خطاب مكتوب بطريقة برايل
حكى ليون بإيجازٍ المشهدَ الذي رآه من الشرفة.
وقال: «كان ذلك جيرتر بلا شك». وتابع: «لا يمكن أن أُخطئ في التعرف عليه. لقد غاب عن النظر لثانيةٍ بالوقوف خلف أحد الأعمدة، وعندما نظرت حول المكان وجدته مستلقيًا على الأرض.»
ألقى سيجارته في نيران المدفأة.
وأضاف قائلًا: «أظن حان الوقت.» انتظر حتى ذهب مانفريد، وتوجَّه نحو الباب، فأزال العارضة وفتح البابَ عن آخره.
انحنى ليون لأسفل، ووجد أن مدخل الباب كان مُراقَبًا؛ إذ كان أحد الرجال يتحرك عبر المساحة العُشبية باتجاه المنزل. فأخرج من جيبه مِصباحًا كهربيًّا صغيرًا، وأرسل ثلاث ومضات في الظلام. ولعل ما أدهشه أن رجلَين فقط هما مَن تحرَّكا باتجاه المنزل. فمن الواضح أنه كان من المُنتظر أن يتعامل كوتشيني مع أي مقاومة قبل وقوع المداهمة.
بُني المنزل في القرن الخامس عشر، وكانت صالة الدخول عبارةً عن مكانٍ أشبه بحوش فسيح ومرتفع. حيث بنى مهندسٌ معماري من العصر الجورجي، على الطراز الفريد الذي يشتهر به أمثاله، شرفةً صغيرة يقف فيها المطرب أثناء الحفلات، وهي تقعُ فوق مدخل غرفة الطعام وفي مواجهة غرفة المكتب مباشرة. وقد استكشف ليون المنزل بالفعل ووجد السُّلَّم الصغير جدًّا المؤديَ إلى هذا البناء المعماري. وبمجرد أن أعطى الإشارة دخل غرفة الطعام، عبر الباب الطويل، واختبأ وراء الستائر الثقيلة في خلفية الشرفة الضيقة، عندما دخل الرجلان الأوَّلان. حيث رآهما يدخلان إلى غرفة المكتب مباشرة ويدفعان الباب لفتحه. وفي الوقت نفسِه، ظهر رجلٌ ثالث أسفل الرواق، إلا أنه لم يُحاول دخول الصالة الكبيرة.
بعد وقت قصير خرج أحدُ الرجلين اللذين دخلا غرفة المكتب ونادى كوتشيني باسمه. وعندما لم يأتِه ردٌّ، عاد مُتبرِّمًا لاستكمال مهمته. واستطاع ليون أن يُخمِّن تلك المهمة، قبل أن يشَمَّ بأنفه الحساس الرائحةَ المميزة القوية للمعدن الساخن.
جثا ليون على ركبتَيه واستطاع أن يرى أرجُلَ الرجلَين اللذين كانا يفتحان الخزينة. حيث أضاءا الأنوارَ كلها، وكان واضحًا أنهما لم يتوقعا أن يُقاطعهما أحد. ثم انضم رجلٌ آخر إلى الرجل الواقف عند الباب. فسأل الرجلُ الثاني قائلًا:
«أين ليو؟»
في ظل سكون المنزل، كانت الكلماتُ مسموعة، رغم نطقها بصوت خافت.
فأجابه الرجل الأول قائلًا: «لا أعرف … في مكانٍ ما بالداخل. عليه تدبُّر أمر ذلك الإسباني.»
ابتسم ليون. فلم يفشل وصفُه هكذا أبدًا في إضحاكه.
في تلك اللحظة خرج أحدُ الرجلين الموجودَين بالمكتبة. فسأل قائلًا:
«هل رأيت كوتشيني؟»
فأجابه الرجل الواقف عند الباب: «لا.»
فقال: «ادخل وابحث عنه. فهو هنا بالتأكيد.»
كان غياب كوتشيني يُشعره بعدم ارتياح واضح؛ لأنه عندما عاد إلى الغرفة خرج مرةً أخرى بعدها بدقيقة، ليسأل إذا كان الرجل الذي أرسله للبحث قد عاد. بعدها، أتى صوتُ الرجل من نهاية الممر، قائلًا: «المطبخ مغلق.»
فعبَّر الرجل الذي كان يكسر الخزينة عن دهشته.
