وكان موردك السحاب١
مصابك إن سألتكَ ما المصابُ؟
نواح الناس والصمت الصوابُ
ونحن معاشر الشعراء نحيا
ونُغبط يوم يغمرنا التراب
ويهدأ خافق ما حنَّ إلا
وكان وراء ما علق العذاب
بكت بدموعنا الدنيا وناحت
مولَّهة، وما انقطعت وصاب
إذا سَجَعَ الحمام شكت قوافٍ
وأجهش تحت أنملنا الرباب
جراح الناس في المهجات منا
إذا سهم أصابهمُ نُصاب
نجوع لجوعهم أبدَ الليالي
ونعطش والغمام لنا شراب
فلا النعم الكبار لنا طِلاب
من الدنيا ولا الجاه الطِّلاب
ونحن كما يضوع الزهر نعطي
عطاءً ليس يحفزه الثواب
وكالينبوع إرواءً وخصبًا
إلى أن يستقل به العباب
•••
أخا الأسحار وَارَتْك المنايا
وأخفى طلعة العمر الضباب
وكيف يموت من يجري حديثًا
تضجُّ به الأباطحُ والعقاب
على الوتر الحبيب يرقُّ لحنًا
ويطلعه متى طلع الملاب
كأنك ما رحلت إلى بعيد
ولا واراك في الجدث الصحاب
بَقِيتَ أغانيًا وبَقِيتَ طيبًا
تردده المفاوز والهضاب
ولولا شوق أعيننا لَبِتْنَا
نكذِّب أن يكون الإغتراب
ونحسبك المقيم، وقد ذهبنا
مكانك يوم روَّعنا الذهاب
•••
بحسبك أن قبرك في صعيد
حواه السهل واحتضنت شعاب
فيا طيب الرقاد بأرض قوم
وقد طابت سرائرهم وطابوا
بنوا للعلم حتى صار منهم
وبعض العز للعلم انتساب
وما لهفي عليك تركت دنيا
من الآمال، فالدنيا كذاب
ولكنَّ الأماني مثخنات
سبايا تحت أعيننا نهاب
وكونك مرسلًا بكتاب خير
إلى أهلي، وما قرئ الكتاب
وأنك في سماء الشعر وعد
تناوله وأنزله الغياب
وفي لبنان يجزع كل قلب
إذا يستوحش الأدب العراب
وزحلٌ إذ تضام فقد نماها
إلى ذرواته نسب قراب
يعلِّم باسمها الأمصار شيب
ويحمل فخر من أهدت شباب
دها الآداب أنك كنت صرحًا
بهيكلها تعجُّ به الركاب
فقوَّضَ ركنَه العالي قضاءٌ
وأَوْصَدَ في دروب الحق بابُ
سَقَتْك الغاديات، وأيُّ فضل،
ظمئت وكان موردَك السحابُ
١
أُلقِيَتْ في ذكرى الشاعر الدبس.