عجين البغضاء
إن من يقرأ آداب اللغة العربية بعينيه الاثنتين، لا بالعيون التقليدية، والذي درس حركاتنا الوطنية بوعي ما تعود أن ينصاع لموض الكلام، يخلص إلى استنتاج هو أن شعوب هذه البقعة من الدنيا أمست تعتاض بالبغضاء — وهي غريزة بهيمية سلبية — عن الوطنية، وهذه شعور، وتفكير، وإنتاج إيجابي. لقد ساهمنا في طرد الأتراك لكرهنا للأتراك، واشتركنا بالحصول على الاستقلال لحقدنا بالأكثر على الفرنسيين، وأردنا أن ننتصر على اليهود ببغضهم وشتمهم وتحقيرهم.
وأنت إن وقفت يا صديقي، واستعرضت أشخاصًا تعرفهم وتذكرهم، تتحقق أنهم برَّءوا نفوسهم أمام ضمائرهم وأمام قومهم بأنهم وطنيون غيورون بسبب بغضهم للصهاينة، ومنهم من اتجروا وتزعموا وباعوا وشروا، أو من اقتصر إنتاجهم على سلبية البغض.
لعل هذا ما يفسر الإفلاس الذي نزل بعد الاستقلال بمن تسموا قادة حكومات وشعوب؛ إذ وضح عند الفوز بالسيادة الخارجية والداخلية أن كل وطنية عجينها البغضاء هي وطنية مزيفة. من فضائل العقيدة القومية الاجتماعية أنها لم تنشأ نكاية بأحد من الناس، ولا لمناوأة فئة أو طائفة؛ لذلك قدرت هي — وهي وحدها فقط، من سائر كل العقائد والمنظمات، أن تصهر في كيانها أشخاصًا من كل الطبقات والطوائف والمناطق، وليست هي في ذلك مثل غيرها من العقائد والأحزاب — التي اقتصرت على عشيرة، أو طائفة أو منطقة من الوطن، واستعملت أسماء أشخاص قلائل غرباء عن تلك العشيرة أو الطائفة أو المنطقة، للزينة ولرد التهم.
إن القومية الاجتماعية تعلم وتمارس أننا كلنا للوطن، وأن الوطن لنا كلنا، وهي استطاعت — هي وحدها استطاعت — أن تغرس في المواطن العادي زهو العزة الوطنية، فلم يعد غريبًا عن بلاده، شأن زلم الإقطاعيين، أو عبيد الأجانب، أو السواح المقيمين في هذا الوطن، وليس لهم من إيمان إلا ورقة هوية يحملونها وحملها من قبلهم أجدادهم، ولا شأن من يعتبرون الوطنية بغضًا ونقمة وشتيمة.
سيسجل التاريخ الحديث أن أيديولوجية الوطنية، كما تفهمها الثقافة الحديثة وضعت أسسها في بلادنا قوميتنا الاجتماعية.