المرأة الذهبية
ثبَت أن باربرتون تعرَّض للدغة الأفعى في وسط لندن، أمام ناظرَي الشرطي.
«أجل، يا سيدي، لقد وضعتُه تحت المراقبة قرابة ربع الساعة. ورأيته يمشي على الجسر، مستمتعًا برؤية المشهد، قبل وقت طويل من توقُّفه هنا.»
تطلَّع الطبيب إلفير إلى الشرطي، وسأله: «هل اقترب أحدٌ للتحدث إليه؟»
أجاب الشرطي: «كلا، يا سيدي، كان واقفًا بمفرده. أُقسم أنه لم يكن هناك أحدٌ على بُعد ياردتين منه. بالطبع، كان هناك مارةٌ يتحركون ذَهابًا وإيابًا، ولكن نظري لم يَحِد عنه طيلة الوقت، ولم أرَ رجلًا أو امرأة على بُعد ياردات منه، ولم أُشِح ناظرَيَّ عنه قط.»
ظهر شرطيٌّ آخر في مكان الحادث، وأُرسل إلى سكوتلاند يارد في سيارة مانفريد طلبًا لسيارة الإسعاف ورجال من الشرطة الاحتياطية الضرورية لفض الحشود ومنْع التجمهر. عاد هؤلاء في وقت واحد، وشاهد الصديقان ذلك المسكينَ وهو يُحمل على نقالة، وانتظرا حتى غابت سيارة الإسعاف البيضاء بحمولتها المؤسفة، قبل أن يعودا إلى سيارتهما.
اتخذ جونزاليس مكانه خلف عجلة القيادة؛ وجلس جورج إلى جواره. لم يتفوَّها بكلمة حتى عادا إلى كورزون ستريت. دخل مانفريد بمفرده، بينما قاد رفيقه السيارة إلى المَرْأب. وعندما عاد وجد بويكارت وجورج منخرطَين في النقاش.
نزع ليون جونزاليس معطفه الخفيف وألقاه على الكرسي، وخاطب ريموند قائلًا: «لقد كنت محقًّا، يا ريموند. إن دِقَّة توقعاتك تكاد تكون محبطة. كنت أنتظر طَوال الوقت وقوعَ خطأ محتوم، وغضبت عندما لم يحدث ذلك. قلت إن الأفعى ستظهر من جديد، وهو ما حدث بالضبط. والآن أيها العرَّاف، تنبَّأْ لي بما سيحدث!»
بدا على وجه بويكارت الضخم ملامح التجهُّم؛ وكادت عيناه الداكنتان أن تختفيا تحت عبوس حاجبَيه الكثيفين.
وقال: «لا يحتاج المرء إلى أن يكون عرَّافًا ليعرف أن اتصالنا بباربرتون سيدفع الأفعى إلى الزحف نحو كورزون ستريت». ثم أضاف: «يا تُرى هل كان جيرتر أم فايفر؟»
فكَّر مانفريد.
ثم قال: «أعتقد أنه فايفر. إنه أكثرهما تعقُّلًا. أما جيرتر فيتَّسم بالانفعال وعدم الاتزان؛ فهو شخص عصبي. وسَوطك الجِلدي ذو التسعة سيور يا ليون، لم يكن ليضيف لاستقراره العقلي. بل كان فايفر، أنا واثق من ذلك.»
قال ليون: «أعتقد أن ذلك السوط جعله مضطربًا قليلًا.» لقد فكَّر في الأمر من هذا الجانب وكأنه أحد الجوانب التي تستحقُّ الدراسة. ثم أضاف: «إن جيرتر يُشبه جيكل وهايد، باستثناء أنه لا يمتلك أيَّ فضيلة على الإطلاق. أجد صعوبة في تصديق أن هذا الشاب الرائع الذي شاهدتُه يجلس بهدوء في مقعده بالأوبرا، في حياته الخاصة لا يُغيِّر قميصه الكتان أكثر من مرة في الشهر، وأنه يرتجف لسماع صوت المياه المتدفقة من صنبور حوض الاستحمام! هذا يجعله يبدو كما لو كان مدمنًا للمورفين. أتذكَّر قضية في عام ١٨٩٩ — عذرًا هل أقاطع حديثك؟»
وجَّه جورج مانفريد سؤالًا إلى ليون قائلًا: «ما الاحتياطات التي ستتَّخذها، يا ليون؟»
هزَّ ليون كتفيه بعدم اكتراث متسائلًا: «في مواجهة الأفعى؟» وتابع: «الاحتياطات العسكرية القديمة المتخَذة في مواجهة غارات منطاد زيبلن؛ والاحتياطات التي يتخذها المُزارع لمواجهة غزو الدبابير. فليس بإمكانك أن تجثوَ على صدر أحد الدبابير وتستخدم المخدِّر لاستخراج سن الوخز. كلُّ ما عليك فعله هو تدميرُ عُشِّه … وقصفُ وكْرِه. أنا شخصيًّا، لم أخشَ يومًا أيَّ شكل من أشكال الموت، ولكن لديَّ الآن رفضٌ صبياني لأن أُقتل بلدغة أفعى.»