فعلَّق قائلًا: «مغلق؟ وما الغرض من ذلك؟»
فأتى عند طرف السُّلم وصاح مناديًا: «كوتشيني!»
لكن لم يُجِبه سوى صدى صوتِه.
وأقحم رأسه عبر باب غرفة المكتب. وقال: «هذا غريب». وتابع: «أنجِز عملك بسرعة يا مايك. فلا تزال أمامنا مهمة ممتعة هنا.» ومن فوق كتفه، أضاف قائلًا: «بلِّغ الرجال بأن يستعدوا للقفز.»
فخرج الرجل في ظلام الليل وغاب بضع دقائق، ثم عاد بخبرٍ مخيف.
فقال: «لقد رحلوا يا زعيم. لا أجد أيًّا منهم.»
فسبَّه «الزعيم»، وخرج إلى الحديقة للتفتيش. ثم عاد متعجِّلًا، وهُرِع إلى غرفة المكتب، حيث سمع ليون صوته وهو يقول: «استعدوا للمغادرة.»
فسأله مايك قائلًا: «وماذا عن كوتشيني؟»
فأجابه: «فليعتنِ بنفسه! هل تفهم ذلك، يا مايك؟»
قال الصوت الأجشُّ شيئًا ما. تلا ذلك صوتُ تحطُّم، وكأن شيئًا من حديد قد انكسر. كانت تلك هي اللحظة المناسبة. حيث أبعد ليون الستائرَ وانبطح على الأرض برفق.
عند سماعه صوتَ الحركة، استدار الرجل الواقف عند الباب في لحظة واحدة.
وقال في حدة: «ارفع يدَيك عاليًا!»
فقال ليون بنبرةٍ حوارية هادئة: «لا تُطلق النار». وتابع: «إن الشرطة تحاصر المنزل.»
خرج الرجل من الباب مندفعًا بينما يُطلق السِّباب، وفي تلك اللحظة أتى صوتُ الرصاصة الأولى، متبوعًا بصوت إطلاق نارٍ عشوائيٍّ آتٍ من ناحية الطريق. فرحل الحارس الثاني أولًا. وهُرِع ليون إلى الباب، وأغلقه بعنفٍ وأضاء الأنوار بينما أتى الرجلان من غرفة المكتب. وكان أحدهما يضعُ تحت ذراعه رِزمةً سميكة من أوراقٍ بُنِّية مربعة. فأسقطها ورفع يدَيه في مواجهة المسدس؛ إلا أن رفيقه كان أكثرَ شجاعةً منه، فقفز صائحًا، ليهجم على الرجل الذي يحول بينه وبين الحرية. فالتوى ليون بجسده جانبًا، وحرَّك كتفه إلى الأمام ليتلقى اللكمة القوية التي سددها له الرجل بقبضته؛ وبعد أن سقط مسدسه، انحنى بسرعة وضرب الرجل الآخر أسفلَ ركبتيه. فترنَّح الرجل، وحاول استعادة توازنه لكنه سقط مرتطمًا بالأرضية الحجرية. بينما كان رفيقه طَوال هذه المدة يقف مترنحًا ومحدِّقًا، ملوِّحًا بيدَيه في الهواء.
في تلك الأثناء أتى صوتُ طرقةٍ على الباب الخارجي. ومن دون أن يُدير ليون ظهره لسجينَيه، أمسك بعارضة الباب وجذَبها لأعلى. فدخل مانفريد.
وقال: «لقد أخافهم الرجلُ الذي نادى «كوتشيني». أظنهم قد رحَلوا. فلقد كانت هناك سيارتان متوقفتان على الطريق.»
ثم وقعَت عيناه على الأوراق البُنية المبعثرة على الأرض، فأومأ برأسه.
وقال: «أظن أنَّ لديك كلَّ ما تريد، يا ليون.»
في تلك اللحظة دخل المحقِّقون محتشدين، ووضعوا الأغلال في أيدي سَجينَيهم، بينما خرج ليون جونزاليس وصديقه إلى الساحة العشبية بحثًا عن جيرتر.
كان الرجل منبطحًا، حيث سقط منكبًّا على وجهه، وعندما أضاء ليون مِصباحه فوق الجثة، وجد الأفعى قد لدغته خلف الأذن.
