برسم الأجانب
كثيرًا ما تلتقي بأجنبي ما، فيسحب من تحت إبطه عبارات، تلفُّها حلاوة الفصاحة، مغلفة بأوراق ملونة من جمال المنطق؛ فيبادرك بقوله: «ماذا نستطيع أن نفعل من أجلكم؟ ليس من حقنا التدخل بشئونكم، معضلاتكم الداخلية هي آلام في رءوسكم لا رءوسنا، ثم إنه علينا أن نتعامل مع الحكومات والسلطات الشرعية فاسدة كانت أو صالحة.»
ليفهم الفرنجة أن المواطن، الذي يحترم نفسه، ويفهم استقلاله لا يهرع مستنجدًا بالغريب. نحن لا نطلب تدخل الأجنبي، بل نحتقر من يطلب تدخله، وإننا ليخجلنا أن نسمع أن المفوضيات الأجنبية تعنى بشئوننا الداخلية أو الخارجية، ولولا خنوع أرباب السلطة وتهرؤ ضمائرهم، وتلاشي قواهم الشعبية؛ لما أذنوا للأجنبي أن يبحث معهم الموقف الداخلي أو الخارجي. كذلك لا تمثل هذا الشعب فئة وسمها طابع العبودية، يشوقها أن تتمرغ على أعتاب الأغراب، مستجدية حمايته وأشوته وإحسانه.
نحن نقول للأجنبي: «ليس من حقك، ولن نرضى لأنفسنا أن تساهم أنت في حملة التطهير، التي ما فتئ شعبنا يتطلبها، ولكن من واجبك أن تطهر صفوفك، قبل أن تذم اللصوص من أبناء قومنا، فتش على اللصوص من أبناء قومك، وقبل أن تشمخ علينا، وتهزأ بمؤسساتنا وأنظمتنا، تطلع إلى مؤسساتك هنا كيف تنهب هذا الشعب، وكيف يحالف أشرارها أشرارنا؟ ثم دلني على بادرة صداقة واحدة قامت بها الدول الغربية نحو دولنا منذ جريمة فلسطين حتى هذا اليوم.
إن الغربيين الذين يهمهم جدًّا أن تستقر هذه البقعة من الدنيا، وتصبح شعوبها حليفتهم؛ يجب أن يفهموا أن التهويل علينا بأخطار الشيوعية لا يكفي لكسب رضانا، ولسنا نحن من الذين يعتقدون أن المعسكر الغربي غير مساهم في إفساد الحكومات في أقطارنا.
إن إنكلترا في سياستها الخارجية منذ الحرب الأخيرة لم تكن أشد نجاحًا منها يوم عكست تفكيرها التقليدي، وخرجت من الهند، ولم تكن بأشد فشلًا منها يوم استمرت بسياستها التقليدية في إيران، متبعة سياستها القديمة.
والغربيون بوجه عام لن ينفذوا إلى قلوب الشعب، ولن يظفروا بوده إلا حين يبدءون صفحة جديدة؛ فيعكسون موقفهم من كل شخص، وحكومة، وشعب، ومعضلة ويرمون بالمنظار الملون، الذي ما برحوا يضعونه على عيونهم هنا.
منذ أسبوعين مشى في شوارع طهران الشيوعيون والوطنيون متضافرين في مظاهرة دامية.
ليفهم الغربيون الذين يريدون مكافحة الشيوعيين أن جمهور هذا الشعب يهم أن يتخذ موقفًا هو: عليَّ وعلى أعدائك يا غريب!
وما داموا هم يتدخلون بشئوننا؛ فأقل واجباتهم نحو نفوسهم، وسلامة مصالحهم أن يوجهوا نفوذهم هذا، غير المشروع، في السبيل القويم المشروع.