الدب
مزحة في فصل واحد
١
(بوبوفا، في ثياب الحداد الكاملة، لا تحول عينيها عن صورةٍ فوتوغرافية، ولوقا.)
لوقا
:
لا يجوز يا سيدتي … تقتلين نفسك وحسب … الخادم والطاهية ذهبتا لجمع الثمار، وكل حيٍّ
يفرح، حتى القطة تدرك ما يسرها فتتنزه في الفناء، وتصيد فروخ الطيور، وأنت تجلسين في
الغرفة طول
النهار، وكأنك في دير، بدون أي متعة. نعم، حقًّا! سنة تقريبًا مرت ولم تخرجي من البيت!
بوبوفا
:
ولن أخرج أبدًا … لماذا؟ حياتي قد انتهت. هو ممدد في القبر، وأنا دفنت نفسي بين أربعة
جدران … نحن الاثنان متنا.
لوقا
:
يا سلام! دعكِ من هذا الكلام، حقًّا! نيكولاي ميخايلوفتش توفي، فليكن، هكذا مشيئة الله.
عليه الرحمة … كفاك حزنًا، والتفتي إلى نفسك. لن تقضي العمر كله في البكاء وملابس الحداد.
أنا
أيضًا ماتت عجوزي من سنين … فماذا فعلت؟ حزنت وبكيت شهرًا، وكفاها ذلك. فلو أني قضيت
الدهر أشكو
فإن العجوز لا تستحق ذلك. (يتنهد) نسيتِ جميع جيرانك … لا تزورين أحدًا ولا تسمحين باستقبال
أحد،
نعيش، عفوًا، كالعناكب، لا نرى الدنيا. الفئران أكلت بدلة الخدمة … طيب، هذا مفهوم لو
لم يكن هناك
أشخاص طيبون، ولكن الإقليم مليء بالسادة … وفي ريبلوف يعسكر فوج حربي والضباط كقطع الحلوى،
لا
تشبع العين منهم! وفي المعسكرات كل جمعة حفل راقص، وكل يوم تقريبًا تعزف الفرقة العسكرية
… آه يا
سيدتي يا مولاتي! شابة، جميلة، قشطة وتفاح … ما عليك إلا أن تعيشي على كيفك … الجمال
لا يدوم!
ستمر عشر سنوات وبعدها تشائين أن تخطري كطاووس لتفتني السادة الضباط، ولكن لا، سيكون
الوقت
متأخرًا.
بوبوفا
(بحزم)
:
أرجوك ألا تحدثني عن ذلك أبدًا! أنت تعرف أنه منذ وفاة نيكولاي ميخايلوفتش
فقدت الحياة بالنسبة لي أي قيمة. يبدو لك أنني أعيش، ولكن هذا يبدو فقط! لقد قطعت على
نفسي عهدًا
ألا أنزع ثياب الحداد أو أرى الدنيا حتى الممات … هل تسمع؟ فليرَ ظله كيف أحبه … نعم
أنا أعرف،
ليس سرًّا عليك أنه كثيرًا ما كان يظلمني، ويقسو عليَّ و… وحتى لم يكن مخلصًا، ولكني
سأظل وفية له
حتى القبر، وسأثبت له كيف أصون الحب. وهناك، وراء القبر، سيراني كما كنت قبل وفاته.
لوقا
:
بدلًا من هذا الكلام اخرجي أفضل إلى البستان وتمشي قليلًا، أو مري بتسريج «توبي» أو
«عملاق» وانطلقي إلى الجيران في زيارة.
بوبوفا
:
آه! … (تبكي.)
لوقا
:
سيدتي … مولاتي! ماذا بك؟ حرام عليك!
بوبوفا
:
كم كان يحب «توبي»! كان يركبه دائمًا لزيارة آل كورتشاجين وآل فلاسوف. كم كان يسوسه
بروعة! أي رشاقة كانت في هيئته عندما كان يشد اللجام بكل قوته! هل تذكر؟ توبي، توبي!
مرهم أن
يقدموا له اليوم حصة شعير زيادة.
لوقا
:
حاضر!
(جرس حاد.)
بوبوفا
(تنتفض)
:
من هذا؟ قل لهم إنني لا أستقبل أحدًا!
لوقا
:
حاضر! (ويخرج.)
٢
(بوبوفا وحدها)
بوبوفا
(تنظر إلى الصورة)
:
سترى يا Nicolas كيف أصون الحب وكيف أغفر … لن ينطفئ حبي إلا
بانطفائي، عندما يتوقف قلبي المسكين (تضحك من خلال الدموع) ألا تستحي؟ أنا زوجتك المخلصة،
المطيعة، حبست نفسي بالمفتاح وسأبقى وفيةً لك حتى القبر، وأنت … ألا تستحي يا بطوطة؟
كنت تخونني،
وتثير المشاجرات وتتركني وحدي أسابيع كاملة!