فقال ليون عاقدًا حاجبَيه: «جيرتر؟»
أدار الجثة على ظهرها وشهق في دهشة، حيث وجد وجه فايفر الصارمَ ناظرًا إلى السماء المرصعة بالنجوم.
فقال ليون: «فايفر! كنت متأكدًا تمامًا أنه الآخر! هناك خدعةٌ بالأمر. دعني أفكِّر.» ووقف دقيقةً كاملة، واضعًا يده على ذقنه. ثم قال: «كان بإمكاني أن أفهم جيرتر؛ فقد أصبح يُشكِّل مصدر إزعاج وخطرٍ للرجل العجوز. لقد كرهه فايفر، وهو الأكثرُ موثوقيةً بين الاثنين. كانت نظريتي الأولى أن جيرتر قد أُبعِدَ بأمرٍ من أوبيرزون.»
فسأله مانفريد بهدوء قائلًا: «تخيَّلْ لو أن جيرتر قد سمع الأمر، أو علم به؟»
ففرقعَ ليون أصابعه. وقال:
«هذا هو مَربِط الفرَس! كانت لدينا قضية مشابهة قبل بِضع سنوات، هل تتذكرها، يا جورج؟ لقد أعطى الرجل العجوز أمرَ «الإبعاد» إلى فايفر، وضرب جيرتر ضرْبتَه أولًا. يا له من داهية!»
ولمَّا عادا إلى المنزل، جلس الثلاثة مصطفِّين في غرفة مكتبة جونسون لي. بالطبع، كان كوتشيني معرفةً قديمة. ومن بين الرجلَين الآخَرين، تعرَّف ليون على أحدهما؛ مجرمٌ مُسلَّح سيئ السمعة، ظلت صوره تملأ عمود «ابحث مع الشرطة» على صفحات الجرائد شهورًا.
أما الرجل الثالث الذي كان واضحًا أنه الحِرفي الماهر بينهم، والذي كانوا يُنادونه باسم «مايك» والذي أحرَق قُفل خزينة لي؛ فقد تعرَّف عليه ميدوز وعرَف أنه مايك سيلوين، لصٌّ محترف وفتَّاحُ خزائن، والذي، وفقًا لحديثه، قد وصل من أوروبا عصر ذلك اليوم استجابةً لدعوة سخيَّة وعدته بمبلغ جيد من المال.
قال مايك في مرارة: «لماذا تركتُ ميلان، حيث السرقةُ السهلة والمالُ الوفير، أودُّ منك أن تُخبرني!»
نُقِلَ السجناء إلى أقربِ حجز آمن، ولَمَّا عاد خدمُ لي من حفلهم الراقص، كانت كل الدلالات على تلك الساعة العصيبة قد اختفت، عدا باب الخزينة المُسوَدِّ الملتوي الذي كان شاهدًا على تلك الزيارة البغيضة.
عاد ميدوز بينما كانا يجمعان معًا الأوراقَ المُبعثرة. حيث كانت هناك المئاتُ منها، كلها مكتوبة بحروف طريقة برايل، وكان مانفريد يقرؤها قراءةً سريعة بأصابعه الحساسة.
فقال مانفريد ردًّا على سؤالٍ وُجِّه له: «آه، نعم. عرَفت أنَّ لي كفيف، وذلك في اليوم الذي كنا نُفَتِّش فيه في ممتلكات باربرتون. لكن كان هذا سريًّا.» ضحك مانفريد. ثم استطرد قائلًا: «لقد انتظر باربرتون زيارةً من صديقه القديم وترك له رسالة على رفِّ المدفأة. هل تذكرون تلك القصاصة من الورق؟ تلك التي كان مكتوبًا فيها: «عزيزي جوني، سأعود في غضون ساعة». هذه خطابات» مُشيرًا إلى الأوراق.
فقال ميدوز: «استنتجتُ ذلك من الأظرف». وتابع: «لعلك لا تستطيع إدانة كوتشيني؛ حيث سيقفُ اللصَّان أمام القاضي، لكن اتهام كوتشيني يعني افتضاحَ قصة الأفعى بالكامل، وهو ما يعني تأثيرًا أكبرَ من استعدادي لاستبعاده … أميل إلى صرف النظر عن كوتشيني في الوقت الحالي.»
فأومأ مانفريد بالإيجاب. وجلس بينما الأوراق ذات النقش البارز موضوعةٌ على ركبتَيه.
وقال: «إنها مُرسَلة من أماكن مختلفة.»
