يزيد بن عبد الملك
(١) أوَّليته
هو أبو خالد يزيد بن عبد الملك بن مروان، وأمه عاتكة بنت يزيد بن معاوية بن أبي سفيان. قال ابن الأثير (٥: ٢٥): ولما احتضر عمر، قيل له اكتب إلى يزيد فأوصه بالأمة. قال: لماذا أوصيه، إنه من بني عبد الملك. ثم كتب إليه: أما بعد، فاتقِ يا يزيد الصرعة بعد الغفلة حين لا تقال العثرة، ولا تقدر على الرجعة، إنك تترك ما تترك لمن لا يحمدك، وتصير إلى من لا يعذرك، والسلام.
وكان يزيد فتًى شاعرًا مرحًا، يحب اللهو والمرح، اختلَّت في أيامه أمور الدولة، وابتدأت أحوالها بالفساد.
(٢) خلافته
وفي تلك السنة ثار مصعب بن محمد الوالبي الخارجي بالخورنق وقوي أمره، حتى بلغ الموصل، ومات يزيد وهم أقوياء، إلى أن فتك بهم خالد القسري في عهد هشام.
(٣) الغزو في عهده
وفي تلك السنة غزا عمر بن هبيرة بلاد الروم من ناحية أرمينية وهو على الجزيرة، فأسر منهم كثيرًا، كما غزاهم عباس بن الوليد بن عبد الملك فافتتح دلسة.
(٤) موته وبعض سيرته
كان يزيد فتًى شديد العاطفة، أغرم غرامًا شديدًا بجارية رائعة الحسن هي حبابة التي ملأ اسمها وحبها وأخبارها كتب الأدب والأغاني، وحدث أن ماتت، فجُنَّ جنونُه، ووجد عليها وجدًا كثيرًا، وخرج في تشييعها، فلم يقوَ على المشي ورجع، فلزم بيته أسبوعًا أو أسبوعين، هلك بعدها من السل، ولم يأذن لأحد أن يدخل عليه خلال هذه المدة. وليزيد شعر كثير فيها، وفي صاحبتها سلامة القس.
وكان يزيد — كما قلنا — فتًى ماجنًا، يحب اللهو ويحيا حياة الشعر والمجان، وقد كان الفرق شاسعًا بين عهده وعهد سلفه؛ فإنه عزل عُمَّال عمر الصالحين، وأرجع سب الإمام علي على المنابر، ولم يكن بالخليفة الذي تُحمد سيرته في دولة الحكم، وإن كانت أخباره وأشعاره وقصصه محمودة في دولة الأدب.
وفي أيامه انقسم بنو أمية، وازداد النفور بينهم؛ فقد كان أخوه هشام يكرهه لسوء سيرته، وينتقصه ويتمنَّى موته، فكان إذا بلغ يزيد ذلك اشمأز، حتى إنه كتب إليه يومًا: «أما بعد، فقد بلغني استثقالك حياتي، واستبطاؤك موتي، ولعمري إنك لواهي الجناح، أجذم الكف، وما استوجبت منك ما بلغني عنك.»
فأجابه هشام: «أما بعد، فإن أمير المؤمنين متى فرغ سمعه لقَوْلِ أهل الشنآن وأعداء النعم، يوشك أن يقدح في فساد دار البين، وتقطع الأرحام، وأمير المؤمنين بفضله وما جعله الله أهلًا له، أولى أن يتعهد ذنوب أهل الذنوب، فأما أنا فمعاذ الله أن أستثقل حياتك، وأستبطئ وفاتك.»
فكتب إليه يزيد: «مغتفرون ما كان منك، ومكذبون ما بلغنا عنك، واحفظ وصية عبد الملك أبينا وقوله لنا في ترك التباغي والتخاذل، وما أمر به من إصلاح ذات البين، واجتماع الأهواء؛ فهو خير لك وأملك بك، وإني لأكتب إليك، وأعلم أنك كما قال الأول:
(٥) المشهورون في عهده
-
(١)
عبد الملك بن المهلب بن أبي صفرة (؟–١٠٢) من شجعان العرب وأشرافهم، خرج على بني مروان مع أخيه يزيد، وشهد الوقائع كلها في العراق والمشرق، ولما قُتل أخوه وتفرقت جموعهم، قاد الحملات، ثم قُتل مع أخيه المفضل على أبواب قندابيل بالسند.
