الصور الآدمية والحيوانية
عرف المسلمون الصور الآدمية ورسوم الحيوانات، ولكن تمثيل الكائنات الحية كان مكروهًا
في الإسلام بوجه عام، وليس في القرآن شيء عن هذا التحريم؛ لأن كلمة «الأنصاب» في الآية
التي كان المستشرقون وغيرهم يذكرونها في هذه المناسبة
١ لا يقصد بها سوى الأحجار الكبيرة
والأصنام التي كان العرب يعبدونها ويقدمون لها القربان، ولكن كتب الحديث — وهي لم توضع
إلا بعد وفاة النبي بأكثر من قرنين من الزمان — تنسب إليه بعض أحاديث تحرم تمثيل
الكائنات الحية أو تصويرها. وقد يكون صحيحًا أن هذه الأحاديث موضوعة، وأنها لا تعبر إلا
عن الرأي الذي كان سائدًا بين رجال الدين منذ القرن الثالث بعد الهجرة، ولكننا نميل إلى
القول بأن كراهية التصوير في الإسلام ترجع إلى عصر النبي نفسه، وأن أساسها الرغبة في
إبعاد المسلمين عن الصور والتماثيل التي تقربهم من عبادة الأصنام، كما أن البساطة
والترف اللذين كانا سائدين في فجر الإسلام كانا لا يشجعان على نحت التماثيل أو رَقْم
الصور.
وقد قيل إن المسلمين في كراهتهم تصوير المخلوقات الحية كانوا متأثرين بما كان سائدًا
عند اليهود، حتى إن الأحاديث النبوية التي تُروى في تحريم التصوير تشبه في عباراتها
التعاليم اليهودية في هذا التحريم.
والمعروف أن الأمم السامية عامة كانت تكره التصوير، أو لم تكن لها فيه مواهب كبيرة
وأساليب فنية راقية، بل يقال أيضًا إنها كانت تنسب للصور تأثيرًا سحريًّا ليس هنا مجال
شرحه.
وكانت كراهية التصوير وعمل التماثيل عامة بين رجال الدين في الإسلام على اختلاف
مذاهبهم من سنيين وشيعيين. ولكن هذا النهي عن تمثيل الكائنات الحية وتصويرها لم يكن
يراعى بين المسلمين في كل زمان ومكان، بل كان لا يُلتفت إليه في أحيان كثيرة، ولا سيما
بين الأمم الإسلامية التي لم تكن سامية الأصل، أو التي كان لها تراث فني ومواهب في
التصوير تجعل إقلاعها عنه ليس هينًا، كما كان هينًا عند العرب أنفسهم. وهذا هو السر في
ازدهار صناعة الصور والرسوم
التوضيحية miniature painting في إيران والهند وتركيا، وبه يفسر أيضًا وجود الصور الآدمية
والحيوانية على منتجات الطراز الفارسي في الفن الإسلامي، وعلى منتجات العصر الفاطمي
بمصر، ولا دخل للمذهب الشيعي في ذلك، فإن الأيوبيين مثلًا كانوا من أبطال المذهب السني،
ومع ذلك فقد كانوا يقبلون على التحف المعدنية ذات الموضوعات الزخرفية المستمدة من
الإنجيل. وفضلًا عن ذلك فإن الهنود، والترك، والمسلمين الذين شُيد لهم قصر الحمراء،
والذين صنعت لهم التحف العاجية ذات الزخارف الآدمية، كل هؤلاء كانوا سنيين، بل إن إيران
لم تتخذ المذهب الشيعي مذهبًا رسميًّا لها إلا منذ بداية القرن السادس عشر
الميلادي.
ومهما يكن من شيء، فإن كراهية تصوير المخلوقات الحية كان لها تأثير عميق في طبيعة
الفنون الإسلامية يمكن تلخيصه في الأمور الآتية:
- (أ)
جعلت المسلمين ينصرفون إلى إتقان أنواع أخرى من الزخرفة بعيدة عن تجسيم
الطبيعة الحية أو تصويرها، وقد أفلحوا في هذا الميدان حتى أصبحت العناصر
الزخرفية التي ابتدعوها طابعًا على فنونهم، وصارت تنسب إليهم كما يظهر من
لفظ «أرابسك».
- (ب)
أن المساجد وأثاثها والمصاحف رُوعي في زخارفها استبعاد رسوم الكائنات
الحية، فأصبحت في الغالب خالية من الصور والتماثيل التي يُستعان بها على
شرح العقائد الدينية، وتوضيح تاريخ الدين وحياة أبطاله، كما في المسيحية
مثلًا.