كانت مشاهدة مانفريد مثيرةً للفضول، حيث تتحرك أصابعه برفقٍ بطول السطور المنقوشة، وعيناه تُحدِّقان في الفراغ.
ثم قال: «لم أعرف شيئًا حتى الآن، عدا أن باربرتون في وقت فراغه كان يُسلِّي نفسه بترجمة القصص الخرافية من لُغتها الأصلية إلى الإنجليزية، وكتابتها بطريقة برايل؛ للاستفادة منها في مدارس المكفوفين. أعرف، طبعًا، أنه فعل ذلك لأنني قد قابلتُ أخته بالفعل، التي كانت مديرةَ قسم البنات.»
كان قد انتهى من قراءة ستة خِطابات عندما نهض عن الطاولة وتوجَّه نحو الخزينة.
وقال: «أشعر أن الشيء الذي نبحث عنه غيرُ موجود هنا». وتابع: «فمن المستبعَد تمامًا أن يسمح بخلط خطاب بهذه الأهمية مع باقي المراسلات.»
كان باب الخزينة مفتوحًا، وكذلك الدُّرج المعدِني في الخلف. وكان من الواضح أن الخطابات قد أُخرِجَت من هذا الدُّرج. أصبح الدرج شاغرًا الآن. فأخرجه مانفريد وبدأ يقيس عُمقه بإصبعه.
فقال جونزاليس فجأة: «دعني أرَ.»
تحسَّس أرضية الخزينة، وبدأ يتلمَّس الجوانب بحذر.
وقال: «لا شيء هنا.» ثم أمسك بستةٍ من دفاتر الحسابات ورِزْمة من الوثائق التي وضَعها مانفريد جانبًا؛ إذ ظنَّها للوهلة الأولى وثائقَ شخصية لمالك راث هول. كانت هذه الأشياء مُلقاةً على الأرض وسط كُتَل المعدن المنصهر التي أحرقت السجادة وصنعت فيها ثقوبًا عميقة. فتفحَّص ليون الدفاتر كلًّا على حِدَةٍ، وفتحها ممرِّرًا إصبعه بطول حواف الصفحات. أما الدفتر الرابع الذي كان دفترًا ثقيلًا، فلم يُفتَح بسهولة … أو، في الواقع، لم يُفتَح أصلًا. فأخذه ليون إلى الطاولة وحاول نزع الغلاف. بينما يقول: «والآن، كيف يُفتح هذا؟»
كانت أغلفة الدفتر مصنوعةً من الجلد؛ لذلك بدا أنه دفترٌ عادي، وكان ليون حريصًا على ألَّا يُفسد هذا الغلاف التمويهي البديع. وأثناء فحصه لحافة الدفتر بدقة، رأى جزءًا كانت الحواف فيه متباعدةً عن عمد. فأخرج سِكينًا بحوزته، وأدخل النصلَ الرفيع في الفتحة. فسمعوا صوت طقطقة، وانفتح الغلاف كغطاء صندوق.
فقال جونزاليس: «أظن أنَّ هذا هو ما نبحث عنه.»
كان الدفتر مُجوَّفًا من الداخل، والحواف المتبقية مُلصَقة بالصمغ بإحكام، فأصبح يُشكل حاويةً مغلَّفة بأوراق بُنية؛ عدا ورقةٍ واحدة، كانت عبارةً عن صفحة كبيرة من الفولسكاب، بعنوان:
«مكتب وزارة المستعمرات، لشبونة.»
وقد نقش باربرتون الكتابةَ بطريقة برايل فوق هذه الوثيقة الطويلة، والآن حُلَّ أحد الألغاز.
قال مانفريد: «قال لي إنه لم يتلقَّ أبدًا أيَّ وثائق مهمة، وذلك، طبعًا، على حدِّ علمه. فقد كانت هذه الوثيقة بالنسبة إليه مجردَ ورقة نُقِشَت عليها حروفٌ بطريقة برايل. اقرأ هذا يا ليون.»
فحص ليون الخطاب. ووجده بتاريخ «الحادي والعشرين من يوليو، عام ١٩١٢»، وكان الخطاب يحمل في أسفله على اليسار، ختْمَ إدارة المستعمرات البرتغالية. قرأه ليون بسرعةٍ وفي النهاية رفع وجهه وتنهَّد في رضًا.
