مدرستان …!
الملاحظ في هذا المقال أنه كُتِبَ من غير أن يُعطي النائب العام سلاح الاتهام القانوني، وظهر على أثر وشاية تقدم بها أحدهم ضد رفقائنا، الذين ما زالوا في السجون.
***
السفَر مدرسة، الجندية مدرسة، الحياة مدرسة، ولقد سمعتني أقول إن القومية الاجتماعية مدرسة.
غير أنه ليس للحرف المطبوع، مهما شعَّ، أن يسطع بمثل روعة الوقائع؛ لذلك أريد أن أحدثك عن مدرستين وهما في سجن، ولكني أرجوك أن تذكر أننا لا نتحدث عن القوميين الاجتماعيين، ولا عن سجن القلعة، ولا عن بيروت — هذا أمر مهم يجب أن تذكره أنت، وأن تذكره — النيابة العامة — لو فرضنا أنه، مثلًا. فإنها رسالة تلقيتها من «الفلبين»، تحدثني عن حركة «الهو كبلاهب» في إحدى الجزر، التي تدعى «مامباهو»، وانتهى الأمر — مؤقتًا — بأن دخل السجن بأحكام مختلفة مؤبدة وغير مؤبدة فتيان آمنوا بعقيدة، غير أن مدرسة الحركة التي أنجبتهم غرست فيهم تقوية النفس والجسد والذهن؛ فانكبوا في ساعات النهار على الدرس والمطالعة، فصار أميهم متعلمًا، والذي يحسن القراءة منهم مطالعًا متفهمًا، فعلوا ذلك — كفتيان — نظام ودربة — ضمن القوانين، روحها وحروفها، التي تسود السجن.
وكان على الحاكمين، وقد صفوا الحساب معهم يوم عزلوهم عن الناس أن يوفروا لهم هذه الثقافة التي وفرها المساجين لنفوسهم.
وارتجفت الأرض مرة، وكثيرًا ما تهتز الأرض في الفلبين، ويؤكد علماء الجيولوجيا أنها معرضة للزلزال؛ فاغتنم السجانون هذه الفرصة، ووشوا بالمساجين أنهم جماعة شغب وقلاقل، وأنهم هم الذين يزلزلون الأرض.
والسجانون مثل سواهم من الناس هم خريجو مدرسة أيضًا، ولكن هذه المدرسة تبشر بهدف واحد هو الوصول إلى مراكز النفوذ، ولا بأس أن تسلك إليها أسباب الوشاية والرشوة والكذب على حساب النفوس البشرية؛ فاتخذت الإجراءات الزجرية بحق المساجين.
أنت يا سيدي القارئ، تجد في هذا السجن مدرستين: واحدة تنشر النور في ظلمة الحبس، وثانية تنشر الظلمة خارج الحبس، أناس ينامون على مضجع الخوف والأسلحة في أيديهم، ومضطهدون يضطجعون على فراش الطمأنينة والحراب مصوبة إليهم، في السجن مدرسة إيمان ومدرسة سلطان، وإذا كانت المدارس تُشكر أو ترذل بسبب تلامذتها أو خريجيها فلك أن تختار بين اثنتين، ولك أن تخبرني من هو السجين ومن هو السجان.
ولا تنسَ يا سيدي القارئ، أننا لا نتحدث عن القوميين الاجتماعيين، ولا عن سجن القلعة ولا عن بيروت، هذا أمر مهم يجب أن تذكره أنت، وأن تذكره النيابة العامة — لو فرضنا أنه مثلًا.