وللشمس شروق بعد كل غروب
بعنوان «شروق من الغرب» أصدرت أول أعوام الخمسينيات (أي منذ خمسة وثلاثين عامًا) المجموعة الثانية من مقالات كتبتها خلال الأربعينيات، وكانت المجموعة الأولى التي سبقتها إلى الظهور (سنة ١٩٤٧م) هي تلك التي جعلت عنوانها «جنة العبيط»، ولم ألبث إلا قليلًا بعد الثانية حتى أصدرت الثالثة التي أصبح عنوانها «الكوميديا الأرضية»، ثم أخذت المجموعات تتوالى. فقد كان أول الغيث قطرًا ثم انهمر، ولا أظنني كتبت سطرًا واحدًا من كل ذلك لألهو، أو لأُدخل المرح على نفس من ضاقت نفسه بالهموم، لا، بل إني لو رأيت من خلا صدره من الهمِّ لشككت في قدراته الحاسة؛ إذ لا بد أن يكون حسه قد خشن وغلظ وتبلد، ذلك الذي يرى تلكم الأغلال التي قيدت أقدامنا، وإذا كانت الأقدام قد خلقها لنا الله لنسير بها إلى الأمام، فقد جعلتها أغلالها ترتد إلى أعقابها وتنحدر إلى وراء. أقول إنه لا بد أن يكون بليد الحس، ذلك الذي يرى كل ذلك ولا تتأزم له نفس أو يتأرق له فؤاد، ولما كنت واحدًا من آحاد الناس، يرى في قومه أقدامًا مغلولة وعقولًا مقيدة؛ فقد جاء ما كتبته في تلك المجموعة التي أخذت تتوالى صدورًا وظهورًا، وكأن سن القلم الذي كتبتها به مسمار محمي ألهبته النار، وكأنما القلب الذي نفث الحرارة في الكلمات كان أتونًا يستعر، على أن تلك الثورة العارمة — يومئذٍ — كان لا بد لها أن تظل مكتومةً في جمراتها، يحس القارئ لفحتها ولا يراها، فذلك هو مما يقتضيه الفن في أدب المقالة، ويغلب أن تكون وسيلة الكاتب في تحقيق ذلك، وأعني أن ينكتم اللهب الغاضب بحيث يستدله القارئ استدلالًا من سخونة لفحته. أقول إن وسيلة الكاتب إلى ذلك يغلب أن تكون استخدامه لروح السخرية يجريها في تصويره وتعبيره.
وكان الذي أشعل في صدري تلك النار الغاضبة، أو قل الذي نفخ فيها لتزداد اشتعالًا هو المقارنة التي أتاحت لي الظروف أن أجريها بين الإنسان في الشعوب التي تقدمت في موكب الحضارة العصرية والإنسان في الشعوب التي سمرت أقدامها في مواضعها، أو التي لم يكفها الجمود فانحدرت، فماذا يعرف عن حياة أمته من لا يعرف إلا حياة أمته؟ إنما هي المقارنات التي تبرز أمام الأبصار ما هنالك من حسنات الشعوب وسيئاتها، ومع تلك المقارنات التي تبرز أمام الإنسان لبلده ولأهله فيصعب عليه أن يرى أهله في حندس الليل ويحسبون أن ذلك هو ضوء النهار، يصعب عليه أن يرى كرامة الإنسان قد ديست فيما هو أهون من الهوان، ومع ذلك فقليلًا ما يتبين حقيقة موضعه، يصعب عليه أن يرى قومه كم بلغ بهم التخلف ويظنون أنهم الطليعة، كم بلغت بهم الأمية في شتى صورها ويظنون أنهم المهتدون بنور المعرفة، كم بَعُد بهم النفاق والرياء والضعف والتخاذل والتواكل ويظنون أنهم في عالم الأخلاق قديسون صدِّيقون أولياء. يصعب عليه أن يرى أمته ليست في عصرها وتظن أنها تستظل سماءه وتتنفس هواءه، يصعب عليه هذا كله وأكثر من هذا كله، فمتى يقوى إنسان على صراحة الصدق إذا لم يستطعها مع أسرته؟
