عودة ميرابيل إلى المنزل
لم تتحقَّق النبوءة، التي تنبَّأ بها ليون جونزاليس، على الرغم من أنه ساعد بنفسِه في منع وقوع الكارثة الكبرى التي توقَّعها. عندما استيقظت ميرابيل ليستر في الصباح، كان رأسها ثقيلًا ومرهقًا، وظلَّت وقتًا طويلًا مستلقية بين النوم واليقظة، في محاولةٍ لترتيب أفكارها المرتبكة، عيناها مثبتتان على السقف نحو العارضة الخشبية الغليظة التي رأتها من قبلُ في مكانٍ ما؛ وعندما استجمعَت أخيرًا الطاقةَ الكافية لترفع نفسها على مرفقها، نظرَت إلى الأجواء المحيطة المألوفة جدًّا لغرفتها الصغيرة الجميلة.
مزرعة هيفيتري! يا له من حُلم غريب رأته! حلم مليء بصورٍ عابرة لرجالٍ مسنِّين ذَوي رءوس مستطيلة، وموسيقى راقصة وقاعةِ رقص مزدحمة، ورجل مبالغ في تأنقه يتعامل معها بأدبٍ شديد أثناء تناول العشاء. أين تناولت العشاء؟ جلست في الفراش مُمسكةً برأسها المرتج.
نظرت من حولها تتفقَّد الغرفة مرةً أخرى، وأدركت ببطء من أحلامها بضعَ حقائق مادية. كانت لا تزال في حالةٍ من الارتباك حين فُتح الباب ودخلت العمة ألما، وزاد القلق من عدم جاذبية وجهِ قريبتها.
قالت ميرابيل بوهن: «أهلًا، ألما!» وتابعت: «لقد رأيت حلمًا غريبًا.»
زمَّت ألما شفتيها وهي تضع الصينية على الطاولة بجوار الفراش.
«أظن أنه بخصوص ذلك الإعلان الذي رأيته.» ثم شهقت قائلة: «كيف أتيتُ إلى هنا؟»
قالت ألما: «لقد أحضَروكِ إلى هنا». وتابعت: «الممرضة في الطابق السفلي تتناول الإفطار. إنها امرأة لطيفة تحتفظ بقُصاصات الجرائد.»
تساءلت ميرابيل في ذهول قائلة: «الممرضة؟»
«لقد جئتِ إلى هنا الساعة الثالثة صباحًا في سيارة. وكان معكِ ممرضة»، وأخذت ألما تسرد الأحداث حسَب التسلسل الزمني مستطرِدةً: «ورجلان. خرج الرجل الأول وقرع الباب. كنت قلقة حتى الموت. في الواقع، كنت قلقة طوال وقتِ ما بعد الظهيرة، منذ أن تلقيت برقيتك التي تطلبين فيها مني عدمَ المجيء إلى لندن.»
ردَّت الفتاة قائلة: «ولكني لم أرسل أيَّ برقية بهذا الطلب.»
«بعد أن نزلت، أخبرني الرجل — كان رجلًا نبيلًا بحقٍّ ولبقًا للغاية — بأنه قد أصابك المرض وأتت بك إحدى الممرضات إلى المنزل. ثم حملوكِ، الرجلان والممرضة، إلى هنا في الطابق العلوي ووضعوكِ في الفراش، وغيَّرت لكِ أنا والممرضة ملابسكِ. لم أستطِع إيقاظَكِ بكل بساطة؛ كل ما كنتِ تفعلينه أنكِ كنتِ تتحدَّثين عن عصير البرتقال الغازي.»
«تذكرتُ! كان مرًّا للغاية، سمح لي اللورد إيفينجتون أن أشرب بعضًا من مشروبه. ثم … لا أعرف ماذا حدث بعد ذلك.» قالتها بقليلٍ من التجهم.
أوضحَت ألما قائلة: «طلب السيد جونزاليس السيارة، وأحضر الممرضة من دار رعاية.»
تساءلت في تعجُّب: «جونزاليس! أنت لا تقصدين جونزاليس الذي أعرفه … هل تقصدين جونزاليس عضوَ فريق رجال العدالة الأربعة؟»
أضافت ألما قائلةً: «أنا متأكدة من أنه جونزاليس؛ لم يكن الأمر سرًّا. يمكنك أن تُقابلي الرجل النبيل الذي أحضركِ؛ هو موجود في مكانٍ ما بالقرب من المنزل. رأيته في طريق هيفيتري قبل خمس دقائق، يقطع الطريق ذَهابًا وإيابًا ويُدخن. يدخن غليونًا.»
