الجندي قائد
كثيرًا ما تساءلت كم بطشت مفاهيمنا المغلوطة بحيويتنا المنتجة.
في هذا الشطر من الدنيا نتوهم الشراسة رجولة، والغطرسة فروسية.
إن مآسي كثيرة وجرائم كان من الممكن تلافيها، لو أننا رُبينا على التفهم الصحيح من أن الكبر في قولك «عفوًا» «لا تؤاخذني» «أنا أخطأت»، وأن من الفروسية أن تفسح الطريق لسواك لا أن تسدها عليه.
ولا يقتصر هذا الجهل على الأشخاص، بل يتعداه إلى الجماعات، في التفكير الواعي والباطن.
في هذا البلد فئات كثيرة متذمرة ناقمة، مستعدة أن تعتنق أية عقيدة تصلح لأن تكون أداة إنقاذ، ولكنها في تفكيرها الباطني أو الواعي لم تنعتق بعد من إقطاعية الأجيال المظلمة أو الطائفية المحرقة؛ فهي تأبى أن تسير في جيش عبأه رجل من الشعب اسمه «أنطون»، بل لكانت تتهافت على اعتناق هذه المبادئ نفسها، لو أن الذي بشَّر بها رجل وقور اسمه بندر بك سيسبان حفيد سيسبان باشا، الذي كان متصرفًا على نابلس في زمن الأتراك، والذي جد خاله كان ترجمانًا في قنصلية فرنسا سنة ١٧٩٤.
وفي هذا البلد ألف مخلص يهمه أن يسير في حركة وطنية شرط أن يكون رئيسها أحد أبناء عائلته، أو على الأقل أحد أبناء طائفته أو منطقته.
وتاريخ بلادنا في القرن العشرين يحفل بالأحزاب التي خلقها، ثم قتلها خالقها أو خالقوها.
خل عنك ما يقولون في نابوليون؛ فهو على رغم عبقريته العسكرية، يعرف علماء التاريخ أن سر قوته كمن في أنه كان يقود جيشًا مدربًا، في حين كانت دول أوروبا تحارب بجماعات مسلحة.
إن سر القوة في أبناء العقيدة القوة الاجتماعية هو أنهم جيش منظم، آمنوا برسالة رجل برز من الشعب؛ فما اشترط عليهم ولا اشترطوا عليه منطقة أو دينًا أو طبقة.
وإنهم، حين يسيرون اليوم على طريق الحياة، لا يهمهم أين مكانهم في هذه الجبهة، وما هي رتبهم؛ لذلك بلغوا ذروة القوة، فلفظوا جانبًا كل من أراد أن يندس في صفوفهم وحافزه الوحيد أن يتزعمهم.
وسيستمرون في النضال، وسيتكاثرون، وسينتصرون؛ لأن كل واحد منهم هو قائد وطنية.