فلما صدرت لي مجموعة «شروق من الغرب» كان من أصدائها أن احتجَّ كاتبٌ فاضل، وجعل عنوان احتجاجه ذلك «بل غروب من الغرب»، وكتب العقاد تحت عنوان «شروق من كل مكان»، وكتب آخرون، وكنت أتمنى أن أقرأ لهم ما يقنعني بأن ما صورته في مقالة «ظلم» عمَّا كان سائدًا بيننا من تجبر القوي على الضعيف، لم يحسن التصوير، وأن ما صورته عن هذا الجانب نفسه من حياتنا في مقالتي «الطاغية الصغير» و«أصنام تحطمت» وغيرها، لم يكن أمينًا، وكنت أتمنى أن يقنعني اللائمون بأن ما صورته من حياتنا الفكرية والتعليمية من حيث البعد عن نور العقل الواضح المكتشف المغامر، في مقالات مثل «الببغاء والقفص»، و«القطة السوداء»، و«التصوف والمعرفة» يشوبه الخطأ والضلال، وهكذا جاء نقد الناقدين غضبة لا تستند إلى تفصيلات، لماذا؟ لأنهم كانوا يريدون أن يطالعوا ثناءً وإعلاءً وفخرًا وتمجيدًا، والحق الذي لا أخفيه ولا أحب أن أخفيه؛ هو أن قلبي يعمره الحب والفخر بوطني وبأهلي، لكن هنالك موضعًا لكلمة «لكن» فمن ذا الذي يقولها لمصر إلا مصري وللوطن العربي إلا عربي؟ فذلك أضمن لأن يجيء النصح خالصًا لوجه الله والوطن.
عندما حصلت على كتابكم الفريد «شروق من الغرب» تبادر أول ما تبادر في ذهني، من معنى عنوان الكتاب، أن الحضارة والتقدم يأتياننا الآن من الغرب، بعد أن كان الشرق هو منبع الحضارات والثقافات، فقلت في نفسي هذا الشروق من الغرب يقابله غروب في الشرق، وإن كان الغروب مراحل ودرجات، فأول درجة في غروبنا، وهو غروب المحبة والإخاء الديني، مما دعا الأخوة إلى الاقتتال سواء كان ذلك في العراق وإيران، أم كان في لبنان، فغروب المشاعر الحلوة المقدسة أدى إلى الاقتتال، فالحرب غروب للمحبة والأخوة، وتلا تلك المرحلة مراحل غروب كثيرة، فتراجع دور الكلمة وفقدانها لمعناها غروب، الهجوم الدائم على كل صاحب رأي حر من الشوامخ غروب، الإسفاف الفني، والتفاهة التي وصل إليها مستوى الترفيه غروب، الإعراض عن حضور الندوات الجادة والأمسيات الثقافية والشعرية الراقية والتهافت على الأدنى غروب، التعلق بكل ما هو أجنبي، والتمايل مع نغمات الموسيقى الغربية سريعة الإيقاع، وترك موسيقانا الشرقية الأصيلة غروب، تفضيل التليفزيون على الكتب الثقافية الجادة غروب، الهرب من حل المشكلات بدفن الرءوس في الرمال غروب، وفي شرقنا الآن غروب للقيم والمبادئ والمثل العليا والعلوم وأسباب التقدم، فبعد أن كان هذا الشرق مهدًا للحضارات قديمًا، أصبح لحدها، وهكذا بدأنا عمالقة وانتهينا أقزامًا.
