سيلا بن حبيب: سيرتها، فلسفتها السياسية ومواقفها

(١) أولًا: السِّيرَة

(١-١) تعريف بسيلا بن حبيب١

وُلدتْ سيلا بن حبيب Seyla Benhabib بإسطنبول/تركيا سنة ١٩٥٠، وهي أستاذة العلوم السياسية والفلسفة بجامعة يال Yale الأمريكية، وتدير بنفس الجامعة برنامج الإثيقا والعلوم الاقتصادية والسياسية. وهي عُضو الجمعية الفلسفية الأمريكية منذ ١٩٩٦، ودرَّست بِشُعبَة الفلسفة بجامعة بوستون Boston وستوني بروك SUNY Stony Brook والكلية الجديدة للبحث الاجتماعي New School for Social Research (التي درَّستْ فيها حنة آرنت وتُدرِّسُ فيها حاليًّا نانسي فريزر Nancy Fraser)، كما درَّست بشعبة الحَكَامَة بجامعة هارفارد Harvard. أَلَّفَتِ العَديدَ من الكِتَابَات التي تتناولُ قَضَايا فلسفية وسياسية عديدة، سنتطرق إليها فيما سيأتي. واشتغلت سابقًا مع هابرماس، وتهتم تحديدًا بالنظرية النقدية والنظرية النِّسوية. تزوجت من الصحفي والكاتب جيم سليبر Jim Sleeper الذي يشتغل بدوره بجامعة يال. وتتقن اللغة الألمانية، والتركية، والإنجليزية، والفرنسية والإيطالية.
تَشغَلُ سيلا بن حبيب منذ ٢٠١٣ رئيسة اللَّجنَة العِلمية بجامعة كولونيا بألمانيا حيث حصلتْ على جائزة٢  Meister-Eckhart-Preis سنة ٢٠١٤، وذلك بفضل المُساهمَات التي قدمتها حول الهجرة والتَّعَدُّد الثَّقَافِي والهُوية. هُناك عنصرٌ هامٌّ في ذَاكِرة الفيلسوفة بن حبيب يتعلق بالهُوية اليَهُودية من خلال مجموعِ الوقائع التي عَاشَتها عائِلتُها مع الغُربَة، وهو الأمرُ الذي سَاهمَ في جُزءٍ كبيرٍ مِن تَشكيلِ شَخصيتِها، حيثُ تَعُود مِحنَةُ عَائِلتِهَا إلى سنة ١٤٩٢ التي ارتحلَت فيها إلى تركيا (إبَّان الحكم العثماني) فرارًا من إسبانيا من جَرَّاء حَملَةِ مَحَاكِمِ التَّفتِيش التي كانت تُجبِرُ المُختلِفَ عَقَائِديًّا على تغيير عَقيدتِه الدينية.
أثَّر في سيلا أساتذة أمريكيون فرُّوا إلى تركيا بِسبَبِ مَوقِفِهم من غَزو الفيتنام، نَاهِيكَ عن الحركة الطُّلابية والحَركَات العُمَّالية والاحتجاجية المُطَالِبَة بالاستِقلال. وقد مثَّلت الفلسفة السياسية تَوجُّهَهَا الأول،٣ لأنها كانت من جِيلِ الحركة الطُّلَّابية ١٩٦٨ التي يعود لها الفضل في بِناءِ تَوجُّهِهَا الفِكري والسياسِي «الاشتراكي الديمقراطي» كَتبَت أطروحتها في فلسفة هيجل السياسية سنة ١٩٧٧ (أي في النصف الثاني من عقدها الثالث)، حيثُ قَارَنت فِيهَا بين تصوُّر هيجل لمفهوم الحق والحق الطبيعي. وبعد ذلك نَاقشَت أُطروحتها في فلسفة هوبز.
وتَنظُر بن حبيب إلى الفلسفة السياسية لا كبحثٍ في تَاريخ الفكر أو الفلسفة السياسيَّين، بِقدرِ ما هي الاتصال بالأَحْداث الرَّاهِنَة والمعيشَة،٤ (وعلى هذا الأساس ارْتَأينَا التَّركِيز على مواقِفِهَا من قَضايَا عَالَم اليَوم من قَبِيل: فلسطين، إسرائيل، تركيا، الاتحاد الأوروبي، الربيع العربي) إنصافًا لروحِ فَلسفَتِها. وتُصَرِّحُ سيلا بن حبيب أن «التَّحَوُّل الكبِير الذي عَاشَتهُ حَدَثَ في سنوات التسعينيات، حيثُ دَشَّنت البَحث في قَضايا التَّعدُّدية الثَّقَافية والمُواطَنة والهجرة داخل الاتحاد الأوروبي».٥

أما عن علاقتها بهابرماس فتقول: «يَعُود الفَضل لهابرماس في نحته لمفهوم العَقلانية التواصُلية، وأَنَا بِدورِي أَعتَبِر أن العقلانية التَّواصُلية مُسَلَّمَةٌ، وأَفْتَرِضُ مُسبَقًا أَن كُل عَمَلِي يَتَمَحورُ حول صَلاحيةِ الانتِقال إلى العقلانية التَّواصلية. كُنتُ مُهتمَّةً بِالروابِطِ بين العقلانية التَّواصُلية والأخلاق والدِّيمُقراطية التَّشَاورية، حيث يلعبُ الفضاء العمومي دورًا محوريًّا.

هناك تحوُّلٌ في الفضاء العمومي ساهمت فيه وسائل الإعلام والتواصل الحدِيثة، ويؤثِّر على الحركات الاجتِماعية والفِعل السياسِي عُمومًا، ويَتَوجَّبُ الوعي بهذه التَّحولَّات التي تخترقُ العَالَم، وأطلُبُ في هذا السياق: ما هي التجربة الملموسة لجيل ابنتي مثلًا التي ولدت سنة ١٩٨٦؟ تستيقظُ الأجيال الجديدة وتُشغِّل حَاسوبها وتَتَلَقى كُلَّ الأخبار والمعلومات في وقتها عبر النت، هذا من جهة، ومن جهة أخرى نحنُ أَمام مركزة صاعِدة ومحتَكِرةٍ لوسَائِل الإعلام.»٦
ونَاقشت سيلا بن حبيب أيضًا التفاوت القائم بين وسائل الاتصال والإعلام في تبادل الرأي والمعلومات وبين التداول المُتَّبَع في التَّشاور حول اتخاذ القَرارات؛ لأن التداول هو شكلٌ بديلٌ لاتخاذِ القرار في المُؤسسات وليس في وسائل الإعلام؛ لأن هذه الأخيرة مجرد أدوات لتبادل الرأي لا أكثر، حيث تقول: «لا يُمكِن لوسائل الإعلام أن تكون أداةً للتداول أبدًا، وإنمَا مُجرَدُ أدَاةٍ مُسَاعِدَةٍ؛ لأن عملية التداول واقعية وتحتاج إلى وقت وإلى عددٍ كبيرٍ من المعطيات؛ فوسائل الإعلام والاتصال تلعب دورًا في تبادل الآراء واختبار بعض المقترحات بخصوص اجتماعات معينة أو مبادرات، ولكنها لا يمكن أن تحل محل التداول، وأنا ضد اتخاذ قرارات جماعية في وسائل الاتصال الإلكترونية أو التصويت.»٧

(١-٢) مؤلَّفات سيلا بن حبيب

كثيرةٌ هي الكتب التي ألَّفتهَا بن حبيب في مجالات مختلفة، تتصلُ تحديدًا بالفَلسفة السياسية وبالعلوم السياسية، وترتكز على قضايا عالم المعيش، التي تُؤرِّقُ ملايين الأشخاص في العالم: من قَبِيل مشكلات الهجرة، الاحتلال، مخيمات اللاجئين، المقيمين، البِدُون أَوراق les sans papiers،٨ المُهمشِين والمَقصيِّين بِسبَبِ العرق أو اللغة أو الدين أو الهُوية. وفي مسائل نجد لها حضورًا قويًّا في كُوسمُوبُولِيتية بن حبيب، إيمانًا منها أنَ بِناء عالم الغد لا يُمكِنُه أن يتم إلَّا في إطار تصورٍ شاملٍ وكليٍّ لمجموع العالم أو ما أسمته الدولة العالمية أو الحكومة العالمية. وسنحاول أن نُقَدم هُنَا جَردًا لمؤلفاتِها مع بيان بعض مضامين الأهم منها والمتوافرة لدينا.٩
طَرحَت بن حبيب في كُتبها الأخيرة «حقوق الآخرين: الأجانب، المقيمين، والمواطنين»،١٠ و«كَونيةٌ أُخْرَى»١١ قضايا جوهرَّية حول الشَّرعية الديمقرَاطية، اللِّيبرالية الدُّستُورية، الحَق في الإقَامَة المُؤَقتَة والدائِمَة، الحكومة العالمية، الفيدرالية العالمية … وتُقَدِّم فيها حُجَجًا قوية لحماية الجماعات البشرية الهشَّة وَالضعيفة (الأجانب، المقيمين، اللاجئين …)، كما تعالج فيها مسألة الحدود، حيث تقول:
حَاولتُ في كُتبِي الأخِيرَة، مَعرِفَةَ ما إِذَا كانَ هُنالِكَ موقِفٌ يُمكِنُ الدفاع عنه وتبنِّيه، بين فتح الحدود من جهة، والمحافظة على سيادة الدولة — معاهدة ويستفاليا — من جهة أخرى. إن موقف الحدود (أي كسر الحدود على تحركات الناس) هو الموقف الوحيد الذي يبدو أخلاقيًّا، وأكثر قبولًا؛ لأنه من الصَّعبِ جدًّا حِرمَانُ النَّاس من حقهم المشروع في حُرية التنقل والسفر، فهذا الحق، هو واحد من أهم الحريات الأساسية والضرورية للإنسان،١٢ ولا يقتصر الحوار حول الهجرة على حق الدخول إلى دولة معينة، وإنما يجب أن يركِّز هذا الحوار على حق العضوية داخل ذلك المجتمع، في حالة دخولهِ ولو لمرةٍ واحدةٍ؛ لأنَ مطلبَ الحق في التَّمتُّع بِكافَةِ الحُقوق يتطلب الاعتِراف بالعضوية الوطنية، فالاستشفَاء والعِلاج والتمدرس وإنشاء شركة؛ كُلُّهَا حُقوقٌ تَستَوجِبُ الاعترافَ القَانوني بالمهاجِرين واللاجِئين.
أما كتابها «النقد، المِعيَار واليُوتُوبيَا»،١٣ فيُعتَبر أهمَّ مؤلفاتها الفلسفية (حوالي ٤٥٥ صفحة) صاغت فيه مفهوم النقد، من جهة أُصُولِهِا الفلسفية الحديثة التي تعود أساسًا إلى هيجل، وهو موضوع الفصل الأول من الكتاب، مضيفةً إليه مرتكزات النقد الهيجلي المنهجي والمعياري لنظريَّات الحق الطبيعي، لتنتقل في النقطة الثالثة، إلى النقلة الماركسية، وتحديدًا في الفترة ما قبل ١٨٤٨ حيث اتخذ النقد صيغة نقد النقد المجرد أو المثالي كما صِيغ في المثالية الألمانية. وفي الفصل الثاني، عالجت المنهج الفينومينولوجي الهيجلي باعتباره أصلًا من الأُصول النقدية الهيجلية، حيثُ بَلورَ هيجل مقولة الشُّغل كفرضية من فرضيات المنهج الفينومينولوجي، مصحوبًا بالنقد الماركسي لهذه الفرضية بالاعتِماد على التحليل الأنثروبولوجي مع مخطوطة ١٨٤٨، في حين خَصَّصتِ الفصل الثالث، لِنقد هيجل لفلسفة كانط الأخلاقية، لتَنتَقِل في الفصل الرابع إلى تَشَكُّل النقد كنظرية مع الفكر الماركسي مُركِّزةً أكثر على المستويات الثلاثة للنقد في كتاب «الرأسمال» ﻟ «كارل ماركس Karl Marx»، ولم تَفُتِ الفرصة بن حبيب للتَّذكير بأهم مراحل النقد كما تبلور مع هابرماس في الربع الأخير من القرن العشرين، حيث بحث مفهوم نقد العقل الأداتي، وهو محور الفصل الخامس من الكتاب، مبينة في الفقرة الأولى منه أهمية الانتقال من نقد الاقتصاد السياسي إلى نقد العقل الأداتي، عبر بيان مزايا هذا الأخير بالوقوف على فكر كل من جورج لوكاتش G. Lukács، وماكس فيبر M. Weber، ونخبة مدرسة فرانكفورت، حيث تبحث عن المُفَارقَات التي طرحتها العقلانية في زَمنِ الفِعل التواصلي من داخل فلسفة الذات. ولتوضح في الفصل الثامن: الحاجة إلى أخلاقية واستقلالية تواصلية. وتختم الكتاب بالبحث فيما تسميه «ما وراء فلسفة الذات»، ولا شك أن هذا هو مجال اهتمامها في فترة ما بعد التسعينيات.