تبدَّلَت ملامح بويكارت المتجهمة للحظة وبدت على وجهه ابتسامة. وقال على نحوٍ جافٍّ: «ولكن ليس لديك رفض لأن تسرق نظرياتي»، وانحنى الآخر للأمام ضاحكًا في صمت.
كان مانفريد يسير في الغرفة الصغيرة، واضعًا يديه وراء ظهره، وبين شفتيه سيجارة مصرية سميكة.
قال: «هناك قطار يُغادر بادينجتون متجهًا إلى جلوستر في تمام العاشرة وخمس وأربعين دقيقة». ثم أضاف: «هل يمكنك إرسال برقية إلى الآنسة جودارد، في مزرعة هيفيتري، لتطلب منها استقبال القطار بسيارة أجرة؟ بعد ذلك سأحتاج إلى رجلين للقيام بدوريات في محيط المزرعة ليلًا ونهارًا.»
فتح بويكارت دُرجًا في مكتبه، وأخرج دفترًا صغيرًا ومرَّر إصبعه عبر فِهرس للأسماء.
وقال: «يمكنني الحصول على هذه الخدمة في جلوستر». وتابع: «جوردون، وويليامز، وطومسون، وألفريد، إنهم أشخاص موثوقون وعملوا معنا من قبل.»
أومأ مانفريد برأسه موافقًا الرأي.
«أرسل لهم التعليمات المعتادة في رسالة. أتساءل مَن سيُصبح المسئولَ في قضية باربرتون هذه؟ إن كان ميدوز فيمكنني التعاون معه. أما إن كان أربوثنوت، فسيتعين علينا الحصولُ على المعلومات بطرقٍ سرية.»
أشار عليه ليون قائلًا: «هاتف إلفير»، وسحب جورج الهاتف باتجاهه.
مرَّ بعض الوقت قبل أن يتمكَّن من التواصل مع الطبيب إلفير، وعندئذٍ اطمأنَّ لما سمعه؛ فقد علم أن القضية تحت المسئولية التامة للمفتش ميدوز المهيب.
قال إلفير: «إنه قادم لمقابلتك». وتابع: «في الحقيقة كان المدير هنا عندما وصلت إلى مقر سكوتلاند يارد، وطلب من ميدوز بشكل خاص التشاورَ معك. ستحدث جلَبة كبيرة في مكتب وزير الداخلية بشأن جريمة القتل هذه. لقد أكَّدنا سابقًا لوزير الداخلية أن حالات الوفاة الغامضة لن تتكرَّر، وأن الأفعى قد ماتت للأبد.»
طرح عليه مانفريد بعض الأسئلة ثم أنهى المكالمة.
«إنهم قلقون بشأن العامة — لا يمكنك أبدًا معرفةُ ما يمكن للحشود فعْله في ظل ظروف معينة. ولكن يمكنك المراهنة أن الحشد الإنجليزي سيفعل الأمر ذاته — والحكومات تكره الحشود الذكية. فهذا قد يُكلف وزير الداخلية التضحية بمنصبه، يا للمسكين! رغم أنه يبذل قصارى جهده.»
صيحةٌ عالية آتية من الشارع جعلته يُدير رأسه بابتسامة.
«بالطبع؛ الإصدارات الأخيرة للصحف نشرت الخبر. كما لو أن الجرائم تُرتكب على أعتاب أبوابها.»
تساءل بويكارت: «ولكن لماذا؟ أيُّ جُرمٍ ارتكبه باربرتون؟»
رد ليون على الفور، دون انتظار الإجابة من مانفريد: «كانت جريمته الأولى، ذَهابه للبحث عن الآنسة ميرابيل ليستر. أما جريمته الأخرى والأكبر فهي تعاونه معنا. لقد أصبح في عِداد الموتى حين غادر المنزل.»
