في تشيستر سكوير
عندما ذهبت ميرابيل ليستر إلى تشيستر سكوير، انتابتها مشاعرُ مختلطة عبارة عن مزيج متنافر غريب من الدهشة والفضول والإحراج. وقد جاء الإحراج من فيض المشاعر الاستثنائية من جانب رفيقتها، التي منحت نفسها فجأةً، ودون أي مبرر، مكانةَ أعزِّ الأصدقاء وأقدم المعارف. ظنت ميرابيل أن الفتاة ممثلة؛ وهي مهنة لا تندُر فيها الصداقات المفاجئة والمفتعلة. وتساءلت عن السبب الذي منع العمَّة ألما من تكبُّد عناء المجيء إلى المدينة، واستبدَّت بها التساؤلات عن أسباب عدم معرفتها عن الصداقة التي تربط ألما وآل نيوتن. صحيح أن السيدة المسنَّة لها أسرارها، ولكن ليس هناك سببٌ يمنعها من التحدُّث عن أسرةٍ تربطها بهم علاقة صداقة قوية بما يكفي لتطلب منهم مرافقتها في المدينة.
كان لديها وقت للتفكير، نظرًا إلى أن جوان نيوتن تُثرثر طوال الوقت، فإذا طرحت سؤالًا، فإنها إما لا تنتظر الموافقة، أو تأتي الإجابة المُرضية عن السؤال قبل أن تطرحه.
تشيستر سكوير، تلك البقعة المهيبة من حي بلجرافيا، هو حي سكَني فخم. كان للمنزل الكبير، الذي استقبل فيه أحد الخدم الفتاة، طابَعُ الراحة المترفة التي كان من شأنها أن تروق لشخصيةٍ أقلَّ تأثرًا بالرقي من شخصية ميرابيل ليستر. وقد أرشدت إلى غرفة معيشة كبيرة تمتد عبر مساحة شاسعة بداية من الجزء الأمامي وحتى الجزء الخلفي من المنزل، ولا تنتهي عند ذلك وحسب، إنما يمتد مشتل زجاجي كبير، ورائع، تزينه الزهور، عبر مساحة كبيرة أيضًا.
واصلَت جوان ثرثرتها قائلة: «لم يَعُد مونتي من المدينة بعد». ثم أضافت: «عزيزي! إنه مشغول جدًّا الآن، بالأسهم والأوراق المالية وأشياء من هذا القبيل.»
تحدَّثت وكأنَّ «الأسهم والأوراق المالية والأشياء من هذا القبيل» بمثابة ظاهرة لم تَشغل بال مونتي نيوتن إلا أول أمس.
سألتها ميرابيل بابتسامة: «هل هناك حالة رَواج؟» بدا أن المصطلح أربك الفتاة.
«ﻧ… نعم، أظن أنها كذلك. أنت تعرفين حال البورصة، يا عزيزتي، أليس كذلك؟ أي شخص له علاقة بها يُصبح ثريًّا إلى حدٍّ يفوق أحلام أكثر الناس جشعًا. فالأموال التي يَجْنونها هي أموال فاسدة بكل بساطة! وهي تُمكنهم من منح أي فتاة فرصةَ قضاء وقت طيب للغاية — بين المسارح والحفلات والفساتين واللآلئ — يا إلهي، إن مونتي لا يُلقي بالًا لإهداء فتاة عِقدًا من اللؤلؤ، إذا أعجبته!»
في الواقع، كانت جوان تسير على أرضٍ غير مستقرَّة بالمرة. كانت التعليمات الصادرة إليها بسيطةً ومباشرة. «خُذيها إلى تشيستر جاردنز، أقيمي معها صداقة، ولا تذكري حقيقة أني أعرف أوبيرزون.» لم تكن تعرف ما الهدف وراء المجيء بميرابيل ليستر إلى المنزل، ماذا وراء هذا التصرف من جانب مونتي. كانت فقط تتعامل معها على نحوٍ آمن، وكل همِّها أن تنصب الشِّراك، إذا جاز لنا التعبير، من خلال الحديث عن الأوقات الممتعة والثروات الهائلة؛ تحسبًا إذا كان هذا مطلوبًا منها. نظرًا إلى أنها، مثلها مثل عدد كبير من صديقاتها، تخشى كثيرًا سخط مونتي نيوتن، الذي يأخذ عادةً شكلًا بغيضًا للغاية.
كانت ميرابيل تضحك في هدوء.