(٢) ثانيا: فَلسَفَتُهَا السياسية

يَصعُبُ الإلمام بمجمل فلسفة سيلا بن حبيب لعدة اعتبارات:
  • (١)

    كَونُ إسهَامَاتِها مُتعدِّدَة المَشَارِب ومُتنوعَة جدًّا، تتراوح بين قضايا عديدة لا ندعي إمكانية الإلمام بها جميعها في هذا المقال.

  • (٢)

    لا يَزالُ فكر الفيلسوفة جاريًا؛ مما يعني أنَ مُحاوَلَة حَصرِه في هذا الاتجاه أو ذاك، إنما هي مُغَامرة كبرى في حقها.

  • (٣)

    كَونُ وضعِهَا الخَاص، وتاريخهَا الخاص، يفرضُ عليها الانخراط السياسِي في قَلبِ المعركة؛ لذلك فإن مَواقِفَهَا السياسية تجدُ مَكانهَا كثيرًا في فلسفتهَا.

  • (٤)

    اهتمامُهَا بقَضَايا العصر الأكثَر إِلحَاحًا من قبيل الهجرة، الحدود، السيادَة، المُواطَنة، وهي القضايا التي تعرف مُستَجَدَّاتٍ جَارية لا حصر لها.

إلا أنه رغم ذلك، أمكننا التمييز بين مرحلتين أساسيتين من تطوُّر فكر الفيلسوفة سيلا بن حبيب الفلسفي والسياسي معا:
  • مرحلة ما قبل التسعينيات: (من القرن العشرين)، وقد مثلت الفلسفة السياسية الحديثة والمعاصرة مصدرَ فِكرها الفلسفي. وهي مرحلة الشباب إن جاز التعبير الألتوسيري هنا، حيث تشكل فكرها من خلال اشتغالها على عباقرة الفكر السياسي الحديث من أمثال هيجل Hegel (أنجزت أطروحتها الأولى حول هيجل — الذي استلهمت منه العديد من أفكارها — بعنوان: «هيجل والحق الطبيعي: بحث في الفلسفة السياسية الحديثة»)، وتوماس هوبز Hobbes وكانط Kant (من خلال فحصها لمشروع السلام الدائم الذي أَسست عليه أطروحاتها الحالية حول المُواطَنة الكَونية، والسيادَة ما بعد الوطنية)، ومرورًا بحنة آرنت H. Arendt (حيث أنجزت كتابين حول فكرها — أشرنا إليهما أعلاه — موظِّفة بشكلٍ كبير مفهوم آرنت الذائع الصيت: «الحق في التَّمتُّع بكافة الحقوق») وهابرماس Habermas مستلهمة منه مفهوم العقلانية التَّواصلية الذي تعتبره أساس مشروعها، رغم انتقادها لهابرماس حول إقصائه لدور النِّسَاء في الفضاء العمومي ومن الكونية الأخْلاقية.١٤
  • مرحلة ما بعد التسعينيات: حيثُ انكبَّت أساسًا على مُعالجة قَضَايا الوَضع البَشَري الأَكثَر إِلحَاحًا: النِّسْوية، الهِجرَة، التَّعَدُّد الثَّقَافِي، المُواطَنة العَالمية، الدِّيمقراطية، العَدَالَة، السيادَة …
    كما يمكن أن نعتبر الفيلسوفة مُنظِّرَة ومُفكِّرة تنتمي إلى الجيل الثالث للنظرية النقدية، من خلال اشتغالها مع هابرماس وأكسيل هونيث A. Honneth ونانسي فريزر N. Fraser وجوديث بتلر J. Butler.١٥
    ويَهدِف مَشروعُهَا العَام إلى بَلوَرة نظرية كُوسمُوبُولِيتية للعدالة تَتمركَزُ حول إعَادةِ التَّوزِيع على الصَّعِيد العالمي، إلى جانب حَق الانتِماء. ويَتعلقُ سُؤالُها بِمدَى مَعرفة كيف أنَّ نَوعية/طبيعة أعضاء جماعة سياسية معيَّنة قادرة على تحقيق توزيع عادل للثَّروة، وضمان اعتراف كامل بالمواطنة من خلال التَّمتُّع بكافَّة الحقوق التي للأعضاء الحقيقيِّين (الأصليِّين) لذلك المجتمع. وهو ما جعل نظريَّتها ترتكز على بيان حدود التنظيم السياسي الذي يُميِّزُ بين أعضاء جماعة ما والأجانب أو المهاجرين. وتُقدِّم حُجَّتها دعمًا لحقٍّ أساسي في الخيرات بالارتكاز على أخلاقية المناقشة مسنودًا بمفهوم الحرية التواصلية. كما أن حقوق الإنسان أيضًا تقدم شرط الاستقلالية لكل فرد تأخذ بعين الاعتبار حقًّا أساسيًّا هو الحق في التَّبرير justificationla.١٦

(٢-١) نظرية الديمقراطية

لا تنفصل نظرية الديمقراطية عند سيلا بن حبيب عن مشروعها الفلسفي-السياسي العام، فهي نظرية في العدالة، وفي الحق، وفي المُواطَنة الكَونية التي تتأسس على منظور كوسموبولِيتي يحاول إعادة النظر في طريقة تدبير المشاكل العالمية المتنامية، وأساسًا تلك المتعلِّقة بالهجرة والبيئة والمساواة، والنِّسوية، والمُواطنة، والتَّعَدُّد الثَّقَافِي … فالثَّقافات لا تتشكَّل أحادية القُطب، أي بمعزل عن الثَّقافات الأخرى، بل تتشكَّل من خلال حوارها مع الثَّقافات الأخرى. وتفيد الديمقراطية عندها «بناءَ جماعةٍ سياسيةٍ بقواعِدَ واضِحةٍ، يتم عبرها تحديد العلاقات بين الداخل والخارج». وفي الديمقراطية «يستمد الدُّستورُ شَرعيَّتَهُ من الإرادَة الجمعية والمتَّحِدة للشَّعب» … «فالشعبُ الدِّيمقراطي يَقبلُ سُلطة القَانون؛ لأنَّه في الآن نفسهِ واضع ومستقبل هذا القانون. إن مُواطِنَ دِيمقراطيةٍ ما ليس بالمواطن العالمي، بل مُواطِنٌ داخل مجموعة سياسية محددة، بغض النظر عَمَّا إذا كان ذلك يتعلق بدولةٍ مركزيةٍ أو فيدرالية، باتحاد أوروبي أو باتحاد للدول.»١٧
وترى أن الفرد وفق منظورها للديمقراطية هو من يقرر في حياته الخاصَّة. ولضمان الانسجام بين التَّعدُّدية الثَّقَافية والكُوسمُوبُولِيتية في عالم اليوم تأخذ بعين الاعتبار ثلاثة شروط:
  • (١)

    «التعامل بالمساواة»: حيث يجب أن يتمتَّع أعضاء الأقليَّات بنفس الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والثقافية التي تتمتع بها الأغلبية.

  • (٢)

    «القَبول الطوعي»: حينما يولَد فرد ما، لا يجب أن يعيَّن له دين ما أو ثقافة ما بشكل أوتوماتيكي. ولا يجب أن تترك الدولة للجماعات الحق في تقرير حياة الأفراد. فأعضاء المجتمع لهم الحق في التَّعبير بأنفسهم عن اختياراتهم.

  • (٣)

    «الحرية في الخروج من الجماعة والحرية في التجمع»: لكل فرد الحرية في الخروج عن جماعته. فحينما يتزوج فرد من جماعة أخرى فلكلٍّ منهم الحق في الحفاظ على عضويَّته. ويجب إيجاد تسوياتٍ بالنسبة للأزواج بين الجماعات وأطفالهم.

يطرح موضوع الانسجام بين التعددية الثَّقَافية والمساواة الديمقراطية نقاشات كبرى؛ فالشَّرط الأول يتعلق بالعديد من الثَّقافات التي تتعرض فيها الأقليَّات لاضطِهَادَاتٍ مُتكَرِّرَة من طرف الأغلبية، وحيثُ لا تَقُومُ الحكومَات بأيِّ جُهدٍ لوقف المجازر التي يتعرَّضُونَ لهَا. كما أن الشَّرطَين الأخِيرين يَطرحَان مُشكلاتٍ كُبرَى.

(٢-٢) المُسَاواة والتَّنوع في عَصر العولَمَة

لم يكن الفكر والفلسفة السياسيَّيْن يهتمان بشكل كبير بمسألة التَّعددية الثَّقَافية قدر اهتمامهما بها اليوم، بحيث كرست معاهدة ويستفاليا المنظور الأحادي للهوية والمواطنة داخل الدولة الوطنية (الدولة-الأمة) فيما يشبه الدولة-المدينة، رغم أن أفلاطون كان يصرخ دوما داخل الدولة المدينة: «أنَا لَسْتُ أَثِينيًّا، وَلَا يُونَانيًّا: أَنَا مُواطِنُ العَالم»، وعلى مِنوالِه تغنَّى الرواقيون والكلبيون بالمواطنة العالمية والكونية١٨ وقليلًا ما استثمر هذا الإرث اليوناني في الفلسفة السياسية، ويعود هذا المشكل في نظر بن حبيب إلى الفصل العبثي بين الديموس Démos والإثنوس Ethnos.
ستتعزز الدراسات حول إشكالات الهُوية والتعدُّدية الثَّقَافية، مع نهاية الحرب العالمية الثانية وما تلاها من بداية جديدة للعلاقات الدولية والاعتراف بالمؤسسات الدولية والعالمية التي دافعت عن تعزيز حقوق الإنسان؛ نتيجة كوارث الأنظمة الشمولية والاستبدادية التي اجتاحت العالم، وهي الإشكالات التي عالجتها سيلا في كتابها القيم: «مطالب الثقافة: المتماثل والمختلف في عصر العولمة».١٩
يتناول هذا الكتاب إشكالية هامة طَبعت النقاشات المعاصرة لتزيل الوهم الذي يرى أن الثقافات مجرد أجزاء من فسيفساء يمكن الهيمنة عليها بسهولة، ويمكن تلخيصها في السؤال التالي: «كيف يمكن تطبيق الديمقراطية الليبرالية في عالم مليء بأشكال جديدة من صراع الهويات والثقافات؟» وقفت في الفصل الأول على استخدام وسوء استخدام الثقافة، لتنتقل إلى الإشكالية القديمة-الجديدة: نحن وهُم، لتقترح نموذجًا بديلًا لتغيير السياسات المعاصرة في الفصل الثالث يمكن الاقتداء به في التغيير سمته من إعادة التوزيع إلى الاعتراف. وهو نفس الشعار الذي تبنَّته نانسي فريزر في كتابها: ما العدالة الاجتماعية؟ الاعتراف وإعادة التوزيع.٢٠ كما وقفت فيه على مسألة التَّعدُّدية الثَّقَافية ومواطنة النوع الاجتماعي، وما يرتبط بها من مُعضِلات لتقترح الديمقراطية التداولية كبديلٍ للديمقراطية الليبرالية من خلال وقوفها على مفهوم ما بعد الدولة-الأمة. وقد تُرجم هذا الكتاب إلى: اللغة السويدية، الإيطالية، الإسبانية.
في مقاله حول الديمقراطية التشاركية: الحدود والاستقلال الذاتي، يذهب رومان فيلي Romain Felli،٢١ إلى أن العولمة قد طرحت رهاناتٍ جديدة تتجاوز إطار الدولة الوطنية، بحيث إن قضايا من قبيل الهجرة والكوارث البيئية والإرهاب، تفترض حلولًا تتجاوز الإطار الوطني الويستفالي؛ مما يعزز الحاجة إلى حكامة دولية بدأت تطرح نفسها رغم أنها تسير عكس إرادة الشعوب. وهناك بالنسبة لسيلا بن حبيب طريقة أخرى لتصوِّر المواطنة الجديدة، أي مواطنة تتجاوز مفهوم مواطنة الإقامة. وعلى هذا الأساس أعادت النظر في مفهوم الضيافة٢٢ الذي طرحه كانط في مشروع السلام الدائم. كما تستوجب المواطنة الجديدة في نظرها إعادة بناء تصوُّر الفعل السياسي دون المرور بقطيعة قانونية بين العضو الذي ينتمي إلى الجماعة أو غير العضو القادم إلى تلك الجماعة من جماعةٍ أخرى (قد يكون مهاجرًا أو مقيمًا بشكلٍ مؤقَّت أو دائم أو لاجئًا). هكذا فالحدود الخاصة بدولة ما يمكن إعادة تحديدها من منظورٍ كُوسمُوبُولِيتي-كوني يتجاوز المنظور الويستفالي. وتستدل سيلا بن حبيب على ذلك بالحركات الاجتماعية الحضرية التي تجسد نموذجًا «فعل سياسي خارج التمييز الكلاسيكي بين العضو/وغير العضو».٢٣ وبناء عليه تقترح سيلا بن حبيب مواطَنةً كونية أو مواطنة ما بعد الدولة-الأمة، وما يقتضيه ذلك من ضرورة إعادة بناء أسس هذه المواطَنة على نحوٍ جذري. إلا أن الأمر لا يتعلق ﺑ «محو الحدود السيادية للدول وإنما طرق جديدة لتدبيرها»، أي «فتح العلبة السوداء للسيادة الوطنية».٢٤ ولنا في تحليلها لطبيعة الدولة الإسرائيلية مثال على ذلك، حيث تؤكد أن إسرائيل لا تزال حبيسة التصور الويستفالي القديم، وتسعى إلى تدبير صراعها مع الفلسطينيين وفقه، وهو ما يجعلها مهتجسة دومًا بالهاجس الأمني، الذي لا تستطيع الخروج عنه. وهو ما يبرر ممارستها للحرب.

