الجاهل الثاني …!
يريدون نقاشًا علميًّا.
ويفهمون بالعلم عبارات ضخمة، وكلمات تعددت مقاطعها، واستشهادات تتبرج بأسماء فلاسفة وشعراء وقادة نهضة.
ولقد ترددت لفظة «العلم» حتى خدعت الناطقين بها.
إن كان هذا علمًا، فإني لأظهر في غد بأوراقي المدرسية، ألوح بها أني كنت من علماء هذا البلد.
الكيمياء علم، الحساب علم، ولكن من الثابت أن ليس في الاجتماع «علم».
ولعل أسطع مظاهر الجهل التبجح بالعلم.
للثقافة رسالة واحدة، وهي أن تزودك بمعلومات، وتثير في نفسك حب الاستطلاع؛ فتوسع آفاق تفكيرك، وترهف بصرك، وتضع بين يديك رصيد العبرة التي استللتها من تجاربك؛ كل هذا تمهيد لقرار تمليه عليك يقظة النفس وسلطة العقل وهزة الضمير.
أما علماء هذه الأيام، فينعتون بالعلم سطورًا تتدحرج من الكتب، لا فكرًا يعي ويثور، يتشوفون بنظارات تطمس الأبصار، ولا تعكس إلا الكتب التي تقع اتفاقًا تحت هذا المنظار.
إن كان العلم نقلًا وسرقة واستشهادًا، وبسط معلومات، لا تفكيرًا ودرسًا وملاحظة وتفاعلًا ذهنيًّا يتجسد إنتاجًا؛ فتاريخنا المعاصر قد نكبنا بغبيين اثنين طواهما الردى، يجهلان العلم: أحدهما جبران خليل جبران.