نزلت الفتاة من الفراش؛ كانت رُكبتاها ضعيفتَين جدًّا تتخبَّطان من أسفلها ولا تقوَيان على حملها، ولكنها استطاعت أن تترنَّح حتى وصلت إلى النافذة، وفتحت ضلفة النافذة عن آخرها، ونظرت عبر رُقعة مختلطةٍ من الألوان. كانت براعم الزهور الصيفية تتفتَّح؛ والروائح الذكية تملأ أجواء الصباح الدافئة؛ وقفت دقيقة، تستنشق كميةً كبيرة من العطر الرائع، ثم عادت بتنهيدة، إلى ألما التي وقفَت تنتظرها.
«لا أعرف كيف حدث كل ذلك وما مَغْزاه، ولكن يا إلهي، أنا سعيدة بعودتي، يا ألما! ذلك الرجل المخيف! تناولت معه الغداء في فندق ريتز كارلتون، لا أريد أبدًا أن أرى مطعمًا أو قاعةَ رقص مرةً أخرى، أو تشيستر سكوير حتى، لا أريد سوى مزرعةِ هيفيتري العزيزة!»
أخذت فنجان الشاي من يد ألما، وشربته في نهَم، ووضعته وهي تلهث قليلًا.
«كان هذا رائعًا! أجل، الشاي كان رائعًا جدًّا، ولكنني أفكِّر في جونزاليس. لو كان هو!»
«لا أدرك السبب وراء تحمُّسكِ لرجلٍ لا أعرف عددَ جرائم القتل التي ارتكبها.»
قالت الفتاة ساخرةً: «لا تكوني سخيفة، يا ألما!» وأضافت: «لم يرتكب رجالُ العدالة جرائم قتل أبدًا، ليس سوى جريمةِ قتل قاضٍ وأحد أعضاء هيئة المحلفين.»
لا تزال الغرفة تدور بها، واستطاعت بصعوبةٍ بالغة أن تدمجَ الصورة المزدوجة لألما التي وقفَت أمامها في صورةٍ لشخص واحد ملموس.
«ثمَّة رجلٌ محترم بالطابق السفلي؛ إنه ينتظر منذ الساعة الثانية عشرة.»
وعندما سألت، عرَفَت أن الساعة الواحدة والنصف؛ الأمر الذي أزعجها.
قالت في اندفاع: «سأنزل في غضون ربع الساعة». وتابعت: «مَن هو؟»
جاءتها إجابة غير مُرضية: «لم أرَه من قبل مطلقًا، لكنه رجل نبيل». وأضافت: «لم يرغبا في السماح له بالدخول.»
«من هما؟»
«الرجلان اللذان أتيا بكِ إلى هنا في المساء.»
حدَّقت بها ميرابيل.
«هل تقصدين … أنهما يحرسان المنزل؟»
قالت ألما في حدة: «هذا ما ظننتُه». وتابعت: «لا أعلم ما الذي يجعلهما يتدخلان في شئوننا. على أي حال، لقد سمَحا له بالدخول. السيد جونسون لي.»
عبَسَت الفتاة.
وأردفت قائلة: «لا أعرف الاسم.»
توجَّهت ألما إلى النافذة.
ثم قالت وهي تشير: «هذه هي سيارته.»
كانت بالكاد ظاهرةً للعيان، تقف على جانب الطريق خلف سِياج الحديقة الشجري المربَّع، سيارة رولز طويلة ذات لون أبيض مُترب. كان السائق يتحدث مع رجلٍ غريب، وخمَّنَت ميرابيل من حقيقة أنه كان يُدخِّن غليونًا بأن هذا هو أحد الرجلين اللذَين عيَّنا نفسَيهما حارسَين عليها.
أخذت حمَّامها، وارتدَت ملابسها بمساعدة الممرضة، ونزلت الطابق السفليَّ وهي تترنَّح. كانت ألما تنتظر في القاعة المبلطة بالحجارة.
قالت بنبرة هامسة مسموعة: «إنه يريد مقابلتك على انفراد». وتابعَت: «لا أعرف إذا كان من المفترض أن أسمح له بذلك، ولكن من الواضح أنَّ هناك خَطبًا ما. هؤلاء الرجال الذين يتجوَّلون في المنزل يُثيرون أعصابي تمامًا.»