(٢-٣) تجديد الكُوسمُوبُولِيتية الكانطية

انطلقت الرؤية الكوسموبوليتية لسيلا بن حبيب من مشروع السلام الدائم لكانط كنقطة بداية٢٥ وأساسًا من الحق الكوني في الاستشفاء، فلكل شخصٍ الحق في الذهاب إلى حيثما شاء دون أن يخشى التعرض للمرض. أخذت سيلا هذه النقطة كمنطلق لمشروعها الفكري حول الهجرة واللاجئين. وذهبت بعيدًا أكثر من كانط حيث لا ترى أن الاستشفاء حق للمهاجرين فقط أي العابرين أو المؤقتين وإنما حتى للمقيمين طويلًا (حالة المنفيين/ اللاجئين السياسيين). لذلك ترى أن جوهر الجدل العالمي-الكوسموبوليتي في يومنا هذا يعتمد على المشاركة الديمقراطية. وتمييز كانط بين حقِّ الضيف وحقِ الزائر لم يعد في يومنا هذا مقبولًا؛ فالضيف يُعتبر دائمًا مواطنًا محتَملًا. ويجب أن تكون هناك مؤسَّسات في المجتمع تمكِّن «الغريب الأجنبي»، أي «الآخر»، من أن يصبح عضوًا من أعضاء المجتمع. وهنا لا يتعلَّق الأمر بعالَمٍ من دون حدود، وكذلك لا يتعلَّق بأنَّه لا يجوز أن تكون هناك شروط وقوانين على الإطلاق. ولكن يجب أن تتم صياغة مثل هذه الشروط والقوانين بصيغةٍ تتوافق مع حقوق الإنسان وتراعي الديمقراطية بقدر الإمكان.

وإذا كان كانط ينظر للكُوسمُوبُولِيتية كما يعيشها في عصر التنوير، فإن سيلا بن حبيب تنظر لها في سياقٍ مختلف تمامًا، بحيث ترتبط هذه المسألة بمسارها الشخصي والعائلي، حيث تقول إجابة عن سؤال: كيف شكلت مسيرتك الشخصية قيمك الكوسموبوليتية؟

«الأمر يرجع إلى جذور عائلتي، فعائلتي سُمح لها بالدخول إلى أراضي الإمبراطورية العثمانية أيام التفتيش الإسباني، واستقررنا في صالونيك وإسطنبول وغاليبولي. فأنا دائمًا كنتُ واعية بسخرية التاريخ الأوروبي، فإسبانيا باكتشافها لأمريكا كانت أول من بدأ في التفتيش الديني، فاضطر اليهود إلى مغادرتها، واستقبلهم المسلمون بحفاوة في بلدانهم؛ إذن، فتاريخ عائلتي يرجع إلى ٥٠٠ سنة بتركيا، وهذا تاريخ طويل. لكن كنا دائما واعين بمن نحن. وأظن أنه مَن أتى من هذا السياق، وكبرت في محيطٍ متعدد بأربع لغات، فلا شك سيكون في منحًى فكري لنوع العلاقة بين الثقافة والحقيقة الاجتماعية، وأن يكون مهتمًّا كثيرًا بحقوق الشعوب.»٢٦
تهتم مؤخرًا بالمشكلة القائمة بين فتح الحدود وحق تقرير المصير، التي في عمقها ترتبط بأزمة السيادة في إطار الدولة الأمة. وترى سيلا أنها تناضل في سبيل حق تقرير المصير إلى جانب الحق في فتح الحدود، فهناك «ترابط بين حق تقرير المصير، باعتباره وسيلة للحد من الفوارق الكبيرة والدائمة، والمساواة السوسيو اقتصادية».٢٧ مشدِّدة على ضرورة تزايد سُلَط بنْيات التدبير العالمي؛ لأنها وحدها قادرة على حل مشاكل المواطَنة العالمية في الوقت الذي لا تزال فيه الرؤية الكلاسيكية لمفهوم السيادة الوطنية سائدة، ومعيارًا لتدبير مشكلات العصر. وهكذا تُميِّز بين المفهوم القانوني للكوسموبوليتية وبين مظهره الثقافي والأخلاقي. ﻓ «الكوسموبوليتة الأخلاقية تعني أنها شكل عالمي يعتبر أي إنسان جدير بالاحترام والاهتمام، أنا متفق مع هذا. هناك نقاشٌ آخر في الفكر المعاصر يرتكز على التساؤل عما إذا كانت الكوسموبوليتة الأخلاقية تعني أن يتمتع الأجانب البعيدون بامتيازات على حساب المجمعات الموجودة دائمًا. هذا النقاش بدأتْه مارتا نوسباوم حول الوطنية. لا أعتبر الانطلاق من شبكة تقييم على أساس أنها ضرورية في فهمي للكوسموبوليتية.»٢٨ وتشدِّد على أن مقاربتها لهذا المفهوم تستند على المرجعية الكانطية — وليس على النظرة الرواقية — ﺑ «اعتباره إطارًا قانونيًّا ومؤسساتيًّا وصيرورةً سياسية».٢٩
فالكوسموبوليتية الثقافية، الرائجة حاليًّا، «تعتمد على تعدد الثقافات المختلفة داخل الدولة التي من المفروض أنها مزيج من الأعراق والقوميات» إلا أن المظهر الثقافي للكوسموبوليتية لا يكفي لفهم مشروع كوسموبوليتي أكثر مؤسساتية. بالنسبة لي، فالكوسموبوليتية بدأت عندما نظر لها كانط بمصطلحات مطالب عبر حدودية، والتي نحافظ عليها عن طريق مجتمع مدني عالمي للإنسانية جمعاء. رغم أن هذا الفهم الكانطي لا يكفي وحده، بحيث تَصوَّر النظام القانوني آنذاك بناء على ثلاثة مستويات:
  • القانون داخل الدولة.

  • القانون العالمي.

  • القانون الكوسموبوليتي.

لذلك فإن ما ينقصنا من وجهة نظرها هو «البنيات السياسية التي بإمكانها دعم هذه الكوسموبوليتية القانونية».٣٠

ورغم دفاعها عن هذه المقاربة القانونية-المؤسساتية فهي تدافع عن «مجموعات منظمة ذاتيًّا بإمكانها منح حقوق الانتماء القوية بما فيه جواز المرور»، وهو مبدأ كل ديمقراطي وكوسموبوليتي؛ لأن النقاش حول الهجرة «يجب ألا يُختزَل فقط في الحق في الولوج إلى الدولة، لكن يجب أيضًا أن يرتكز على إمكانية أن المواطنة تكسبها بمجرد الدخول إليها.»

(٣) ثالثا: مواقفها

(٣-١) موقف سيلا بن حبيب من الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي٣١

لا يزال الفكر النقدي يحافظ على بريقه في مختلف المواقف التي تثير اهتمامًا واسعًا لدى الرأي العام العالمي؛ فحينما يتعلق الأمر بالصراع الفلسطيني الإسرائيلي فإن مواقف المثقفين والحركات المناهضة للصهيونية في الغرب، تكون مؤثرة أكثر من نظيراتها في العالم العربي. وهذا هو حال الموقف النقدي الجريء من هذا الصراع الذي اتخذته الفيلسوفة الأمريكية المعاصرة من أصول تركية سيلا بن حبيب باعتبارها أحد الوجوه النقدية المعاصرة والبارزة في الساحة السياسية الدولية بفضل مواقفها المبدئية والداعمة للشعوب المضطهدة والمُقصاة بسبب الهُوية أو اللغة أو الدين …

ففي ظل الحرب التي شنتها إسرائيل على قطاع غزة في دجنبر ٢٠٠٨ أنجزت سيلا بن حبيب مقالًا بارزًا («أي حل لإسرائيل؟»)٣٢ حول الصراع بين إسرائيل وفلسطين، فكَّكت فيه الرؤية السياسية للفاعلين في إسرائيل منتقدةً حلَّ الدولتين لتقترح، فيما يشبه حلمًا، حل الكونفدرالية القادرة على تدبير التعددية الدينية واللغوية والسياسية …

وتشدِّد سيلا بن حبيب على أن إسرائيل قد «فقدت رؤيتها السياسية وقوتها العسكرية، ولا معنى سياسيًّا واضحًا يوجه أفعالها/ممارساتها»، معتبرة أن القوة العسكرية تظل عمياء وتتدخل بكل وحشية «من أجل الوصول إلى أهدافها السياسية». فهل يمكن للمقاربة العسكرية والأمنية أن تكون وسيلةً فعَّالة لضمان السلام؟

يحلل كانط في مشروع السلام الدائم — الذي تغترف منه سيلا بن حبيب — طبيعة العلاقات السياسية الدولية، داعيًا إلى سلامٍ دائم وممكن بين الأمم، وفي معرض نبذه للعنف وضرورة التحلي بثقافة السلم والتضامن، يرى كانط أنه لا سبيل إلى إقرار السلم ما لم يتم القضاء وبشكلٍ نهائي على الجيوش الدائمة باعتبارها المسئولة عن الويلات التي تعيشها الأمم. ولعل تأملًا بسيطًا لفلسفة كانط السياسية، سيجد أن هذا الفيلسوف كان — على حد تعبير حنة آرنت — نموذجًا صارخًا لفيلسوف متنور حامل لهمِّ الإنسانية ككلٍّ، فقد أعلن في بيانه الشهير: «مشروع للسلام الدائم»، دون شبهة أو لبس، إيمانه العميق بالسلام، ودفاعه المستميت عن مجتمعٍ جديد خالٍ من العنف والإبادة والقتل بأي مبرر كيفما كان، ففي المادة الثالثة من المواد التمهيدية للقسم الأول يقول: «يجب أن تُلغَى الجيوش الدائمة إلغاءً تامًّا على مر الزمان»، ويعلق على ذلك قائلًا: «لأن هذه الجيوش التي تبدو على الدوام متأهبة للقتال تهدد الدول الأخرى بالحرب تهديدًا دائمًا، كما تحفزها إلى التسابق في زيادة قواتها المسلحة زيادة لا تقف عند حد … أضف إلى هذا أن استئجار الناس لكي يقاتلوا أو يُقتَلوا معناه فيما يبدو أننا نستعملهم استعمال الآلات أو الأدوات في يد غيرهم (الدولة)، وهو أمر لا يتفق مع حقوق الإنسانية في أشخاصنا.» ويضيف في المادة السادسة: «لا يحق لأية دولة، في إبان الحرب، أن تستبيح لنفسها اقتراف أعمالٍ عدائية كالاغتيال والتسميم، وخلق ظروف التسليم، والتحريض على الخيانة — من شأنها عند عودة السلم أن تجعل الثقة بين الدولتين أمرًا مستحيلًا.» لذا فينبغي «إقرار» حالة السلام.

