الفصل الثالث
في السجن
نوب حتب
:
لقد مضى علي في هذا السجن المظلم سنتان، لم أعلم في أثنائهما شيئًا من أمور
الدنيا، وما ساءني هذا السجن بضيقه وظلمته، بمقدار ما ساءني جهلي بأخبار مصر
العزيزة، التي لا أعلم عنها شيئًا الآن، وأخشى أن يكون الملك أبيبي قد أشهر الحرب
علينا، وتمكن من الفتك بنا، فما أشد وقع جمالك يا مصر علينا نحن أبناءك المساكين!
فلولا جوُّك الرائق الجميل، ورياضك وجناتك الفيحاء لما تهافت عليك الأجانب، فتمتعوا
بخيراتك وحرموا منها أبناءك، فتبًّا لهذا الجمال المحسود!
يا مصر يا بهجة التاريخ والأثر
وروضة زانها الرحمن بالدرر
أغرى بنا حسنك الأقوام فاحتشدوا
يهددون ابن وادي النيل بالخطر
أشقى جمالك أهلينا وأسعدهم
لله در جمال جاء بالضرر
وهكذا الغيد كم جرت محاسنها
لعاشقيها صنوف الهم والغير
يا ليت أرضك لما أنبتت ذهبًا
لغير أهلك خانتها يد القدر
أدعو عليك ولو خُيرتُ طائعة
لبعت نفسي فدا حصباك يا وطري
يا أم فرعون علمت التي جهلت
لفظ الغرام معاني الحب والسهر
يا جنة الخلد ماذا جر معشرنا
حتى تحولت من روض إلى سقر
نفسي فداؤك هل لا زلت غاضبة
ونحن نشري الرضا بالسمع والبصر
لا تغضبي فرجال النيل ما برحوا
أهلة الكون من بدو ومن حضر
حابي
:
يقودهم نحو نيل المجد سيدهم
فرعون ذو الهمة الشماء والخطر
(يدخل الكاهن الأعظم.)
الكاهن الأعظم
:
ألا تزالين على فلسفتك الخيالية الخلابة، التي تضرك ولا تفيد البلاد؟ فقد أوقعك
عنادك في هذا السجن، الذي لا تخرجين منه إلا إلى موت مخجل معيب، وقد تحدد موعد
انعقاد المحكمة لمحاكمتك في الأسبوع المقبل، فعودي إلى رشدك واستغفري من هفواتك،
وقومي بما أريده منك لأعطف عليك وأخلصك من ورطتك هذه، وإلا فستندمين حيث لا ينفع
الندم.
نوب حتب
:
أنا لا أندم أيها الكاهن إلا على ارتكاب الجرائم والآثام، أما أن أُسجن ظلمًا،
وأن أُقتل لتهمة كاذبة، فهو ما يجب أن يندم عليه غيري من المجرمين، وعين الآلهة لا
تنام عن الخائنين، أنت أولى مني بالندم أيها الكاهن؛ لأنك خنت بلادك التي أنبتتك،
فوجب أن يقتلك وخز الضمير، وأنت الكاهن الأعظم تدخل على الإله في قدس أقداسه ملوث
النفس بأدران الرذيلة، وستندم أنت يوم تقف بين يدي الإله أزوريس في قاعة العدل،
ويوم تتناولك عيون قضاته وأنت مطرق خجلًا مما ارتكبت.
حابي
:
عجبًا لك يا نوب حتب! تذكرين الآلهة كما يذكرها السذج من الناس، بعد أن بلغت من
العلم ما بلغه عظماء الرجال، وكان يجب عليك أن تعرفي الأمور على حقيقتها، فما بالك
تتخبطين في الجهل والأوهام تخبط عامة الشعب؟ أتجهلين يا نوب حتب من هم هؤلاء الآلهة
الذين تذكرينهم؟ وهل كانوا إلا آلات صنعناها نحن بأيدينا؛ لنتملك بها رقاب البشر؟
ألسنا نحن الكهنة الذين نتكلم من جوف الإله آمون يوم عيد الأموات، فنخاطب الملك
والرعية بما نريد، ولقد كان في استطاعتي وأنا أتكلم من جوف الإله في العيد الماضي
أن آمر بتقطيعك إربًا، فيتسارع الناس إلى تنفيذ أمري ملوكًا وسوقة؛ فاسمعي نصيحتي
وتمتعي بنعيم هذه الدنيا؛ فليس بعدها نعيم ولا شقاء كما تتوهمين.