ضحكت ميرابيل بعذوبةٍ وهي تفتح الباب وتدخل الغرفة. وعند سماع صوتِ إغلاق الباب، وقف الرجل الجالس في جمودٍ على الأريكة المنخفضة بجوار إطار النافذة. كان طويلًا ومحنيَّ القامة، ووجهه الأسمر محدَّد الملامح. لم تستطِع أن ترى عينَيه؛ كانتا مختبئتَين خلف نظارة خضراء داكنة، تحولت في اتجاهها حين عبَرت الغرفة لتحيَّته.
تساءل بنبرةٍ هادئة، ومعتدلة لرجل مثقف: «هل أنت الآنسة ميرابيل ليستر؟» وصافحها.
«هلَّا تجلس؟» قالتها لأنه ظل واقفًا بعد أن جلسَت هي.
«شكرًا لكِ.» جلس بحذرٍ شديد، ممسكًا بين ركبتَيه بمقبض الشمسية التي دخل بها إلى غرفة المعيشة. واستطرد قائلًا: «أخشى أن تكون زيارتي غيرَ مناسبة، يا آنسة ليستر؟» وتابع: «هل سمعتِ عن السيد باربرتون ولو مصادفةً؟»
قطبَت جبينها مستغرقةً في التفكير. وأردفت قائلة: «باربرتون؟ يبدو أنني سمعت الاسم.»
«قُتل أمسِ على جسر التايمز.»
حينئذٍ تذكَّرَت. وتساءلتْ في ذعر: «الرجل الذي لدغَته الأفعى؟»
أومأ الزائر برأسه.
«كانت وفاته صدمةً كبيرة بالنسبة إليَّ؛ لأنني كنتُ صديقَه على مدار عدة سنوات، وقد كنت أنوي زيارة الفندق الذي نزل به في ليلة وفاته.» ثم فجأةً حوَّل الحديثَ في اتجاه آخر ومفاجئ. وقال: «كان والدكِ عالمًا، أليس كذلك يا آنسة ليستر؟»
أومأت برأسها بالإيجاب.
«أجل، كان عالِمَ فلَك، خبيرًا في مجال دراسة الشهب.»
«بالضبط. ظننت أنه كان كذلك بالفعل. لم يُقرأ كتابه لي إلا مؤخرًا. قضى بعض السنوات في أفريقيا، أليس كذلك؟»
قالت في هدوء: «أجل، كان يدرس الشهب لمدة ثلاث سنوات في أنجولا. ربما تعرف أن عددًا كبيرًا جدًّا من الشهب تتساقط في تلك الدولة. كانت نظرية أبي أن السبب وراء ذلك هو جبالُ الحجَر الحديدي التي تجتذبها؛ ولذا أنشأ مرصدًا صغيرًا في المناطق الداخلية.» ارتعشَت شفتاها لثانية. وهي تقول: «قُتل أثناء ثورة محلِّية.»
«هل تعرفين أين يقع مرصده في أنجولا؟»
هزَّت رأسها بالنفي.
قائلة: «لا أدري. لم أذهب إلى أفريقيا مطلقًا، ولكن ربما العمَّة ألما تعرف.»
خرجَت لتجدَ العمة ألما تقف في الرواق، في حوارٍ مع صاحب الغليون. انسحب الرجل بسرعة عند رؤيتها.
سألتها قائلة: «ألما، هل تتذكرين أين كان مرصد أبي في أنجولا؟»
لم تكن ألما تعرف مستعينةً بذاكرتها وحدها؛ ولكن أحد دفاترها الثمينة لقصاصات الجرائد كان يحتوي على جميع المعلومات التي تريدها الفتاة، وأتت بالدفتر إلى السيد لي.
قالت وهي تفتح الدفتر وتضعُه أمامهما: «إليك التفاصيل.»
طلب منها في رفقٍ: «هلا تقرئين لي؟» فقرأت له الفقرات الثلاث القصيرة التي ذكَرت أن البروفسير ليستر اتخذ مقرَّ إقامته في بيشاكا.
قاطعها الزائر قائلًا: «هذا هو المكان». وتابع: «بيشاكا! هل أنتِ واثقة من أن السيد باربرتون لم يتواصل معكِ؟»
قالت في دهشة: «معي أنا؟ كلا … ولمَ قد يفعل؟»
لم يُجِب، ولكنه جلس مستغرقًا وقتًا طويلًا، ليُقلب الأمر في ذهنه.