وقبل أن تقدِّم سيلا بن حبيب الحل الذي تراه مناسبًا للصراع الفلسطيني الإسرائيلي، تؤكد أنه «لا أحد من المسئولين الإسرائيليين يمتلك رؤية سياسية»، وتميِّز في هذا الإطار بين الرؤية vision والاستراتيجية حيث تقول: «لا أقصد استراتيجيةً ذات أهداف طويلة المدى محددة بين ولايتين انتخابيتين ويمكن مراجعتها حسب الظروف، وإنما أقصد رؤية سياسية يستطيع مؤسسو الجمهوريات تملُّكها.»٣٣ وتتلخَّص الرؤية السياسية التي تقصدها هنا سيلا في الأسئلة التالية: كيف يمكن ضمان الاستمرارية والبقاء؟ ما هي المؤسسات المستدامة التي يمكن أن تضمن للأجيال اللاحقة الازدهار كأفراد وكمواطنين؟

(أ) ميلاد حركة حماس وأيادي تدبير الصراع في المنطقة

تستشهد سيلا بن حبيب بمقال إدوارد سعيد الذي نشره في مجلة نيويورك تايمز في خريف ١٩٩٢، والذي أعلن فيه نهاية أيديولوجية منظمة فتح. بحيث فسح «الفراغ الذي أحدثه انهيار الأيديولوجيات البيروقراطية، والعسكرية، الحديثة والغربية، في مجمل العالم العربي، المجال للأيديولوجيات الإسلامية التي مثَّلها حزب الله وحركة حماس».٣٤ وهنا نرى عمق تحليل الفيلسوفة التي تتابع عن كثب الوضع في مجمل منطقة الشرق الأوسط، حيث ترى أن «الإسلاموية الجديدة تمثل رؤية أخلاقية خالصة، تأديبية، تَمْتحُ من ثورة آيات الله الخميني ضد الغرب التي لقيت صدًى في الأراضي الفلسطينية بفضل خطابها الشرس والداعي إلى تدمير الدولة اليهودية».٣٥ لقد نجحت الثورة الإيرانية في بسط خطابها السياسي-الأيديولوجي في الأراضي الفلسطينية بفضل «البرامج الخيرية في إعادة التوزيع والتضامن الإسلامي»، هذا ناهيك عن المد العالمي لحركة الإخوان المسلمين التي لقيتْ بدورها دعمًا من طرف الطبقات المتوسطة والبرجوازية الصغيرة المتذمرة من التسلط والاستبداد السياسي الذي ساد المنطقة من جرَّاء صعود بعض الأنظمة العسكرية إلى الحكم.
وتؤكد سيلا بن حبيب أن حركة حماس — كما هو الشأن بالنسبة لحركات أخرى في تركيا وفي الشرق الأوسط — قدَّمت «منظورًا للمساواة و«إعادة التوزيع» والتضامن الإسلامي»، وهو المنظور الذي لقي إقبالًا جماهيريًّا نتيجة سياسة التفقير والتجاهل التي مارستها الأنظمة السياسية، ورغم ذلك فهو منظور يعمق في نظرها «التسلط ومعاداة الليبرالية»، رغم أن معاداة الليبرالية تبقى موضع سؤال، بالنظر إلى أن بعض الدراسات المتخصصة في شئون الحركات الإسلامية بالمنطقة ترى أن هذه الحركات قد اندمجت كليًّا مع الرأسمالية ولا تتبنى أي برامج معادية للفكر الليبرالي، أو للرأسمالية كنظام اقتصادي، وفي هذا الصدد نستحضر على سبيل المثال تحليل جلبير الأشقر الذي يؤكد أن حركة الإخوان المسلمين مثلًا في مصر تستند في خطابها وممارستها السياسية على خدمة مصالح قسطٍ هامٍّ من البرجوازية المصرية حيث يقول: «وفي المنطقة العربية، فإن راية الأصولية الإسلامية هي التي رفعتها بوجهٍ عامٍّ الحركة الممثلة للتطلع الرجعي إلى «جعل عجلة التاريخ ترجع القهقرى»، داعية للعودة إلى عصرٍ ذهبي إسلامي حاكت حوله أسطورة. وهي تجد قاعدتها الاجتماعية بين الطبقات الوسطى التقليدية، وكذلك في صفوف مثقفي تلك الطبقات، سواء التقليديون منهم (رجال الدين بوجهٍ خاص) أو العضويون (الطلاب، المعلمون، المراتب الدنيا والوسطى من المهن الحرة).»٣٦ ونفس الشيء ينطبق أيضا على شيعة إيران.
وتذهب كذلك إلى أن حركة حماس لقيتْ دعمًا في سنوات الثمانينيات من طرف إسرائيل حيث تقول: «في سنوات الثمانينيات دعمت إسرائيل حركة حماس كبديل لحركة فتح المكافِحة والعلمانية، كما دعمت أمريكا أسامة بن لادن والمجاهدين ضد الفدائيين الأكثر علمانية واشتراكية في أفغانستان.» ورغم ذلك ففي الحالتين معًا «خرج الشيطان من قمقمه»،٣٧ مما أدى إلى حصار إسرائيل بولاءات حماس المتغيرة لحزب الله في مجال العمل الاجتماعي الإسلامي.
وفي حقيقة الأمر فالعلاقات القائمة بين هذه الحركات تدعو إلى التساؤل، ولا نزعم أنها خالية من الصراعات الهامشية أو الرئيسية، إلا أنه من المؤكد أن الحركات الإسلاموية قادرة على التأقلم مع الأوضاع في تغيراتها وتحولاتها الجارية، وتستطيع الخروج من عنق الزجاجة. وتظل حنكة هذه الحركات في ممارسة السياسة موضع سؤال بالنسبة لقسط لا بأس به من اليسار، حيث ظهرت أطروحة تقول بإمكانية التحالف مع هذه الحركات من أجل تحقيق التغيير في هذه المنطقة. ورغم ذلك فإن سيلا بن حبيب لا تؤيد هذا الرأي من منطلق أن تلك الحركات لا يمكنها أن تكون البديل المنشود، ولا يمكنها أن تحقق الديمقراطية، بل هي حاملة لمشروعٍ رجعي يتناقض والقيم الكونية الكبرى للإنسانية، بل هي عدوة الديمقراطية ما دامت تستغل الديمقراطية كشعار لنقضها، وبناءً عليه سيبقى الالتزام ﺑ «المساواة والتضامن وتقرير مصير الشعوب مبدأً نقديًّا، ولا يقبل التضحية عبر الانخراط الأعمى في هذه المجموعة أو أية مجموعة أخرى»،٣٨ و«لا شيء يعطي الأمل للتقدميين واليساريين في هذا التحالف». وكأنها هنا ترد على أنصار الوحدة مع القوى الظلامية والرجعية.

(ب) أمن إسرائيل في عالم ما بعد ويستفاليا

اقتنعت الفيلسوفة سيلا بن حبيب أن دولة إسرائيل قد أخطأت الطريق بخصوص التسوية مع السلطة الوطنية الفلسطينية، فلا إسرائيل قادرة على تلبية مطالب المقاومة الفلسطينية لما يزيد على نصف قرن من الحرب المستنزِفة لكلا الطرفين، ولا المعارضة الإسلاموية الجديدة قادرة على الاعتراف بالكيان الإسرائيلي وضمان السلام بين الشعبين؛ فإسرائيل قريبة من «صراع من أجل أمنٍ ويستفالي في عالم ما بعد ويستفاليا»، حيث أصبحت الحدود سهلة الاختراق، وتقدم مثالًا على ذلك بالأنفاق بين قطاع غزة ومصر التي حُفرت «لتمرير الأسلحة المهربة والمشتراة بأموالٍ إيرانية»، مبيِّنةً أن «أموال البترول الهائلة وُضعت في أيدي الدعاة المتجوِّلين وأشباه الأولياء من طرف المشايخ وممالك الخليج الفاسدة التي تحمي سلالاتها الهشة …» كما وقَعت «أنظمة أسلحة منتهية الصلاحية قادمة من روسيا ومن الجمهورية السوفياتية القديمة من قبيل كازخستان، أذريبدجان … في أيدي إخوانهم المسلمين». ولا تستثني من تحليلها تجار الصين «الكلبيين»٣٩ ورجال الأعمال الروس الفرحين جدا بفتح تجارتهم في المنطقة.
وترفض بن حبيب ما تسميه إسرائيل ﺑ «الصدمة»: الصدمة من كون صواريخ حماس قادرة على ضرب تل أبيب! معتبرة ذلك «مجرد نفاق: وسواءٌ كان هذا استراتيجيًّا أو معنويًّا، فهو لا يفسِّر أبدًا، ولا يبرِّر الانتقام الواسع». فلماذا تدَّعي إسرائيل قدرتها على محو حركة حماس من الخريطة الفلسطينية في الوقت الذي تعرف إسرائيل جيدًا «أن قوتها العسكرية المفترضة تم اختراقها منذ زمن بأجيالٍ جديدة من الأسلحة؟»٤٠

وتعتبر بن حبيب أنه «لا يوجد أمنٌ كامل ولا يُقهر مطلقًا في العالم الجديد، وعلى الأقل منذ ١١ سبتمبر ٢٠٠١، كما لم يكن هناك استقرار كامل في الميدان السياسي»، فحتى القنبلة النووية لا تضمن الأمن والاستقرار لإسرائيل. ليس لأن إيران يمكن أن تملك بدورها قنبلةً نووية، وإنما لأن استخدامها ضد أهداف في لبنان أو سوريا وعلى قطاع غزة وعلى الضفة الغربية والأردن، بإطلاق سحابة من الأشعة على كل المنطقة يمكن أن يلوث المياه والغطاء النباتي، وهو ما يجعل إسرائيل بدورها غير صالحة للاستيطان. هكذا يتضح أن خوف إسرائيل أشبه ما يكون بفوبيا ملازمة لسياسييها ومواطنيها وجنودها.

(ﺟ) في نقد الرؤى السياسية الإسرائيلية

تسود في إسرائيل اليوم بحسب بن حبيب أربعة خطابات سياسية تساير الوضع ولا تقدم أي رؤية سياسية جديدة، تلخِّصها فيما يلي:
  • (١)

    «منظور/رؤية الحرب الدائمة»: رغم أنه لا يدافع عنه أي سياسي يحترم نفسه، فالأمر يتعلق بنفسية داخل كل الإسرائيليين البسطاء؛ حيث يعتقد الغالبية العظمى أن الحرب نمط عيش، لأنه لا يمكن أن يتحقق السلام بين إسرائيل وفلسطين.

  • (٢)

    «منظور الدولتين»: (أو ما يعرف بحل إقامة الدولتين) الليبراليين والتقدميين من كل الأصناف يدافعون عن حل الدولتين (دولة إسرائيل ودولة فلسطين)، لأنهم يؤمنون بمبدأ المساواة في حق تقرير مصير الشعوب. ويقبل البعض هذا الحل لأنهم قلقون مما يمكن أن نسميه «الانفجار السكاني الذي بدأ بالفعل»، وتسارُع معدل الولادة بفلسطين، ويخشون العيش كأقلية في دولةٍ فلسطينيةٍ كبيرة، ديمقراطيةً كانت أم غير ديمقراطية.

  • (٣)

    «المنظور الديني لإسرائيل الكبرى»: هناك أيضًا منظور إسرائيل الكبرى المبنية على المعتقد الديني، حيث يسود الاعتقاد أن الأراضي القديمة ليهودا هي في الواقع للشعب اليهودي بلا رجعة.

