التهوية بوساطة المراوح
مقدمة
لا شك أن أول أداة استخدمها الإنسان للتهوية على وجهه هي يده، ثم ما لبث أن وجد أشياء حوله قد تقوم بالوظيفة بشكل أفضل، وهو ما قاده إلى اختراع المروحة اليدوية.
سنستعرض في هذا الفصل مراحل تطور المرواح عبر الحضارات، مع التركيز على ما قدَّمه العرب والمسلمون في هذا المجال.
المبحث الأول: الحضارات القديمة
المبحث الثاني: العرب والمسلمون
المبحث الثالث: أخبار وأشعار المراوح
وقد أخذت المروحة بألباب الشعراء العرب، فراحوا يصفونها ويتغنون بفوائدها؛ إذ يروى أنه عندما عاد جعفر بن عثمان المصحفي (توفي ٣٧٢ﻫ/٩٨٣م) بعض إخوانه وهو مريض مضطجع فتناول مروحة وجعل يروح بها عليه، فقال جعفر بن عثمان في لحظتها:
وقال محمد بن سوار نجم الدين بن إسرائيل (توفي ٦٧٧ﻫ/١٢٧٨م) في مروحة:
ووصف فخر الدين أبو عمرو بن زين الدين الطائي الحلبي الشافعي بن خطيب جبرين (توفي ٧٣٩ﻫ/١٣٣٨م)، فقيه حلب ومقرئها وحاكمها، المروحة بقوله:
ويذكر ابن تغري بردي (توفي ٨٧٤ﻫ/١٤٧٠م) أن الشيخ شهاب الدين الشاطر الدمنهوري (توفي ٧٨٧ﻫ/١٣٨٥م) الشاعر المشهور، كان أديبًا فاضلًا، بارعًا في فنون لا سيما في حل المترجم ونظم القريض. ومن شعره في مروحة:
وذكر عبد الرزاق البيطار (توفي ١٣٣٥ﻫ/١٩١٦م) أن الشيخ إبراهيم بن المرحوم الحاج علي الأحدب الطرابلسي ثم البيروتي (توفي ١٣٠٨ﻫ/١٨٢٤م) قال في مروحة:
وقال ابن معقل:
وقال أبو الحزم مكي القوصي في مروحة:
وقال ابن أبي الندى المعري:
وأحسن ما سُمع في المروحة قول أبي الندى حسان بن نمير (توفي ٥٦٧ﻫ/١١٧١م) المعروف بعرقلة الدمشقي:
المبحث الرابع: أشكال المراوح
عرف العرب ثلاثة أشكال للمراوح: المطوية والثابتة، ولكلٍّ منهما شكل دائري أو نصف دائري. وقد دلنا على هذه الأشكال الأشعار التي قيلت فيها، والصور التي تم رسمها في المخطوطات.
(١) المروحة المطوية
عرف العرب في الأندلس المروحة المطوية؛ إذ نجد وصفها قد ظهر في شعر يحيى بن هذيل (توفي ٣٨٩ﻫ/٩٩٩م) بقوله:
وقال أيضًا:
(٢) المروحة نصف الدائرية
وكانت المراوح ذات الشكل النصف دائري معروفةً في الأندلس، فقد ذكر أبو العباس المقري (توفي ١٠٤١ﻫ/١٦٣١م) أن لسان الدين بن الخطيب (توفي ٧٧٦ﻫ/١٣٧٤م) قال في مروحة سلطانية:
(٣) المروحة الدائرية
وهي مراوح كانت تُصنع من الجلود ثم تزين وتزركش وتلون، وهي قابلة للطي أو ثابتة. قال فيها الشاعر القرطبي ابن خروف أبو الحسن علي بن محمد بن يوسف (توفي ٦٠٤ﻫ/١٢٠٧م):
(٤) المروحة المستطيلة
وهي مروحة تشبه الراية أو العَلم، كانت تُصنع من الجلد الرقيق، وقد كانت تزخرف ببعض الرسومات لتزيينها.
ولعلها المقصودة في قول الشاعر:
المبحث الخامس: المواد التي تُصنع منها المراوح
وقد ثبت لنا معرفتهم بثلاثة أنواع من المراوح حسب المادة المصنوعة منها، وهي: مراوح الخيش ومراوح الأديم ومراوح الخوص.
(١) مروحة الخيش (مروحة سقفية لتبريد غرفة)
وقد قال الأمير الهمام شهاب الدين أبو الفوارس، سعد بن محمد بن الصيفي التميمي (توفي ٥٧٣ﻫ/١١٧٧م)، من ولد أكثم بن الصيفي الملقب «حيص بيص» في صفة مروحة الخيش لغزًا:
وقد أنشد بهاء الدين كافي الدولة ابن حمدون الكاتب (توفي ٥٦٢ﻫ/١١٦٧م) صاحب «التذكرة» في مروحة الخيش ملغزًا:
«صاحب ديوان الخراج يسرق توقيع الخليفة من يد الرسول، استسلف موسى بن عبد الملك من بيت مال الخاصة، مالًا، إلى أجل قريب، وضمن للمتوكل أن يرده في الأجل.