خرج بويكارت إلى الرَّدهة بعد سماعه رنينَ جرس الباب الخافت، ليجد رجلًا بسيطًا، في منتصف العمر، يحتمل أن يكون أيُّ شخص بخلافِ ما كان عليه بالفعل؛ فالزائر كان أحدَ أذكى متتبِّعي المجرمين الذين عرَفتْهم سكوتلاند يارد منذ ثلاثين عامًا. كان رجلًا نحيلَ الوجه، ذا شعر أشقر داكن، يلبس نظارة بلا ذراعَين، ويبدو كأنه ممثِّل، وقد زار كورزون ستريت من قبل، وها هو ذا الآن يلقى ترحيبًا حارًّا. بعد تمهيد بسيط، بدأ بالحديث عن سبب زيارته، وأخبره مانفريد بإيجاز بما حدث، وخلاصة محادثته مع باربرتون.
بدأ مانفريد الحديث قائلًا: «إن الآنسة ميرابيل ليستر …»
وفاجأه ميدوز عندما رد قائلًا: «تعمل لدى أوبيرزون — أنا على علم بذلك». وتابع: «لقد أتت لندن صباح اليوم وتولَّت وظيفة مساعدة مختبر. لم يكن لديَّ أيُّ فكرة أن أوبيرزون آند سميتس يمتلكون مختبرًا في تلك البناية.»
قاطعه ليون قائلًا: «لم يكن لديهم مختبرٌ قبل يومين. أُعِد هذا المختبر خِصِّيصى لها.»
أومأ ميدوز برأسه، ثم التفت إلى مانفريد.
وسأله: «ألم يُخبرك بأي شيء عن سبب رغبته في لقاء الآنسة ليستر؟»
هزَّ جورج رأسه نافيًا.
وقال: «كلا، لقد كان شديدَ الغموض بشأن هذا الموضوع.»
سأل ميدوز، وهو يُدوِّن ملاحظة: «لقد وصل على متن السفينة بنجيلا، أليس كذلك؟» ثم أضاف: «لا بد أن نحصل على أي معلومة من السفينة قبل تسريح طاقِم العمل فيها. فإن الشخص الذي لا يتحدث على متن سفينة، لم يكن ليتحدث مطلقًا! وربما نجد شيئًا ضمن متعلقاته. هل ترغب في القدوم، يا مانفريد؟»
أجاب جورج بلهجة حاسمة: «سآتي بكل سرور». وتابع: «ربما يسَعُني أن أقدِّم لك القليل من العون — أنت لن تُمانع تقديم تفسيراتي الخاصة لما سنراه، أليس كذلك؟»
ابتسم ميدوز.
وقال: «لك حرية حلِّ أُحجيتك الخاصة.»
أوصلتهم سيارةُ أجرة إلى فندق بيتورث في نورفولك ستريت، وعلى الفور أُرشدوا إلى الغرفة التي استأجرها القتيل ولكنه لم تَتسنَّ له فرصة شغلها. كانت حقيبته، لا تزال مربوطة ومغلقة، وتستند على حامل خشبي صغير، وكان معطفه معلقًا خلف الباب؛ وفي أحد أركان الغرفة كانت هناك حقيبة مستطيلة ضخمة، مربوطة بإحكام، وتحوي، كما اكتشفوا لاحقًا، معطفًا طويلًا للمطر يتغير لونه بتغير الطقس، وزوجَين من البطاطين البالية، ووسادةً هوائية، بالإضافة إلى كرسي قماشي قابل للطي، وتظهر عليه أيضًا كثرةُ الاستخدام. كان ذلك محور بحثهم الأولي.
بعد تجربة المحقِّق المفتاحَ الثالث انفتح قُفل الحقيبة. وبخلاف قميصَين من الكتان وبدلتَين، إحداهما جديدة تمامًا وتحمل بطاقة متجر في سانت بول دي لوندا، لم يجدا دليلًا كافيًا لإرشادهما. ووجدا ظرفًا مليئًا بالأوراق، فرزوها واحدةً تلو الأخرى ووضعوها فوق الفراش. من الواضح أن باربرتون كان رجلًا حذِرًا؛ فقد احتفظ بفواتير الفنادق التي نزل بها، وكتب على ظهر كلٍّ منها تعليقاتٍ مختصرةً ولكنها لاذعة، يصف بها مدة إقامته بالفندق هل كانت ممتعة أم متعبة. كان هناك فندق في لوبو مليء بالحشرات؛ وآخرُ في موساميدس وصفه كالآتي: «أكلت الجرذان إحدى فردتَي الحذاء. لم يمنحني المالك أيَّ تعويض. أخذت ثلاث مناشف وغطاءَ وسادة.»