  • (٤)
    «المنظور العلماني لإسرائيل الكبرى»: وهو منظور يختلف عن المنظور الثالث ويؤكد على أن إسرائيل الكبرى يمكن أن تضم أراضي فلسطينية وتحكمها اتفاقات اقتصادية من الطرفين بموجب مناطق التبادل الحر والنمو الاقتصادي. على الأقل منذ مبادرة السلام التي أطلقها إسحاق رابين واتفاقات كامب ديفيد، ويمثل حل «الدولتين» السياسة الرسمية للحكومة الإسرائيلية والأمريكية، إلا أنه حل هو مجرد حل/نواة متناقض، يخفي في كثيرٍ من الأحيان دلالات في الوعي العام.٤١

تُكرِّس الخطابات أعلاه منظورًا تقليديًّا لبناء الدولة داخل حدودٍ وطنية ضيقة. وهو الأمر المتجاوز من وجهة نظر كُوسمُوبُولِيتية؛ ففي عالم اليوم حيث التغيرات على أشدها لم يعد مقبولًا حصر القضية الفلسطينية في مجرد التسوية المؤقتة لتدبير الصراع في اتجاه تكريس الهيمنة الصهيونية على الأراضي المحتلة، من خلال المقاربة الأمنية، كمعولٍ وحيد وأوحد لشرعنة العنف والحرب على كل تحرك فلسطيني مشروع للدفاع عن عدالة قضيته. فإذا كان المنتظم الدولي يتَّجه نحو الضغط على اللوبي الصهيوني من أجل الاعتراف الكامل بالسيادة الفلسطينية، فإن بعض مواقف القوى الإمبريالية، تتجه عكس ذلك نحو تكريس نفس الوضع خدمةً لمصالحها الاستراتيجية. وحتى مفهوم السيادة كما يتصوره الكيان الصهيوني لم يعد مقبولًا، في نظر بن حبيب، ما دامت إسرائيل ترى أن فلسطين ستظل دومًا مراقَبة.

لا يتعلق الأمر وفقط بفشل الرؤى السياسية التي تحملها القوى السياسية الفاعلة في الدولة الصهيونية، وإنما بفشل المنتظم الدولي أيضًا في حل قضية عمرت ما يزيد على نصف قرن. وهو فشل ذريع لا يزكيه إلا لغة المصالح الاستراتيجية. فكم من مرة تخرق إسرائيل الاتفاقات الدولية وقرارات مجلس الأمن الدولي!

(د) رفض غزو غزة

تدافع سيلا بن حبيب عما يسمى حل الدولتين؛ لأنه يضمن حق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير، ولكنه في نفس الوقت يَعِدُ بوضع حدٍّ للنمو الديموغرافي المرتفع في فلسطين، وهو ما يؤدي إلى الاعتقاد بأن ارتفاع معدلات الولادة لدى الفلسطينيين يهدد الطبيعة اليهودية لدولة إسرائيل، وبناءً عليه يتم الدفاع عن «استمرار إسرائيل في احتلال غزة والضفة الغربية والقدس الشرقية»؛ لأنه «سيضمن التحكم العسكري في ٥ ملايين من الفلسطينيين العرب، بمن فيهم أولئك الذين يعيشون داخل حدود إسرائيل منذ ١٩٦٧».٤٢
كما تعتبر أن «العملية العسكرية الحالية على غزة (تتحدث طبعا عن سنة ٢٠٠٨)، تحمل عناصر الخطابات السياسية الأربعة — الحرب الدائمة، حل الدولتين، إسرائيل دينية كبرى، إسرائيل علمانية كبرى — ولهذا السبب لم تكن متناسقة في أهدافها: هل تريد إسرائيل احتلال غزة من جديد وبناء مزارع بلاستيكية لتدميرها من جديد؟ هل تريد إسرائيل تدمير حماس ومؤسساتها المدنية والعسكرية بالمرة وتغادر غزة آملة حل الدولتين الذي لا يمكن احتمالًا تحقيقه؟ هل تريد إسرائيل احتلال غزة وتعرض فيالقها العسكرية لمخاطر كبرى، وارتكاب جرائم حرب محتملة ضد الشعب الفلسطيني؟ شخصيًّا — تقول بن حبيب — لستُ واثقة من أي شيء.»٤٣

(ﻫ) أي بديل للصراع الفلسطيني-الإسرائيلي؟

هل هناك بدائل سياسية حقيقية في ظل الوضع الحالي غير الاستراتيجيات العسكرية التي تُتخذ كرؤًى سياسية؟

جوابًا على هذا السؤال تدافع بن حبيب عن الحركة النشيطة في إسرائيل والتي تسعى إلى فصل المواطنة الإسرائيلية عن الهُوية اليهودية الدينية-الإثنية»، معتبرة أن هذا الفصل هو من سيسمح بأن تصبح إسرائيل «أرضًا لكل المواطنين. وهذا من شأنه أن يتنصل جزئيًّا أو كليًّا من قانون حق العودة، الذي يعطي الحق في المواطنة الإسرائيلية لكل يهودي تعترف به السلطة الحاخامية كيفما كانت». وتندد في الوقت نفسه بعدم إصلاح قانون المواطنة الإسرائيلي؛ لأن «العديد من العمال المهاجرين وأبنائهم فضلًا عن الشركاء غير اليهود وزوجاتهم لا يستطيعون الحصول على الجنسية الإسرائيلية»، ومؤكدة أنه «صار، من سخرية القدر في العقد الأخير، من السهل بالنسبة للروس الذين يدَّعون أنهم يهود؛ الحصولُ على الجنسية، على عكس عربي-فلسطيني وُلد ونشأ في القدس الشرقية، لأنه يُعتبر (أو تُعتبر) خطرًا على الأمن، ولأن وضعية القدس الشرقية تُعتبر لغزًا وفق مصطلحات الاتفاقات الدولية».

لذلك فإن «أي نقاشٍ سياسيٍّ جدِّي يتعلق بإسرائيل وفلسطين، ينبغي أن يتأسس على قاعدة أن القوة العسكرية ليست إلا ردعًا، ردعٌ مشكوكٌ فيه يومًا عن يوم على وجه اليقين، وأنه ليس الأسلحة هي من يصنع السلام وإنما البشر. فالسلام هو الصالح العام. وإسرائيل قريبة من النموذج الويستفالي للسيادة، المنقرض، الذي يَفترض أن الدول قادرة على مراقبة كل حي أو ميت داخل حدودها».

وانطلاقا من وجهة النظر الكُوسمُوبُولِيتية فإن «معظم الديمقراطيات المتقدمة تعرف أن النموذج الويستفالي متجاوز أخلاقيًّا وواقعيًّا». وهو ما يفيد في نظرها أن «السيادة هي مجرد حصة، مجموعة من امتيازات وصلاحيات موكولة للدولة، ويمكن تقاسمها وتفويضها والتعاقد عليها مع مجموعات أخرى وسُلَط أخرى».

وتقدم بن حبيب حالات صراع مماثلة وشبيهة٤٤ للحالة الفلسطينية حيث ترفض إسرائيل الاعتراف ﺑ «سيادة كاملة» للفلسطينيين على مجالهم الجوي، سواء في غزة أو على الضفة الغربية، ولا على التنقل الحر للبضائع في الموانئ أو خارجها، ولا على احتياطات المياه الجوفية الممتدة على جانبي الحدود، فلماذا إذن ندَّعي أن دولة فلسطينية سيادية وستصبح سيادية بالمعنى الذي تحب اسرائيل أن تراها سيادية؟

وجوابًا عن هذا السؤال، ترى بن حبيب أن الحقيقة البسيطة والمحزنة هي «أن دولة فلسطينية من هذا النوع ستظل على الدوام مراقَبة ومتحكمًا فيها، وستُضرَب بين الفينة والأخرى من طرف إسرائيل. إنه واقع الحال تحديدًا.»

(و) الحل الكونفدرالي

تدافع بن حبيب، فيما يشبه الحلم، عن حل كونفدرالي يضمن لكلا الشعبين العيش معًا وفق منظورٍ مغاير للرؤية السائدة اليوم، لدى كلا الطرفين، يتأسس على وجهة نظر كُوسمُوبُولِيتية، معتبرة أن هذا الحل هو وحده يضمن للأجيال القادمة أن تعيش في سلام وأمن وبدون عنصرية وعنف. حيث تقول: «لنحلم للحظة. لنفترض أن هناك بين إسرائيل وفلسطين كونفدرالية. لنفترض أن تحييد جماعات من مثل حماس وحزب الله التي لا تعترف بوجود إسرائيل، هو هدف مشترك للفلسطينيين وللدول العربية الأخرى، ولكن لو أن حماس اعترفت بحق وجود إسرائيل، فسيكون لها مقعد على «الطاولة»٤٥ لنفترض أن هناك رقابة مشتركة على الأجواء، وعلى الطرقات البحرية والمياه والتي تمارسها سلطات إسرائيل وفلسطين، لنفترض أن هناك عملةً مشتركة، وحقوق الاستقرار القانونية لكل مجموعة إثنية داخل مناطق من الأراضي المشتركة.
فإسرائيل لن تلجأ إلى حربٍ مدنية ضد المستوطنين المتعصبين في الخليل وفي الضفة الغربية؛ الذين سيُجبرون على العيش تحت سلطة فلسطينية بلدية جهوية أو الدخول إلى إسرائيل.»٤٦
إلا أن الحل الكونفدرالي الذي تقترحه بن حبيب لا يعني «اختفاء السلطة الوطنية المشتركة وهوية كل شعب. وفي بعض نسخ الحدود قبل سنة ١٩٦٧ (الخط الأخضر)، ظلت إسرائيل دولة يهودية، ولغتها الخاصة، وعطلها، وانتخاباتها، ولكنها تقتسم السلطة مع الدولة الفلسطينية في مجالات: الجيش والأمن والاستخبارات، والمال، والتبادلات. وبالمثل للفلسطينيين لغتهم الخاصة، وعُطلهم وانتخاباتهم، إلا أن الشعبين معًا طوَّرا مناهج مدرسية مشتركة وتحديدًا حول تدريس التاريخ الذي ينصف الحقائق التاريخية ومعاناة الشعبين».٤٧ وبموجب هذا الحل: «سيتعلم أطفال الجيل الجديد التفاهم والتعاطف بدل الكراهية والحقد بعضهم على بعض، كما سيكون هناك تكافؤ في الحقوق الاجتماعية والاقتصادية في هذه الكونفدرالية، في حالة ما إذا لم يرغب البعض في الاستقرار في بعض المناطق الإسرائيلية الغنية؛ التعددية الدينية والحقوق المدنية الليبرالية ستُحترم من طرف الجميع: اليهود، المسلمين، المسيحيين، وكل مواطني المعتقدات الأخرى. وبالنسبة للمتدينين الذين يريدون إدارة شئونهم الدينية الخاصة ستَمنح لهم السلطاتُ الدينية رخصًا بذلك، كما أن هناك محاكم خاصة، ولكن أيضًا هناك إعلان للحقوق لكل القاطنين يضمن لهم المساواة في الحقوق المدنية والسياسية.»٤٨
وتنظر إلى الحل الكونفدرالي ﮐ «نواة ومركز اتحاد في الشرق الأوسط وشعوبه، حيث تركيا ومصر والعربية السعودية والعديد من الدول الأخرى يمكنها الانضمام إليه على غرار نموذج الاتحاد الأوروبي»٤٩ ورغم ما يمكن قوله عن هذا الحل، فإن أسسه الواقعية والسياسية ظاهرة للعيان: فهل يمكن فعلا أن يجد الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي طريقه إلى الحل ذات يوم؟

(٣-٢) موقف سيلا بن حبيب من الربيع العربي

ما هو موقف سيلا بن حبيب من الربيع العربي؟ كيف نظرت إلى انتفاضات الربيع العربي؟ هل كانت تعتقد أن تمرد الشباب في مصر وتونس والبحرين وليبيا يمثل موجة جديدة من النضالات؟ ما موقفها من الإخوان المسلمين؟ وهل كانت متخوِّفة من صعود الأصولية الإسلامية إلى هرم السلطة؟ ما هي قراءتها للحركات الإسلامية التي تجتاح العالم العربي والإسلامي على حدٍّ سواء؟ هل كانت تقف إلى جانب تخوفات الغرب من الحركات الجماهيرية المتفجرة؟

خصصت سيلا بن حبيب لثورات الربيع العربي مقالًا تحليليًّا٥٠ لانتفاضات مصر وتونس وللموجة التي اجتاحت البلدان العربية بمجرد الانتصارات الأولى للثوار الشباب، وتحديدًا يوم ٢٤ فبراير ٢٠١١، وتُرجم بعد أسبوعين إلى الفرنسية،٥١ وهو مقال جدير بالاهتمام لأنه:
  • أولًا: مقال ينصف الشباب المتمرد بهذه البلدان.
  • وثانيًا: مقال يعيد النظر في الموقف الغربي، وتحديدًا النخب المسخَّرة والمعلقين المتخصصين في شئون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، والذين يكرسون العداء لهذه الشعوب بدعوى أن موجة التمرد تلك تحمل نسيم الحركات الإسلاموية بكل أطيافها؛ وذلك لتوجيه الرأي العام الغربي نحو اتخاذ المسافات من هذه التمردات.
  • وثالثًا: مقالٌ ثاقب النظر يضع الأصبع على الجراح، ويحاول أن يؤطِّر الربيع العربي في سياقه التاريخي والسياسي.