كانت تلك فقرة من رسالة الأديبة، أحصت فيها عددًا من أنواع الغروب في حياتنا. ولقد أقامتها على نتيجة استدلتها استدلالًا من عنوان الكتاب الذي قرأته لي، وفرغت لتوها من قراءته، وهو — كما أسلفت — كتاب «شروق من الغرب» الذي كتبت مادته في أواخر الأربعينيات، ونُشر في أول الخمسينيات، إذ قالت الأديبة لنفسها: إن فكرة الشروق من الغرب، تلزم عنها نتيجة هي أن يتحول الغروب ليكون في الشرق، ويبدو أنها حين استخرجت لنفسها تلك النتيجة وجدتها نتيجة صحيحة، وأخذت تحصي أمثلة مختلفة من ذلك الغروب، ويبدو كذلك أنني وإن كنت لم أذكر تلك النتيجة، ذكرًا صريحًا في ذلك الكتاب؛ فقد تركتها مضمرة ومتضمنة في صفحاته، فلست أجزم الآن بما كنت عليه من رأي في هذا الصدد، حين كتبت مادة الكتاب المذكور، وأقول ذلك لأن النتيجة التي استخرجتها صاحبة الرسالة، وهي أن يكون في الشرق غروب، لا تلزم بالضرورة عن عنوان الكتاب، فليس ثمة ما يمنع أن يكون مع الشروق من الغرب، شروق كذلك من الشرق، وذلك هو نفسه ما تضمنه العنوان الذي اختاره العقاد لمقاله الذي علَّق فيه على ذلك الكتاب؛ إذ جعل عنوانه «شروق من كل مكان».
وأيًّا ما كان موقفي في ذلك الزمن البعيد، فهذا هو موقفي اليوم، وهو أن شمس الحضارة الجديدة قد أشرقت في عصرنا هذا من ناحية الغرب، بكل ما تشتمل عليه تلك الحضارة من علوم جديدة، وأجهزة جديدة، ونظم جديدة، وفن جديد، لكن ذلك كله حين يرسل إلينا أشعته التي يجب أن نتلقاها مرحبين، فإن تلك الأشعة الوافدة لن تقع عندنا على قفر يباب، بل إنها لواجدة في شرقنا أصولًا راسخة لحضارة أو لحضارات تعاقبت وتراكمت آثارها عميقة، ومن حسن الحظ أن ميراثنا الحضاري الغزير، إنما يقع في أصعب الجوانب انتقالًا واكتسابًا، وأعني جوانب الدين والفن واللغة والأدب، وبعض النظم الاجتماعية الصالحة للبقاء، أما الجوانب الحضارية التي تأتينا من الغرب الجديد، والتي ندعو إلى قبولها وهضمها والترحيب بها، فهي أيسر الجوانب انتقالًا واكتسابًا؛ لأنها — على الأغلب — علوم وما يلحق بها من مهارات مهنية، وتلك أشياء نعلم كم هي يسيرة الأخذ إذا ما أقبل إنسان على أخذها والتمرس بها، فلو أن الذي ينقصنا هو العناصر المقامة على الوجدان والإيمان، لكان اكتسابها من أصحابها عسيرًا إلى حد يقترب من الاستحالة، أما والمطلوب المجلوب من غيرنا هو في باب العلوم أساسًا، فلا عسر في الأمر، ولا ما يشبه العسر لأن العلوم قائمة على «العقل»، والعقل ملك مشترك بين أفراد البشر جميعًا على حد سواء، ونضرب المثل — مرة أخرى — باليابان وغيرها من بعض أقاليم الشرق الأقصى؛ فلأنهم يرثون عن أسلافهم دينًا وفنًّا، ولم يبقَ عليهم، لتتم لهم معاصرة زمانهم، إلا العلوم وتقنياتها، فقد استطاعوا سد هذا النقص في بضع عشرات من السنين.
ليست المسألة مسألة حضارة أساسها الأخلاق وحضارة أخرى أساسها العلم، لو كان الأمر كذلك لهان الأمر، فما على العالم من سبيل إذا اكتسب أخلاقًا معينة وهو يُجري التجارب في معمله، أو وهو يحاضر طلبته، أو وهو ينشر علمه بين الناس، ما عليه من سبيل لأنه يجمع بين أشياء يمكن الجمع بينها.