«هل أنتِ واثقة تمامًا من أنَّ أحدًا لم يرسل لكِ وثيقة، ربما باللغةِ البرتغالية، بخصوص …» تردَّد قبل أن يقول: «بخصوص بيشاكا؟»
هزَّت رأسها بالنفي، ثم بدا كأنه لم يُلاحظ الإيماءة، فكرَّر السؤال مرةً أخرى.
قالت: «أنا متأكدة». وتابعت: «يأتي إلى مزرعتنا عددٌ قليل جدًّا من المراسلات، ولا يمكن أن أتغاضى عن أي شيء لافتٍ جدًّا للنظر.»
قلَّب المسألة في ذهنه مرة أخرى.
«هل لديك أيُّ وثائق باللغة البرتغالية أو الإنجليزية … أي خطابات من والدكِ بخصوص أنجولا؟»
أجابت قائلة: «لا شيء!» ثم أضافت: «الإشارة الوحيدة التي أوردَها أبي عن بيشاكا كانت بخصوص حصوله على الكثير من المعلومات التي كان يعتقد بأنها ذاتُ قيمة، وأنه منزعج قليلًا لأنَّ الكاميرات الخاصةَ به، التي ثبَّتها في أنحاء متفرقة من البلاد لتغطية كل جزء من السماء، تعرَّضتْ للتشويش بسبب المستكشفين المتجولين.»
سأل السيد لي في حماس: «قال هذا، أليس كذلك؟ هكذا إذن، هذا يُفسر الكثير من الأمور!»
ضحكت رغمًا عنها. ثم قالت بصراحة: «هذا لا يُفسِّر شيئًا بالنسبة إليَّ، يا سيد لي.» ثم أردفت بنبرةٍ أكثرَ جدية قائلة: «هل جاء باربرتون من أنجولا؟»
خفَض صوته قائلًا: «أجل، باربرتون جاء من تلك الدولة». وتابع: «وأودُّ أن أخبرك …» تردد قبل أن يقول: «ولكني أخشى كثيرًا.»
«تخشى أن تُخبرني؟ لماذا؟»
هز رأسه.
«وقع الكثيرُ من الأمور المروعة مؤخرًا لباربرتون المسكين وآخرين، تبدو معرفة تلك المعلومات أمرًا خطيرًا للغاية. أتمنى لو أنني أُصدِّق بأنها ليست خطيرةً بالنسبة إليك»، وأضاف بلطف قائلًا: «حينئذٍ سيُصبح في استطاعتي التحدثُ بما يدور في ذهني وأريح نفسي من القلق الشديد.» ثم نهض ببطء. وقال: «أظن أنَّ أفضل شيء يمكنني القيامُ به هو استشارة المحامي الخاص بي. لقد كان من الحماقة ألا أُطلِعَه عليه مدةً طويلة جدًّا. هو الرجل الوحيد الذي أستطيع أن أثقَ فيه ليبحث في وثائقي.»
لم يسَعْها سوى التحديق فيه بذهول.
ثم قالت بأسلوبٍ فكاهي: «ولكن يمكنك بالتأكيد البحث في وثائقك الخاصة، أليس كذلك؟»
«نعم. للأسف لا يمكنني ذلك. لأن …» وأردف بعفوية الأطفال قائلًا: «لأنني كفيف.»
شهقَت ميرابيل قائلة: «كفيف؟» فضحك الرجل بهدوء.
«قدراتي تفوق قدرةَ رجل كفيف، أليس كذلك؟ يمكنني السير عبر غرفة وتفادي الاصطدام بقِطَع الأثاث. الشيء الوحيد الذي لا يمكنني القيامُ به هو القراءة … على الأقل، قراءة النصوص المطبوعة بالطريقة التقليدية. أستطيع أن أقرأ بطريقة برايل؛ لقد علَّمَني باربرتون المسكين. لقد كان مدير مدرسة»، وأوضح قائلًا: «مدرسةٍ للمكفوفين بالقرب من مدينة برايتلينجسي. لم يكن رجلًا متعلمًا على نحوٍ استثنائي، وإنما كاتبٌ سريع جدًّا بطريقة برايل. كنَّا نتواصل سنواتٍ بتلك الوسيلة. كان يستطيع الكتابةَ بحروف برايل بنفس سرعة كتابتك باستخدام القلمِ والحبر تقريبًا.»