٣
(بوبوفا ولوقا)
لوقا
(يدخل، قلقًا)
:
سيدتي، هناك شخص ما يطلبك. يريد أن يراك.
بوبوفا
:
ألم تقل له إنني لا أستقبل أحدًا منذ وفاة زوجي؟
لوقا
:
قلت، ولكنه لا يريد أن يسمع، يقول: أمر ضروري جدًّا.
بوبوفا
:
أنا لا أﺳﺘ…ﻘ…ﺒﻞ!
لوقا
:
قلت له، ولكنه … مثل شيطان … يشتم ويندفع إلى الغرفة … هو الآن في غرفة الطعام.
بوبوفا
(بعصبية)
:
حسنًا، أدخله … قلة أدب!
(لوقا يخرج.)
يا لهم من ثقلاء، هؤلاء الناس! ماذا يريدون مني؟ لماذا يُقلقون سكوني؟ (تتنهد) حقًّا، يبدو أنه لا مفر من دخول الدير … (تستغرق في التفكير) نعم، الدير.٤
(بوبوفا ولوقا وسميرنوف)
سميرنوف
(داخلًا، مخاطبًا لوقا)
:
مغفل، تهوى الكلام الكثير … حمار! (يرى بوبوفا فيقول
باعتزاز) سيدتي، أتشرف بتقديم نفسي: ملازم المدفعية المتقاعد، مالك الأراضي جريجوري ستيبانوفتش
سميرنوف! مضطر إلى إزعاجك لمسألة هامة للغاية.
بوبوفا
(دون أن تمد له يدها)
:
أي خدمة؟
سميرنوف
:
كان المرحوم زوجك، الذي تشرفت بمعرفته، مدينًا لي بألف ومائتي روبل قيمة كمبيالتين.
ولما كنت مضطرًّا إلى تسديد فوائد البنك العقاري غدًا؛ لذا أرجوكِ يا سيدتي أن تدفعي
لي المبلغ
اليوم.
بوبوفا
:
ألف ومائتان! … وكيف أصبح زوجي مدينًا لكم؟
سميرنوف
:
كان يشتري مني شعيرًا.
بوبوفا
(متنهدة، مخاطبة لوقا)
:
إذن لا تنسَ يا لوقا أن تأمرهم بإعطاء «توبي» حصة شعير زيادة.
(لوقا ينصرف. مخاطبةً سميرنوف) إذا كان نيقولاي ميخايلوفتش مدينًا لكم فسوف أرد لكم الدين
بلا شك.
ولكن، عفوًا، أرجوك، ليس معي اليوم نقود زيادة. بعد غد سيعود وكيل أعمالي من المدينة
وسآمره بأن
يدفع لكم المبلغ المطلوب، أما الآن فلا أستطيع أن أستجيب لرغبتكم … وعلاوة على ذلك فقد
انقضى
اليوم سبعة أشهر بالضبط على وفاة زوجي، أنا في حالة مزاجية لا تجعلني مستعدة أبدًا للاهتمام
بمسائل مالية.
سميرنوف
:
وأنا الآن في حالة مزاجية بحيث إذا لم أسدد الفوائد غدًا فسأطير في ستين داهية.
سيحجزون على ضيعتي!
بوبوفا
:
ستحصل على نقودك بعد غد.
سميرنوف
:
أنا بحاجة إلى النقود اليوم، لا بعد غد.
بوبوفا
:
عفوًا، ولكني لا أستطيع أن أدفع اليوم.
سميرنوف
:
وأنا لا أستطيع الانتظار إلى بعد غد.
بوبوفا
:
وما العمل، ليس عندي نقود الآن!
سميرنوف
:
إذن لا تستطيعين أن تدفعي؟
بوبوفا
:
لا أستطيع.
سميرنوف
:
إم … هذا آخر كلام؟
بوبوفا
:
نعم، آخر كلام.
سميرنوف
:
آخر كلام، أكيد؟
بوبوفا
:
أكيد.
سميرنوف
:
مع جزيل الشكر. فلنسجل في المحضر (يهز كتفيه) وبعد هذا يريدون أن أكون بارد الأعصاب!