- (جـ)
أن الفنون الإسلامية لا تظهر فيها عبقرية النحات؛ فالتماثيل التجسيمية لا
يكاد يُؤبَه لها، والفنانون ينصرفون إلى العمارة وإلى زخرفة المباني وتزيين
التحف بالرسوم الفنية.
- (د)
أن صناعة التصوير التي ازدهرت عند الفرس والهنود المسلمين والترك لم تعرض
للموضوعات الدينية إلا فيما ندر. أجلْ إن بعض المصورين رسموا صورًا لعدد من
الحوادث المشهورة في تاريخ الرسل المختلفين، كما أنهم رسموا صورًا لبعض
الحوادث في السيرة النبوية (ميلاد النبي – مقابلة النبي للراهب بحيرَا في
الشام – وضع الحجر الأسود في الكعبة بيد النبي – نزول الوحي – الهجرة إلى
يثرب مع أبي بكر – الإسراء والمعراج – تكسير النبي للأصنام في الكعبة بعد
فتح مكة – حادث غدير خم الذي يزعم الشيعة أن النبي أوصى عنده بالخلافة لعلي
بن أبي طالب)، ولكن أمثال هذه الصور كانت نادرة ولم تحز رضاء رجال الدين،
حتى ليمكننا أن نرى في هذا الميدان فرقًا عظيمًا بين الفنون الإسلامية
والفنون الغربية، فقد كان المصورون في الغرب على اتصال وثيق بالكنيسة
يستلهمونها موضوعاتهم، ويستمدون منها تشجيعهم، فغلب على منتجاتهم الطابع
الديني إلى عصر غير بعيد، بينما كان رجال الدين في الإسلام ينبذون
المصورين، ولا يقدرون مواهبهم الفنية، ولا يمنحونهم أي تعضيد.
- (هـ)
أن علت مكانة الخطاطين في الإسلام لعنايتهم بكتابة القرآن، ولأن فنهم لم
يكن مكروهًا من رجال الدين، وكان يليهم في خطر الشأن المُذهِّبون الذين
كانوا يزينون بجميل الرسوم الهندسية والنباتية بعض صفحات المخطوطات. وقد
زاد الإقبال على منتجات هؤلاء الفنانين حتى إن الذين لم يستطيعوا شراء
مخطوط بأكمله كانوا يقنعون بالحصول على نموذج من كتابة خطاط مشهور، وأصبحت
هذه النماذج ضالة الهواة، وارتفعت أثمانها — وكانت في الغالب آيات قرآنية
أو أبياتًا من الشعر — وجمع منها الأمراء والأغنياء في الهند وإيران وتركيا
ومصر المجموعات الفاخرة. وكان على أكثر هذه النماذج توقيع الخطاطين، ومن
أعلاهم كعبًا ابنُ مقلة وابن البواب وياقوت المستعصمي.
- (و)
أن أكثر الفنانين المسلمين لم تكن لهم براعة مشهورة في الرسوم الآدمية
والحيوانية، ولم يكن دأب الفنان صدق تمثيل الطبيعة، بل كانت له أساليب
اصطلاحية ظلت باقية في أرقى عصور الفن، فقلَّ أن نجد عناية بجسم الإنسان
ونسب الأعضاء، وقوة التعبير في الوجوه للدلالة على المشاعر المختلفة، اللهم
إلا على يد نفر قليل من أعاظم المصورين الذين نبغوا في إيران، والرسوم
العارية لا تكاد تكون معروفة في التصوير الإسلامي، وقوانين المنظور مهملة.
٢
وقد تبدو الصور الفارسية مملة لتشابهها، واشتراك المصورين في إهمال الظل
والضوء، وفي رسم الأشخاص في أوضاع معينة تفقد أكثرها شيئًا من الروح
والحركة ودقة التعبير، ولكنها مع ذلك لها سحرها وجمالها؛ لأننا نستطيع أن
نقول في ثقة واطمئنان: إن الفنانين المسلمين لم يصوروا الإنسان أو الحيوان،
وإنما كانوا يتخذون منهما موضوعات زخرفية.
- (ز)
كان لكراهية التصوير في الإسلام صداها في المسيحية؛ فقد ثبت أن القائمين
بحركة كاسري الصور iconoclasts عند
المسيحيين في القرن الثامن الميلادي كانوا متأثرين بتعاليم المسلمين في هذا
الصدد.