-
(٢)
عثمان بن حيان بن معبد المري (؟–١٠٥) والٍ غازٍ، استعمله الوليد على المدينة سنة ٩٣، وكان عنيفًا، فعزله سليمان سنة ٩٦، وولاه يزيد في سنة ١٠٣ غزو الصائفة. وفي سنة ١٠٤ غزا الروم أيضًا وفتح قيصرة.٨
-
(٣)
سعيد بن عمرو الحَرَشي (؟–١١٠) من بني حريش بن كعب بن ربيعة، كان من الأبطال الأتقياء، قتل شوذب الخارجي، وفتك بمن معه سنة ١٠١، وولاه عمر بن هبيرة خراسان، ثم بلغ ابن هبيرة أنه يُكاتب الخليفة، ولا يعترف بإمارته فعزله، وكان عاقلًا نبيهًا، وصفه ابن هبيرة بأنه فارس قيس.
-
(٤)
محمد بن مروان بن الحكم الأموي (؟–١٠١) أمير شجاع بطل، تولى الجزيرة وأرمينية وأذربيجان، واشتهر بقوة البأس، حتى إن أخاه الخليفة عبد الملك كان يحسده على ذلك.
-
(٥)
إسماعيل بن عبيد الله بن أبي المهاجر المخزومي (؟–١٣٢) أحد العشرة التابعين، كان فقيهًا ورعًا فاضلًا، استعمله عمر بن عبد العزيز على أهل إفريقية سنة ٩٩، فهداهم للإسلام، ولمعت شهرته، وكان من النبلاء الفقهاء الأجواد.
-
(٦)
الجنيد بن عبد الرحمن بن عمرو بن الحارث المري الدمشقي (؟–١١٦) أمير خراسان، الجواد الممدوح، ولاه يزيد وهشام إلى أن مات في خراسان.
-
(٧)
سورة بن الحر التميمي (؟–١١٢) أمير سمرقند، وأحد شيوخ تميم، انتدبه الجنيد لنجدته وهو يقاتل الترك فيما وراء النهر، فجاءه باثني عشر ألفًا حتى كشفهم، وكانوا قد أوقدوا نارًا خلفهم، فلما أغار سورة وأصحابه سقطوا في اللهب، فقتل مع أكثرهم.
-
(٨)
أشرس بن عبد الله السلمي (؟–١١٣) أمير فاضل شجاع، كان يُلقَّب بالكامل، كان من رجال دولة يزيد وهشام، تولَّى خراسان إلى سنة «؟»، غزا سمرقند.
-
(٩)
كُثيِّر بن عبد الرحمن الأسود الخزاعي (؟–١٠٥) الشاعر المتيم بعَزَّة، وفد على عبد الملك فازدرى منظره إلى أن عرف فصاحته وقدره، لمع اسمه في دمشق، وكان يزيد يحبه، ويعجب بأخباره وأدبه وشعره.
-
(١٠)
ثابت قطنة بن كعب بن جابر العتكي (؟–١١٠) قائد جواد وشاعر مجيد، وشجاع نبيل، شهد وقائع خراسان سنة ١٠٢، وأصيبت عينه، فجعل عليها قطنة عُرف بها، ولما غزا أشرس بن عبد الله بلاد سمرقند وما وراء النهر، كان ثابت معه ووجهه بخيلٍ إلى آمل، فقاتلهم إلى أن قُتل.
-
(١١)
حبابة المغنية، جارية يزيد بن عبد الملك، من مولدات المدينة، كانت حلوة ظريفة، حسنة الغناء طيبة الصوت، ضاربة العود، كانت لآل لاحق المكيين، أخذت عن ابن سريج وابن محرز ومعبد وجميلة وعزة الميلاء. روى الأصفهاني في الأغاني ١٣: ١٤٨ أن يزيد قال: ما تقرُّ عيني مما أوتيت من الخلافة حتى أشتري سلَّامة جارية مصعب بن سهل الزهري، وحبابة جارية لاحق المكية. فأرسل فاشتريتا له. وأخبارها كثيرة في الأغاني ١٣: ١٤٨–١٥١.
-
(١٢)
سلَّامة المغنية: نشأت بالمدينة، وأخذت عن معبد وابن عائشة وجميلة، وسميت بالقس، وهو لقب عبد الرحمن بن أبي عمار الجشمي من قُرَّاء مكة وعبَّادهم، شغف بها فعُرفت به. اشتراها يزيد في خلافته، وقيل في خلافة سليمان أخيه، وكانت أحسن غناء من حبابة، وحبابة أحسن وجهًا، وكانت سلَّامة تقول الشعر، وحبابة تتعاطاه فلا تحسنه، وكانت سلامة من أحسن النساء غناءً، وأروعهن شكلًا، ولها أخبار كثيرة في الأغاني ٨: ٥–١٣.