فجاء الأجل ولم يحمل المال، فغضب المتوكل من مدافعته، وقال لعبيد الله بن يحيى بن خاقان، وقع إليه عني بردِّ المال اليوم، وضيِّق عليه في المطالبة، وأنفذ التوقيع مع عتاب بن عتاب، ومُرْه أن يطالبه، فإن أخَّر أداء المال، طالبه، واضربه بالمقارع في ديوان الخراج بحضرة الناس، وألا يرفع عنه المقارع حتى يصحح المال.
فبادر بعض الخدم إلى موسى فأخبره بذلك، فجلس ينظر في وجوه يردُّ منها المال.
وصار إليه عتاب بالتوقيع مختومًا، وكان يومًا شديد الحر، وقد انتصف النهار، وموسى في خيش، في حجرة من ديوانه، وفيه مروحة، يتناولها فراشان يروحانه، فدخل عتاب، وفي يد موسى كتاب طويل يقرؤه، فجلس، وأكبَّ موسى على الكتاب يتشاغل به عن خطاب عتاب، وأصاب عتاب بردُ المروحة والخيش، فنام واستثقل.
وكان عتاب قد أخرج التوقيع حين جلس، فوضعه على دواة موسى، فغمز موسى بعض غلمانه فأخذ الكتاب فغيَّبه.
وما زال عتاب ينام مرة وينتبه أخرى، وموسى يعمل، إلى أن انقضت الهاجرة، وقد توجه لموسى بعض المال، وأنفذ أصحابه لقبضه.
فقال له عتاب: انظر فيما جئنا له.
قال: قل أصلحك الله، فيمَ جئت؟ قال: فيما تضمن التوقيع.
قال: وأي توقيع؟ قال: الذي أوصلته إليك من أمير المؤمنين.
قال: متى؟ قال: الساعة وضعته على الدواة.
فقال له: قد نمت نومات، وأظن أنك رأيت في نومك شيئًا.
فطلب عتاب التوقيع فلم يجده، فقال: سُرق والله التوقيع، يا أصحاب الأخبار اكتبوا.
فقال موسى: يا أصحاب الأخبار اكتبوا، كذب فيما ادعاه، ما أوصل إليَّ توقيعًا، وأنتم حاضرون، فهل رأيتموه أوصل إليَّ توقيعًا؟ قم فانظر لعلك يا أبا محمد ضيَّعت التوقيع في طريقك.
فانصرف عتاب إلى عبيد الله فأخبره بذلك.
فدخل عبيد الله إلى المتوكل فحدَّثه، فضحك وقال: أحضروا موسى الساعة. فحضر.
فقال له المتوكل: يا موسى، سرقت التوقيع من عتاب؟ قال: إي والله يا سيدي خمَّنت أن فيه مكروهًا، ونام عتاب من قبل أن يوصله إليَّ، فأمرت من سرقه، وقد أعددت نصف المال، والساعة أحمله إلى صاحب بيت مال الخاصة، وأحمل الباقي بعد خمسة أيام، وأتبع ذلك بتضرع.
وقد قال أبو الفتح محمود بن الحسين الرملي، المعروف بكشاجم (توفي ٣٦٠ﻫ/ ٩٧٠م) في مروحة الخيش:
وقال علي ابن صاحب تكريت ملغزًا في الخيش:
وقد جاء ذكر مروحة الخيش في المقامات التي ألفها محمد الحريري البصري (توفي ٥١٦ﻫ/١١١٢م) وتحديدًا «المقامة النجرانية» حيث قال: اسمعوا وُقيتم الطيش ومليتم العيش. وأنشد ملغزًا في مروحة الخيش:
ومن مُلح ألغاز الصاحب بن عبَّاد (توفي ٣٨٥ﻫ/٩٩٥م) في مروحة الخيش قوله لأبي العباس الحارث في يوم قيظ: ما يقول الشيخ في قبله؟ فلم يفهم عنه؛ أراد في قلب الشيخ وهو الخيش. وقال السري الرفَّاء:
(٢) مروحة الأديم (مروحة يدوية)
الأديم هو الجلد الذي يغلف جسم الإنسان أو الحيوان، ولا نعتقد أبدًا أنه كانت تُصنع مراوح من جلود البشر، وإنما من جلود الحيوانات؛ البقر أو الجمال أو الخراف.