(أ) الربيع العربي: الدين والثورة والفضاء العمومي

تفتتح بن حبيب مقالها بعبارة دالة للكاتب والمعتقل التونسي السابق فتحي بن الحاج يحيى، والتي يقول فيها: «الحرية عظيمة، مغامرة كبيرة، ولكنها لا تخلو من مخاطر … فالمخاطر مفتوحة على اللامتوقع.»٥٢ معتبرة أن الشباب الثائر في العالم العربي «يناضل، من أجل الحريات الديمقراطية، ومن أجل فضاء عمومي مفتوح، ومن أجل الانخراط في العالم المعاصر بعد عقود من العُزلة والكذب والخداع. ومع ذلك، وفي الحالتين، بزغت الآمال في الانتقال؛ فالأنظمة السياسية والاقتصادية صارت هشة، وقابلة للتغيير!»٥٣ تعي بن حبيب أن الأنظمة العربية تسير نحو الزوال، وهو الأمر الذي تحقق في تونس ومصر معًا في وقت قياسي غير منظور، حيث المقاومة الجماهيرية شرسة. كما تعي أن الميدان العمومي وحده قادر على تحقيق المطالب المشروعة والسير نحو التحرر من الأنظمة المستبدة التي عمرت كراسي السلطة السياسية، فصدى التحركات العربية تجاوز الحدود القومية والوطنية، ووجد استجابة كبيرة في قلب قلاع الرأسمالية العالمية — الولايات المتحدة الأمريكية — حيث ولدت حركة احتلوا وول ستريت؛ لذلك تقول: «أسرت الحشود الشجاعة في العالم العربي، من تونس إلى ميدان التحرير، في اليمن والبحرين وحاليًّا ببنغازي وطرابلس؛ قلوبَنا وفكرنا (…) ورغم ذلك فبذورٌ جديدة من المقاومة تنامت في هذه التربة المجمَّدة، وحتى في بعض الولايات الأمريكية؛ ففي ماديسون في ولاية ويسكونسن يناضل الأُجراء كي لا يفقدوا حقوقهم الجماعية في التفاوض، ودخلت مقاومتهم في الأسبوع الثاني، كما تجري نفس الجهود في إنديانا وأوهيو، وولايات أخرى. يحمل متظاهر مصري لافتة كتب عليها: «مصر تدعم عمال ويسكونسن: عالم واحد، نفس المعاناة» وأحد مواطني ولاية ويسكونسن يجيب: «إننا نحبكم. شكرًا على دعمكم وهنيئًا لكم على نصركم!»»
يناضل المتظاهرون ﺑ «ويسكونسن Wisconsin» والثوار التونسيون والمصريون بطبيعة الحال لأهداف مختلفة: في المقام الأول ضد إذلال المواطنين وتحويلهم إلى أفراد خصوصيين منصاعين ويائسين من ويلات الرأسمالية المالية الأمريكية والعالمية خلال العقدين الأخيرين. وتستلهم بن حبيب في هذا السياق روح هيجل في فينمومينولوجيا الروح لوصف المرحلة القادمة بعد الفوران الشعبي حيث تقول: «نعلم أن ربيع الثورات، ستعقبه غضبات الصيف وانهيار ثلوج الشتاء. فعلى الأقل منذ تحليل هيجل لتمرد الجماهير الفرنسية في كتابه فينومينولوجيا الروح سنة ١٨٠٧، بات شائعًا الاعتقاد بأن الثورة ستلتهم أبناءها. بحيث أعلنت هيلاري كلينتون تحذيرات منذ الأيام الأولى من الانتفاضة المصرية، كما عبر بعض المحللين عن غياب ثقتهم في قدرة الشعوب العربية على ممارسة الديمقراطية، مبتهجين حاليًّا عند رؤيتهم للعلامات الأولى للصراع بين المجموعات الدينية والعلمانية في مصر وتونس». هكذا ترى بن حبيب أن المحلِّلين الغربيين لم يكونوا يتوقعون هذا الزحف الجماهيري نحو الميادين العمومية؛ فمعظم الخيارات السياسية التي كان ينتظرها الغرب ليس في العالم العربي فقط وإنما في العالم الإسلامي ككل هي ثلاثة:
  • (١)

    الأنظمة الاستبدادية الفاسدة التي ترسيها الانقلابات العسكرية، كما هو الحال في مصر وليبيا، أو السلالات الملكية التي تشتري ولاءها بثروتها، كما هو الحال في العربية السعودية والأردن.

  • (٢)

    «الأصولية الإسلامية» التي تخفي عمدًا الخلافات التاريخية والسياسية بين المجموعات المختلفة، في ظل الأنظمة أو فيما بينها.

  • (٣)

    «إرهاب» القاعدة، والذي يوضع في نفس سلة «الأصولية الإسلامية/السلفية الرجعية».

كانت الغاية من تسييد فوبيا الإرهاب بعد ١١ سبتمبر ٢٠٠١، هو ذر الرماد في العيون، من خلال النظر إلى شعوب هذه المناطق كشعوب همجية لا تعرف غير العنف كوسيلة للتعبير. في حين أن الإرهاب الذي تمارسه الإمبريالية الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية يتجاوز كل التوقعات: ألم تكن سياسات التقشف المفروضة على تلك البلدان منذ بداية الثمانينيات إلى اليوم هي السبب في التفقير والتهميش الذي صار عنوانًا عريضًا مكتوبًا على جباههم في عبارة «لا إله إلا الله»؟

ترى بن حبيب أن أصول القاعدة — زعيمة الإرهاب — «تعود بطبيعة الحال تاريخيًّا إلى العربية السعودية، حيث وُلد أسامة بن لادن، وعددٍ كبير من مفكري الإخوان المسلمين الموالين للقاعدة بمصر كسيد قطب مثلًا، فمن المعروف أن الزعيم الثاني للقاعدة هو الطبيب المصري أيمن الظواهري». لقد كانت القاعدة الوصفة السحرية لأمريكا لمواجهة الشيوعية؛ فهي التي احتضنتها وموَّلتها قبل أن ينقلب السحر على الساحر. وتذهب بعيدًا في تحليلها لتؤكد أن «لا أحد من المعلقين والمتتبعين، ترقَّب بروز حركة المقاومة الشعبية الديمقراطية، والحديث في عمقها بالمعنى السياسي، والتي أحيانا «تقية/ورعة»، ولكنها ليست متعصبة، وهو تمييزٌ هام يتم تجاهله باستمرار. فكما تلقَّى أتباع مارتين لوثر تربيتهم في كنائس السود بأمريكا الجنوبية وأطلقوا قوتهم الروحية في هذه المجتمعات، فإن حشود تونس ومصر وخارجهما، تربوا على التقاليد الإسلامية من قبيل الشهادة؛ فأن تصير شهيدًا فهذا قدر إلهي!» وهو ما يعني في نظرها أنه «ليس هناك من تناقض ضروري بين الإيمان الديني لعدد كبير من المتظاهرين في الحركات الثائرة في تونس ومصر وبين تطلعاتها الحديثة»، فبأي معنًى يمكن اعتبار هذه الحركات حديثة؟ هل فعلًا يمكن وصف حركات التمرد بالعالم العربي على أنها حركات حديثة؟ هل تحمل برنامجًا للتحديث؟ قد يثير موقف بن حبيب هذا نقاشًا واسعًا في صفوف الثوار العلمانيين الذين يذهبون إلى أن حركات الإسلام السياسي قد اغتالت روح ونفس الربيع العربي، ولكن قبل الحكم على موقفها هذا لنرَ الحجج التي تدعم بها رأيها.

تقول بن حبيب إجابة عن هذا السؤال: «إنها كذلك أولًا وقبل كل شيء؛ لأنها تسعى وراء إصلاح دستوري، وضمان حقوق الإنسان، ضمان المزيد من الشفافية والمسئولية تجاه المسئولين السياسيين، وضع حد ﻟ «رأسمالية المحاسيب capitalisme de connivence»٥٤ للنخب الفاسدة — كعائلة القذافي القاتلة في ليبيا — التي نهبت بلدانها بتواطؤ مع شركات البترول الأجنبية، وخوصصت مواردها الثمينة كما هو الحال في مصر» هكذا إذن؛ فمن مبررات بن حبيب لوصف هذه الحركات بأنها حديثة نجد ما يلي:
  • أنها حركات تسعى وراء إصلاحٍ دستوري.

  • وتسعى إلى ضمان حقوق الإنسان.

  • وإلى ضمان المزيد من الشفافية والمسئولية تجاه المسئولين السياسيين.

  • وإلى وضع حد «لرأسمالية المحاسيب».

ومن وجهة نظرٍ تاريخية، فإن وضع حد لرأسمالية «المحسوبية» أو «الريعية» يمكن أن يعتبر ثورةً حديثة، ولكن واقع الأمر أن الطبيعة الطبقية لأهم الحركات الفاعلة في هذه الثورات سواء في مصر أو تونس أو ليبيا، ويتعلق الأمر بحركة النهضة وحركة الإخوان المسلمين والحركة السلفية، يصعب الحسم ما إذا كانت هذه الحركات تسعى إلى وضع حد للرأسمالية السائدة في هذه البلدان؛ لأنها بدورها جزء من التحالف الطبقي المسيطر، هذا من جهة، ومن جهة أخرى، فإن هذه الحركات لا تؤمن بحقوق الإنسان ولا يمكنها أن تخدم القيم الكونية الكبرى التي كرستها الحداثة الغربية، ناهيك عن إخضاع المسئولين السياسيين للمحاسبة: فهل خضع رأسماليو الإخوان للمحاسبة يومًا: الشاطر وأذنابه؟

تعرج بن حبيب على الدور الرئيسي الذي لعبته وسائل الإعلام الجديدة العابرة للحدود، والتي تمنح للأفراد هامشًا من الحرية وسرعة في التواصل والتنسيق والتعبئة: الفايسبوك والتويتر. وهي لا تشك في أنها وسائل توجيهية من القوى الغربية، وإنما وسائل لعب شبابٌ ثائر بدوره دورًا هامًّا في الحراك باعتباره مساهمًا من جهته في تلك التمردات، وتقدم نموذجًا بوائل غنيم الذي يجسد «حالة خاصة في هذا الانفتاح العالمي حينما صرح: «سوف أصافح مارك زوكربورج حينما ألتقي به!» وكان يعلم دون مواربة أن مارك زوكربورج يهودي! وماذا بعد؟»

هل تمثل إيران نموذجًا لمصر وتونس بالمقارنة مع النموذج التركي والماليزي؟

تصرح بن حبيب أن: «لا أحد على ما يبدو قادر على تقليد النموذج الإيراني، ونظرًا للاختلافات بين دور اللاهوتي-السياسي للدين الشيعي وبين الدور اللاهوتي-السياسي للدين السُّنِّي، فليس يمكن أن تتبع مصر أو تونس النموذج الإيراني. ولكن يمكن أن تشكل ماليزيا (مجتمع مسلم استبدادي ومنغلق، حيث تجد المرأة والفضاء العمومي متحكمًا فيه) وتركيا (مجتمع متعدد ويتبنَّى ديمقراطية حيَّة من طرف أحزابٍ سياسية متعددة، وغالبية مسلمة وتاريخها الخاص من استبداد الدولة) نموذجًا لهذه البلدان»؛ ﻓ «الروابط التاريخية بين تركيا وبلدان من قبيل تونس ومصر (وليبيا أيضًا) تعود إلى الحقبة العثمانية؛ حيث نجد أسماء النخب والمدن التركية حاضرة بعمق وعلى نطاق واسع. ولقد أشاد الشباب المصري كثيرًا بالنموذج التركي».

تختم بن حبيب مقالها الثاقب النظر باستلهامها لروح هيجل من جديد مُعلِنة أنها ستحذو حذوه، وسترفع كأس شرف الشباب الثائر كل يوم ١١ فبراير، كما فعل هيجل حينما قرر أن يرفع كأسه للاحتفال بثوار فرنسا كل ١٤ يوليوز يوم اقتحام سجن الباستيل.