قال ميدوز بجفاء: «إنه يحمل بداخله روحَ أحد رجال العدالة الأربعة، ولكنه في مرحلته الأولية.»
ابتسم مانفريد.
على ظهر إحدى الفواتير كتب بدقَّةٍ مصفوفةً من الأرقام: «١٢٦، ١٣١٥، ١٠٧، ١٧١٢، ٢٤ تقريبًا …» كتب أمام بعض هذه الأرقام كلمة «تقريبًا»، ولاحظ مانفريد أن هذه الكلمة لازمت الأرقامَ الأكبر. وأمام الرقم ١٠٧ كانت هناك علامةُ تظليل بالقلم الرصاص.
كانت هناك عدةُ إيصالات أخرى ضمن الأوراق. في سانت بول اشترى «مسدسًا آليًّا عاليَ الدقة» وذخيرةً للمسدس ذاتِه. ولم يكن هذا «المسدس الآلي العالي الدقة» موجودًا في الحقيبة.
قال ميدوز باقتضاب: «وجدناه في جيبه». ثم تابع: «هذا الرجل كان يتوقَّع مواجهة المتاعب، وقد صدقت توقعاته، إن اتضح بالفعل أنهم عذَّبوه في موسامودس».
صحَّح له مانفريد نُطق عبارته قائلًا: «موساموديس.» وبدا أنه لا يُطيق سماع نطقٍ خاطئ لأسماء الأماكن.
كان ميدوز يقرأ خطابًا، ويقلب صفحاته ببطء.
«شكرًا لك على الكتب. سيحبها الأطفال. لا بد أن كتابتها ذكَّرتك بالأيام السالفة — ولكني أتفهَّم أنها ساعدَتك في تمضية الوقت. جاءني السيد لي وسألني عما إذا كنت تواصلت معك. إنه رجل رائع.»
كان الخطاب مكتوبًا بخط بارع يكشف أن صاحبه نال قسطًا جيدًا من التعليم.
قال ميدوز: «لم يبدُ لي رجلًا يؤلِّف كتبًا.» ثم استكمل بحثه.
وجد بعد ذلك خريطةً متهالكة، من الواضح أنها لأنجولا. وكانت مصغَّرة للغاية، لدرجة أنها شملت جزءًا من صحراء كالاهاري في الجنوب، وأظهرت التضاريس الشمالية التي تحيط بالكونغو.
أمسك ميدوز بالخريطة ووجَّهها في اتجاه ضوء النافذة ليفحصها بعناية، قائلًا: «لا أثر لأي علامة من أي نوع». وتابع: «وهذا، في اعتقادي، كل ما لدينا … إلا إذا كان هذا شيئًا.»
كان «هذا» ملفوفًا داخل قطعة من القماش، ومثبتًا في قاع الحقيبة وفي جوانبها بأشرطة قماشية بسيطة. حاول ميدوز سحبه ولكن دون طائل.
وقال: «إنه ذهب». وتابع: «فلا شيء آخر يمكن أن يكون بهذا الثِّقل.»
نجح في النهاية في رفع الصُّرة، وإزالة الغطاء القماشي، وحدَّق في دهشة في الشيء الذي وجده أمام ناظرَيه. كان تمثالًا لمواطنة أفريقية تنتمي لقبائل البيتي، وهي عارية، تجلس القرفصاء، في هيئة غير لائقة.
هتف مانفريد وهو لا يُصدِّق ما يراه: «ذهب؟» وحاول رفعه بسبابته وإبهامه. وأحكم قبضته عليه وفحص التمثال عن كثب.
لم يكن هناك شكٌّ في أنه مصنوع من الذهب، وتحديدًا من الذهب الخالص. وتسبَّب ظفر إبهامه في خدشٍ عميق في قاعدة التمثال. واستطاع رؤية مواضع الخدش والنحت لعلامات سكين النحات الذي لا يمتلك أيَّ حسٍّ فني.
كان ميدوز على معرفة جيدة بالساحل الأفريقي؛ فقد ذهب في العديد من الرحلات إلى أفريقيا، وتوقَّف في العديد من الموانئ خلال رحلته.