قابلَني الآن، وأنا قادم، محصل الضرائب، فسألني: «لماذا أنت غاضب دائمًا يا جريجوري ستيبانوفتش؟»
حنانيك، وكيف لا أغضب؟ أنا بحاجة ماسة إلى النقود … رحلت من البيت منذ صباح أمس، في الفجر،
ومررت
على جميع مدينيَّ، فلو أن واحدًا منهم فقط رد دينه! تبهدلت ككلب، والشيطان يعلم أين بت
الليل … في
حانة يهودية قذرة، بجوار برميل فودكا … وأخيرًا أصل إلى هنا، على مسافة سبعين كيلومترًا
من بيتي،
على أمل الحصول على نقود، فإذا بهم يضيفونني «مزاجيات»! فكيف لا أغضب إذن!
بوبوفا
:
أعتقد أنني قلت بوضوح عندما يعود وكيل أعمالي من المدينة ستحصل على النقود.
سميرنوف
:
أنا لم أجئ إلى وكيل الأعمال، بل إليكِ! ما حاجتي إلى وكيل أعمالكِ، عليه اللعنة،
وعفوًا على هذا التعبير!
بوبوفا
:
عفوًا يا سيدي المحترم، أنا لم أتعود على هذه الكلمات الغريبة، وهذه النبرة. لن أصغي
إليك بعد (تخرج بسرعة).
٥
(سميرنوف وحده)
سميرنوف
:
أما غريبة! مزاجي … منذ سبعة أشهر مات زوجي! وأنا، هل ينبغي عليَّ أن أسدد الفوائد
أم لا؟ إنني أسألك: هل ينبغي أن أسدد الفوائد أم لا؟ حسنًا، أنتِ زوجك مات، ومزاجك يعني
وخلافه …
وكيل أعمالك رحل إلى مكان ما، فلتحفظه الشياطين، ولكن ماذا تأمرينني أن أفعل؟ أركب منطادًا
لأهرب
من الدائنين أم ماذا؟ أم أجري وأضرب رأسي في الحائط؟ جئت إلى جروزديف فإذا به غير موجود،
وياروشيفتش اختبأ، أما كوريتسين فقد تشاجرت معه إلى حد العِراك وكدت ألقي به من النافذة.
مازوتوف
عنده نزلة معوية، وهذه عندها مزاج. لا يدفع منهم ولا لئيم واحد! كل ذلك لأنني دللتهم
أكثر من
اللازم، لأنني بريالة، خرقة، امرأة! أنا معهم رقيق أكثر من اللازم! طيب، مهلًا! ستعرفون
من أنا!
لن أسمح بالمزاح معي، يا للشيطان! سأبقى هنا ولن أتحرك حتى تسدد! بررر! … كم أنا مغتاظ
اليوم، كم
أنا مغتاظ! من الغيظ ترتعش فرائصي وانحبست أنفاسي … أف، يا إلهي، بل يغمى عليَّ (يصيح)
يا
ولد!
٦
(سميرنوف ولوقا)
لوقا
(يدخل)
:
ماذا تريدون؟
سميرنوف
:
هات كفاسًا أو ماد!
(لوقا يخرج.)
يا سلام، يا للمنطق! أنتَ بحاجة ماسة إلى النقود، حتى لتفكر في الانتحار، أما هي فلا تدفع لأنها، بسلامتها، غير مستعدة للاهتمام بالمسائل المالية! … منطقٌ نسائي فعلًا، منطق هوانم! ولهذا بالذات لم أحب أبدًا ولا أحب أن أتحدث مع النساء. من الأسهل عليَّ أن أجلس على برميل بارود من أن أتحدث مع امرأة. بررر! … حتى بدني يقشعر … إلى هذا الحد أغاظني ذيل الفستان هذا! ما إن أرى، ولو من بعيد، المخلوق الشاعري حتى تصاب سمَّانتا ساقيَّ بالتقلص من شدة الغيظ … شيء يجنن.٧
(سميرنوف ولوقا)
لوقا
(يدخل ويقدم ماء)
:
السيدة مريضة ولا تستقبل أحدًا.
سميرنوف
:
امشِ!
(لوقا يخرج.)
مريضة ولا تستقبل! لا داعي، لا تستقبلي … سأبقى، وسأظل جالسًا هنا حتى تردِّي النقود. إذا مرضتِ أسبوعًا سأبقى هنا أسبوعًا … إذا مرضت سنة، سأبقى سنة … سآخذ حقي يا سيدتي! لن تؤثر فيَّ ثياب الحِداد أو الغمازات في الخدود … نحن نعرف هذه الغمازات! (يصيح في النافذة) سيميون، فُك العدة! لن نرحل قريبًا! سأبقى هنا! قل لهم في الإسطبل أن يقدموا الشعير للخيول! مرة ثانية يا حيوان تشتبك الفرس اليسرى في السيور! (مقلدًا) «بسيطة» … سوف أريك «بسيطة»! (يبتعد عن النافذة) يا للسوء! … الحر لا يطاق، ولا أحد يدفع، ونمت نومًا سيئًا ليلة الأمس، وعلاوةً على ذلك هذا الذيل الحِدادي والمزاج … رأسي مصدع … هل أشرب فودكا؟ نعم، سأشرب. (يصيح) يا ولد!