الرسوم الهندسية
عرفت الفنون التي سبقت الإسلام ضروبًا كثيرة من الرسوم الهندسية، ولكن هذه الرسوم
لم
يكن لها في تلك الفنون شأن خطير، وكانت تستخدم في الغالب كإطارات لغيرها من الزخارف.
أما في الإسلام فقد أضحت الرسوم الهندسية عنصرًا أساسيًّا من عناصر الزخرفة.
ولسنا نريد هنا أن نُعنى عناية خاصة بالرسوم الهندسية البسيطة كالمثلثات والمربعات
والمعينات والأشكال المخمسة والسداسية، كما لا تعنينا أيضًا الأساليب الهندسية التي كان
لها شأن يذكر في الزخارف الساسانية البيزنطية؛ كالدوائر والعصائب والجدائل المزدوجة،
والخطوط المنكسرة، والخطوط المتشابكة، ولكنا نقصد الرسوم الهندسية التي امتازت بها
الفنون الإسلامية، ولا سيما في عصر المماليك بمصر، تلك هي التراكيب الهندسية ذات
الأشكال النجمية المتعددة الأضلاع، وهي التي ذاعت في مصر واستخدمت في زخارف التحف
الخشبية (شكل
٤-٥)، والنحاسية (شكل
٤-٦)، وفي
الصفحات الأولى المذهبة في المصاحف والكتب، وفي زخارف السقوف وغير ذلك. وقد أتقن
المسلمون هذا النوع وانصرفوا إلى الابتكار والتعقيد فيه.
وقد عُني الأستاذ برجوان الفرنسي
Bourgoin بدراسة هذه
الزخارف الهندسية المعقدة، وبتحليلها إلى أبسط أشكالها
٣ ويتجلى من دراسته الطريفة أن براعة المسلمين في الزخارف الهندسية لم يكن
أساسها الشعور والموهبة الطبيعية فحسب، بل كانت تقوم على علم وافر بالهندسة العلمية،
وأعجب الغربيون بهذه الرسوم الهندسية، وقلَّدها بعضهم، حتى ليروى عن ليوناردو دافينشي
أنه كان يقضي ساعات طويلة يرسم فيها الزخارف الهندسية الإسلامية (شكل
٤-٧).
ولسنا نظن أنه كانت ثمة كتب عند المسلمين فيها نماذج الزخارف الهندسية الإسلامية
الذائعة، ولكنا نرجح أن هذه الزخارف كانت سرًّا من أسرار الصناعة يتلقاه الصبيان عن
معلميهم في الفن والمهنة.
والمشاهد أن الزخارف الهندسية أكثر ذيوعًا في الطراز المصري السوري منها في سائر
الطرز الإسلامية، حتى لقد قيل إنها ترجع إلى الفن المصري القديم، كما قال آخرون إنها
تظهر في زخارف الخيام والسجاجيد التي كان يصنعها الأقوام الرحل الذين كانوا يعيشون في
أواسط آسيا، وقال فريق ثالث إنها ربما تأثرت بالرسوم الهندسية التي حذقها فريق من صناع
الفسيفساء عند البيزنطيين، وورثها عنهم صانعو الفسيفساء المسلمون.
والمعروف أن بعض الزخارف الهندسية التي استخدمها البيزنطيون والقبط انتقلت إلى
أيرلندا؛ حيث استخدمت في تزيين الصور التوضيحية في المخطوطات، ولكن لم يكن لها هناك
الوفرة والتعقيد اللذان كانا لها على يد المسلمين، واللذان كان يكسبان بعض أجزائها
شيئًا من الحركة والحياة.
وقد طبعت الفنون الإسلامية بطابع هذه الرسوم الهندسية، حتى إن برجوان Bourgoin، العالِم الفرنسي السالف الذكر، أشار في معرض
دراستها وتحليلها إلى ثلاثة فنون عظيمة؛ هي: الفن الإغريقي، والفن الياباني، والفن
العربي (الإسلامي)، وشبهها بالفصيلة الحيوانية والنباتية والمعدنية على الترتيب؛ إذ إنه
شاهد في الفن الإغريقي عناية بالنسبة وبالأشكال التجسيمية Plastic
Forms، وبدقائق الجسم الإنساني والحيواني، بينما عرف في الفن
الياباني دقة في تمثيل المملكة النباتية، ورسم الأوراق والفروع والزهور. أما في الفن
الإسلامي، فقد ذكرته الأشكال الهندسية المتعددة الأضلاع بالأشكال البلورية التي توجد
عليها بعض المعادن.