قالت بنبرةٍ جافة: «لم أكن أعلم أن سماسرة البورصة أثرياءُ للغاية، أؤكد لك أن بعضهم ليسوا كذلك!»
تغاضت ميرابيل بلباقةٍ عن التعليق المحرِج الخاصِّ بأن مِن شأن مونتي أن يُهدي أي فتاة تعجبه عِقدًا من اللؤلؤ. وفي هذا التوقيت، استطاعت أن تُحدِّد منزلة جوان الاجتماعية؛ فقد عرَفت شيئًا عن نشأتها، وخمَّنت مدى ذكائها إلى حد كبير، وتعجَّبت قليلًا من أن رجلًا غير معروف مركزه مثل السيد نيوتن سمح لأخته أن تخرج إلى العالم دون أن تنال قسطًا جيدًا من التعليم.
قالت جوان: «اصعدي إلى غرفتكِ، يا عزيزتي. لقد أعددنا لكِ جَناحًا صغيرًا على أعلى مستوًى، وأنا واثقة من أنكِ ستشعرين بالراحة. هو في الجزء الأمامي من المنزل، وإذا كنتِ معتادةً على صيحات بائعي الحليب في الشوارع في الصباح الباكر، فسوف تستمتعين بوقت ممتاز.»
عندما تفقَّدت ميرابيل المنزل، صارت مفتونة. إذ توافق مع وصف جوان الغامض. كان المكان مترفًا بشكلٍ لم يخطر على بالها ولا حتى في أحلامها. أُعجبت بالفِراش الفضِّي والسجادة الزرقاء السميكة، والحوائط المكسوة بالحرير، والتجهيزات الرائعة، ووقفت في حالةٍ من النشوة عند مدخل حمام صغير، بإطاراته الفضية ومرآته وأضوائه الخافتة وحوائطه الرخامية.
«سأرسل لك فنجان شاي، يا عزيزتي. أنتِ تريدين أن ترتاحي بعد يومك الفظيع في ذلك المصنع الرهيب جدًّا، إنني أتساءل كيف يتسنَّى لك تحمُّل أوبيرزون، رغم أنهم يقولون لي إنه رجل لطيف جدًّا …»
بدَت متلهفة للرحيل، ولم تكن ميرابيل أقلَّ تلهفًا منها لكي تصبح وحدها.
قالت جوان عند رحيلها: «انزلي عندما يروق لك ذلك.» ثم هبطت السُّلم لتصل إلى الرَّدهة في الوقت المناسب، لمقابلة السيد نيوتن الذي كان يعطي قبَّعته وقفازيه إلى خادمه.
«حسنًا، هل هي موجودة هنا؟»
قالت جوان، التي لم تشعر بالإحراج بتاتًا من وجود الخادم: «إنها هنا بالفعل. مونتي، هل هي حمقاء بعض الشيء؟ إنها شخصية هادئة وخجولة للغاية. ما الخطة العامة؟»
كان يُمشِّط شعره بدقة شديدة أمام المرآة الموجودة عند مشجب الرَّدهة.
«أيَّ خُطة تقصدين؟» سألها، بعد أن انصرف الخادم، بينما كان يتجوَّل بتمهُّل أمامها قاصدًا غرفة المعيشة.
«المجيء بها إلى هنا! هل ستتعرض للعبة؟»
قال مونتي دون انفعال، وهو يجلس في مللٍ على أريكةٍ منخفضة ويضعُ وسادة حريرية وراءه: «لا تكوني غبية.» ثم أردف قائلًا: «ولا فضولية». وتابع: «أنتِ لم تُخيفيها، أليس كذلك؟»
قالت في سخط: «يعجبني ذلك!»
كانت من نوعية السيدات التي تتحدث بلباقة وبثقة أكبرَ عندما تكون هناك مِرآة في مجال الرؤية، كانت عيناها مثبتتَين على نفسها طوال الوقت الذي تتحدَّث فيه، تُرَبِّت على خُصلة شعر هنا وهناك، تُميل رأسها بهذه الطريقة أو تلك لتحصل على أفضلِ تأثير، ولم تنظر مطلقًا إلى الرجل حتى جذب الانتباه إلى نفسه.
«أخيفها! أراهن أنها لم تدخل بيتًا جميلًا كهذا في حياتها كلها! مَن تكون هي، يا مونتي؟ موظفة آلة كاتبة، أو شيء من هذا القبيل؟ أنا لا أفهمها.»
