أحداث متلاحقة!
دهش «أحمد» لحظات، ولكن استردَّ ثباته بسرعة بعد أن شاهد رجالًا يجلسون حول المنضدة الصغيرة وقد وضع أحدهم قدمَيه فوقها، بينما أسند ظهره للوراء قليلًا، ضحك وهو يرحِّب ﺑ «أحمد» ويدعوه للدخول … وخطا «أحمد» خطوتَين للأمام، وتبعه «فهد»، بينما ظلَّ «بو عمير» و«قيس» خارج المنزل بعد أن اتخذا وَضْع الاستعداد تحسُّبًا لأية مفاجأة … كان الرجال يتحدَّثون ﺑ «اليوجوسلافية»، وطبعًا لم يفهم «أحمد» شيئًا ممَّا يقولون … ولكنهم كانوا يتحدثون بصرامة وحِدَّة.
كان «سلودان» في تلك الأثناء بجانب «بو عمير» و«قيس» يستمع إلى ما يقوله الرجال من أسفل النافذة التي وقف تحتها قال «سلودان» بصوت هامس: إنهم يستجوبون «أحمد» ويسألونه من أي بلدٍ يكون، بل وصلَ بهم الأمر بأن يشكُّوا فيه وأيضًا في بدلة الإغاثة التي يرتديها … قال أحدهم وقد سمعه «سلودان» أيضًا فلنجعلهم يعترفون أو يكشفون هُويتهم قبل قتلهم وخاصة أنهم يملكون الكثير من الطعام وربما معهم الأكثر من النقود … تقدَّم أحدهم إلى «أحمد» وكان عملاقًا قويَّ البنية غزير الشعر وقد تدلَّى شاربه الضخم على جانبَي فمه حتى أخفاه تمامًا … وقال الرجل وهو يبتسم في سخرية: ما هي حكايتكم بالضبط؟
ووضع فوهة مدفعه الرشَّاش في عين «أحمد»! كان «أحمد» يعلم تمامًا أن «بو عمير» و«قيس» ومعهما «سلودان» سوف يقومون بالتصرُّف، وإنْ مرَّ بذهنه خاطر أن يكون «سلودان» خائنًا.
كان «بو عمير» في هذه اللحظة قد تسلَّق المنزل من الخلف ومعه «قيس» واتجها ناحية المدخنة ومن خلال فتحة ضيقة استطاع تحديد المكان ومعرفة مدى إمكانية التدخُّل في المعركة بعيدًا عن استعمال السلاح … ومن فَتْحة ضيِّقة بأعلى السقف قفز «بو عمير» على العملاق ذي الشارب الضخم، بينما قفز «قيس» فوق الرجل الآخَر، واندفع «أحمد» باتجاه الرجل الثالث وبحركة سريعة استطاع «فهد» الاستيلاء على المدافع الرشاشة التي يستعملها الرجال … ودارت معركة قصيرة بين الرجال الثلاثة والشَّياطين حسمها «فهد» عندما سحب زناد أحد الرشاشات وأعلن أنه سوف يُطلقها إذا لم يلتزم الجميع بالأوامر الصادرة منه … تراجع الرجال الثلاثة للخلف، بينما اندفع «بو عمير» خارج المنزل. بحثًا عن «سلودان» ولشدة دهشته وجده في مكانه تحت النافذة، نادى عليه فأسرع «سلودان» وهو يردِّد ماذا حدث؟! مَن هم؟ كيف هذا؟! فهدأ «بو عمير» من روعه … وأمره بالدخول من أجل مخاطبة الرجال الثلاثة … كان «سلودان» يتحدَّث «اليوجوسلافية» بطلاقة، كما كان يتحدَّث «الإنجليزية» و«الفرنسية»، ودار حوار طويل بين الشَّياطين والرجال الثلاثة بمساعدة «سلودان»، فهمَّ الشَّياطين من خلال الحوار أن هؤلاء الرجال جنود حرب كانوا يقومون بحركة تمشيط للجزء المستولى عليه من «سراييفو» بحثًا عن «المسلمين» و«الكروات» على حدٍّ سواء.
تبادل «أحمد» المكان مع «فهد»، فقد أمسك بالبندقية الآلية «الرشاش»، بينما سارع «فهد» و«بو عمير» و«قيس» بتقييد الرجال ووضعهم داخل إحدى الغرف وأغلق الباب عليهم إلى حين التفكُّر فيما يمكن عمله.
حول مائدة الطعام جلس الشَّياطين الأربعة ومعهم «سلودان» الذي كان في غاية السعادة بما حدث، وقد زاده ما حدث كثيرًا من الاطمئنان على نفسه، فراح يتحدَّث بطلاقة وينبه الشَّياطين للمخاطر، مؤكِّدًا أنه قد يحدث نفس الموقف مرة أخرى أو يتكرَّر مراتٍ ما دامت المسألة تخضع لقانون الصدفة الذي لا يرتبط بأيِّ مقاييس أو يخضع لأي احتمالاتٍ!
نظر «أحمد» إلى بقية الشَّياطين ثم قال: لقد حان الوقت كي نتحرك.