نوب حتب
:
هب أيها الكاهن أني أصبحت مثلك لا دين لي ولا عقيدة، فهل كنت أرضى بذلك النقص
المعيب في الأخلاق؟ إني أكره الرذيلة، لا لأن الدين نهاني عنها، ولكن لأنها نقص
أخلاقي يجب أن أترفع عن الهبوط إليه، وأحب الفضيلة، لا لأن الدين حض عليها؛ بل
لأنها كمال نفساني تعشقه نفسي وتهواه، إني أقدِّر الرجال بمقدار عقولهم، والرجل
الذي يتغلب هواه على عقله، حيوان لا قيمة له في نظري مهما كانت سلطته المادية،
وكفاك نقصًا أيها الكاهن أنك بانغماسك في شهواتك وملاهيك، تضطر إلى الكذب لتخفي
سوآتك، والكذب خلة لا يرضاها أحد من الفلاسفة الذين تدعي الانتساب إليهم، وكفاني
أنا شرفًا في نظرك أنت، ونظر أمثالك من الكافرين، أني لا أنحط إلى رذيلة الكذب
الممقوتة.
إنك رجل من رجال التعليم العموميين، يجب أن تفكر في صالح الناس، فهل من صالح العالم أن تصارحنا بتلك الأفكار السامة، التي لا تؤدي إلا إلى الخراب والفوضى؟ إن الفقير من عامة الناس يقضي طول يومه في عناء متواصل، ويعود بعد عمله الشاق إلى مثواه الحقير، فلا يجد ما يسد به رمق الحياة، ومع ذلك تراه ينعم بالخيال؛ إذ يعتقد أن حظه في الآخرة عظيم؛ لأن الآلهة ستكافئه على تعبه هذا بخير جزيل، فكيف تحرم هؤلاء المساكين من التنعم حتى بالخيال، وتسلب منهم تلك السعادة الموهومة، التي لولا انتظارهم لها لثاروا على الأغنياء، فمزقوهم شر ممزق، واستولوا على أموالهم؟ وهكذا تخرب الدنيا بمسعاك ومسعى أمثالك، ممن يدعون الفلسفة وليس لهم من العقول السامية والمدارك العالية ما يؤهلهم لها.
إن الفلاسفة الحقيقيين لا تنحط نفوسهم إلى الرذيلة مهما كان اعتقادهم في الدين، فنفوسهم الأبية الكاملة لا تحتاج إلى تعاليم دينية، كما لا يحتاج كرام الناس إلى الحكومات في ردهم إلى الصواب، فاعتقادهم لا يضر العالم شيئًا ما دام لهم من علو نفوسهم دين قويم، ومن حكمتهم وتبصرهم ما يمنعهم من التصريح أمام العامة بما يعتقدون، أما أنتم أنصاف الفلاسفة المغرورون، فالويل للعالم منكم!
إنك رجل من رجال التعليم العموميين، يجب أن تفكر في صالح الناس، فهل من صالح العالم أن تصارحنا بتلك الأفكار السامة، التي لا تؤدي إلا إلى الخراب والفوضى؟ إن الفقير من عامة الناس يقضي طول يومه في عناء متواصل، ويعود بعد عمله الشاق إلى مثواه الحقير، فلا يجد ما يسد به رمق الحياة، ومع ذلك تراه ينعم بالخيال؛ إذ يعتقد أن حظه في الآخرة عظيم؛ لأن الآلهة ستكافئه على تعبه هذا بخير جزيل، فكيف تحرم هؤلاء المساكين من التنعم حتى بالخيال، وتسلب منهم تلك السعادة الموهومة، التي لولا انتظارهم لها لثاروا على الأغنياء، فمزقوهم شر ممزق، واستولوا على أموالهم؟ وهكذا تخرب الدنيا بمسعاك ومسعى أمثالك، ممن يدعون الفلسفة وليس لهم من العقول السامية والمدارك العالية ما يؤهلهم لها.
إن الفلاسفة الحقيقيين لا تنحط نفوسهم إلى الرذيلة مهما كان اعتقادهم في الدين، فنفوسهم الأبية الكاملة لا تحتاج إلى تعاليم دينية، كما لا يحتاج كرام الناس إلى الحكومات في ردهم إلى الصواب، فاعتقادهم لا يضر العالم شيئًا ما دام لهم من علو نفوسهم دين قويم، ومن حكمتهم وتبصرهم ما يمنعهم من التصريح أمام العامة بما يعتقدون، أما أنتم أنصاف الفلاسفة المغرورون، فالويل للعالم منكم!