ردَّ مونتي بنبرة عدوانية: «إنها سيدة نبيلة.» ثم أضاف: «من ذلك النوع الذي يبدو دومًا كاللغة الأجنبية بالنسبة إليك.»
رفعت إحدى كتفيها برفق.
وردَّت قائلة: «أنا لا أتظاهر بكوني سيدة نبيلة، وما أنا عليه، هو صنيعتك!» كان لومُها آليًّا. لقد سمعه من قبل، ليس فقط منها، بل ممن كانوا في مكانةٍ مشابهة. واستطردت قائلة: «لا أظن أن مواجهتي بمؤهلي الدراسي أمرٌ لطيف للغاية، بالوضع في الاعتبار الأموال التي أجنيها لحسابك.»
قال متثائبًا: «ولحسابكِ أيضًا». ثم أضاف: «أحضري لي فنجان شاي.»
قالت بامتعاض: «حريٌّ بك أن تقول «من فضلكِ» من الآن فصاعدًا»، ابتسم وهو يلتقط جريدة المساء، متجاهلًا إياها، حتى قرعت الجرس بهزةٍ عصبية وجاءت الصينية الفضية ووضعت على الطاولة بجواره.
«أين ستذهبين هذا المساء؟»
كان اهتمامه بتحركاتها استثنائيًّا؛ ولذا كانت تشعر بالإطراء.
قالت بنبرةٍ بها توبيخ: «أنت تعرف جيدًا، يا مونتي، إلى أين سأذهب هذا المساء. أنت وعدت بأن تصحبني، أيضًا. أظن أنك ستبدو رائعًا في زيِّ جندي صليبي — واحدٍ منهم — أولئك الفرسان القدامى مُرتدي الدروع.»
هزَّ رأسه موافقًا الرأي، لا استحسانًا لتعليقها.
«أتذكَّر بالطبع الحفل التنكري الراقص لكلية الفنون الجميلة.»
كانت مفاجأتُه محبوكة جدًّا لدرجة أنها خُدعت.
«مَثِّل أنك نسيت! سأذهب متنكرة في زي سندريلا، وميني جراي ستذهب متنكرة في زي مهرِّجة …»
قال مونتي وهو يرشف من فنجان الشاي خاصته: «ميني جراي لن تذهب متنكرةً بأي شيء. لقد هاتفتُها بالفعل وأخبرتها أن الموعد أُلغي. ستذهب الآنسة ليستر معكِ.»
قالت الفتاة معترضة: «ولكن، يا مونتي …»
قاطعها بلهجةٍ آمِرة: «لا تعترضي على «أوامر مونتي»». ثم أضاف: «أنا آمرك! اصعدي وتفقَّدي أحوال هذه الفتاة، وأخبريها أنكِ حجزتِ تذكرتَين للحفل الراقص.»
«ولكن زيها التنكري، يا مونتي! الفتاة ليس لديها فستان تنكُّري.» وتابعت: «وميني …»
«انسي ميني، هلا تفعلين؟ ميرابيل ليستر ستذهب إلى الحفل التنكري الراقص لكلية الفنون الجميلة الليلة.» ونقر على الصينية الموجودة أمامه ليُؤكد كلَّ كلمة يقولها. وأضاف قائلًا: «لديك تذكرة إضافية، ولا يمكنك الذَّهاب بمفردك بكل بساطة لأن لديَّ موعدًا مهمًّا للغاية خاصًّا بالعمل وصديقتكِ خذلتك. سيأتي زيُّها في غضون بضع دقائق؛ وهو عباءة فضفاضة ذات لون أخضر برَّاق بقَلنْسوة حمراء برَّاقة.»
قالت وقد نسيَت لدقيقة خيبةَ أملها في خضمِّ هذه البشاعة: «كم هذا شنيع تمامًا!» وتابعت: «أخضر برَّاق! لا أحدَ لديه بشَرة تليق مع ذلك اللون!»
ولكنه تجاهلها.
«ستشرحين للآنسة ليستر أن الرداء كان لصديقةٍ لم تستطع حضور الحفل الراقص، بسبب المرض أو لأي سبب تخترعينه — ستقتنص الفرصة. إنها إحدى المناسبات السنوية والتذاكر تُباع بسعرٍ أغلى من قيمتها العادية.»
سألته عن معنى ذلك، وشرح لها بكل صبر.
