العيش والحياة
لم يكن مجاملًا، صديقي المحامي، حين جلس يشاطرني القهوة في الصباح، ويتكلم بحمية عن نهضتنا. من الكلام ما يفيض ألفاظًا تسري عبر الأذن، ومن الكلام ما ينطلق؛ فيلفح السمع بلذعة الصدق، وقد تحققت أن جليسي كان مؤمنًا بالعقيدة القومية الاجتماعية، حين قال: «أنتم الوحيدون الذين يستحقون الاحترام، ومبادئكم كما كتبت وشرحت، وكما نفذت هي وحدها، لا سواها، كفيلة بالإنقاذ.»
ودهشت إذ ذكرت أن زائري نشأ في بيئة معادية لهذه الحركة، ولم يكن في سيرته، ولا في حاضره، ما يدل على أنه من المقاتلين، ولا من أبناء الصراع — غير أن نخوته واقتناعه وحماسته واحترامي الشخصي له أهابت بي، فسألت: «إذن فأنت في طريقك إلينا؟» أجاب: معاذ الله! أنا محام، يكاد قصر العدل أن يمسي بيتي، هل تريدني أن أخسر كل دعاويَّ؟
الفرق بين صديقي المحامي وبين أبناء الحياة، أن هؤلاء لا يهمهم خسارة دعاويهم الخاصة ما داموا يشتغلون في ربح الدعوى الكبرى.
هو يقنص العيش في قصر العدل وهم يبنون الحياة من عرزال يطل على الدنيا، ويقزم قصورها.