لوقا
(يدخل)
:
ماذا تريدون؟
سميرنوف
:
هاتِ كأس فودكا!
(لوقا يخرج.)
أف! (يجلس ويتفحص نفسه) يا سلام، ما أجملها هيئة! الغبار يغطيك، والحذاء قذر، والوجه غير مغسول، والشعر غير ممشط، وعلى الصديري قش … ربما تكون الهانم قد اعتبرتني قاطع طريق. (يتثاءب) ليس من التهذيب إلى حد ما الدخول إلى غرفة الجلوس في منظر كهذا، ولكن لا بأس … أنا لست ضيفًا هنا، أنا دائن، وليس ضروريًا للدائن أن يهتم بمظهره.
لوقا
(يدخل ويقدم الفودكا)
:
إنك تسمح لنفسك بالكثير يا سيدي!
سميرنوف
(بغضب)
:
ماذا؟
لوقا
:
أنا … لا أقصد … أنا يعني …
سميرنوف
:
مع مَن تتكلم؟! اخرس!
لوقا
(جانبًا)
:
بُلينا بهذه المصيبة، أي شيطان رماه علينا!
(لوقا يخرج.)
سميرنوف
:
آه، كم أنا مغتاظ! مغتاظ لدرجة يخيَّل لي فيها أنني قد أسحق الدنيا كلها … حتى إنه
يغمى عليَّ … (يصيح) يا ولد!
٨
(بوبوفا وسميرنوف)
بوبوفا
(تدخل خافضة البصر)
:
سيدي المحترم، لقد نسيت في عزلتي منذ وقت طويل الصوت البشري ولا
أتحمل الصيَّاح. أرجوك رجاءً حارًّا ألا تزعج سكوني.
سميرنوف
:
ادفعي لي النقود وسأرحل.
بوبوفا
:
لقد قلت لكم باللغة الروسية: ليس معي الآن نقود زيادة. انتظر حتى بعد غد.
سميرنوف
:
وأنا أيضًا تشرفت بالقول لكم باللغة الروسية: أنا بحاجة إلى النقود اليوم لا بعد غد.
إذا لم تدفعي لي اليوم فسيكون عليَّ غدًا أن أنتحر.
بوبوفا
:
ولكن ما العمل إذا لم يكن معي نقود؟ شيء غريب!
سميرنوف
:
إذن فلن تدفعي الآن؟ كلا.
بوبوفا
:
لا أستطيع!
سميرنوف
:
في هذه الحالة سأبقى هنا وسأظل جالسًا حتى أحصل على النقود … (ويجلس) ستدفعين بعد
غد؟ ممتاز! سأجلس هكذا إلى بعد غد. هكذا سأبقى جالسًا … (يقفز واقفًا) إنني أسألك: هل
عليَّ أن
أدفع الفوائد غدًا أم لا؟ أم تظنين أنني أمزح؟
بوبوفا
:
أرجوك يا سيدي المحترم، لا تصرخ! ليس هذا إسطبلًا!
سميرنوف
:
أنا لا أسألك عن الإسطبل، بل هل ينبغي عليَّ أن أدفع الفوائد غدًا أم لا؟
بوبوفا
:
أنتَ لا تعرف كيف تتصرف وسط النساء!
سميرنوف
:
لا، بل أعرف كيف أتصرف وسط النساء!
بوبوفا
:
كلا، لا تعرف! أنتَ شخص غير مهذب، فظ! الناس المحترمون لا يتكلمون هكذا مع
النساء!
سميرنوف
:
آه، شيء مدهش! كيف تأمرين بالكلام معك؟ بالفرنسية يعني؟ (يغتاظ ويقول ماطًّا شفتيه)
مدام، جي فوي بري … كم أنا سعيد بعدم ردك النقود لي … آه، باردون إذا كنت أزعجتك! ما
أروع الطقس
اليوم! وهذا الحِداد لائق جدًّا عليك! (يحك قدميه بالأرض مُحيِّيًا.)
بوبوفا
:
هذا سخيف وفظ!