الزخارف النباتية
أما العنصر النباتي في الزخارف الإسلامية، فقد تأثر كثيرًا بانصراف المسلمين عن
استيحاء الطبيعة وتقليدها تقليدًا صادقًا أمينًا، فكانوا يستخدمون الجذع والورقة لتكوين
زخارف تمتاز بما فيها من تكرار وتقابل وتناظر، وتبدو عليها مسحة هندسية جامدة تدل على
سيادة مبدأ التجريد والرمز في الفنون الإسلامية (شكل
٤-٩). وأكثر
الزخارف النباتية ذيوعًا في الفنون الإسلامية الأرابسك، وقد عمت هذه التسمية حتى كادت
تُطلق على كل الزخارف النباتية الإسلامية، ولكن الحقيقة أن الأرابسك هي الزخارف المكونة
من فروع نباتية وجذوع منثنية ومتشابكة ومتتابعة، وفيها موضوعات زخرفية مهذبة
(stylisé) ترمز إلى الوريقات والزهور، وتسمى
أحيانًا بالمت أو نصف بالمت.
وقد بدأ ظهور زخارف الأرابسك في القرن التاسع الميلادي، فنراها في التحف والزخارف
الجصية التي كانت تغطي الجدران في مدينة سامرا بالعراق، وفي مصر إبان العصر الطولوني،
الذي كان متأثرًا كل التأثر بالأساليب الفنية العراقية؛ نظرًا لأن ابن طولون نشأ في
سامرا، ونقل منها إلى مصر الأساليب الفنية التي كانت محبوبة في العراق، كما نرى بدء
زخارف الأرابسك على التحف الخشبية التي عثر عليها في سامرا، أو التي ترجع أيضًا إلى
العصر الطولوني. وتطورت زخارف الأرابسك في العصر الفاطمي حتى بلغت بعد ذلك غاية عظمتها
في العالم الإسلامي منذ القرن الثالث عشر (شكل
٤-١٠).
وقد أتقن المسلمون زخارف نباتية أخرى غير الأرابسك تتكون أيضًا من جذوع نباتية وأوراق
تختلف في دقة تقليد الطبيعة بحسب العصور والأقاليم.
على أننا نلاحظ في إيران منذ نهاية القرن الثالث عشر الميلادي أن الموضوعات الزخرفية
النباتية كانت مثالًا صادقًا للطبيعة، وكان ذلك بتأثير الفن الصيني الذي تسربت كثير من
أساليبه إلى الفن الإسلامي الفارسي على يد المغول في إيران، ثم انتشرت من إيران إلى
غيرها من الأقاليم الإسلامية، كما نراها على بعض المشكاوات المصنوعة في سورية أو مصر
(شكل
٣-٢)، وعلى الخزف والقاشاني المصنوع في سورية أو آسيا الصغرى
في القرنين السادس والسابع عشر (شكل
٤-١١).
وقصارى القول أن الرسوم النباتية كانت منذ البداية عنصرًا هامًّا من عناصر الزخرفة
الإسلامية، ولكنها كانت ترسم بطريقة اصطلاحية مهذبة. وقد حاول بعض العلماء أن يفسر ذلك
بنفور المسلمين من تقليد الخالق عز وجل وصدق تمثيل الطبيعة، وفسرها آخر بالأحوال الجوية
التي تسود أغلب البلاد الإسلامية، فلا تساعد على إظهار بدائع الطبيعة، ونمو الزهور
والنباتات، واختلاف الفصول، كما يحدث في البلاد الغربية أو في بلاد الشرق
الأقصى.
ومع ذلك كله فإن على كثير من العمائر والتحف رسومًا نباتية دقيقة يمكن مقارنتها
بالرسوم النباتية في عصر النهضة بأوروبا، وحسبنا أن نذكر الفروع النباتية وعناقيد العنب
وأوراقه وما إلى ذلك مما نراه في قبة الصخرة، وقصر المشتى، وسامرا، وعلى منبر جامع
القيروان، كما نرى غيرها في زخارف العقود والنوافذ في ضريح السلطان قلاوون، وفي الإيوان
الرئيسي بجامع السلطان حسن.