حابي
:
إنك عنيدة يا نوب حتب، لا ينفع معك نصح ولا تهديد، وسترين كيف تكون نتيجة عنادك
وفلسفتك، يوم تقفين أمام المحكمة الكبرى، ويوم تخرجين منها محكومًا عليك بالعار
الدائم فتموتين مغضوبًا عليك من جميع الناس.
نوب حتب
:
لست أندم أن أعاقب ظلمًا، فلست أول من ظلم في هذا العالم، ولقد سجن قبلي يوسف
الصديق لتمسكه بأهداب الفضيلة، ثم هيأ له آمون طريق النجاة، فخرج من السجن إلى
إدارة الملك.
حابي
:
إذًا فتمتعي بخيالك إلى أن يصل إليك ذلك الملك الذي تتخيلين.
(يخرج حابي)
نوب حتب
:
ما أشد غواية هؤلاء الرجال وأقسى قلوبهم! يعبثون في دور العلم بأعز ما تحرص عليه
البلاد، وهو الأخلاق التي لا قوام للوطن إلا بها؛ فهم يضحون بأوطانهم في سبيل
شهواتهم، فما أضعف إرادتهم وأوهى وطنيتهم! ولولا مساعدة الغاصبين لأمثال هؤلاء
الرجال لما تمكنوا من إفساد الأخلاق في معاهد التعليم نفسها تنكيلًا بمصر العزيزة،
التي حسد الغاصبون جمالها، وتعلقوا بهواها فحقدوا على أهلها، واستعملوا ضعاف النفوس
منهم آلات لتخريب البلاد وإفسادها.
نعم تيم الهكسوس من مصر حسنها
فأرغوا على أهل البلاد وأزبدوا
وسدوا سبيل المجد عنا وما دروا
بأنا بذاك الضغط نعلو ونصعد
فيا بهجة الدنيا جمالك جرهم
ولولاه ما كنا نهان ونوعد
أجل شاقهم ذاك الجمال فأقبلوا
كما شاق أهليك من اللهو مفسد
لعل بنيك يقتدون بفعلهم
فيجذبهم منك الصعيد المنضد
يهيمون في حب النساء وفاتهم
بأنك أبهى وأمجد
لذلك صنت عذب نيلك عنهم
وقد طاب منك للأجانب مورد
ضننت عليهم إذ رأيت عقوقهم
وجدت بما يهوى الغريب المطرد
فلا تغضبي يا مصر منهم فإنهم
أهاب بهم في حلبة الغي مقصد
لك الحب ممن ليس يعرف قلبها
غرامًا فهل يرضيك ذاك التودد؟
أحبك حتى إن دهتني مصيبة
من الحب لا أشكو ولا أتردد
ويعذُب فيك ما أَمرَّ وما حلا
وإن قصد الأعداء ذلي ونددوا
وأسعد يوم في حياتي أن أرى
وقد حاط بي أعداء مصر وهددوا
وقفت حياتي للعلوم لعلني
أساعد مصرًا في العلا وأؤيد
فإن خذلتني الحادثات فما أنا
بأول جماع لدهر يبدد
وما طلبت نفسي من العيش غاية
ولا حل من قلبي الهناء المعدد
وأرضى بما لا ترتضيه ثرية
فما ضرني مال لدى الخطب يفقد
سأرضى بما يرضيك يا مصر من أذى
وإن أكثر العذال لومي وفندوا
(يدخل أمنحتب)
أمنحتب
:
السلام عليك أيتها السيدة.
نوب حتب
:
سلام أيها السيد.
أمنحتب
:
جئت من عند الأميرة نيفرتاري زوجة الأمير أحمس؛ لأخبرك بقرب انعقاد المحكمة
لمحاكمتك.
