نقاط السطور
أود أن أذيع عليك سِرًّا قد أحاكم نفسي من أجله: رأت «النهار – كل شيء – الأحد – صدى لبنان – الأجيال – البيدر» وكبرى جرائد سوريا، أن لا تنشر أي إطراء يوجه إليَّ.
هذا الخبر الصغير يحمل في طيه سر العقيدة القومية الاجتماعية ومعدن قوتها — وهو أنها إيمان يحياه معتنقوه إذ يعلنونه، فما دام بعض مبادئنا أن يذوب الفرد في المجتمع؛ فمن الضروري إذن أن لا تنصرف جرائدنا إلى تمجيد أحد من كتابها، هكذا يمارس أبناء العقيدة ما به يبشرون.
هل استمعت إلى بائع يذرع لك القماش، فيما هو يقسم، ويكذب، وينافق، ويغلظ الأيمان، وخلفه رقعة كتب عليها «شعارنا الصدق»؟ هذا شأن باعة المبادئ وتجار الوطنية. إن قوة القومية الاجتماعية، وما يميزها عن سواها هي أنها بضاعة أصيلة، وإني أصارحك فورًا بأن الذي استهواني هو ما قدرت هذه العقيدة على تنفيذه في نفوس أبنائها، فلو أن الحياة كانت جدلًا، وكلامًا وخطبًا، ونظريات، وتصاميم؛ لحار العاقل في أي طريق يمشي. أكثر من تلقاه يفيض مواعظ ومبادئ، في الكثير من مناهج الأحزاب ما يستفز التصفيق. الكريم واللئيم كلاهما يجهران بحبهما للحق، مزية الكريم أنه يضمر ويحيا ما الذي به يجهر.
وإني في هذه الرسائل متوجه إلى غير القوميين الاجتماعيين، أنا أحاول أن أجيب على السؤال البسيط، الذي يفوه به المواطن الصادق الحائر الذي أهمل دراسة هذه العقيدة، أو الذي فاته أن يلاحظ حيويتها في أبنائها، أو الذي اختلطت عليه صحتها من الأنباء الكاذبة، والإشاعات وغوغاء الأحاديث من عنف وثورة وعصيان، ومن محاولة أعدائها تجريح صيتها وتهديم قلاعها.
لقد كنت مثلك يا مواطني، أجهل ما هي القومية الاجتماعية، فلما باحثت القليلين من أبنائها؛ اكتشفت أنها هي إيماني ومبادئي، وستكتشف أنت أيها المواطن، أن هذه العقيدة هي إيمانك ومبادؤك، غير أن إرادتك اليوم مشلولة، وكذلك جهودك مشتتة. الإيمان يشدها وينظمها وينضدها. في كفك الحبات، وفي وسعك أن تجعل من هذه الحبات نفسها قلادة — حين تنضم إلى النادي. وإن أنت لم تفعل، فستبقى مساعيك مشوشة، وعلى الأكثر ضائعة، ولن تقوى على إقناع نفسك بأنك أديت واجبك نحو مجتمعك، بل تظل أعمالك المشكورة دفعات على الحساب صغيرة، وتبقى أنت غير مسدد الحساب الكبير.
لقد مرت بي أيام — بعضها سنوات — كنت أعجز فيها عن شراء ثوب لجسدي، أو كرسي لبيتي، ولكنه لم يمر بي يوم عجزت فيه عن شراء صحيفة أو مجلة أو كتاب. منذ ٣٢ سنة أقرأ الكلمة المطبوعة في أمهات الصحف والمجلات وفي كتاب، أو كتابين كل شهر؛ ولقد خلصت إلى الاعتقاد أن أشد أنواع الغباوات، هي غباوة الثقافة، فإن كنت يا مواطني، تريد أن تتفهم عقيدتنا عن طريق عينيك وأذنيك، وعقلك ما اختزن به من منطق، ومعلومات، وقوة ملاحظة مرهفة، منعتقة من الخضوع لإقطاعية التفكير؛ فأنت وأنا رفيقان منذ هذه اللحظة. وأما إن آثرت أن تأتي بالشواهد من بهروز بهرام المولود في بومباي، أو المؤرخ قرقحفوش المستكي المتوفى في القرن التاسع؛ فيؤسفني أن نفترق الآن وهنا، فإننا نحن رفقاء العقيدة، نحيا هذا اليوم، ونستعد للحياة في الغد، ولا نفهم من الماضي إلا ما نستطيع أن نشده قوة إلى حاضرنا ومستقبلنا.
تعال إذن، واذكر أننا في سنة ١٠٠٠ و٩٠٠ و٢ و٥٠، وأنك تريد أن تتجند لخدمة أمة؛ لذلك تعوزك الشجاعة، وأول خطواتك الجريئة هي أن تحاول تفهمنا وتفهم تعاليمنا بتجرد تام.
وإننا لنصارح الذين يهُمون بهذه القفزة إلينا، أننا لا نفتح الباب لزبائن سينما، يدخلون القاعة ليجلسوا فيها على الكراسي متفرجين، نحن جبهة صراع وتضحية، وأيام الجهاد أمامنا، لن نأمل من غدنا أن يكون أشد رفقًا بنا من أمسنا، كلما اعترضت سطورنا نقطة حمراء، نعلم أن عبارة انتهت، وعبارة بدأت.