أما زخارف الأرابسك فقد أشرنا إلى الخلاف في مدلولها، حتى إنها لا تزال تطلق على
كل
زخرفة قوامها الجمع بين رسوم نباتية اصطلاحية ومهذبة
Stylisé ومرتبة ومكررة في أسلوب هندسي أساسه
التوافق والتناظر.
الزخارف الخطية
وهي حقًّا ميزة من ميزات الفنون الإسلامية؛ فإن الكتابات المرقومة على الأبنية والتحف
المختلفة ليس المقصود بها دائمًا إثبات اسم صاحب التحفة، أو مؤسس البناء وتاريخه، أو
التبرك ببعض الآيات القرآنية الكريمة، أو ببعض العبارات المألوفة، بل إن الفنانين
المسلمين اتخذوا الكتابة عنصرًا حقيقيًّا من عناصر الزخرفة، فعملوا على رشاقة الحروف،
وتناسق أجزائها، وتزيين سيقانها ورءوسها ومدَّاتها وأقواسها بالفروع النباتية والوريدات
(شكلي
٤-١٢ و
٤-١٣). والمعروف أن الخط العربي
قسمان: خط كوفي يمتاز بزواياه القائمة، وقد كان مستخدمًا حتى آخر القرن الثاني عشر على
المباني وفي المصاحف، ثم الخط النسخي العادي. وقد كان الخط الكوفي بسيطًا في أول أمره،
ثم تطور في سبيل الرشاقة منذ القرن التاسع الميلادي، ودخلته الزخارف النباتية المتفرعة
والمتشابكة فسُمِّي الخط الكوفي المزهر، ثم أصبحت الحروف في القرن الحادي عشر أنيقة على
أرضية من الزهور والأغصان، حتى جاء النصف الثاني من القرن الثاني عشر وبدأ الخط النسخي
يستخدم على الأبنية وفي المناسبات الرسمية بدلًا من الخط الكوفي، وقد كان الخط النسخي
قبل ذلك غير مستخدم إلا في المخطوطات العادية. وليس الخط النسخي أحدث من الخط الكوفي؛
لأن الواقع أنهما كانا معروفين في القرن السابع الميلادي، غير أن الخط الكوفي كان
شائعًا في الكتابات على الأحجار والنقود وفي المصاحف، بينما النسخي كان مستخدمًا فيما
عدا ذلك.
ولم يكن استخدام الخط في الزخرفة قاصرًا على أشرطة الكتابة الكوفية أو النسخة على
الأبنية، أو على التحف من خزف ومعدن وخشب وعاج ونسيج ومخطوطات فحسب، بل كان الفنانون
المسلمون يبدعون في كتابة العبارات بالخط الكوفي المتداخل، بحيث تظهر العبارة على شكل
مربع أو مستطيل، كما كانوا يكتبون العبارة أو الكلمة بالخط النسخي أو بغيره على شكل
حيوان أو طائر.
وكان تصوير المخطوطات وتحليتها بالرسوم الملونة أمرًا ثانويًّا بالنسبة إلى كتابتها
بالخط الجميل، وكان الهواة — كما ذكرنا — يقدرون فن الخطاطين أحسن تقدير، فكانوا يبذلون
الأموال الطائلة في سبيل الحصول على منتجاتهم، كما يدفع الأوروبيون الآن الأثمان
العالية للحصول على لوحات مشاهير المصورين.
وبدأت الزخارف في الظهور على الصفحات المكتوبة في المصاحف منذ عصر متقدم، وكان مجالها
أولًا رءوس السور والفواصل بين الآيات وعلامات الأحزاب والأجزاء، غير أن الورقتين
الأولى والثانية — وفيهما فاتحة القرآن وبدء سورة البقرة — هما اللتان عُني بهما عناية
كبيرة، حتى كانتا تزدحمان بالزخارف، وتلمعان بالألوان البراقة. وأما في المخطوطات غير
القرآنية، فكانت عناوين الكتب أو الأبواب أو الفصول هي التي يُعنى بزخرفتها وتلوينها،
فضلًا عن توضيح المتن بالصور الصغيرة
Miniature
painting التي امتازت برسمها إيرانُ والهند ثم تركيا.
٤
ولا يفوتنا قبل الانتقال من عناصر الزخرفة الإسلامية أن نشير إلى أن بعض التحف يجتمع
فيها عنصر أو أكثر من هذه العناصر (شكلي
٤-١٥ و
٧-١٥).