المسألة تتمثل في صعوبة الجمع بين عقلية وعقلية، وبين منهج ومنهج، إنها عقلية الغيب في مقابل عقلية المشهود، وهي عقلية غير المنظور في مقابل عقلية المنظور، عقلية الغيب بكل «قوانينه» إذا كان للغيب قوانين، وعقلية الحاضر المشاهد، الذي يخضع للتجريب والملاحظة والاستنباط، إنها عقلية الغيب بكل شطحاته وتهويماته ودروشاته، إنها العقلية التي تعتبر الأبله وليًّا «يعلم الغيب» وينطق بالحكمة، ومِن ثَم يتبرك الناس به.
يا سيدي إن تفسير حادث السيارة على أنه قضاء وقدر، غير تفسيره على أنه ناشئ عن أسباب أخرى، وربما تتصل بالسيارة أو بنظام المرور أو بالسائق أو بها مجتمعة، والأمر على العكس في عقلية الحاضر المشهود، الخاضع للتجربة والملاحظة والاستنباط، بل والتنبؤ بالسلوك كلما وضعت الظاهرة في نفس الظروف.
وإذن فهي ليست حضارة قائمة على الأخلاق في مقابل حضارة قائمة على العلم، بما يستلزم عدم التنافر عند الجمع، أو الازدواج.
وأكتفي بهذا القدر من رسالة الأستاذ محمد محمد القاضي؛ لأن كل ما ورد فيها غير ذلك إنما هو أمثلة وتفريعات، تزداد بها وضوحًا، لكن الفكرة الأساسية تظل هي الفكرة، وأعتقد أن شيئًا مما رددت به على ما جاء في «خطاب من مجهول» يبقى هو نفسه أساسًا للرد على رسالة الأستاذ القاضي (والروح بينهما شديدة التجانس)، وذلك الأساس الذي أعنيه هو الوقوع في مغالطة «إما كذا وإما كيت» عندما يكون في حدود الإمكان أن يجتمع «كذا» و«كيت» معًا في شخص واحد، كأن تقول — مثلًا — إما أن يكون فلان أستاذًا في الجامعة وإما أن يكون محبًّا لرياضة المشي، فيتوهم السامع بأنه إذا ثبت أن فلانًا المقصود أستاذ في الجامعة، فيلزم بالضرورة ألا يكون محبًّا لرياضة المشي، في حين أن إمكان الجمع بين الطرفين جائز وقريب الحدوث.
والآن فلننظر فيما أوردناه عن رسالة الأستاذ القاضي، فمحور حديثه هو المفارقة بين عقلية وعقلية (على حد تعبيره) عقلية الغيب وعقلية المشهود، فكأنما يريد القول بأنه إذا شُغل إنسان بالبحث في ظاهرة من ظواهر العالم المشهود؛ فلم يعد أمامه فائض من حياته يُشغَل فيه بالغيب، وها هنا نقع في المغالطة التي ذكرناها، وذلك لأن السامع هنا قد يتوهَّم بأنه لا جمع بين أن يُشغَل الإنسان بما هو مشهود وبما هو غيب في شخصية واحدة، لا، بل إن الموقف في هذه الحالة أقوى حجة وأشد وضوحًا من الموقف الذي مثلناه بإمكان الجمع في شخص واحد بين الأستاذية الجامعية وحب رياضة المشي؛ وذلك لأنه في نفس اللحظة التي يقوم فيها عالم بالبحث في ظاهرة معينة، بحثًا يقيمه على تجربة وملاحظة، ويكون ملتزمًا أمام ضميره العلمي بطائفة من «القيم»؛ إذ لا بد له أن يكون «أمينًا» في بحثه و«صادقًا» في إعلان نتيجته، والأستاذ القاضي يعلم أن أشياء ﮐ «الأمانة» و«الصدق» وما إليهما، لا تقع في أسرة المنظور، فالأمانة والصدق صورتان من صور «الأخلاق» يستعيرها رجل العلم من جانبه الآخر الذي هو فيه مؤمن بالغيب، وإلا فلماذا لا يلتزم الباحث العلمي أن يكون «مزورًا» وأن يكون «كاذبًا» في إعلان نتائج بحثه؟ فإذا قلنا إنه من الممكن للعربي أن يجمع أخلاقه الدينية إلى اضطلاعه بالبحث العلمي وبمنهج ذلك البحث، لم يكن هناك محل للاعتراض بأن هذه عقلية وتلك عقلية أخرى، وأقصى ما يمكن أن يقال في هذا الصدد، هو أن الإنسان الواحد — وأعني كل إنسان — فيه الجانبان معًا، وهما جانبان يجوز لنا أن نفرق بينهما عند التحليل لنزداد فهمًا ووضوحًا، لكن ذلك التحليل النظري لا يعني أن الإنسان يمكنه الحياة حياة كاملة بأحد الجانبين دون الجانب الآخر، كأن يترك نفسه بأجمعها ليستغرقها الواقع المشهود وحده، أو أن يتركها ليستغرقها الغيب وحده، إلا إذا استطاع الطائر أن يطير بجناح واحد، نعم إن هنالك من لا ترى عيناه إلا محسوسات الواقع، فيتساءل: وهل هناك شيء آخر غير هذا الواقع؟ كما أن هنالك من ينعم في وجدان قلبه بتأمل الغيب فيتساءل: وهل هنالك ما يستحق الاهتمام غير هذا الغيب؟ لكن كلا الرجلين سرعان ما يجنح به إسرافه إلى حياة مريضة تحتاج إلى من يتولَّاها بالعلاج لترتد حياة سوية تمكِّن صاحبها من الجمع بين شهادة وغيب، بين عمل وإيمان، بين علم ودين.
يقول الأستاذ القاضي — فيما يورده من أمثلة توضح الفرق بين عقلية وعقلية (كما جاء في حديثه) — إن تفسير حادث السيارة على أنه قضاء وقدر غير تفسيره على أنه ناشئ عن أسباب أخرى. وإني لأسأله: غيره عند من؟ ثم أتبرع له بالجواب عن سؤالي، فأقول: إن ذلك التفسير غير هذا التفسير عند المتعجل الذي لا يريد أن يعقل الأمور ليفهمها، ولكي نرى الأمر هنا على حقيقته، يجب علينا أولًا أن نفهم كلًّا من اللفظين: «قضاء» و«قدر» مستقلًّا أحدهما عن الآخر، إذ لو كان اللفظان بمعنًى واحد، لكان لفظ واحد منهما يكفي، ففي كلمة «القضاء» معنى المشيئة التي شاءت لشيء أن يقع، وأما كلمة «قدر» فتضيف إلى ذلك الحكم جانب «التقدير» أي جانب «المقدار» أي الجانب «الكمي» — بلغة العلوم — وفي هذا الجانب الكمي يكون تحديد «نقطة» الحدوث أين، وتحديد «لحظة» الحدوث متى، فإذا قلنا عن حادث إنه «قضاء وقدر» فكأننا أضمرنا سلسلة الأسباب التي تتصل بنقطة الحدوث وبلحظة الحدوث، وإذن فلا فرق بين عقلية وعقلية (بتعبير الأستاذ القاضي) وإنما الفرق هو بين من أضمر الأسباب ومن أفصح عنها، والموقفان لا يتناقضان، بل إن من أضمر يستطيع هو نفسه أن يتعلم كيف يفصِّل ما أضمره إذا أراد ذلك.
إنه إذا كانت الأديبة سهير إبراهيم عليوة في تعليقها على كتابي «شروق من الغرب» قد جمعت لنا أمثلة كثيرة من حياتنا الحاضرة، لتبين بها من أوجه مختلفة كم أصبح في حياتنا الراهنة من «غروب» بعد أن كانت فيما مضى دائمة الشروق، وإذا كان الأستاذ محمد محمد القاضي قد ضرب لنا من حياتنا تلك أمثلة يوضح بها كم تبعد «عقلية» جمهورنا عن «عقلية» أبناء الغرب في عصرنا بحيث يتعذر الجمع بين الطرفين في كيان واحد، فليس ذلك من طبائع الأشياء، نزل بنا ليبقى، بل هو كظلام الليل، لا يلبث أن ينقضي، وإنني لعلى يقين بأن للشمس شروقًا بعد كل غروب.