(٣-٣) موقف بن حبيب من تركيا وأوروبا

تتميز تحليلات الفيلسوفة سيلا بن حبيب بمواقفها النقدية الجريئة من القضايا المعاصرة التي تهم ملايين الشعوب، وباعتبارها من أصول تركية فلم تتوانَ عن تحليل الوضع العام بتركيا محاوِلة تقديم عناصر حلول لمجمل المشاكل التي تهم الشعب التركي. فرغم عيشها في أمريكا كواحدة من أبرز فلاسفة العصر فإن تركيا بلدها الأصل تظل في قلبها حاضرة دومًا. هكذا قدمت رأيها كاشتراكية ديمقراطية تؤمن بإمكانية التغيير والإصلاح في بلدها عكس ما تروِّج له بعض الأقلام النِّسوية المسخَّرة في خدمة السياسة الخارجية الأمريكية. ولا ينبغي أن يفاجئنا موقفها من حزب العدالة والتنمية الحاكم اليوم في تركيا، حيث أكدت أن تجربة هذا الحزب جديدة ويمكنه أن يقدم نموذجًا جديدًا مستفيدًا من التركيبة التعددية للمجتمع التركي. ورغم ذلك تتوجس بالحذر الكبير تجاه هذا الحزب، الذي ينبغي في نظرها مراقبته عن قرب وتقدير المسافات بُعدًا عنه، فهي لا تؤمن أن الحزب الحاكم قادر على إرساء نظام أوثوقراطي في تركيا؛ لأن ذلك غير ممكن، ولكنها لا تستبعد أن قاعدة هذا الحزب تؤمن بإمكانية قيام الدولة الدينية، وتحاجُّ على ذلك بكون الاشتراكيين الديمقراطيين لا يمكنهم بحكم تاريخهم مع القمع والاضطهاد الذي مارسه الجيش في حقهم، لا يمكنهم أن يقبلوا عودة الجيش والمؤسسة العسكرية إلى معترك السياسة.

(أ) تركيا والإسلام وساركوزي وأوروبا٥٥

في حوارها مع دانييل كاستيلاني بيريللي Daniele Castellani Perelli ترى سيلا بن حبيب، أن حضور الإسلام في الفضاء العام لا يتعلق بالضرورة بزيادة التدين في صفوف الساكنة — ولو تغير مستوى الرؤية — وأن ما نشاهده هو ظاهرة عالمية حوَّلت الإسلام، ﻓ «الإسلام الذي واجهه أتاتورك هو إسلام الخلافة»، أما السلطان في إمارة عثمان، فكان خليفة لجماعة مسلمة سنية (فيما يشبه البابا عند الكاثوليكيين). ومع انهيار الإمبراطورية العثمانية، فقد السلاطين هذه الوظيفة وهذه الصفة، والتي تحوَّلت في مصر مع «شيخ الإسلام»، الزعيم الديني الرئيسي للمسلمين السنيين. ويمثل هذا النوع من الإسلام خليطًا من المذاهب الدينية والتسيير السياسي.

تقرَّب أتاتورك من المؤسسات التعليمية غير العلمانية؛ بحيث كانت كل تلك المؤسسات — أو على الأقل معظمها — في ظل النظام الإمبراطوري في قبضة التنظيمات الدينية، كما كانت هناك «خلايا» تنظيمات سرية داخل أجهزة الدولة. ويجب التمييز بين هذا النوع من دين الدولة وبين الدين التقليدي لعامة الناس؛ فالفلاحون على سبيل المثال لهم أشكالهم الخاصة في التدين، وما كان يواجه أتاتورك هو هذا الزواج بين الدين والإمبراطورية. أما ما يحدث اليوم فهو عودة/يقظة الإسلام عالميًّا والتي ساهمت فيها آثار العولمة وأزمة الدولة-الأمة.

يُعاب على تركيا كما هو الحال في معظم الدول الإسلامية، غياب العديد من القضايا الهامة في النقاش العمومي؛ فالجنين لا يعتبر شخصًا من وجهة نظر الإسلام كما هو الشأن بالنسبة لليهودية، وهذا ما يدفع بالدول الإسلامية إلى تغييب النقاش العمومي حول الإجهاض؛ لأن صحة الأم تُوضع في المقام الأول. في حين أن مسالة صورة المرأة في الفضاء العمومي، تثير النقاش أكثر وعلى الأخص «حجاب المرأة»، بل وتستغل هذه الصورة في الفعل السياسي (ظهور زوجة رجب أردوغان مرتدية الحجاب بعد توليه رئاسة تركيا).

(ب) الفعل السياسي في تركيا

تُحلِّل بن حبيب بنية الفعل السياسي التركي لما يقارب نصف قرن، معتبرة أن حزب الشعب الجمهوري (CHP) هو الحزب القديم لكمال أتاتورك ويمثل مصالح الجيش، والموظفين العموميين، وموظفي القضاء والمدرسين، أي مجموع القوى العلمانية التي بنت الجمهورية التركية. ويمثل أسلوبهم السياسي نوعًا من اليعقوبية؛ ليس لأنهم ثوريون، وإنما لأنهم يؤمنون أن الدولة هي كل شيء، أن الجمهورية هي كل شيء، وأن الفرد لا يعني شيئًا. ويشعرون اليوم أنهم مهددون جدًّا، وبأنهم سيصيرون مهمشين. في أواخر الخمسينيات، بدأت الهوة الأولى بين ممثلي حزب الشعب الجمهوري بظهور فئات متوسطة صناعية ومالية انتهت بولادة الحزب الديمقراطي؛ لذلك تنافست هذه النخبة البيروقراطية العسكرية والمدنية مع البرجوازية الأصلية — طبقة رأسمالية — والتي ولجت بعض السلط خلال الازدهار الاقتصادي بعد الحرب، دون الاعتماد على الدولة.
أما حزب العدالة والتنمية (AKP) فتشكل بظهور طبقة متوسطة جديدة أصلية من أصول شعبية في الأناضول، متمثلة في مالكي محلات السيارات، ومديري الأسواق الممتازة، ومالكي الفنادق ومستثمرين في السياحة … إنها طبقة برجوازية صغيرة شكلت قاعدة هذا الحزب (ح ع ت AKP). لا يتعلق الأمر ببرجوازية صناعية أو مالية، وإنما بفئة تجارية (ميركانتيلية) تحمل قيم طبقة متوسطة معادية لليسار، ومناهضة جدًّا للشيوعية، أشخاص يؤمنون بالملكية الخاصة.

كانت هذه البرجوازية الجديدة الأناضولية إلى حدود الأمس القريب مُبعدةً تمامًا من السياسة التركية، وتميل إلى تفويض تمثيليتها للنخب، أي إلى البرجوازية الكبيرة الصناعية بإسطنبول أو إلى الجيش، إلا أنها اليوم صارت تمتلك صوتًا سياسيًّا؛ فمع التطور العام لتركيا رفضت أن تكون مجرد ديكور خلفي وشرعت في الاندماج الاقتصادي. إنها أساس وقاعدة حزب العدالة والتنمية.

وفي ردِّها على أيان هيرسي علي Ayaan Hirsi Ali٥٦ التي تتحدث عن إمكانية صعود نظامٍ أوثوقراطيٍّ (دولة دينية) أو فاشيٍّ في تركيا، تؤكد بن حبيب أنه «لا يوجد أي خطر في تركيا لصعود الأوثوقراطية الإسلامية. وأستطيع أن أؤكد لكم أنه ستكون هناك حرب أهلية قبل صعود الأوثوقراطية. وفي جميع الحالات، لا أظن أن حزب العدالة والتنمية يأمل في إرساء الدولة الدينية. وهم الآن في الطريق نحو تعزيز تجربةٍ جديدة غير مسبوقة، ومما لا شك فيه أنه لم يترقب أي اشتراكيٍّ ديمقراطي مثلي — بحذر كبير — دعمَ ومراقبةَ تجربةِ حزبٍ مثل حزب العدالة والتنمية.» ورغم ثقتها في هذا الحزب الذي تأمل أن يدشِّن تجربةً سياسية جديدة فإنها تدعو إلى «مراقبته بحذر كبير».
وتعتبر بن حبيب أن خطاب أيان علي هو خطاب صِدَامي «يستند على النظر إلى الإسلام باعتباره في مجموعه خطابًا أرثوذوكسيًّا متجانسًا يرفض إمكانية إنجاز أي إصلاح أو تغيير؛ خطابًا يُروِّج من الخارج لرؤيةٍ ديمقراطيةٍ ليبراليةٍ مثاليةٍ لا تقبل النقد».٥٧

