عهد معاوية بن يزيد ومروان بن الحكم
(١) عهد أبي ليلة معاوية الثاني
هلك يزيد وعبد الله بن الزبير خليفة في الحجاز، وقد بلغ نعي يزيد إلى ابن الزبير، قبل أن يبلغ الحصين بن نمير قائد الجيش الشامي المَقاتل لابن الزبير، فنادى ابن الزبير حصينًا، وقال: علامَ تقاتل وقد هلك طاغيتكم؟! فلم يصدِّقه حتى جاء الخبر، فبعث إلى ابن الزبير يهادنه ويقول: موعد ما بيننا الليلة في الأبطح، فالتقيا وتحادثا، فاستطاع ابن الزبير أن يجتذب حصينًا، فقال له: هلم نبايعك، ثم اخرج معنا إلى الشام، فإن هذا الجند الذي معي هم وجوه أهل الشام ورؤساؤهم، فوالله لا يختلف عليك اثنان، وتؤمِّن الناس، وتهدر هذه الدماء التي كانت بيننا وبينك وبين أهل الحرم.
فقال: أنا لا أهدر الدماء، والله لا أرضى أن أقتل بكل رجل منهم عشرة منكم.
وقد اضطربت أقوال المؤرخين في فترة خلافته، كما اضطربت في سبب تخليه عنها، فقال بعضهم: إنه هو الذي تخلَّى، وذهب آخر إلى أنه كان مريضًا مرضًا يمنعه من القيام بالأمر، وقيل: إنه كان مكرهًا على ذلك وأنه قد دُسَّ له سمٌّ فقُتل.
(٢) عهد مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس (٦٤-٦٥)
لما اعتزل معاوية انقسم الناس ثلاثة أقسام: قسم مع ابن الزبير، وهم أهل الحجاز وكثير من أهل الشام، وقسم مع بني أمية وهم بعض أهل الشام (كان اليمنية بزعامة كلب مع بني أمية، ولكنهم انقسموا قسمين: قسم منهم مع خالد بن يزيد الأديب العالم ولكنه صغير، وقسم مع مروان بن الحكم، وكان القيسية بزعامة الضحاك بن قيس مع عبد الله بن الزبير)، وقسم مستقلون لا يميلون إلى هؤلاء ولا أولئك.
(٣) الأحوال العامة في عهد معاوية ومروان
- (١) فتنة أهل الرأي؛ وذلك أنه لما بلغهم موت يزيد خلعوا ربقة الطاعة لبني أمية، وكان على رأسهم الفرحان الرازي، فبعث إليهم عامر بن مسعود أمير الكوفة جيشًا بقيادة محمد بن عمير بن عطارد التميمي، فتغلَّب عليه الرازيون، فبعث إليهم عامر عتاب بن ورقاء التميمي، فاقتتلوا قتالًا شديدًا حتى تفرَّق المشركون وقُتل الفرحان.٩
- (٢) فتنة أهل خراسان؛ وذلك أنه لم يكفهم موت يزيد واختلاف العرب بعده، وكان أمير خراسان سلم بن زياد، فخطب الناس وردَّهم إلى بيعته حتى يستقيم أمر الناس على خليفة فبايعوه، ثم نكثوا عهده بعد شهرين، فخرج من خراسان وخَلَّف عليها المهلب بن أبي صفرة، فلما وصل نيسابور لقيه عبد الله بن خازم، فقال له: من وَلَّيت خراسان؟ فأخبره فقال: أما وجدت من توليه خراسان غير هذا اليمني؟ اكتب لي عهدًا على خراسان، فكتب له وأعطاه مائة ألف درهم، ووقعت فتنة كبيرة بين ابن خازم والمهلب، انشطر فيها العرب شطرين: يمانية ونزارية، وانشطر النزارية إلى ربيعية ومضرية، وقد استمرت هذه الفتن طويلًا حتى قال أحد المضريين: إن ربيعة لم تزل غضابًا على ربها منذ بعث نبيَّه من مضر.١٠
- (٣) فتنة أهل الكوفة: وذلك أنهم لما علموا بموت يزيد، وأن البصريين قد بايعوا عبيد الله بن زياد، عزلوا أميرهم عمرو بن حريث، وأمَّروا عامر بن مسعود بن خلف القرشي.١١ فمكث ثلاثة أشهر حتى خضعت الكوفة لابن الزبير.
- (٤) فتنة أهل البصرة: وذلك أنهم بايعوا عبيد الله بن زياد، بعد أن علموا بموت يزيد، ولكنهم لم يلبثوا أن خلعوه ووقعت بين الجانبين حوادث انتهت بهرب عبيد الله إلى الشام، وخضوع البصرة لابن الزبير.١٢ واستقر المصران (البصرة والكوفة) لعبد الله بن الزبير حين بعث عليهما عبيد الله بن يزيد الأنصاري على الصلاة، وإبراهيم بن محمد بن طلحة على الخراج.