نوب حتب
:
علمت ذلك يا سيدي، ولكني أود أن أعلم الآن، ما هو أهم منه في نظري، وهو ما تم في
أمر مصر المحبوبة، فهل تمكن ملك الهكسوس الطاغية من إشهار الحرب علينا؟ أم تغلب
عليه ملكنا المحبوب بحكمته؟
أمنحتب
:
لقد تم يا سيدتي ما هو خير من هذا وذاك، فقد أشهر الهكسوس الحرب وخرجوا من عاصمة
ملكهم أواريس في جيش عظيم يقصدون طيبة، وكان ملكنا — أيدته الآلهة بالنصر والظفر —
قد اتخذ لذلك عُدته، وجمع تحت لوائه الخفاق أغلب أمراء مصر، وملأ قلوبهم حماسًا
وغيرة، وما كاد أبيبي يترك عاصمة ملكه حتى خرج عليه الأمراء المستقلون الواحد بعد
الآخر؛ وكان أول من شق عصا الطاعة، أمراء الفيوم الكرام، وما كاد ذلك الطاغية يصل
إلى منتصف الطريق حتى قتل المصريون أغلب جنوده، فانهزم شر هزيمة، وعاد إلى حصنه
الحصين في أواريس واحتمى به، فحاصرته جيوش المصريين المظفرة وجمع مولانا الملك
جيشًا جرارًا تحت قيادة نجله الأمير أحمس، فسار إلى الهكسوس الطغاة وحاصرهم في
عاصمتهم، ولا يزال ذلك الجيش محاصِرًا لهم إلى الآن، ويعمل الأمير أحمس بجد.
نوب حتب
:
في جمع كلمة المصريين تحت راية أبيه الملك الفاتح، أيدت الآلهة الملك ونجله ونصرت
المصريين على أعدائهم الظالمين.
أمنحتب
:
لقد أصبح النصر محققًا يا سيدتي، ويتنبأ كثير من السحرة الآن بمستقبل باهر لذلك
الأمير الشاب، فيقولون إن طرد الهكسوس من مصر سيتم على يديه، وستوحد كلمة البلاد
تحت رايته، فيصبح ملك القطرين البحري والقبلي، كما يتنبئون لتلميذتك نيفرتاري
بمستقبل عظيم، تتمتع فيه بسلطة واسعة وتشارك زوجها في سياسة البلاد، سياسة عقل
وحكمة تجعلها معبودة الشعب فيعبدها المصريون في حياتها وبعد موتها.١
نوب حتب
:
بشرتك الآلهة يا سيدي بالخير والسعادة، فقد بشرتني بما أثلج صدري، وجعل هذا السجن
— على ضيقه وظلمته — أبهى من الجنة الواسعة في عيني، وما دمت قد اطمأن قلبي على مصر
فلا يهمني من أمر المحكمة شيء، وليكن ما تريده الآلهة.
أمنحتب
:
ولكن مولانا الملك يهمه ألا يظلم أحد في أيام حكمه وألا تخسر مصر مخلصة مثلك،
وكان بوده لو استطاع أن يعفو عنك بلا محاكمة، ولكن تعلمين ما لهؤلاء الكهنة من
النفوذ في نفوس الشعب، ويخشى الملك إن هو عفا عنك بعد أن اتهمت بالكفر أن يتهمه
الشعب بالخروج على الدين، وهي فتنة عظيمة؛ ولهذا يريد الملك أن تظهر براءتك وخيانة
الكاهن، فيعاقب المجرم بما جنت يداه من الجرائم الأخلاقية والوطنية، ولهذا نفسه
أرسلتني الأميرة نيفرتاري؛ لأعرف ما لديك من البينات حتى ندبر لك الدفاع، كما
أمرتني أن أطلب منك بأن تتمسكي أمام المحكمة بوجوب سماع أقوالك، وانتظار مستنداتك
إن كان لديك شيء منها، وإياك أن تأخذك من المحكمة رهبة فتحجمي عن الدفاع عن نفسك
خوفًا من الكهنة الظالمين.
نوب حتب
:
لقد كان تحت يدي خطابان بخط الكاهن، وصولجانه الكهنوتي، فأودعت هذه الأشياء عند
صديقة لي قبل القبض علي، ولا أدري ما جرى لها بعد سجني، وعندي بينة واحدة في هذا
السجن، فقد رأيت السجانة تتسمع من بعيد ما كان يقوله لي الكاهن الأعظم من الكفر
والإلحاد، عندما زارني قبلك ببضع دقائق.
أمنحتب
:
وهل تقبل السجانة أداء الشهادة ضد الكاهن؟
السجانة
:
ولم لا أقبل؟ ألست مصرية يجب علي أن أحترم آلهة المصريين، وأن أدافع عن مصر ضد
الخائنين؟
أمنحتب
:
حسنًا يا سيدتي، فسيكون لك من الآلهة خير الجزاء، ومن الأميرة نيفرتاري مكافأة
تليق بوطنيتك.