(ﺟ) ساركوزي وانضمام تركيا للاتحاد الأوروبي

أعلن ساركوزي في وقتٍ سابق أن تركيا غير مؤهَّلة للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، وهو الإعلان الذي أثار اهتمام الفيلسوفة رافضةً إياه بكون العلاقات بين تركيا والاتحاد الأوروبي ليست جديدة، بل تعود إلى ١٩٥٧-١٩٥٨ خلال التوقيع على اتفاقيات أنقرة. ومعتبرة أن ساركوزي يحاول تقديم حججٍ ثقافية لا تبرِّر قط الموقف السياسي، وتطالبه باحترام معايير كوبنهاغن. أما مسألة الإسلام فإن تركيا لا تعني فرنسا قط؛ لذلك يُعتبر خطابه رسالةً موجهة لبلدان المغرب الكبير وليست إلى تركيا؛ لأن عدد العمال المهاجرين الترك إلى فرنسا لا يتجاوز ٨٠٠ ألف (وهم أكثر عددًا في كل من ألمانيا وهولندا). ورغم ذلك ترى بن حبيب أن تركيا ليست مثاليةً البتة بل إن لها مشاكلها الخاصة التي يجب أن تعالجها من قبيل الاغتيال (مثل اغتيال الصحفي الأرميني هرانت دينك Hrant Dink واضطهاد الروائي أورهان باموك Orhan Pamuk) وعيوب القانون الجنائي وخاصة المادة ٣٠١ التي تَعتبِر أن إهانة تركيا، أو الهُوية الوطنية التركية جريمة؛ فهذه المادة يجب أن تختفي في نظرها.
لذلك فإن المشروع الأوروبي «من وجهة نظر طوباوية — وجهة نظر تروق لي كمفكرة سياسية وأحيانًا كفيلسوفةٍ سياسية — يمكن أن يُنظر إليه كنموذج فيدرالي كُوسمُوبُولِيتي/كوني، كبنية حكمٍ فيدرالية ناشئة. ومن وجهة النظر هاته، يمكن النظر إلى الاتحاد الأوروبي كنواةٍ يمكن أن تتبعه دولٌ أخرى أو تقلده. يتعلق الأمر بما في الكلمة من معنًى، بمشروعٍ طوباوي، ذي طموحٍ مثالي … وسيكون موضوع تفكيرنا. ولكن على المستوى المؤسساتي والإداري، فإن لامتداد الاتحاد الأوروبي حدودًا مرتبطة بسلسلةٍ من المعايير. وأنا مقتنعة من وجهة نظرٍ تاريخية واقتصادية وبنيوية أن تركيا استجابت لهذه المعايير الأوروبية منذ زمنٍ طويل وبشكلٍ جوهري أكثر من المغرب على سبيل المثال».٥٨
١  أغلب المعطيات المتوافرة حول سيلا بن حبيب مأخوذة من مصدرين: Another Cosmopolitanism, 2006, OXFORD Univesity press, p. IX, X.
موقعها بجامعة يال، انظر الرابط: http://philosophy.yale.edu/benhabib.
٢  جائزة الفيلسوف مايستر إيكهارت (١٢٦٠–١٣٢٨) أُحدثت منذ ٢٠٠١ وتُمنح كل سنتين، وقد حصل عليها الفرنسي كلود ليفي ستروس Claude Levi-Strauss والألماني إرنست توغندهات Ernst Tugendhat وميشيل سير Michel Serres.
٣  من الحوار بين سيلا بن حبيب وكارين واهل جورجنسون Karin Wahl-Jorgensen حول الفضاء العمومي، التداول، الصحافة والكرامة، بتاريخ ٤ غشت ٢٠٠٨. المصدر: http://www.resetdoc.org/story/00000000965.
٤  نفس المرجع، نفس المصدر.
٥  نفس المرجع، نفس المصدر.
٦  نفس المرجع، نفس المصدر.
٧  نفس المرجع، نفس المصدر. الخطاب هنا موجَّه للفاعلين في الحركات الاجتماعية والمنظمات والجمعيات والمجتمع المدني، بالنظر إلى أهمية اللقاء والتداول والمناقشة في اتخاذ القرارات.
٨  يوجد بحسب بن حبيب في الولايات المتحدة الأمريكية وحدها حوالي ١٠ ملايين مهاجر غير شرعي، وهم مهاجرون من دون أوراق قانونية، وتعتبر أن نعتهم بأنهم غير شرعيين هو أولًا حكم مسبق لحالتهم ووضعيتهم القانونية.
٩  قائمة مؤلفات سيلا بن حبيب:
  • (1)
    Gender, Community and Postmodernism in Contemporary Ethics (1992).
  • (2)
    Democracy and Difference Princeton University Press, 1996.
  • (3)
    The Rights of Others. Aliens, Residents and Citizens Cambridge University Press, (2004).
  • (4)
    Another Cosmopolitanism Oxford University Press, (2006).
  • (5)
    A Study of the Normative Foundations of Critical Theory (1986).
  • (6)
    The Reluctant Modernism of Hannah Arendt (1996), réédité en (2002).
  • (7)
    The Claims of Culture. Equality and Diversity in the Global Era (2002).
  • (8)
    The Rights of Others. Aliens, Citizens and Residents (2004).
  • (9)
    Critique, Norm and Utopia. A Study of the Normative Foundations of Critical Theory (1986).
  • (10)
    Situating the Self. Gender, Community and Postmodernism in Contemporary Ethics (1992).
  • (11)
    Another Cosmopolitanism: Hospitality, Sovereignty and Democratic Iterations, with responses by Jeremy Waldron, Bonnie Honig and Will Kymlicka (Oxford University Press, 2006).
  • (12)
    Dignity in Adversity. Human Rights in Troubled Times (UK and USA: Polity Press, 2011).
  • (13)
    Mobility and Immobility. Gender, Borders and Citizenship.
  • (14)
    Feminist Contentions: A Philosophical Exchange (Thinking Gender).
  • (15)
    Feminism As Critique: On the Politics of Gender (Exxon Lecture Series), (1994).
١٠  The Rights of Others. Aliens, Residents and Citizens (Cambridge University Press, 2004).
١١  Another Cosmopolitanism (Oxford University Press, 2006).
وهذا الكتاب في الأصل محاضرة ألقتها بن حبيب في جامعة بركلي Berkeley في مارس ٢٠٠٤، ونشرتها مع الردود عليها في أكتوبر ٢٠٠٥، وتعود الردود على بن حبيب إلى كل من: جيرمي والدرون Jeremy Waldron الذي عنون محاضرته: معايير الكونية، وبوني هونيج Bonnie Honig: كونية أخرى، وويل كيمليكا Will Kymlicka.
١٢  في التعددية والديمقراطية الكونية، حوار أجراه مريانو كروز مع سيلا بن حبيب، ترجمة نبيل محمد صغير، منشور ضمن الكتاب الجماعي: «مدرسة فرانكفورت النقدية: جدل التحرر والتواصل والاعتراف»، ص٦٧٦.
١٣  Critique, Norm and Utopia. A Study of the Normative Foundations of Critical Theory (1986).
١٤  تلتقي بن حبيب في نقدها لإقصاء هابرماس لدور النساء في الفضاء العمومي مع الفيلسوفة الأمريكية النقدية المعاصرة نانسي فريزر التي خصصت مقالات هامة لهذه المسألة، للاستزادة انظر: N. Fraser: qu’est-ceque la justice sociale? traduction: Estelle Ferrarese, la découverte, Paris, 2011.
N. Fraser: le féminisme on mouvements: des années 1960 à l’ère néolibérale, traduction: Estelle Ferrarese, la découverte, Paris, 2012. (le cas de Habermas et du genre).
١٥  للاستزادة في صلة بن حبيب بمدرسة فرانكفورت المرجو الاطلاع على الفصل الثاني عشر «في التأسيس لمقبولية التَّعددية الثَّقَافية: دراسة في النظرية النقدية لسيلا بن حبيب»، لنبيل محمد صغير، في المؤلف الجماعي الصادر عن الرابطة العربية الأكاديمية للفلسفة بعنوان: «مدرسة فرانكفورت النقدية: جدل التحرر والتواصل والاعتراف»، ابن النديم ودار الروافد، الطبعة الأولى ٢٠١٢.
١٦  وهي في الأصل مفاهيم هابرماسية وظَّفتها بن حبيب لإعطاءِ معنًى جديدٍ للعقلانية التواصلية، أي معنًى واقعيًّا يأخذ بعين الاعتبار حقيقة القضايا المعيشية.
١٧  من كانط إلى هابرماس هل يمكن الجمع بين الكُوسمُوبُولِيتية والديمقراطية؟ سيلا بن حبيب ترجمة: رشيد بوطيب، حقوق النشر: معهد جوته فكر وفن، يونيو (حزيران) ٢٠١٢.
١٨  تُعارض هنا بن حبيب تصوُّر مارتا نوسبوم للكونية المستوحى من التصور الرواقي.
١٩  The Claims of Culture: Equality and Diversity in the Global Era.
٢٠  Nancy Fraser: qu’est-ce que la justice social? Reconnaissance et Redistribution, traduction de Estelle Ferrarese, la découverte, paris, 2011.
٢١  Romain Felli: Démo-a-cratie participative, territoire et autonomie, in: entpe.francelink.net/sites/default/files/Documents/…/Felli_Romain.doc.
٢٢  فالضيافة تقول عنها بن حبيب «ليست فضيلة اجتماعية، ليست فعلًا إنسانيًّا أو كرمًا تجاه الغرباء، الذين يحضرون إلى بلدي، أو لظروفٍ طبيعية أو تاريخية يحتاجون مساعدتي، بل إن الضيافة أكثر من ذلك، إنها «حق»، لكل الناس، بما أنه يمكن النظر إليهم كمواطنين بالقوة في «دولة الإنسان العامة»، الجمهورية العالمية». انظر: سيلا بن حبيب: «من كانط إلى هابرماس: هل يمكن الجمع بين الكُوسمُوبُولِيتية والديمقراطية» … ترجمة: رشيد بوطيب، حقوق النشر: معهد جوته فكر وفن، يونيو (حزيران) ٢٠١٢.
٢٣  ibid.
٢٤  ibid.
٢٥  تقول بن حبيب في هذا: «أما مصادري، فهي مأخوذة مباشرة من مشروع السلام الدائم الكانطي، الذي هو أساسًا إطارٌ قانوني ومؤسساتي، وربما هو عملية سياسية.» في التعددية والديمقراطية الكونية، حوار أجراه مريانو كروز مع سيلا بن حبيب، ترجمة نبيل محمد صغير، منشور ضمن الكتاب الجماعي: «مدرسة فرانكفورت النقدية: جدل التحرر والتواصل والاعتراف»، ص٦٨٣.
٢٦  حوار مشترك مع الفيلسوف أرشيبيكي والفيلسوفة سيلا بن حبيب، ترجمة نور الدين علوش، مؤسسة مؤمنون بلا حدود، الرباط. انظر موقع المؤسسة: http://www.mominoun.com.
٢٧  نفس المرجع.
٢٨  نفس المرجع.
٢٩  نفس المرجع.
٣٠  نفس المرجع.
٣١  Seyla Benhabib, Quelle solution pour Israël? vendredi 10 avril 2009, Traduit de l’anglais par Joseph MONTCHAMP—Lyon, voir le lien suivante: http://www.pressefederaliste.eu/Quelle-solution-pour-Israel.
٣٢  ibid.
٣٣  Seyla Benhabib, Quelle solution pour Israël? vendredi 10 avril 2009, Traduit de l’anglais par Joseph MONTCHAMP—Lyon, voir le lien suivante: http://www.pressefederaliste.eu/Quelle-solution-pour-Israel.
٣٤  Seyla Benhabib, Quelle solution pour Israël? ibid.
٣٥  ibid.
٣٦  جلبير الأشقر: «الشعب يريد: بحث جذري في الانتفاضة العربية»، ترجمة، عمر الشافعي، دار الساقي، بيروت-لبنان، الطبعة الثانية ٢٠١٤، ص١٢٥-١٢٦.
٣٧  Seyla Benhabib, Quelle solution pour Israël? vendredi 10 avril 2009, Traduit de l’anglais par Joseph MONTCHAMP—Lyon, voir le lien suivante: http://www.pressefederaliste.eu/Quelle-solution-pour-Israel.
٣٨  ibid.
٣٩  ibid.
٤٠  ibid.
٤١  ibid.
٤٢  ibid.
٤٣  ibid.
٤٤  العديد من أنصار حل الدولتين يعرفون أن العلاقات المستقبلية مع الدولة الفلسطينية ستكون شبيهة أقل بالعلاقات القائمة بين إيطاليا والنمسا، ولكنها أكثر شبهًا بعلاقات الصين مع التبت، وبعلاقات الهند مع كشمير. نفس المرجع.
٤٥  التشديد هنا لسيلا بن حبيب.
٤٦  ibid.
٤٧  ibid.
٤٨  ibid.
٤٩  ibid.
٥٠  سيلا بن حبيب: «الربيع العربي: الدين، الثورة والفضاء العمومي»، تم نشر النسخة الأصلية من هذا النص باللغة الإنجليزية في ٢٤ فبراير ٢٠١١ على الموقع: Transformations of the Public Sphere. http://publicsphere.ssrc.org/.
رابط المقال النسخة الانجليزية: http://publicsphere.ssrc.org/benhabib-the-arab-spring-religion-revolution-and-the-public-square/.
٥١  الترجمة الفرنسية بقلم: شارل جيرار Charles Girard.
٥٢  نيويورك تايمز، ٢١ فبراير ٢٠١١.
٥٣  المرجع نفسه.
٥٤  يستعمل سمير أمين أيضًا هذا المفهوم وهو ما يفيد عندنا في المغرب المحسوبية، في إشارة إلى استغلال الدولة من طرف العائلات أو العلاقات المادية والروابط القبلية خدمة لمصالح بعض الفئات البرجوازية. ويمكن أيضًا أن يشير إلى رأسمالية الريع كما يوظفه جلبير الأشقر حيث يقول: «إن قسمًا هامًّا مهيمنًا من الرأسمالية الخاصة في المنطقة العربية يندرج ضمن المحسوبية ورأسمالية المحاسيب؛ حيث تُعَد الدولة ومواردها بقرةً حلوبًا في نظر الحاكم الفردي وحاشيته من الأقارب والأصدقاء والأعوان.» جلبير الأشقر: «الشعب يريد: بحث جذري في الانتفاضة العربية»، ترجمة، عمر الشافعي، دار الساقي، بيروت-لبنان، الطبعة الثانية ٢٠١٤، ص٨٦.
٥٥  نُشر هذا الحوار بموقع مجلة الحركات بتاريخ ٧ سبتمبر ٢٠٠٧.
Publié sur le site de Mouvements le 7 septembre 2007. http://www.mouvements.info/.
رابط المقال: http://www.mouvements.info/La-Turquie-l-islam-Sarkozy-et-l.html.
٥٦  أيان هيرسي علي: مفكِّرة صومالية وُلدت في مقديشو يوم ١٣ نونبر ١٩٦٩، كاتبة وناشطة نسوية، ابنة السياسي وزعيم المعارضة الصومالية هيرسي ماجان عيسى، ومؤسس منظمة حقوق المرأة، وأحد زعماء مقاتلي الجبهة الديمقراطية لإنقاذ الصومال المعارضة لمحمد سياد بري. لها قصة طويلة مع الهجرة، حيث ارتحلت إلى أكثر من مكان: السعودية، كينيا، هولندا، واستقرت في أمريكا بعد أن حصلت على الجنسية يوم ٢٥ أبريل ٢٠١٣، التي اتخذتها مكان استقرارها مع زوجها المؤرخ البريطاني نيال فيرجسون Niall Ferguson. وقد سبق لها أن حصلت على الجنسية الهولندية سنة ١٩٩٧ وتم انتخابها سنة ٢٠٠٣ عضوًا في مجلس النواب الهولندي، ممثلًا لحزب الشعب للحرية والديمقراطية، وأدت الأزمة السياسية المحيطة باحتمال تجريدها من جنسيتها الهولندية إلى استقالتها من البرلمان، كما أدت بشكلٍ غير مباشر إلى سقوط الحكومة سنة ٢٠٠٦. كتبت سنة ٢٠٠٤ سيناريو وحوار فيلم الخضوع للمخرج الهولندي ثيو فان جوخ، وتلقَّت بعده تهديدات بالقتل مع المخرج الذي تم اغتياله بالفعل. نُشرت سنة ٢٠٠٦ مذكراتها التي تُرجمت إلى الإنكليزية سنة ٢٠٠٧ بعنوان: كافرة.
٥٧  نفس المرجع.
٥٨  نفس المرجع.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