سميرنوف
(مُقلِّدًا)
:
سخيف وفظ! أنا لا أعرف كيف أتصرف وسط النساء! سيدتي، لقد رأيت في حياتي
نساء، أكثر بكثير مما رأيت أنت عصافير! تبارزت ثلاث مرات من أجل النساء، هجرتُ اثنتي
عشرة امرأة
وهجرتني تسع نساء! نعم! وكانت هناك فترة كنت فيها أتحامق، وأتسامح، وأتعاسل، وأفرش نفسي
بساطًا،
وأحك الأرض بقدمي … كنت أحب، أتعذب، أتنهد متأملًا القمر، وأضعف، وأذوب، وأفتر … كنت
أحب بجنون،
بوجد، وبشتى الصور، وكنت أثرثر كالوقوق، فليخطفني الشيطان، عن تحرير المرأة، وأنفقت على
هذه
المشاعر الرقيقة نصف أموالي، أما الآن فاعفوني! الآن لن تخدعْنَني! كفى! العيون السود،
العيون
المشبوبة، الشفاه الوردية، غمازات الخدود، القمر، الهمس، الأنفاس المترددة … كل ذلك لا
أدفع مقابله
الآن يا سيدتي قطعة خردة! أنا لا أقصد الحاضرات، ولكن كل النساء، من أصغرهن إلى أكبرهن،
متدللات،
متغنجات، متقولات، حسودات، كذوبات حتى النخاع، هوجاوات، تافهات، قاسيات القلب، منطقهن
يثير السخط،
أما فيما يخص هذا الشيء (يضرب على جبينه) فاعذريني على الصراحة، فإن أصغر عصفور يكسب
من أي فيلسوف
في تنورة عشر نقاط مقابل صفر! أحيانًا تنظر إلى بعض هذه المخلوقات الشاعرية، فترى أمامك
حريرًا،
أثيرًا، نصف إلهة، مليون صيحة إعجاب، فإذا نظرت إلى روحها، وجدت تمساحًا عاديًا! (يمسك
بمسند كرسي
فيطقطق الكرسي ويتحطم) ولكن أكثر ما يثير السخط أن هذا التمساح يتصور لسبب غير معروف
أن الشعور
الرقيق هو تحفته وامتيازه واحتكاره! يا للشيطان، يا للعنة، علقوني من ساقي في هذا المسمار
إن كانت
المرأة تعرف كيف تحب أحدًا غير كلاب البولونيز! وهي في الحب لا تعرف إلا الشكوى والدموع!
وبينما
يتعذب الرجل ويضحي نجد حبها لا يتجلى إلا في هزها لذيل فستانها وسعيها إلى إحكام القبضة
على
الأنف. من سوء حظك أنك امرأة، وبالتالي تعرفين من واقع حالتك طبيعة النساء. فلتخبريني
بصدق، هل
رأيت في حياتك امرأة صادقة، مخلصة، وفيَّة؟ لم ترَي! المخلصات والوفيات هن العجائز والدميمات
وحدهن. الأسهل أن تجدي قطة بقرون أو دجاجة غابة بيضاء من أن تجدي امرأة وفية!
بوبوفا
:
اسمح لي، فمَن إذن في رأيك مخلصٌ ووفيٌّ في الحب؟ أهو الرجل؟
سميرنوف
:
نعم، الرجل!
بوبوفا
:
الرجل! (تضحك بغيظ) الرجل مخلص ووفي في الحب! يا له من خبر! (بحرارة) بأي حق تقول
هذا؟ الرجال مخلصون وأوفياء! طالما هكذا دعني أقل لك إنه من بين جميع الرجال الذين عرفتهم
وأعرفهم
كان المرحوم زوجي هو الأفضل … كنت أحبه بوجد، بكل كياني، كما تقدر أن تحب امرأة شابة
مفكرة. وهبته
شبابي وسعادتي وحياتي ومالي، كنت أعيش على أنفاسه، وأصلي له كوثنية و… و… ماذا؟ كان هذا
الأفضل
يخدعني في كل خطوة بصورة في غاية الدناءة! بعد وفاته وجدت في مكتبه درجًا مليئًا كله
بالخطابات
الغرامية، وأثناء حياته — من الفظاعة أن أتذكر! — كان يتركني وحدي أسابيع كاملة، وأمام
عيني يغازل
النساء الأخريات ويخونني، ويبعثر نقودي ويهزأ بمشاعري … ورغم كل ذلك أحببته وأخلصت له
… بل
والأكثر من ذلك أنني ما زلت مخلصة له ووفيَّة حتى بعد وفاته. لقد دفنت نفسي إلى الأبد
في هذه
الجدران الأربعة، ولن أنزع ثياب الحِداد إلى الممات!
سميرنوف
(يضحك باحتقار)
:
الحِداد! … لا أعرف من تتصورينني؟ وكأنما أنا لا أدري لأي غرض ترتدين
هذا الثوب الأسود وتدفنين نفسك بين أربعة جدران! ولِم لا! فهذا شيء غامض، شاعري! ربما
يمر بجوار
داركم طالب حربي ما أو شاعر تافه فينظر إلى نوافذك ويفكر: «هنا تعيش تمارا الغامضة، التي
دفنت
نفسها بين أربعة جدران حبًّا في زوجها.» نحن نعرف هذه الملاعيب!