ومروحة الأديم تعرف أيضًا باسم المروحة الهندية، وهي على نوعين؛ إحداهما مستديرة إلا موضع النصاب فقط، والأخرى مستديرة، ثم يقطع ربع دائرتها التي تلي الوجه.
قال الشريف:
وقال الشيخ شرف الدين التيفاشي (توفي ٦٥١ﻫ/١٢٥٣م):
وله أيضًا:
(٣) مروحة الخوص (مروحة يدوية)
قال السَّري الرفَّاء الموصلي (توفي ٣٦٢ﻫ/٩٧٢م) في مراوح الخوص:
وقال نور الدين علي ابن صاحب تكريت ولله درُّه:
قلت: وعلى ذكر الخوص فما أحسن ما قاله الشيخ برهان الدين القيراطي في وصف النوق:
المبحث السادس: الكتابة والرسم على المراوح
حتى تكون الكتابة واضحة ومقروءة كانت تتم على الجزء العلوي من المروحة وليس المقبض؛ لأن المقبض عرضة للاحتكاك براحة اليد، وبالتالي ستنمحي الكتابة مع كثرة الاستعمال، كما أن المساحة المتاحة على المقبض ضيقة، كما أن الجزء العلوي من المروحة كان يحظى بالزخارف والرسومات الهندسية أو النباتية لإضفاء مسحة جمالية عليها ولا تكون جامدةً جافة.
فقد أهدى سالم بن قاسم من بني مهنا الحسنيين (توفي ٦١٢ﻫ/١٢١٥م) لصلاح الدين الأيوبي (توفي ٥٨٩ﻫ/١١٩٣م) مروحة بيضاء، وفيها مكتوب بالأحمر بيتان وهما:
ويروي لنا ابن عبد ربه (توفي ٣٢٨ﻫ/٩٤٠م) في عقده الفريد في أخبار ابن أبي عتيق أن عبد الملك بن مروان (توفي ٨٦ﻫ/٧٠٥م) كان في مجلسه جاريتان تحملان مراوح، من النوع الواسع العريض الذي يمكن الكتابة عليه. أبو القاسم جعفر بن محمد قال: لما وصف عبد الله بن جعفر لعبد الملك بن مروان ابن أبي عتيق وحدَّثه عن إقلاله وكثرة عياله، أمره عبد الملك بن مروان أن يبعث به إليه. فأعلمه ابن جعفر بما دار بينه وبين عبد الملك وبعثه إليه، فدخل ابن أبي عتيق على عبد الملك فوجده جالسًا بين جاريتين قائمتين عليه يميسان كغُصنَي بان، بيدِ كل جارية مروحة تروح بها عليه، مكتوب بالذهب على المروحة الأولى:
وفي المروحة الأخرى:
ويذكر ابن عبد ربه أيضًا قصة أخرى: قال إسحاق بن إبراهيم: دخلت على الأمين محمد بن زبيدة وعلى رأسه وصائف في قراطق مفروجة، بيد وصيفة منهن مروحة مكتوب عليها:
وذكر المؤرخ المخضرم محمد بن إسحاق (توفي ١٥١ﻫ/٧٦٨م) قال: حدَّثني محمد بن عبد الله قال: رأيت على مروحة مكتوبًا:
ويذكر لنا أبو الطيب الوشاء (توفي ٣٢٥ﻫ/٩٣٦م) ما كان يكتب على المراوح أيضًا:
وأخبرني أبو جعفر القارئ قال: أخبرني من قرأ على مروحة بيتين للقطامي:
قال: فحضرني بيتان، فكتبت على الجانب الآخر:
وقرأت على مروحة لبعض الظرفاء:
وكتب بعض الأدباء على مروحة:
وأنشد أبو جعفر عبد الله بن عميد الدين أبي شجاع المظفر بن هبة الله بن المظفر ابن رئيس الرؤساء، ابن عم الوزير عضد الدين، ما يكتب على مروحة:
ومما يكتب على مروحة لشرف الدين التيفاشي:
ومما كتب على مروحة ملك:
المبحث السابع: الأوروبيون
لا نستبعد أبدًا انتقال المراوح اليدوية من عرب المشرق أو المغرب في الأندلس إلى الأوروبيين، والتي سيصبح لها شأن كبير في الثقافة الأوروبية.
Flory, M. A., A Book about Fan: The History of Fans and Fan-Painting , Macmillan and Co.; First Edition Edition, 1895. p. 17.
Rhead, G. Wooliscroft, History of Fan, London, KEGAN PAUL, TRENCH, TRUBNER & CO. Ltd. 1910.
-
ابن حجة الحموي، تقي الدين أبو بكر بن علي، ثمرات الأوراق، ج١، ص٤٥–٤٦.
-
بهاء الدين العاملي، محمد بن حسين، الكشكول، ج١، ص٦٤–٦٥.