السجانة
:
أنا لا أريد أن أكافأ على القيام بما فرضه علي الدين والوطن.
(يخرج أمنحتب)
نوب حتب
:
لست أدري أعدو هذا الرسول أم صديق، ولا من أرسله إلي؟ ولو أنه رسول من الأميرة
كما يقول، لعلم بوجود ماريت رع عندها إن كانت هناك، وهل معنى جهله بذلك أن الكاهن
قبض على ماريت رع قبل أن تصل إلى البيت الأعظم، وأخذ منها المستندات، وفعل بها
وبخاطي ما أراد؟ أم إن هذا الرسول من عند الكاهن أرسله ليعرف أخباري؟ قد يكون هذا
أو ذاك، ولكن هل هناك شك فيما أخبرني به من أخبار مصر السارة؟ أرجو أن يكون ذلك
صحيحًا لا شبهة فيه، فيكون تعزية لي على ما سينالني من العذاب ظلمًا وعدوانًا،
فرحماك يا آمون وعفوك، فقد كاد ينفد صبري، وكاد كفرهم يهزم إيماني، ورذيلتهم تتغلب
على فضيلتي فتمحوها، لولا جَلدٌ ورثتُه عن أب جنديٍّ تعوَّد العزة والشرف.
يا دهر كم تعدو وكم تتقلب
وتفل عزم العاملين وتتعب
إن كان ما تبغيه ذلي فالذي
تبغيه لا يرضاه شهم طيب
حالي كما شاهدتها من شدة
ما صدني عنها العدو الأغلب
ما فل عزمي حادث فيما مضى
بل زادني علمًا بما يتعقب
ما ازداد دهري في التعنت والأذى
إلا بلغت من العلا ما يصعب
ما ضرني لقب يزول ورتبة
ما دام في الألقاب ما لا يعذب
ما كنت من أهل التنعم والحلي
كيما أخاف من الزمان وأرهب
ما لذ لي يومًا طعام طيب
أو نالني مال أقول سيذهب
حالي كأهل الفقر فيما كابدوا
من ملبس أتعبت فيه وأتعبوا
أهوى التقشف ما استطعت فإن مضى
مال أفرقه فماذا أندب؟
الرزق في الدنيا كثير واسع
عين تفيض به وأخرى تنضب
ما الخوف إلا أن يقال تقهقرت
جبنًا ولما يأت ما تتطلب
غرسي أخاف عليه من وقع الردى
بعد الكمال وذاك غرس طيب
غرس سهرت الليل في تقويمه
حتى نما فله أبش وأغضب
جاهدت لا أبغى الثراء وإنما
فخر البلاد وعزها ما أطلب
سيان عندي المال أو فقدانه
إن فاتني مما أحاول مأرب
أرجو لبنت النيل كل فضيلة
لا تعبث الأيدي بها أو تلعب
ويحارب الدهر الخئون مآربي
ويعينه نزق الرجال فيغلب
حكماء وادي النيل ماذا صدكم
والناس يعجبها الفساد فتطرب
ولُّوا إلى دور العلوم وجوهكم
وتعهدوها بالنصيحة واكتبوا
فعسى يفيق المفسدون فإنهم
أخفوا بما فعلوا الكمال وغيبوا
يا أيها الملك المفدى ملكه
فخر البلاد وعزها لك ينسب
فاعطف على دور العلوم فإنها
ترجوك للإصلاح فيما تطلب
١
يقول كثير من المؤرخين إن الملكة نيفرتاري أحمس، زوجة أحمس الأول كانت
بنت ملك النوبيين، وأن الملك أحمس طرد الهكسوس بمساعدة أنسبائه من
النوبيين؛ ولذلك تُلون صورتها باللون الأسود، ولكن بعض المؤرخين يقولون
إنها أخت الملك أحمس، وإن السواد رمز لألوهيتها؛ لأن اللون الأسود أو
الأزرق كان من صفات الآلهتين أزيس وهاتور، إلهتي الموتى، وقد اُكتشفت
مومياء الملكة نفرتاري في سنة ١٨٨١ في الدير البحري، في إحدى المقابر
المجهولة من مقابر أسرة الكهنة، وقد اتضح عندما جُردت الجثة من أكفانها في
سنة ١٨٨٥ أنها جثة سيدة متوسطة القامة من الجنس الأبيض، فيقضي ذلك على ما
كان يتوهمه المؤرخون. ونفرتاري كانت أول ملكة عبَدها الشعب بعد
موتها.