امتلأ قلبُها بالشفقة تجاه الرجل؛ كان مبتهجًا للغاية، وواثقًا من نفسه، وكذلك فخورًا جدًّا بإنجازاته، لدرجةِ أن الشفقة تحولَت إلى إعجاب. كان يتصف بمسحةٍ من العناد الشديد التي يتصف بها الكثيرُ من الرجال الذين يواجهون المصير نفسَه، وبدأتْ تُدرك أن الإشفاق على الذات، وهي أعظم مصيبة من جميع المصائب التي تُصاحب العمى، بعيدةٌ كلَّ البعد عن فلسفته في الحياة.
قال، وهو يمدُّ يده: «أود أن أخبرك بالمزيد». وتابع: «على الأرجح سأُملي على أحدهم خطابًا طويلًا من أجلك غدًا، أو سيفعل المحامي الخاص بي ذلك؛ لأضع جميع الحقائق أمامك. أما الآن، فيجب أن أتأكد من دوافعي. ليس لدي أدنى رغبةٍ في أن أثير داخلك الخوف أو … الأمل. هل تعرفين السيد مانفريد؟»
ردَّت على الفور قائلة: «لا أعرفه بصورة شخصية». وتابعت: «أتقصد جورج مانفريد؟»
أومأ برأسه.
سألته بحماس: «هل التقيتَ به؟» وأضافت: «والسيد بويكارت، الفرنسي؟»
أجاب قائلًا: «كلا، لا أعرف السيد بويكارت. لقد تحدثَ السيد مانفريد معي على الهاتف في وقت مبكرٍ جدًّا من هذا الصباح. يبدو أنه يعرف كلَّ شيء عن علاقتي بصديقي المسكين. كما أنه يعرف أنني كفيف. رجل استثنائي، نبيل جدًّا ومهذب. إنه هو مَن أعطاني عنوانك. وربما»، ثم نهض وهو يقول: «من المستحسَن أن أستشيره أولًا.»
قالت في حماس: «أنا واثقةٌ من ذلك!» وتابعت: «إنهم رائعون. لقد سمعتَ عنهم، بالتأكيد، يا سيد لي؛ أقصد رجال العدالة الأربعة؟»
ابتسم.
وعلَّق قائلًا: «يبدو أنكِ معجبة بهم». وأضاف: «أجل، لقد سمعتُ عنهم. إنهم الرجال الذين، منذ سنوات عديدة مضَت، قد أخذوا على عاتقهم تسويةَ تناقضات القانون الإنجليزي، بمعنى أن يُطبِّقوا العقوبة في الموضع الذي لا ينصُّ فيه القانون على عقوبة. من الغريب أنني لم أتعامل معهم من قبل …»
استغرق وقتًا طويلًا ليتأمل الأمر، ثم أردف قائلًا: «لا أدري»، ولكنه لم يُخبرها عما لا يَدريه.
سارت معه عبر طريق الحديقة، ومنه إلى الطريق، ووقفت تتحدثُ عن الريف والزهور التي لم يرَها مطلقًا، والطقس وتلك الأمور التافهة التي يتحدث عنها الناس حين تكون أذهانهم منشغلةً بأفكارٍ أكثرَ جدية لا يمكنهم مشاركتُها مع أحد، حتى توقفت السيارة الليموزين الكبيرة وصعد إلى كابينتها الرائعة. كان يتَّسم بالاستقلالية التي يتميَّز بها الكفيف المتعلم، ورفض بلطفٍ عرْضها للمساعدة، وهو عرضٌ لم تُحاول أن تُكرِّره، مستشعرةً الرضا الذي ينتابُه حتمًا حين يشق طريقه دون مساعدة. لوَّحت بيدها للسيارة أثناء مغادرتها، ورفع هو يدَه بتلقائية ليُحيِّيَها، وللحظة ظنت أنه يراها.
ابتعدَ عن مجال رؤيتها، ولعله كان من المقرَّر أن يبتعدَ عن حياتها كلها؛ إذ إن السيد أوبيرزون قد أصدر قرارًا بأن تُصبح الساعات الباقية من عمر جونسون لي الكفيف قليلةً جدًّا.
ولكن من قبيل الصدفة أن الرجال الثلاثة توصَّلوا إلى القرارِ نفسِه بخصوص السيد أوبيرزون، بيدَ أنهم احتاروا في طريقة وفاته. وطرح ليون جونزاليس آراءً مبتكرة.