عهد له أخوه يزيد بالأمر بعده، فلما مات يزيد بُويع
بالخلافة، ولكنه كان ضعيفًا، وكانت الأمور قد فسدت،
والأسرة الأموية قد انقسمت، فكان الناس لا يهابونه؛ حتى إن
بعضهم استمر يُلقبه بالإمارة بعد خلافته؛ استهانة به، وقيل
إن مبايعته لم تتم. قال الطبري: خلافة أبي إسحاق إبراهيم،
لم يتم له أمر، وكان يسلم عليه جمعة بالخلافة، وجمعة
بالإمارة، وجمعة لا يسلمون عليه لا بالخلافة ولا بالإمارة،
ولم يطل عهده أكثر من سبعين ليلة، وقيل أربعة أشهر.
١ ثار عليه مروان بن محمد وتولَّى على الخلافة
بعده، وقد كنا رأينا أن مروان ثار في عهد يزيد بن الوليد
بالجزيرة، وغلب على أرمينية والموصل، فولاه إياها يزيد،
وسكن إلى أن بلغه موت يزيد، فسار بجنوده إلى قنسرين
واستولى عليها، ثم قصد حمص — وكان إبراهيم قد بعث إليها
جند دمشق — فلما رأوا مروان قادمًا بجيش كثيف هربوا إلى
دمشق، فدخل مروان حمص وبايعه أهلها، ثم ساروا معه إلى
دمشق، فبعث إليه إبراهيم جنده بقيادة سليمان بن هشام، وكان
عددهم «١٢٠ ألفًا» فنزلوا عين الجر، وجاء مروان ومعه
ثمانون ألفًا، فدعاهم مروان إلى الكف عن القتال، والتخلية
عن ابنَي الوليد بن يزيد وهما الحكم وعثمان المسجونان في
سجن دمشق، وضمن عنهما ألَّا يؤاخذاهم بقتلهم أباهما،
وألَّا يطلب أحدًا ممن ولي قتله، فأبوا عليه وجدُّوا في
قتاله، واستمر القتل بين الفريقين، وكان مروان مجرِّبًا
مكايدًا فأرسل ثلاثة آلاف قطعوا النهر، وجاءوا من خلف
الجند الشامي، فلم يشعر هؤلاء إلا بالخيل من ورائهم
فانهزموا، ولحقهم أهل حمص، فقتلوا منهم نحو سبعة عشر
ألفًا، وأسروا مثل ذلك العدد، فأخذ مروان عليهم البيعة
لولدَي الوليد، وخلَّى عنهم، ولم يقتل منهم إلا اثنين هما
يزيد بن العقار، والوليد بن مصاد الكلبيان، إذ كانا فيمن
قتل الوليد.
ودخل الشاميون المنهزمون دمشق، وكان أول ما عملوه أن
قتلوا ولدَي الوليد خوفًا من أن يقدم مروان، ويخرجهما من
الحبس، ويَقتلان قتَلة أبيهما، وانتهب سليمان بن هشام بيت
المال هو والجند، وهرب إبراهيم فاختفى، ودخل جند مروان إلى
دمشق ومروان من ورائهم.