بوبوفا
(منفجرة)
:
ماذا؟ كيف تجرؤ على أن تقول هذا لي؟
سميرنوف
:
دفنتِ نفسكِ بين أربعة جدران، ومع ذلك لم تنسي أن تضعي البودرة!
بوبوفا
:
كيف تجرؤ على الكلام معي بهذا الشكل؟
سميرنوف
:
لا تصرخي من فضلك، أنا لست خوليك! واسمحي لي أن أسمي الأشياء بأسمائها الحقيقية. أنا
لست امرأة، وقد تعودت أن أعرب عن رأيي بصراحة! لا تصرخي إذن أرجوك!
بوبوفا
:
لست أنا التي تصرخ بل أنت! أرجوك دعني وشأني!
سميرنوف
:
ادفعي لي دَيني وأنا أذهب.
بوبوفا
:
لن أدفع لك شيئًا.
سميرنوف
:
بل ستدفعين!
بوبوفا
:
نكاية فيك لن تحصل على كوبيك واحد! يمكنك أن تدعني وشأني!
سميرنوف
:
من حُسن حظي أنني لست زوجك أو خطيبك؛ ولذلك أرجوك لا تفتعلي مشاجرة. (يجلس) أنا لا
أحب هذا.
بوبوفا
(تختنق غيظًا)
:
أنت تجلس؟
سميرنوف
:
جلست.
بوبوفا
:
أرجوك اخرج!
سميرنوف
:
هاتي الفلوس … (جانبًا) أوه، كم أنا مغتاظ، كم أنا مغتاظ!
بوبوفا
:
أنا لا أريد أن أتكلم مع وقح! تفضَّل، غُر من هنا!
(صمت.)
بوبوفا
:
ألن تخرج؟ لا؟
سميرنوف
:
لا.
بوبوفا
:
لا؟
سميرنوف
:
لا!
بوبوفا
:
طيب! مهلًا! (تدق الجرس.)
٩
(هُما ولوقا)
بوبوفا
:
لوقا، أخرِج هذا السيد!
لوقا
(يقترب من سميرنوف)
:
يا سيد، تفضَّل بالخروج عندما تؤمر! هيا من هنا.
سميرنوف
(يقفز واقفًا)
:
اخرس! مع مَن تتكلم! سأصنع منك سلاطة!
لوقا
(يضع يده على قلبه)
:
يا ربي! … الحقوني! … (ينهار على كرسي فوتيل) آه، دخت، دخت! نفَسي
انكتم!
بوبوفا
:
أين داشا؟ داشا! (تصيح) داشا! بيلاجيَّا! داشا!
(تدق الجرس.)
لوقا
:
أوه! ذهبن لجمع الثمار … لا أحد في البيت … أنا دايخ! ماء!
بوبوفا
:
تفضَّل وغُر من هنا!
سميرنوف
:
ألا تتفضلين بأن تكوني أكثر أدبًا؟
بوبوفا
(تعصر قبضتيها وتدق بقدميها)
:
أنتَ فلاح، دُب غليظ! جلف! وحش!
سميرنوف
:
ماذا؟ ماذا قلتِ؟
بوبوفا
:
قلت إنك دُب، وحش!
سميرنوف
(مهاجمًا)
:
لو سمحتِ، بأي حق تهينينني؟
بوبوفا
:
نعم أهينك … وماذا بعد؟ أتظنني أخافك؟
سميرنوف
:
وأنتِ تظنين أنكِ إذا كنتِ مخلوقًا شاعريًّا يكون من حقكِ أن تهيني الناس دون عقاب؟
نعم؟ إلى الحاجز!
بوبوفا
:
يا ربي … الحقوني … ماء!
سميرنوف
:
لنتبارز!
بوبوفا
:
إذا كان لديك قبضات ضخمة وحلق ثور فلعلك تظن أنني أخشاك؟ هه؟ أيها الجلف
المتوحش!
سميرنوف
:
إلى الحاجز! لن أسمح لأحد بإهانتي ولن أراعي أنكِ امرأة، مخلوق ضعيف!
بوبوفا
(تحاول أن يطغى صياحها على صياحه)
:
دُب! دُب! دُب!
سميرنوف
:
حان الوقت للتخلي عن الفكرة المتحيزة، بأن الرجال وحدهم هم الذين ينبغي أن يدفعوا
ثمن الإهانة! المساواة إذن المساواة، بحق الشيطان! إلى الحاجز!
