الانتفاضة!
في طريق عودته من المقر السري الكبير بالصحراء الغربية … وعند مدخل مدينة «الإسكندرية». سمع «أحمد» في راديو سيارته … مزيدًا من الأخبار غير السارَّة عمَّا تفعله القوات الإسرائيلية بالمدنيين العُزَّل من أبناء «فلسطين» … وبالذات أطفال الحجارة … ولم يرحموا منهم أحدًا … المشارك في الانتفاضة … وغير المشارك … فقد أصابهم العمى وتركوا رصاصاتهم تقودهم.
وازدحمت السماء بالطائرات … وشن الليل برق الصواريخ … ممَّا أثار دهشته ودهشة «إلهام» التي كانت لا تقل عنه حنقًا ولا ثورة … وقد كانت تجلس بجواره متحفِّزة واندفعت تقول له: شيء لا يُصدَّق يا «أحمد» … أيقتلون أصحاب الحق لأنهم يطالبون بحقهم … أيصدون الحجارة بالبنادق؟ والقنابل بالصواريخ؟ أيُلاحقون الحمَام بالطائرات؟!
ومن خلفها اشتعل حماس «عثمان» وهو يقول: لقد فعلنا ذلك بأنفسنا!
أحمد: كيف؟
عثمان: لقد تفرَّقْنا فضعفنا … ولم نجتمع على موقف … ففعلوا بنا ما شاءوا!
إلهام: ألم يسافر «بسَّام» إلى أهله في «نابلس»؟
أحمد: نعم!
إلهام: وهل عاد؟
أحمد: الحقيقة لا أعرف، لكني لا أعتقد أنه عاد!
عثمان: ولا أنا … فليس من المعقول أن يترك بلده وأهله في حالة مواجهة مع العدو … ويعيش هو بعيدًا عن كل هذا!
إلهام: لسنا بعيدين يا «عثمان» … إننا جميعًا كعرب نقف معهم ونعاونهم كلٌّ حسب موقعه.
عثمان: المواجهة هناك يا «إلهام» … وسط الأطفال الذين يقتلون كلَّ يوم … وسط المنازل التي تُهدم … والمزارع التي تُحرق.
أحمد: علينا أن نتصل ﺑ «بسام» بأي طريقة … وأن نقدِّم له ولمَن معه الدعم اللازم قدر ما نستطيع.
عثمان: أرى أنها فكرة أكثر من جيدة!
إلهام: فكرة ماذا؟
عثمان: فكرة الاستفادة من وجود «بسام» في الأراضي الفلسطينية … لنقوم بدورنا في الأحداث الجارية هناك!
كانت السيارة «اللاندروفر» التي تقلهم قد اجتازت منطقة «العامرية» على الطريق الصحراوي بالإسكندرية في طريقهم إلى القاهرة … عندما انطلقت إشارات متقطِّعة من الكمبيوتر الملحق بها. وعندما ضغطت «إلهام» زرًّا به … انطلق منه صوت يخبرهم أن المقر يطلبهم. فقامت بالضغط على زر آخَر … فرأت على شاشته «ريما»، وسمعتها تقول: مساء الخير عليكم!
ابتسم «أحمد» حين رآها … وكذلك «إلهام» … وردَّا عليها تحيتها … غير أن «عثمان» آثَر ألَّا يترك الموقف دون مداعبة … فقال لها: مساء الخير … القناة الرياضية؟
ولم تكُن «ريما» أقل منه خفة دم … فقد ردَّت عليه قائلة: نعم … ومعكم «ريما علواني».
ابتسموا جميعًا لدعابتها … ولم يكتفِ «أحمد» بذلك بل قال لها: هل هناك أخبار مهمة؟
ريما: نعم ﻓ «باسم» لم يعُد من الأرض المحتلة … ولا نستطيع الاتصال به.
إلهام: ألم تتصلي بعملائنا في «الأردن»؟
ريما: لم يرَه أحد من العائدين من «فلسطين» … ولم يسمعوا عنه شيئًا.
أحمد: سألتقي غدًا بأحد رجال عائلة «جيور» وهي عائلة «باسم» … وسنجد لديه إن شاء الله أخبارًا عنه.
ريما: وهل سندع الوقت يمرُّ هكذا حتى الغد؟
عثمان: ألم تتصلي برقم «صفر»؟
ريما: هذا الأمر متروك ﻟ «أحمد».
أحمد: سأكون عندكم في المقر خلال ساعات.
كان التوتُّر يسود المقر السري «بالهرم» فلم تكُن المنظمة بعيدة عمَّا يجري في فلسطين من مجازر وحشية يتعرَّض لها الشباب والفتية والأطفال … وقد أبدى الشياطين كلهم رغبتهم في السفر إلى هناك للوقوف إلى جانب إخوانهم من أبطال الانتفاضة.
غير أن قادة المنظمة لم يستجيبوا لرغبتهم … وإنما سمحوا ﻟ «باسم» فقط أن يسافر للاطمئنان على أهله في الضفة الغربية … وقدمت له كافة التسهيلات للوصول إلى هناك … عن طريق طائرة خاصة تقله مباشرة إلى مطار «تل أبيب» ومن هناك يتحرَّك به أحد أعضاء السفارة المصرية إلى الضفة الغربية … غير أنه اعترض على هذه الطريقة في السفر … وعلى التسهيلات المقدَّمة له.
وعندما ناقشه رقم «صفر» في ذلك قال له: أنا أرغب في السفر عن طريق «سيناء» لأشارك بني وطني معاناتهم.
فلم يقتنع رقم «صفر» بمبرراته وقال له: هذا سبب غير مقنع وأعرف ماذا يدور برأسك؟
وفي دهشة قال «باسم»: صدِّقني يا زعيم …
فقاطعه رقم «صفر» قائلًا: صدِّقني أنت يا «باسم»، كلُّ ما تفكِّر فيه سوف يتم، ولكن ليس الآن.
باسم: إذَن … متى سيحدث؟
رقم «صفر»: في الوقت المناسب!
وبذلك سافر «باسم» إلى مطار «تل أبيب» … وقام بالاتصال بقيادة المقر من هناك قبل أن يذهب إلى الضفة الغربية … وبعد ذلك انقطع الاتصال به تمامًا.
لذا … فقد كان اجتماع أعضاء المنظمة مكتمل العدد … ولم يتخلَّف أحد عن الحضور غير «باسم» بالطبع.
وقد اصطفُّوا جميعًا أمام الشاشة العملاقة التي ما لبثَت أن أُضيئت … وظهرَت عليها صورة رقم «صفر».
وقد ضجَّت القاعة بعلامات الاستفهام … والدهشة!
فها هو رقم «صفر» لأول مرَّة تظهر له على الشاشة صورة … ولكن للأسف غير واضحة المعالم … فقد تم تقسيم وجهه إلى مربعات صغيرة … وحل بعضها محل الآخر … فلم يمكنهم تفسير ملامح وجهه.
واعتدل رقم «صفر» الذي كان جالسًا على كرسي فخم خلف مكتبه وقال لهم: مساء الخير عليكم … ولم ينتظر إجاباتهم بل استطرد قائلًا: هاه … يشغلكم «باسم» كثيرًا … أعرف هذا … ولكن … ليس إلى الحد الذي يجعلنا نترك مهامنا … ونجلس مكتوفي الأيدي أمام مئات القضايا التي تهم كل عربي … وعشرات الأخطار التي تهدِّد أمن وسلامة الوطن … وصمت برهة … ثم استطرد قائلًا: أتعرفون ما يتهدَّدنا الآن؟