واستطرد قائلًا: «لعلها ترغب في قضاء ليلة هادئة — أو تعاني نوبةَ صداع». وتابع: «إذا حدث ذلك، فأخبريها أنه ستأتي مجموعة أصدقاء لزيارتي في المنزل الليلة، وسيتسبَّبون في الإزعاج قليلًا. هل أرادت أن تعرف شيئًا عني؟»
ردَّت جوان على الفور: «كلا، إنها لا تريد أن تعرف شيئًا». وتابعت: «لم أستطِع حمْلها على الحديث. إنها متحفظةٌ حمقاء.»
كانت ميرابيل تجلس بجوار النافذة، تتطلع إلى الميدان، حين سمعت طرقةً رقيقة على الباب ثم دخلت جوان.
قالت: «لديَّ أخبارٌ رائعة من أجلكِ.»
تساءلت ميرابيل في دهشة: «من أجلي!»
ركضت جوان عبر الغرفة، لتُعطي ما ارتأته تمثيلًا مدهشًا ومفعمًا بالحيوية لتجرِبةٍ شبابية مليئة بالبهجة البريئة.
«لديَّ تذكرة إضافية للحفل التنكري الراقص لكلية الفنون الجميلة هذه الليلة. إنها تُباع ﺑ… بسعر باهظ الثمن جدًّا. يا لكِ من فتاة محظوظة!»
قالت ميرابيل في دهشة: «أنا؟» ثم أضافت: «ولمَ أنا محظوظة؟»
قامت جوان من على الفراش وابتعدت عنها موبخةً إياها.
«بالتأكيد ستأتين معي، أليس كذلك؟ إن لم تفعلي، فلن أستطيع الذَّهاب مطلقًا. كنت سأذهب أنا والليدي ماري … ولكنها الآن مريضة!»
فتحت ميرابيل عينَيها على أقصى اتساعهما.
«ولكني لا أستطيع الذَّهاب، بالتأكيد. هذا الحفل يلزمه وجود زيٍّ تنكُّري، أليس كذلك؟ قرأت شيئًا كهذا عنه في الجرائد. وأنا متعبة جدًّا الليلة.»
عبست جوان في دلال.
«عزيزتي، إذا استرحتِ لمدة ساعة، فستُصبحين على ما يُرام. بالإضافة إلى أنك لن تستطيعي النوم هنا مبكرًا الليلة: سيُقيم مونتي واحدة من حفلات الرجال، وهم أناس صاخبون جدًّا — رغم أنهم محترمون تمامًا» أضافت التعليق الأخير في عجالة.
جوان المسكينة لديها مهمة تفوق قدراتها المعتادة.
«أود أن أذهب»، كانت ميرابيل حريصةً على ألَّا تكون هادمة اللذات، وأردفت قائلةً: «لو أن لديَّ فستانًا.»
قالت الفتاة على الفور، وهي تخرج من الغرفة: «أنا لديَّ فستان.»
وعادت بسرعةٍ بالغة، وألقت بالعباءة على الفِراش.
«النظر إليها لا يسرُّ، ولكنها ذات ميزة، ألا وهي يمكنك أن ترتدي تحتها أيَّ شيء تقريبًا.»
قالت ميرابيل، وهي تدرس الأمر في ذهنها، لتجد أنها لا تكره الذَّهاب؛ فهي ذات نزعة إنسانية بالغة، وتجربة الحفل التنكري الراقص ستكون تجرِبةً جديدة، متسائلة: «متى سيبدأ الحفل؟»
أجابت جوان: «في العاشرة مساءً.» ثم أضافت: «يمكننا أن نتناول العَشاء قبل وصول أصدقاء مونتي. تودين مقابلة مونتي، أليس كذلك؟ هو بالطابق السفلي — يا له من رجل نبيل، يا عزيزتي!»
كادت الفتاة أن تضحك.
بعد مدة قصيرة، تعرَّفت إلى مونتي المهيب، ووجدت أسلوبه لطيفًا وسلسًا ونجدةً لها بعد الجهود الحمقاء من جانب الفتاة لكي تبدوَ مسلية. لقد زار مونتي أغلب دول العالم وبإمكانه الحديث عن جميع زياراته على نحوٍ مُسلٍّ. أُعجبت ميرابيل به جدًّا، وعلى الرغم من أنها ظنت أنه رجلٌ شديد التأنق بعض الشيء، فإنها لم تكن آسفةً حين علمت، أنه فضلًا عن استضافة أصدقاء على العشاء، فإنه لا يتوقع مجيء أصدقائه إلا بعد أن تُغادر هي وجوان.