بوبوفا
:
تريد أن نتبارز؟ تفضَّل!
سميرنوف
:
فورًا!
بوبوفا
:
فورًا! ترك زوجي بعده مسدسات … سآتي بها … (تنصرف بسرعة ثم تعود). بأي تلذذ سأرسل
رصاصة إلى جبينك النحاسي! فليخطفك الشيطان! (تخرج.)
سميرنوف
:
سأرديها مثل كتكوت! أنا لست صبيًا، لست جروًا عاطفيًّا، لا توجد بالنسبة لي مخلوقات
ضعيفة!
لوقا
:
يا سيدي الرحيم! … (يجثو على ركبتيه) اصنع معروفًا، ارأف بحالي أنا العجوز واذهب من
هنا! أرهبتني حتى الموت، وتريد أن تتبارز!
سميرنوف
(لا يصغي إليه)
:
التبارز، هذه هي المساواة والتحرير! كلا الجنسين هنا متساويان!
سأُرديها كمبدأ! يا لها من امرأة! (يقلدها) «فليخطفك الشيطان … سأرسل رصاصة إلى جبينك
النحاسي …»
يا لها من امرأة! احمرت تمامًا، وعيناها تلمعان … قبلت التحدي! أقسم بشرفي، أول مرة أقابل
فيها
امرأة كهذه.
لوقا
:
يا سيدي، اذهب! دعني أصلي لك طول عمري!
سميرنوف
:
هذه امرأة! امرأة حقيقية! هكذا النساء! ليست خائرة ولا مُغفلة، بل نار، بارود،
صاروخ! بل إن قتلها مؤسف!
لوقا
(يبكي)
:
يا سيدي … يا مولاي … أرجوك اذهب!
سميرنوف
:
إنها تعجبني بالتأكيد! أكيد! رغم غمازات خديها تعجبني! مستعد حتى للتنازل عن الدَّين
…
والغيظ انتهى … امرأة مدهشة!
١٠
(هما وبوبوفا)
بوبوفا
(تدخل حاملة مسدسَين)
:
ها هي المسدسات … ولكن قبل أن نتبارز أرني، لو تكرَّمت، كيف أطلق
النار!
أنا لم أمسك مسدسًا في يدي من قبل.
أنا لم أمسك مسدسًا في يدي من قبل.
لوقا
:
رحمتك يا رب، أنقذنا … سأذهب لأبحث عن البستاني والحوذي … من أين نزلت هذه المصيبة على
رءوسنا! (يخرج.)
سميرنوف
(يفحص المسدسين)
:
في الواقع، توجد عدة أنواع من المسدسات … توجد مسدسات «مورتيمير»
المخصصة للمبارزات، بكبسولة. وهذان المسدسان من طراز سميث وفيسون، ثلاثي الحركة، بملقط،
مركزي
الضرب … مسدسان رائعان! … ثمن المسدسان تسعون روبلًا على الأقل … ينبغي الإمساك بالمسدس
هكذا …
(جانبًا) عيناها! امرأة لاهبة!
بوبوفا
:
هكذا؟
سميرنوف
:
نعم، هكذا … ثم ترفعين الزناد … وتصوِّبين هكذا … الرأس إلى الوراء قليلًا! مدِّي
يدكِ جيدًا … نعم، هكذا … ثم بهذا الإصبع تضغطين على هذه القطعة … ولا شيء أكثر … القاعدة
الرئيسية: ألا تستعجلي وأن تسددي على مهل … وحاولي ألا تهتز ذراعك.
بوبوفا
:
حسنًا … المبارزة في الغرفة غير مريحة، لنذهب إلى البستان.
سميرنوف
:
لنذهب … لكني أُخطركِ بأني سأطلق النار في الهواء.
بوبوفا
:
لم يكن ينقص إلا هذا! لماذا؟
سميرنوف
:
لأنه … لأنه … هذا يخصني!
بوبوفا
:
هل جبنت؟ نعم؟ آه! … لا يا سيد، لا تخاتل! تفضَّل واتبعني! أنا لن أهدأ حتى أثقب
جبينك … هذا الجبين الذي أمقته! جبنت؟
سميرنوف
:
نعم، جبنت.
بوبوفا
:
كذاب! لماذا لا تريد أن تتبارز؟
سميرنوف
:
لأنه … لأنكِ … تعجبينني.
بوبوفا
(تضحك بغيظ)
:
أنا أعجبه! ويجرؤ على أن يقول إنني أعجبه! (تشير إلى الباب)
تفضَّل!