ثم قال: «هذا يحلُّ لغز شركة أوبيرزون آند كو، ويسلب منها ثروةً، أظنُّنا سنعرف إلى أي مدًى عندما نقرأ خطاب باربرتون.»
أشعل سيجارةً وفحص المكتوب مرةً أخرى، بينما ظل ميدوز الذي لم يستوعب شغفَ ليون بالدراما، منتظرًا بنفاد صبرٍ واضح.
بدأ ليون في القراءة قائلًا: «السيد المُبجَّل». وتابع: «شَرُفت اليوم بوضع خِطابك بتاريخ الخامس عشر من مايو ١٩١٢، أمام فخامة الرئيس وأعضاء مجلس الوزراء. وبموجب خطابٍ يعود تاريخه إلى الثامن من يناير ١٩١١ منحت سيادتكم الأراضيَ ذات العلامة إكس ٢٧٥ على الخريطة المساحية لمنطقة بيسكارا، دعمًا لقضية العلم — وهي قضية مُحببة جدًّا إلى قلب فخامة الرئيس. كما نظر المجلس في الخطاب الآخر الذي يشكو سيادتكم فيه، من أنَّ توغُّل المُنقِّبين في أرضنا يُعرقل جهودك العِلمية، وتُطالب فيه بوضع نهايةٍ لهذا الإزعاج بمنحك امتيازًا إضافيًّا، حتى تحصل على مِلكية المعادن الموجودة في باطن أرض المنطقة السابق ذكرها، إكس ٢٧٥ على الخريطة المساحية لبيسكارا، وهو ما يجعل توغُّل المُنقِّبين غيرَ قانوني، وبناءً عليه جرى منحُك الامتياز الإضافي، بموجب الشروط التالية: تصل مدة الامتياز إلى اثنتَي عشْرة سنة، بداية من الرابعَ عشرَ من يونيو ١٩١٢، وتُجدَّد المدة بمعرفتك، أو معرفةِ ورثتك أو من تُرشِّحهم، كلَّ اثنتي عشرة سنة، وذلك بدفع مبلغ رمزي قيمته ١٠٠٠ ميلريس. وفي حالة إخفاق صاحب الامتياز، أو ورثته أو مُرشَّحيه، في طلب التجديد في الرابع عشر من يونيو ١٩٢٤، يسقط حقُّ ملكية المعادن الموجودة في باطن أرض المنطقة المذكورة، إكس ٢٧٥ على الخريطة المساحية لبيسكارا، بحسب القوانين السارية في أنجولا …»
أسند ليون ظهره للخلف.
ثم نظر لأعلى، وقال: «الرابع عشر من يونيو؟» وتابع: «عجبًا، سيحل هذا التاريخ في الأسبوع القادم — بعد خمسة أيام! لقد وصلنا في اللحظات المناسبة، يا جورج.»
فردَّ مانفريد قائلًا: «قال باربرتون إنه تبقَّى ستة أسابيع». ثم أضاف: «من الواضح أنه قد أخطأ في تأريخ التنازل بالحادي والعشرين من يوليو — أي تاريخ الخطاب. لا بد أنه كان الرجلَ الأكثرَ أمانةً في العالم؛ فليس هناك سببٌ آخر يجعله يتواصل مع الآنسة ليستر. إذ كان من الممكن أن يسكت ويُطالب بهذه الحقوق لنفسه. أكمِل يا ليون.»
فردَّ ليون متفقدًا نهاية الخطاب: «هذا كلُّ شيء تقريبًا». وتابع: «البقية مجاملاتٌ وإشارة إلى الجهد العلمي للبروفيسور ليستر. خمسة أيام … يا إلهي!» وأطلق صافرة.
فقال مانفريد وهو يُقلِّب الصفحات الكثيرة: «ربما نجد الآن شيئًا في حديث باربرتون الطويل من شأنه أن يُعطينا فكرةً عن قيمة هذه الأرض». وأضاف: «هل يكتب أحدكم يا سادةُ بطريقة الاختزال؟»
خرج ميدوز إلى البهو وأحضر ضابطًا. وانتظر ليون حتى وجد قلمَ رصاصٍ وورقة، ثم بدأ يحكي قصةَ ويليام باربرتون الاستثنائية — أكثر قصة استثنائية؛ فقد ثُقِبَت كلُّ كلمة بصبر بحروف طريقة برايل.