جعلتها الوجبةُ تشعر بالارتياح أكثر. كان رجلًا مهذبًا واسعَ التجرِبة، مهذبًا لدرجة التباهي؛ لم يكن ليقول أو يُلمِّح إلى شيء قد يُسيء إليها؛ كانوا في منتصف وجبة العشاء، عندما سمعوا نداءَ بائع الجرائد في الشارع. وعبر نافذة حجرة الطعام رأت الخادم ينزل درجات السُّلم ويشتري الجريدة. نظر إلى الصفحة الأخيرة وعاد ببطءٍ يصعد السُّلم وهو يقرأ. وبعد مدةٍ قصيرة دخل الغرفة، ولا بد أنه قد أشار إلى مضيفها، حيث خرج مونتي على الفور وسمعت صوتَيهما في الرَّدهة. كانت جوان متوترة.
تساءلت، وقد بدا عليها بعض الارتباك: «تُرى ما الأمر؟» وتابعت: «يا له من سلوك سيئ للغاية أن يترك سيدتَين في وسط وجبة العشاء …»
في تلك اللحظة، عاد مونتي. هل تخيلت أنَّ وجهه شحب فجأةً، أم أن هذا قد حدث بالفعل؟ لاحظت جوان، وقطَّبت جبينها، ولكنها مِن بالغ حكمتها أنها أحجمت عن التعليق على مظهره.
جلس السيد نيوتن في مكانه معتذرًا وصبَّ كأسًا من الشمبانيا. اهتزت يده لثانية، ثم، مع ابتسامة، تمالكَ نفسَه من جديد.
«ما الخطْب، يا مونتي؟»
قال بغلظة: «أي خَطب؟ لا شيء»، وأدار دفة الحديث إلى حيثما تركها قبل أن يُغادر الغرفة.
سألته جوان وهي ترتجف: «الأمر له صلة بالأفعى القديمة، أليس كذلك؟» ثم أضافت: «يا إلهي! هذا يُثير أعصابي! أنا لا أخلد إلى الفراش ليلًا دون أن أفتِّش تحته، أو أثبت الملابس عليَّ حتى أسفل قدمي! كان يجدر بهم العثور عليها قبل بضعة أشهر لو أن الشرطة …»
عند هذه النقطة لاحظت نظرةً باردة، ومتوعدة، وخبيثة، في عين مونتي نيوتن، وابتلعت باقيَ حديثها بين شفتَيها وصمتت.
صعدت ميرابيل لتغيير ملابسها، وكان من شأن جوان أن تتبعها، ولكن أومأ إليها الرجل.
وقال بنبرةٍ ألطف مما كانت تتوقَّع: «أنت تُبالغين في الثرثرة، يا جوان». وتابع: «ليس موضوع الأفعى هو الموضوع الذي نود مناقشته على العشاء. واسمعي!» قطع حديثه وسار إلى الممر وتفقَّد المكان حوله، ثم عاد وأغلق الباب. وقال: «أبقِ تلك الفتاة بالقرب منك.»
سألته بنبرةٍ مشاكسة: «مَن الذي سيرقص معي؟» وتابعت: «أود أن أقضيَ ليلةً نابضة بالنشاط والحيوية!»
«بنتون سيوجد هناك ليعتنيَ بك، وواحد من «الحراس القدامى» …»
لاحظ النظرة الخائفة على وجهها وضحك. وسألها بنبرة مداعبة: «ما الخطْب، أيتها الحمقاء؟» وتابع: «سيرقص مع الفتاة.»
قالت في ارتباك: «تمنيت لو أن هؤلاء لم يحضُروا»، ولكنه واصل حديثه دون أن يُعيرها انتباهًا:
«سأصل في تمام الساعة الحادية عشرة والنصف. من الأفضل أن تُقابليني بالقرب من مدخل الحانة الأمريكية. لم يأتِ أصدقائي، كما تفهمين. ستعودين إلى هنا عند منتصف الليل.»
قالت منزعجة: «بهذه السرعة؟» وتابعت: «عجبًا، إنها لن تنتهيَ قبل …»
قال في حسم: «ستعودين إلى هنا في منتصف الليل». وتابع: «ادخلي غرفتها، وتخلَّصي من كل شيء ربما تتركه خلفها. أتفهمين؟ لا تتركي شيئًا.»
«ولكن عندما تعود، ﺳ…»
قال مونتي نيوتن: «لن تعود»، مما جعل الدماء تتجمَّد في عروق الفتاة.