سميرنوف
(يضع المسدس في صمت ويتناول عمرته ويتجه نحو باب الخروج. يتوقف هناك، وينظر كل منهما
إلى الآخر حوالي نصف دقيقة في صمت. ثم يقول وهو يقترب مترددًا من بوبوفا)
:
اسمعي … أما زلتِ
غاضبة؟ … أنا أيضًا مستثار كالمسعور، ولكن أتدرين … كيف أوضح لكِ … القضية أنه، لو تعلمين
… شيء
من هذا القبيل في الواقع … (يصيح) طيب، وما ذنبي أنا إذا كنتِ تعجبينني؟ (يمسك مسند كرسي
فيطقطق
الكرسي ويتحطم) يا للشيطان، ما هذا الأثاث السهل الكسر لديكِ! أنتِ تعجبينني! أتفهمين؟
أنا … أنا
تقريبًا وقعت في حبك!
بوبوفا
:
ابتعد عني … إنني أمقتك!
سميرنوف
:
يا إلهي، أي امرأة! لم أرَ في حياتي مثل هذا أبدًا! ضعت! هلكت! وقعت في المصيدة،
كالفأر!
بوبوفا
:
ابتعد عني وإلا أطلقت النار!
سميرنوف
:
أطلقي! أنتِ لا تستطيعين أن تدركي سعادة الموت تحت نظرة هذه العيون الساحرة، الموت
بمسدس تمسك به هذه الذراع الصغيرة المخملية … أنا جننت! فكري وقرري الآن، لأني لو خرجت
من هنا فلن
نلتقي أبدًا! قرري … أنا نبيل، رجل مستقيم، دخلي عشرة آلاف في السنة … أستطيع أن أصيب
بالمسدس
قطعة نقود ملقاة في الهواء … عندي خيول ممتازة … هل تريدين أن تكوني زوجتي؟
بوبوفا
(بسخط، تلوِّح بالمسدس)
:
فلنتبارز! إلى الحاجز!
سميرنوف
:
أنا جننت … لا أفقه شيئًا … (يصيح) يا ولد، هات ماء!
بوبوفا
(تصيح)
:
إلى الحاجز!
سميرنوف
:
جننت، وقعت في حبها كصبي، كأحمق! (يطبق على يدها فتصرخ من الألم) أنا أحبك! (يركع
على ركبتيه) أحبك كما لم أحب أبدًا من قبل! هجرت اثنتي عشرة امرأة، وتسع نساء هجرنني،
ولكني لم
أحب واحدة منهن كما أحبك … أصبحت بلا إرادة، تراخيت، تخدَّرت … أركع على ركبتي كأحمق
وأطلب
القرب … يا للعار، يا للفضيحة! خمس سنوات لم أحب، قطعت عهدًا على نفسي، وفجأة وقعت كنير
المحراث
في صندوق الغير! أطلب القرب. نعم أم لا؟ لا تريدين؟ لا داعي! (ينهض ويتجه إلى الباب
بسرعة.)
بوبوفا
:
انتظر …
سميرنوف
(يتوقف)
:
حسنًا؟
بوبوفا
:
لا شيء، اذهب … طيب انتظر … كلا، اذهب، اذهب! أنا أمقتك! لكن لا … لا تذهب! آه، لو تعلم
كم أنا مغتاظة، كم مغتاظة! (تلقي بالمسدس على الطاولة) أصابعي نمَّلت من هذا القرف …
(تُمزق
منديلها غيظًا) ما لكَ واقف؟ غُر من هنا!
سميرنوف
:
وداعًا.
بوبوفا
:
نعم، نعم، اذهب! … (تصيح) إلى أين؟ انتظر … طيب، اذهب. آه، كم أنا مغتاظة! لا تقترب
مني، لا تقترب!
سميرنوف
(مقتربًا منها)
:
كم أنا مغتاظ من نفسي! وقعت في الحب كتلميذ، وركعت على ركبتي … إن
بدني يقشعر … (بخشونة) أنا أحبك! كما لو كنت بحاجة إلى أن أحبك! عليَّ غدًا أن أسدد الفوائد
والحصاد بدأ، وأنتِ هنا … (يطوِّق خصرها) لن أغفر لنفسي هذا أبدًا.
بوبوفا
:
ابتعد عني! ارفع يديك! أنا أ… أمقتك! إلى اﻟﺤ…ا…جز! (قبلة طويلة.)
١١
(هما ولوقا يحمل فأسًا، البستاني بمجرفة والحوذي بمذراة وعمال يحملون العصى.)
لوقا
(يرى الاثنين يتبادلان القبلات)
:
يا ربي!
(صمت.)
بوبوفا
(تخفض بصرها)
:
لوقا، قُل لهم هناك في الإسطبل ألا يُقدِّموا اليوم الشعير لتوبي
إطلاقًا.
(ستار)