زحزحِ الصخر
كنت أشعر بزهو حين يرن التلفون، فأسمع صوتًا يداعبني، بل يستعطفني سائلًا مقالًا — أي مقال؟
كنت أرتجف خوفًا حين أسمع أزيز الطائرة؛ فأذكر شهور الغارات الجوية في المهجر.
كنت لا أستطيع الكتابة إلا في الصباح بعد أن تمتلئ عروقي بالقهوة، وينتشي سمعي بالموسيقى.
كنت أهلع حين أسمع انتقادًا أو إشاعة مؤذية.
كنت أسكر بالمديح.
كنت ألتذ بتصدر مجلس، ورئاسة جمعية، وإدارة مكتب، وبإصدار أمر، وبالاستمتاع بمظاهر الطاعة.
واليوم يرفض رفة أجنحتنا مَنْ كان بالأمس، يتحرق لنشر جناحي، فأزهو.
وفي وسعي أن أركب الطائرة التي كنت أخافها؛ فأدور حول الدنيا ولا آبه.
وينطلق قلمي على الورق في الليل والنهار من غير قهوة ولا موسيقى.
ولا يهمني الهزء ولا النقد، ولا التجريح، ويطيب لي أن أصغي وأأتمر؛ فأشعر بالقوة وبالجرأة في الروح وفي الجسد.
نشوة لا يتحسسها، ويهزأ بها القابع في كهف الرخاء، والحذر والحيرة، مَنْ يقنع نفسه بأن ليس خارج الكهف لا شمس، ولا هواء نقي، ولا رفقاء.
زحزحِ الصخر عن باب كهفك أيها الخائف الحائر، واطفر إلى الشمس؛ فتكتشف أنك كنت تعيش وحدك في العتمة، وأصبحت تحيا مع أبناء النور — أبناء الحياة.