أشار ﻟ «فهد» أن يرسل برقيةً إلى رقم «صفر» يبلغه فيها بضرورة وجود «عثمان» معهم في هذه المغامرة … حتى يمكن الاستعانة به كلما اقتضت الحاجة … ويبلغه أيضًا أنهم بخيرٍ، وكذلك «سلودان».
نظر «سلودان» إلى «أحمد» عندما سمع اسمه فابتسم له «أحمد» وضحك بقية الشَّياطين وانهمك معهم «سلودان» في الضحك.
دخل «فهد» إحدى الغرف وأخرج جهاز اللاسلكي الصغير ورفع إريال البث والاستقبال، ثم أخذ يوجه الجهاز يمينًا ويسارًا حتى ضبطه على موجةٍ معيَّنة راح بعدها يرسل الإشارة التالية:
من الشَّياطين اﻟ ١٣ إلى رقم «صفر» ٥٠٠ «وقفة» ١٢–١٤–١٦ «وقفة» يتحرَّك ٢٢–١٤ «وقفة» ٢٧٠–٣٠٠–١٣–٢٢٠–١٤ «وقفة» ١١–٧١–٣–٥ «وقفة» «سلودان» ٣٠٠–٧٠٠–٢٥–١٣–١٢–١٠ «وقفة» وأخيرًا م. أ. ل. ت. انتهت البرقية وجلس «فهد» ينتظر الرد.
كان «أحمد» في تلك الأثناء يمسك بقلمٍ، وأخذ يرسم به بعض الصور، ويدوِّن بعض الأرقام وأخيرًا صاح وهو ينادي على «فهد» كي ينضم إلى بقية الشَّياطين، وراح «أحمد» يشرح لهم خطة الاقتحام للقلعة أو المنزل الذي أُسِر فيه المصوِّر العربي «عبد الرحمن خميس». كانت خطة «أحمد» تعتمد بشكلٍ أساسيٍّ على وجود «عثمان» لإمكانية استخدام بشرته السمراء ليلًا، وكذلك كرته الجهنمية … وفور انتهاء «أحمد» من شرح خطة الاقتحام حتى صاح «فهد» هناك رسالة … ثم أخرج جهاز اللاسلكي وراح يحرِّكه في جميع الاتجاهات حتى أُضيئَت لمبةٌ حمراء صغيرةٌ في الغرفة المغلقة وتلقى الرسالة التالية: «من الزعيم رقم «صفر» إلى مجموعة التحدي ﺑ «سراييفو». ٢٧ «وقفة» ٧٠٠–٣٥٠–١٧٥ «وقفة» ٢٠٠–١٠٠–٥٠–٢٥–١٢–٦–٣–«وقفة» ممكن ٦٠٠–٤٠٠ «وقفة» ٩٠٠–٧٥٠–١٠٠٠ «وقفة» بالتحرك ليلًا عند ٦٠٠–١٦٠–٤٥٠–٣٠–٧٠–٤ «سلودان» وأخيرًا م. ل. «صفر».»
وسرعان ما نقل الرسالة إلى بقية الشَّياطين.
كانت الرسالة من رقم «صفر»، وتقول حاولوا التحرُّك في أسرع وقت ممكن فالوضع خطير والتأخير ليس في صالحكم لا تحاولوا التجول ﺑ «سراييفو» … والزموا المكان الآمن الذي تسيطر عليه القوات «الصربية» أما من ناحية الاستعانة ﺑ «عثمان». فذلك ممكن أن يأتي ليلًا ولا يتحرَّك إلا ليلًا أيضًا. فلون بشرته بقَدْر ما يمكن أن يفيدكم فقد يضرُّكم أيضًا … أما من ناحية عميلنا «سلودان» فهو مصدر ثقتنا فاطمئنوا.
وفَوْر أن سلم «فهد» الرسالة إلى «أحمد» وقرأها حتى قال: لا بد من الاتصال ﺑ «عثمان» في أقرب وقت … فساعة الصفر قد اقتربت واقتحام القلعة لا بد وأن يتم خلال يومين قبل أن يشعر بنا أحدٌ. فربما يغيِّرون المكان أو يقْدِمون على قتل «عبد الرحمن خميس».
كان «سلودان» يستمع إلى كلمات «أحمد» الحماسية ويبتسم برغم أنه لا يفهم شيئًا … بينما صاح جنود الصرب المقيَّدون في صوت واحد، فزِعَ له الشَّياطين، فانطلقوا ناحيتهم حيث كمَّموا أفواههم وأحكموا القيود عليهم.
شعر «فهد» من جديد بأن هناك رسالة أخرى وعاجلة، فذهب ليتلقاها بالغرفة … كانت الرسالة قصيرةً مختصرةً من رقم «صفر»: «إلى مجموعة التحدي «بسراييفو» … ٧٠٠ «وقفة» ٣٢٠–٩٥–١١٢ في الطريق ٤٠٠–١٧٠–٣٥٠ «وقفة» ٦٤٠–١٣–٢٨–٦٠ بسرعة.» … وانتهت الرسالة.
كانت كلمات الرسالة واضحة … «عثمان» في الطريق إليكم، وسيذهب «سلودان» مساء اليوم لاستقباله بناءً على أوامرنا، وانتهت الرسالة.