قال: «لم أرَ من قبلُ شيئًا مماثلًا، وهو ليس حديثَ الصنع. عندما ترى هذا» وأشار إلى إحدى الخصائص الجسمانية للتمثال، وقال: «يمكنك المراهنة بأنك أمام تمثال يَزيد عمره عن مائتَي عام، وربما أكثر من ذلك. إن مواطني غرب ووسط أفريقيا لا يرتدون خاتَمًا في أصابع القدم، على سبيل المثال، منذ أيام القياصرة.»
حاولَ وزن التمثال بيديه.
وقال: «إنه يزنُ عشَرة أرطال تقريبًا». وتابع: «أي أن قيمة الذهب تساوي ٨٠٠ جنيه.»
أخذ يفحص القماش الذي كان ملفوفًا حول التمثال، ثم أطلق صيحة.
وقال: «انظر إلى هذا.»
كُتب في إحدى الزوايا، بقلمٍ لا يُمحى:
«الرف الثاني بالأعلى يسار رواق الآلهة السادس.»
فجأةً تذكَّر مانفريد أمرًا.
وقال: «هل يمكنك وزن هذا التمثال حالًا؟» وتابع: «أود معرفة وزنه بالضبط.»
سأله ميدوز وهو يدق الجرس: «لماذا؟»
أجاب مالكُ الفندق بنفسه، فهو يعلم بأن تحريات الشرطة لا تزال قائمة، وفورًا عقب طلب المحقِّق، ذهب إلى المطبخ وعاد بعد دقائق قليلة ومعه ميزان، وضعه على الطاولة. كان يبدو فضوليًّا لمعرفة غرض طلب هذا الميزان، ولكن المحقِّق ميدوز لم يُطلعه على شيء، وظل متمركزًا أمام الباب حتى انصرف الرجل.
أخرجا التمثال من تحت قطعة القماش حيث أخفَوه لحين الانتهاء من وضع الميزان، ووضعوه على كفة الميزان المسطحة.
أعلن مانفريد بلهجةٍ توحي بالانتصار: «عشرة أرطال وسبع أوقيات». ثم أضاف: «أظنه هو المنشود!»
سأله ميدوز متحيرًا: «أي منشود؟»
«انظر إلى هذه القائمة.»
أمسك مانفريد بفاتورة الفندق التي كان بها مصفوفةُ الأرقام وأشار إلى الرقم الذي أمامه علامةٌ باللون الأسود.
وقال: «١٠٧». وتابع: «ها هو ذا رقمنا المنشود، والتفسير واضح جدًّا. وجد باربرتون خِزانة مملوءة بهذه التماثيل. وأخذ الأخفَّ وزنًا من بينها. انظر إلى الأرقام! لقد وزنها بميزان زنبركي، من تلك الموازين التي لا تزن أكثر من ٢١ رطلًا. أما ما تجاوز هذا الوزن فاضطُر إلى وضع تخمينات؛ لذا كتب «٢٤ تقريبًا»، و«٢٢ تقريبًا»».
نظر ميدوز إلى رفيقه على نحوٍ يخلو من أي تعبير، ولكن مانفريد لم ينخدع. كان عقل المحقِّق الذكي يُفكر بالأمر.
«ليس بغرض السرقة؛ فالحقيبة لم تُمس. لم يلجَئوا حتى إلى إحراق قدمَيه لإيجاد التمثال أو الخِزانة: لا بد أنهم لا يعلمون شيئًا عن هذا الأمر. كان من السهل سرقته — أو لو أنهم يعلمون بشأن هذا التمثال الذهبي، فقد اعتبروه غنيمة تافهة لا تستحق العناء.»
تفقَّد أرجاء الغرفة بحرص. وفوق رف المدفأة وجد قطعةً من الورق البني التي تشبه ورق إشعال الغليون. التقطها، وتفحَّصها من الجهتين، ووجد أنها فارغة، فأعادها إلى مكانها. أخذها مانفريد وسحب الشريط لا إراديًّا بأطراف أصابعه.
قال ميدوز، وهو يُلقي نظرةً أخيرة على المكان: «ليس علينا الآن إلا العثور على الآنسة ليستر.»
أومأ مانفريد موافقًا إياه الرأي.
وقال بتمهُّل: «هذا أحد الأمور». وتابع: «أما الأمر الآخر، فهو إيجاد جوني بالطبع.»
قطَّب ميدوز جبينه متسائلًا بريبة: «جوني؟» وتابع: «مَن هو جوني؟»
أجابه جورج مانفريد مبتسمًا: «جوني هو لغزي الخاص.» ثم أضاف: «لقد وعدتني أن بإمكاني الاحتفاظَ بلغزي الخاص!»