهمة قد تساعدكم إلى حدٍّ كبير في مهمتكم، والتي لن تُقْدِموا عليها إلا بعد إجراء تصويت عَلَني على الدخول في هذه المغامرة الخطيرة أم لا … وبعدها سنقرِّر ماذا نفعل وسأُطلعكم على كلِّ التفاصيل التي حصلنا عليها من رجالنا هناك.
الآن نبدأ التصويت على قرار الاشتراك والأمر متروكٌ لكم، فالمهمة صعبةٌ وحِرصي وخوفي عليكم يدفعني لإجراء هذا التصويت لأول مرة منذ قيامكم بأول مغامرة وحتى آخِر مغامرة قُمتم بها في «نادي الشر» ولم يكَد رقم «صفر» ينتهي من كلماته حتى ارتفعت أيدي الشَّياطين لتُعلن بالإجماع على الدخول في هذه المغامرة، بل وعلى وَجْه السرعة.
تحدَّث رقم «صفر» في سعادة قائلًا: لقد كنتُ متأكِّدًا من مشاعركم وشجاعتكم … لنبدأ إذَن في سَرْد المعلومات التي وصلتنا حتى الآن، ورجالنا يقومون بجَمْع المزيد منها لتسهيل مهمتكم أكثر … لقد توصَّل رجالنا إلى معلومات مهمة بشأن مصوِّرنا العربي الشجاع، فبعد الأَسْر توجَّه به «الصرب» إلى مناطق الأَسْر جنوب جمهورية «الجبل الأسود» والتي تساعد «الصربيين» على ارتكاب جرائمهم. وبعد فترةٍ تم نَقْل المصوِّر الأسير إلى «سراييفو» خوفًا من هروبه أو تسهيل هروبه، وقد وُضع تحت حراسة مشدَّدة، فهم يخافون أن يحاول تهريب الفيلم الذي قام بتصويره عن المذابح التي قاموا بارتكابها، ولعل هذا هو السِّرُّ في عدم قتله حتى الآن … وقد فشلت جميع محاولتهم للعثور على الفيلم المذكور.
لقد استطاع أحد أعواننا التعرُّف على أحد المشتركين في عملية الأَسْر وقد أمدَّه بهذه المعلومات … ولا زال عملاؤنا يحاولون الحصول على مزيدٍ من المعلومات بخصوص المكان الموجود به الأسير العربي وحتى وصول أي جديدٍ … عليكم الآن مناقشة الخطة التي ستقومون بها. والآن هل لديكم أية أسئلة بخصوص ما سمعتم؟ وقف «أحمد» وحيَّا الزعيم، ثم قال: عندي استفساران أريد أن توضحهما. أنك لم تذكر أيها الزعيم اسم مصوِّرنا الصحفي الأسير، فهل الأمر بهذه الدرجة من السرية؟ وهذا هو الاستفسار الأول … أما الاستفسار الثاني فيتعلَّق بموقف الصحيفة التي يعمل بها هذا المصوِّر، وكذلك موقف بلده الذي ينتمي إليه.
ما كاد «أحمد» ينتهي من استفسارَيه حتى أطلق رقم «صفر» ضحكةً قصيرةً لأول مرةٍ منذ بداية الاجتماع، وقال: لقد توقعتُ هذه الأسئلة البديهية وهي لا تحتاج إلى إجابات طويلة فمن ناحية الاسم … فمصوِّرنا العربي اسمه «عبد الرحمن خميس» وأنا لم أتعمَّد إخفاء اسمه ولكنني نسيت ذلك، لتركيزي على ما هو أهم من الاسم الآن … أما بخصوص موقف الصحيفة التي يعمل بها وكذلك بلده فالأمر يختلف … فالحرص على حياة هذا المصوِّر الشجاع جعل الأمور تسير بسرِّية كاملة، حتى إن الجريدة أعلنت عن العثور عليه كحركة تمويه حتى لا يشعر الذين أسروه بأهميته فيُقدِمون على قَتْله.
ثم سأل رقم «صفر» من جديدٍ قائلًا: ألديكم استفسارات أخرى … فيما سمعتم فقط؟ فصاح «بو عمير» وهو يتهيَّأ للوقوف متسائلًا: مَن المجهول الذي اتصل بالصحيفة؟ … وهل هو نفس الشخص الذي يقوم بمساعدتنا الآن بواسطة عملائنا في «يوجوسلافيا»؟
أجاب رقم «صفر» بكلمات واضحة وقاطعة في نفس الوقت: لا. ليس هو بالضبط يا «بو عمير» وإنْ كان لنا معه اتصالاتٌ الآن … وأكملَ رقم «صفر» … إن المجهول الذي اتصل بالصحيفة التي يعمل بها مصوِّرنا العربي «يوجوسلافي» الأصل «صربي» الجنسية، ولكنه يعمل للخير، وقد تطوَّع لمساعدتنا، ولنا معه اتصالاتٌ الآن … وسيكون له دوره الفعَّال أثناء مغامرتكم الصعبة. ثم كرَّر رقم «صفر» التساؤل مرة أخرى: ألديكم أية استفساراتٍ أخرى؟!
ثم ختم حديثه قائلًا: الآن … أيها الأصدقاء كونوا في أشدِّ حالات التأهُّب انتظارًا لما تسفر عنه الأحداث القادمة. بعدها سمع الشَّياطين أصوات أقدام رقم «صفر» وهي تبتعد عن المنصة لينصرفوا جميعًا وقد كست وجوههم علامات التحدي والاستعداد!